سيّدنا الصّديق.. قوي ولا يتراجع

 

  1. المتتبّع لسيرة سيّدنا الصّديق رحمة الله عليه ورضوان الله عليه، يلاحظ أنّ سيّدنا الصّديق يمتاز بميزتين عظيمتين، وهما:
  2. الأولى: اتّخذ قرارات قوية تخدم الإسلام، والمسلمين، ومجتمعه، ودولته، وأمّته.
  3. والثّانية: لم يتراجع عن قرار قوي اتّخذه لصالح الإسلام، والمسلمين، ومجتمعه، ودولته، وأمّته.
  4. ومن الأمثلة على ذلك: اتّخذ سيّدنا الصّديق قراره بصحبة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في صغره وشبابه وكان ملازما له. وحين حاربت قريش والقبائل الأخرى، واليهود سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم يتراجع سيّدنا الصّديق عن صحبة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وظلّ الوفي لصحبته طيلة حياته.
  5. آمن سيّدنا الصّديق بسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولم يتراجع لحظة واحدة عن قراره الذي اتّخذه، وظلّ وفيا لصحبه سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وجعل ماله، وابنتيه، وابنه، وحياته، وحياتهم خدمة لقرار إيمانه بسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم الذي اتّخذه رغم التّهديد الذي تعرّض له من طرف كفار قريش.
  6. اتّخذ قرارا بطلب صحبة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في هجرته للمدينة، وبقي متشبّثا بقراره إلى أن نال صحبة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. ومن ثباته، وصدقه أنّه أعدّ العدّة، وواجه المخاطر، وعرّض زوجه وابنه وابنتيه وحياته للخطر، وأنفق ماله كلّه ولم يترك لأهله غير الله وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم مقابل أن ينال شرف الصحبة الذي لم يغيّر موقفه القوي بشأنها.
  7. حين استلم سيّدنا الصديق الخلافة اتّخذ قرارا بمنح قيادة الجيش لسيّدنا أسامة بن زيد. وعارضه في ذلك أسيادنا الصحابة رحمة الله عليهم ورضوان الله عليهم، وطلبوا منه أن يمتنع عن بعث الجيش لأسباب تتعلّق بالمخاطر الذي تحيط بالمدينة من المرتدين. ولم يتراجع سيّدنا الصديق عن قرار قويّ اتّخذه لصالح مجتمعه، ودولته، وأمّته، وأصرّ أن تبقي قيادة الجيش لسيّدنا أسامه امتثالا لقائده سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. مع العلم، يبلغ القائد سيّدنا أسامة 17 من عمره وفي جيشه الذي يقوده كبار القادة العسكريين، وكبار الفاتحين ورغم ذلك لم يتراجع الصّديق عن موقفه الذي اتّخذه بشأن إبقاء قيادة الجيش لسيّدنا أسامة. وأثبتت الأيّام أنّ سيّدنا الصّديق كان صائبا حين اتّخذ قرار قراره القوي بإرسال الجيش وبتثبيت سيّدنا أسامة قائدا عليه كما أمر بذلك سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم قبل الالتحاق بالرفيق الأعلى.

اتّخذ سيّدنا الصّديق قرارا قويا بشأن محاربة المرتدين الذين رفضوا أن يؤدوا الزكاة المفروضة عليهم، وقد عارضه في ذلك أسيادنا الصحابة رضوان الله عليهم جميعا باعتبار مانعي الزكاة يصلون ويصومون. فكيف بمحاربتهم؟ ولم يتراجع سيّدنا الصّديق عن قتال مانعي الزكاة، وأخبرهم أنّه لن يتهاون مع من منع الزكاة ولو صلى وصام، وحين يتعلّق الأمر بحقوق العباد فإنّي سأقاتلهم ولو تعلّق الأمر بعقال بعير كانوا يقدّمونه لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. ومن فضائل تمسّك سيّدنا الصّديق بقرار محاربة المرتدين وعدم التّراجع عن قراره القوي، هو: "إن انتصار الإسلام على الردّة، انتصار الإخلاص والعقيدة على العصبية والرعونة، فنقل الصدّيق رضي الله عنه العرب من جحيم مستعر أراده المرتدّون إلى فردوس مزدهر أراده محمد صلى الله عليه وسلم[1]".

  1. حين اتّهمت ابنته سيّدتنا أمّنا عائشة[2]رحمة الله عليها ورضوان الله عليها، اتّخذ قراره بأن وقف إلى جنب صاحبه وصهره وزوج ابنته سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ضدّ ابنته الطاهرة النقية العفيفة. وظلّ متشبّثا بقراره القوي ولم يتراجع عنه إلى أن جاءت براءة سيّدتنا أمّنا عائشة[3] من الله تعالى وبواسطة سيّدنا جبريل عليه السّلام، وهي ابنته المعزّزة المدلّلة لديه ولدى سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
  2. وصف سيّدنا علي بن أبي طالب[4]رحمة الله عليه ورضوان الله عليه سيّدنا الصّديق رحمة الله عليه ورضوان الله عليه من، فقال: "حين توفى سيّدنا الصّدّيق، أقبل سيّدنا علي بن أبي طالب باكيا مسترجعا، و وقف على البيت الذي فيه سيّدنا أبو بكر فقال: رحمك الله با أبا بكر... صدّقت رسول الله صلى الله عليه وسلّم حين كذّبه النّاس، وكنت عنده بمنزلة السّمع والبصر، سمّاك الله في تنزيله صدّيقا، فقال: "والذي جاء بالصدق وصدّق به أولئك هم المتّقون" الزمر33. واسيته حين بخلوا، وقمت معه على المكاره حين قعدوا، وصحبته في الشّدّة أكرم الصّحبة ثاني اثنين، صاحبه في الغار، وخليفته في دين الله أمّته أحسن الخلافة حين ارتدوا، فقمت بالأمر ما لم يقم به خليفة نبيّ، ونهضت حين وهن أصحابه، وبرزت حين استكانوا، وقويت حين ضعفوا، ولزمت منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا وهنوا. رحم الله أبا بكر، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وجمعنا به تحت ظلّ عرشه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم.. والحمد لله ربّ العالمين". يقول صاحب الأسطر: سيّدنا علي بن أبي طالب في هذا المقطع الذي اخترنا منه الجزء الذي يمدح عبره القرارات القويّة التي اتّخذها سيّدنا الصّديق ولم يتراجع عنها، لأنّ سيّدنا علي بن أبي صاحب قرارات قويّة ولايتراجع عنها، ويعرف قدر الرجال والكبار، رحمة الله عليهم ورضوان الله عليهم جميعا.

 

[1] للزيادة، راجع من فضلك: الأستاذ: عبد المالك واضح، "أبو بكر الصديق، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم"، كليك للنشر، الجزائر، الطبعة الأولى، 2009، من 96 صفحة.

[2] للزيادة راجع من فضلك: كتاب: "فكر السّيرة" للأستاذ: مهنّا الحبيل، دار المشرق، القاهرة، مصر، 2017، من 270 صفحة. ومقالنا: "عظمة سيّدنا الصّديق من خلال حادثة الإفك"، وبتاريخ: الأحد27 محرم 1440 هـ الموافق لـ 7 أكتوبر 2018.

[3]  لمعرفة مكانة سيّدتنا أمّنا عائشة لدى سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، راجع من فضلك: كتاب "عائشة الصديقة بنت الصديق"، لعباس محمود العقاد، الطبعة الأولى، دار الصحوة، القاهرة، مصر1437 هـ - 2016، من 98 صفحة. ومقالنا بعنوان: "العظيمة أمّنا عائشة.. بنت عظيم و زوج عظيم"، وبتاريخ: الخميس07 شعبان 1438، الموافق لـ 4 ماي2017 .

[4]  للزيادة راجع من فضلك: كتاب "الخلفاء الراشدون: سيرة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلّم أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه"، الأستاذ: خالد محمود خادم السروجي، الطبعة الأولى 1426-2005هـ، مكتبة ابن القيم، والدار الدمشقية، دمشق، سورية، من 112 صفحة، صفحات: 107-109

وسوم: العدد 912