الحزين ... وفرحة العيد السعيد !

للعيد بهجته وأفراحه للكبار وللصغار ، وللرجال وللنساء  ، وله مكانته التاريخية منذ أن جاء نبيُّنا صلى الله عليه وسلم بهذا الدين العظيم ، فأبطل بهارج الجاهلية وزخرفها ، كما أبدل ما كان عند العرب في يثرب من مظاهر احتفال اليهود بعيدهم ، فكان للأمة عيدان لاثالث لهما ، ويأتي كل منهما في بيئة روحانية غامرة . ولكل منهما شعائر تعارف عليها المسلمون منذ القديم ، وهذه الشعائر تعبر أولا عن طاعة لأوامر الله سبحانه ، وتنفيذا لإرشادات النبي صلى الله عليه وسلم ، وتحمل تلك الشعائر معاني الإخاء والمودة بين الناس فتسود المجتمع الإسلامي روحانية عيد الفطر السعيد بعد الصوم ، وقدسية عيد الأضحى المبارك في فترة الحج . فللمسلم أن يفرح بهذين العيدين المباركين ، ويقوم بالشعائر التي أوجبها كل عيد استجابة لِما أمرنا به نبيُّنا صلى الله عليه وسلم . فعن أنس رضي الله عنه  قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم  المدينة ولأهلها يومان يلعبون فيهما، فقال: ( قد أبدلكم الله بهما خيرًا منهما؛ يوم الفطر ويوم الأضحى ) . وإنَّ خيرًا منهما ماجاء في كتاب الله وفي سنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم بشأنهما .

ففي عيد الفطر السعيد يخرج المسلم زكاة الفطر ، ويقدمها للمحتاجين ، ويبذل مايقدر عليه من مساعدات لإخوانه من الفقراء والأيتام وسائر المحتاجين . ويتوجه المسلمون إلى مصليات العيد وهم بأبهى صورة ليؤدوا صلاة العيد ويستمعوا إلى خطبتها ، ثم يتبادلون التهاني وهم في المساجد والمصليات في جو من الإخاء والمودة ، حيث صفاء النفوس وطهارة القلوب  ، وصدق الدعاء . وهنا تتجلى القيم الإسلامية العالية في مجتمعاتهم ، فزيارات الأرحام والجيران وعامة الأقارب والأصدقاء تؤكد قوة ترابط أبناء المجتمع ، وما بينهم من المودة والتسامح والتآخي ما لا تجده لدى غيرهم .وهاهنا تتجلى أسمى معاني القيم الاجتماعية ، حيث تتآلف القلوب ، ويتصافح مَن كانت بينهم بعض الخلافات وربما الهجر الذي نهى عنه الإسلام . وبذلك تغشى أطياب التسامح وجه المجتمع . ومن شعائر عيد الفطر السعيد التكبير ، و التكبير سُنة  في العيد ويستحب التكبير في المصليات والمساجد وفي البيوت والطرقات والأسواق ، كما فعله أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولقد جاء التوجيه الرباني في التكبير في القرآن العظيم ، يقول الله تعالى: ( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) .  وصيغة التكبير ( الله أكبر الله أكبر الله أكبر ـــ لا إله إلا الله ـــ والله أكبر ـــ الله أكبر ولله الحمد ) .

وهكذا تتسم أيام الأعياد لدى المسلمين  بالفرح والسرور ، وفيها ذكريات لطيفة وعزيزة على نفوسهم ، فعيد الفطر السعيد يأتي بعد صوم شهر رمضان المبارك ، فلا يجوز صومه ، وهذا الشهر أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان . وعيد الأضحى في العاشر من شهر ذي الحجة في أيام الحج المباركات ، وفيه من القيم السامية والمشاعر الفياضة بالإيمان والسمو بالتوحيد ، واجتماع الأمة رغم اختلاف أجناسها وألوانها على صعيد واحد ، في مشهد يباهي به الله سبحتنه ملائكته في السماء . وليس بمقدورنا أن نحصي الفوائد التي يسرها الله للصائمين  وللحجاج في هذه النبذة المقتضبة .

وزماننا هذا يجبرنا أن نأتي بجواب يريح نفس أهل الفرح بهذين العيدين وهو يعيش الحزن ، ويعاني من الكآبة ، ويتلفت يمينا وشمالا يبحث عن مخرج ممـا ألــمَّ به وبأمته من قوارع الزمن ، ورزايا الأيام ، كبف لي أن أمسح حزن مَن فقد الأب الغالي أو الابن أو أي عزيز على قلبه ؟ النسيان دواء ولكنه دواء مدته محدودة ، وتعود أسباب الحزن ربما أكثر مما كانت عليه ، وقد يقاوم الحزين آهاتِه ، ويمسح عبراته ، ويتكئُ على قوته الذاتية ، ولكن لاجدوى فالحزن له أسبابه ، فإن كانت الأسباب عاصفة ، فالحزين عندئذ يحتاج إلى سند قوي ، وملجأ عُلْوِي ، لينهض من جديد ، ويطوي صفحة الأحزان على أمل موعود ، وسيدركه بلا ريب . ولقد تكلم علماء الإسلام حول هذه القضية ، وأفاضوا في مساراتها ، وكتبوا مايشفي الصدور ، لأن حقوق العباد التي يضيعها عباد آخرون لايمكن أن تذهب سدى ، فأقدار الله جارية في حياة الناس الدنيوية ، والله سبحانه ــ وهو الحكم العدل ــ سيأخذ حق كل ذي حق ممَّن اعتدى عليه بأي طريقة كانت . وهذه عقيدة المسلم التي تخفف عنه ثقل مانزل به من مصائب على أيدي آخرين ، ( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ) . فحقك أيها المظلوم محفوظ عند الله فاطمئن . وهذا هو الإيمان الثابت في قلب كل مؤمن بالله . فإذا ما اقتنع المسلم المظلوم المصاب بهذه الحقيقة ، فَلْيُخفف عن نفسه وطأن الأحزان ، وله في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ، مات أولاده الذكور كلهم وهم صغار ، واستشهد عمُّة الحمزة أمام عينيه ، بل ومُثِّل به ، ولاقى من الأذى مالا تطيقه الجبال الراسيات ، ومضت الأيام وأصبحت كل الروايات والحكايات مكتوبة عند الله تبارك وتعالى ، وغدا الحساب وويل لمَن اعتدى وتبا لمَن ظلم ، ومن يعمل مثقال ذرة  من خير أو شر سيجده بين يديه يوم لاينفع مال ولا بنون ولا أي قوة كانت ظاهرة بالباطل في الحياة الدنيا .

إضاءة :

أيها الحزين كان الله معك ، وأعانك على ما اعتراك ، وخبأ لك جائزة صبرك يوم يُساق قوم إلى جنات الخلود , ويساق قوم آخرون إلى لظى نزَّاعة للشوى تدعو مَن أدبر وتولى . والذي لايقنع بذلك فهو من الخاسرين ولا أظنك منهم ، فأنت على نهج نبيك صلى الله عليه وسلم .

وسوم: العدد 979