الفَرْدُ .. وَ الدَوْلَةُ

عَظَّمَ النِظَامُ اللِيبَرَالِيُّ الرَأسْمَالِيُّ مِنْ قِيمَةِ الفَرْدِ وَمَكَانَتِهِ علَى حِسَابِ قِيمَةِ المُجْتَمَعِ وَمَكَانَتِهِ ..فَقَامَت فِي ثَقَافَتِهم مَسْألَةُ تَعْظِّيمِ حُقُوقِ الإنْسَانِ ..وَعَظَّمَ النِظَامُ الشُيوعِيُّ الاشْتِرَاكِيُّ مِنْ قِيمَةِ المُجْتَمَعِ علَى حِسَابِ قِيمَةِ الفَرْدِ .. فتنامت في ثقافتهم مسألة تَعَّظيمِ حُقوقِ الدَّوْلةِ .. أمَّا الإسْلامُ فَقَدْ أقَامَ تَوَازُنًا وتَكَامُلاً بَيْنَ قِيمَةِ الفَرْدِ وقِيمَةِ المُجْتَمَعِ .. فَأسَسَ بِذَلِكَ ثَقَافَةَ تَعْظِّيِمِ حُقُوقِ الدَّوْلَةِ وحُقُوقِ الإنْسِانِ وَواجِبَاتِهِ عَلَى السَواءِ .. وَخَصَّ الإسْلاَمُ الدَّوْلَةَ بِدَرَجَاتٍ مِنَ التَّعْظِيمِ والإجْلَالِ .. لِمَ ..؟ لِأنَّ الدَّوْلَةَ هِي السَكَنُ والمَلَاذُ ,وهِي الهُويَّةُ والهَيّْبَةَ والسْيَادَةُ, وَالإنْسَانُ مِنْهَا وإليهَا .. ولَقَدْ عَظَّمَ اللهُ تَعَالى قِيمَةَ الوَطَنِ وَمَكَنَاتَهُ في نُفُوسِ النَّاسِ, فَجَعَلَ قِيمَةَ الخُرُوجِ مِنْهُ وهُجْرَانِهِ تَعْدِلُ قِيمَةَ قَتْلِ النَفْسِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ : " وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوْا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوْا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوْهُ إِلاَّ قَلِيْلٌ مِنْهُمْ ". وَعظَّمَّ جلَّ شَأنَهُ مِنْ قِيمَةِ وجُودِ الدَّوْلَةِ ودَوَامِهَا فَقَالَ تَعَالى : " وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ " أي يُقِيمُونَ الدَّوْلَةَ.. فَبِها يَقومُ العَدْلُ وَالأمَانُ ..وذَاتَ مَرَّةٍ سُئْلَ الحَكِيمُ الصْيِنيُّ المَشْهُورُ كُونْفُوشِيُوس : إنَّكَ تُصِّرُ علَى أنَّ مُقَوْمَاتِ الدَّوْلَةِ ثَلاثَةٌ : النْظَامُ ,وَالغِذَاءُ ,وَالجَيْشُ.. فَإنْ خُيِّرتَ عَنْ أيٍّ مِنْهَا تَتَخَلَّى ..؟ فَقَالَ : أتَخَلَّى عَنْ الجَيْشِ والغِذَاءِ لِيَبَقَى النِظَامُ .. فَمَا قِيمَةُ الجَيْشِ والغِذَاءِ إذَا غَابَ النِظَامُ وسَقَطَت هَيْبَتُهُ..؟ أجَلْ : فَقِيمَةُ الدَّوْلَةِ وهَيْبَةُ النِظَامِ أجْلُّ وأقّْدَسُ مِمَّا سِواهُما.. وبَعْدُ: فَأيَنَ لَكَ أنْ تَجِدَ حُقُوقَ الإنْسَانِ, إذَا انْتُهِكَت حُقُوقُ الدَّوْلَةِ , واعْتُدِيَّ علَى هَيْبَتِها وافْتُقِدَت سِيَادَتُهَا ..؟ وهَلْ يَبْقَى لِأحَدٍ مِنْ حُقُوقٍ وحَصَانَةٍ..؟ يَوْمَ أنْ يُعْتَدى علَى حُقُوقِ الدَّوْلَةِ ويَوْمَ تُنْتَهَكُ هِيْبَتُهَا ..؟؟؟ أجل: فَوجُودُ الدَّوْلَةِ وأمْنُهَا وَعِزْتُهَا مَصْدَرٌ أسَاسٌ لِوجُودِ مُواطِنِيِهَا وأمْنِهِم وَعِزَتِهِم .. فَمَنْ اسْتَهَانَ وَيَسْتَهِينُ بِحُقوقِ الدَّوْلَةِ وهيبتِها , فَهُو مُؤهَلٌ لِيَسْتَهِنَ بِنَفْسِهِ وكَرَامَتِهِ, بَلْ مُؤهَلٌ لِقُبُولِ كُلِّ أنْواعِ الخُنُوعِ والمَذَلَةِ والهَوانِ والهَلَاكِ والدَمَارِ..والعِيَاذُ بِاللهِ تَعَالى.

وسوم: العدد 889