المواثيق الإنسانية - والقوانين الدستورية

لا تنزل على المجتمعات بالبرشوت، ولا تستورد مثل اللحوم المعلبة .. بل تستنبت وتتطور في أرضها ..

وحين تكتب المواثيق، وتشرع الدساتير يجب أن يلحظ " المشرعون " طبيعة القاعدة الاجتماعية التي يشرعون لها، مستحضرين وموفرين الاحترام لكل مكوناتها وتلافيفها.

والمجتمع السوري بتركيبته القائمة ليس مجتمع أكثرية وأقليات، يحاول بعضها أن يبغي على بعض ، أو يجبر فيها أناس على تقديم تنازلات لآخرين. كما يعمل على تقديمه بعض المذهونين!!

المجتمع السوري حسب تصنيفه البيئي هو مجتمع بادية وعشيرة وريف وحاضرة ..

يعيش سواد كثير طيب من المجتمع السوري حياة العشيرة والبادية بكل قيمها وسموها وتألقها وجماعيتها وروحيتها. ويعيش سواد من المجتمع السوري حياة القرية ، ولحياة القرية أيضا قواعدها وعاداتها وقيمها الإيجابية الخيرة. ويتشارك كثير من السوريين قيم هذه الحياة ففي القرية السورية نجد المسلم والمسيحي والسرياني والكلداني ونجد السني والعلوي والدرزي ونجد العربي والكردي والتركماني ..وكل هؤلاء تشملهم منظومة من القيم الخيرة من أهمها التعاون والتكافل والعيش الجماعي والتضحية والشعور بالوحدة الجماعية. في باديتنا وفِي قريتنا نشرب ونسقي الشنينة أكثر مما نسقي الكولا متعددة الأسماء والأصباغ!!

وفِي المدينة السورية نجد سوادا آخر ، وتركيبة متعددة الوجوه. ومشكلات لا يمكن حصرها أو اختصارها أو اختزلها أو حشرها في بنطلون جينز ، أو دعوتها على وجبة ماكدونالدز ، أو بيتزا هات.

ونبدأ بالعشوائيات على هوامش المدن الكبرى، ونمر بالأحياء الشعبية وما فيها من تركيب اجتماعي شديد المحافظة، لننتهي إلى بعض الأحياء التي أصابت حظا من محافظة ومن انفتاح، ثم إلى هوامش أكثر ضيقا من الملتحقين أو المستلحقين.

في المجتمع السوري يستخدم السوريون في كل بيئاتهم كلمة " عيب " أكثر من استخدامهم كلمة " حرام "

والعيب هو المنكر المجتمعي. في سورية وقد لا يكون منكرا حتى في شريعة من يتوقاه ودينه.

ومن يكتب ميثاقا أو دستورا للسوريين عليه أن يكون واعيا مستشرفا، يضع في ذهنه البداية والنهاية . وأن يعلم من أين وإلى أين وكيف ؟! عمر النهضة الغربية والديمقراطية الغربية والليبرالية الغربية خمسة قرون . واستيراد القيم ليس بسهولة استيراد الكافيار.

لن يخرج الطفل من بطن أمه يحمل شهادة الدكتوراه في علوم الذرة أو أبحاث الفضا أو شهادة القانون من هارفارد.

 وعنوان " الحرية الفردية " الذي يسد أفق الرؤية على نساء ديمستورا ورجاله. وعلى الذين قدموا بالأمس مشروعهم لميثاق حقوقي للسوريين ، وأقاموه في كل جزئياته على هده القاعدة المعتمدة عند الإمبريالية والرأسمالية العالمية كقاعدة وأفق حضاريين !!

ولنتذكر أن بيوت كثير من السوريين وقراهم ليس فيها كهرباء، ولا هم يملكون تلفزيون، فكيف بميثاق أعرج كتبه قوم مقعدون بفضاء لإلحاقهم بتعميرة انتشاء بفضاء "نتيفلكس " الميمون!!!

ثم لنتساءل هل الحرية الفردية كقاعدة مطروحة للعيش الإنساني صالحة في نفسها ؟!!!

وما هي مخرجات تطبيقها حيث تطبق؟!!

وهل دول الغرب الأوربية تتعامل مع هذه القاعدة بنفس المستوى على مستوى التطبيق والتقنين؟!!

وكيف يريدنا كتاب وثائقنا أن نكون الأولين فيه على خطا الدول الاسكندنافية ولا يقبلون بما قبل به الفرنسيون والبريطانيون!!

لماذا يحرص هؤلاء الذين اختطفوا ثورة مليون شهيد وخمسة عشر مليون مهجر أن يعلبوها في عبوات لا تنتمي إليها ، وتنبو عنها أجسام أصحابها وعقولهم وقلوبهم؟!!

لسنا ضد الحرية الفردية بالمطلق. فالحرية الفردية في بعض آفاقها تطلق الطاقات، وتساعد على الإبداع، وتؤسس لمجتمع تنافسي حقيقي يتنافس كل أفراده على الإنجاز المنضبط في أفقيه الفردي والجماعي.

ولكن الذي نريد أن نذكر به أننا لسنا مجتمعا بدائيا يعيش حالة العري ما قبل الحضاري، نحن مجتمع يملك من مقومات البناء الحضاري ما يعينه على أن يعيد صياغة وجوده، وتحقيق ذاته.

وفِي كل مشروعاتنا لاستئناف دورنا الحضاري علينا أن نعي ثلاثة أمور : نعي ذاتنا الإنسانية الوجودية، ونعي خصوصيتنا الحضارية المتميزة، ونبني على قاعدة أن الحكمة ضالتنا أنى وجدناها كنّا الأحق بها. وعلى هذا الوعي ، وهذه القواعد يتأسس المجتمع على منظومة متينة متشابكة من القيم الفردية والجماعية. لحمة بسداة .

ثم نحن أصحاب حضارة " المعروف والمنكر " ولو علم الذين يتدافعون لكتابة الدساتير والمواثيق للثورة السورية البعد الدلالي الأول لكلمتي المعروف والمنكر لعلموا أنه بعد مجتمعي عام في إطار الفطرة السليمة والسنن القويمة. وهذه حقيقة أبعد شأوا من أن تعالج على هامش مقال.

ونحن حين نتحدث عن الإسلام بوصفه دينا نتحدث عن الإسلام بأركانه الخمسة وعن الإيمان بأركانه الستة.

وحين نتحدث عن الإسلام بوصفه مشروعا حضاريا نتحدث عن حضارة وعن تجربة حضارية تمتلك أصالتها التاريخية بكل مجاليها، ونتحدث عن مشروع حضاري استشرافي أفقه العام ما جاء به نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام

لا أعلم لماذا يستشعر الجالسون على كراسي القرار الثوري في سورية الفزع والجزع، وكأن عقربا يلدغهم، كلما ذكر الله والرسول والقرآن والإسلام ..؟!!!

جل الذين استشهدوا في ساحات هذه الثورة ، وجل الذين ما زالوا في ساحات هده الثورة ينادون : ما لنا غيرك يا الله.

فليكن لهؤلاء الأبرار والأحرار والثوار في نصوص المواثيق والقوانين بعض نصيب.

نقول فقط بعض نصيب

( وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ )

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 915