يوم مولدي ونكبة شعبي

غدا الأحد الخامس من حزيران-يونيو- يصادف ذكرى ميلادي -كما هو مدوّن في شهادة ميلادي، حيث ولدت في 5 حزيران 1949. أي بعد نكبة شعبي الأولى بحوالي عام، فهل ميلادي جاء لعنة عليّ؟ أم أنّ هزيمة الخامس من حزيران 1967 هي اللعنة التي رافقتني منذ بلغت الثّامنة عشرة من عمري؟ وبتّ حائرا بين نكبة ونكسة حلّت بوطني وبشعبي وأمّتي، وستبقى لعنة تطارد كلّ عربيّ حتّى يوم الخلاص، لكنّها ستبقى على صفحات التّاريخ لعنة تطارد كلّ من خان واستكان وفرّط وهان.

ما علينا....فلم يكن لي خيار بقدومي إلى هذه الحياة الدّنيا، تماما مثلما لم يكن لي خيار في النّكبة الثّانية التي يزال وطني وشعبي وأمّتي يئنّون من ثقل موبقاتها، وغزارة دم الضّحايا الذي روى تراب وطن مشبع بالقداسة.

وبما أنّ الحياة رحلة قصيرة شاقّة ومتعبة في آن واحد، فقد خضت تجربة ثلاثة وسبعين عاما بمرّها وحلوها، وإن كان المرّ عنوانها بسبب احتلال أهلك البشر والشّجر والحجر، حتّى بات ينطبق علينا نحن من عضضنا على تراب الوطن بالنّواجذ مقولة ذلك الشّقيّ، الذي قاده قدره إلى بلد يحسب أهلها عمر الواحد منهم بعدد الأيّام التي عاشها سعيدا، فأوصى أن يُكتب على قبره" جبر من رحم أمّه إلى القبر".

ومع أنّ ثلاثة وسبعين عاما عمر طويل، كابدت وعانيت فيه الكثير، فارتسم غبار الحياة على وجهي وجسمي، إلّا أنّني مؤمن بأنّ "على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة،" وأنّني -كما بقيّة شعب الجبّارين-" نعشق الحياة ما استطعنا إليها سبيلا"، لهذا فرغم المعاناة التي رافقتني ولا تزال، فإنّني أتمسّك بمقولة من قال:" يبقى الإنسان شابّا ما دام يشعر بذلك، ويشيخ عندما يريد ذلك"، وأعيش بروح شبابيّة رغم أنّ لقب "شيخ" يرافقني منذ نعومة أظفاري، وهنا أستذكر شاعرا جاهليّا تغزّل بفتاة حسناء وهو مُسنّ أشيب الشّعر، فعابت عليه ذلك، فقال قصيدة مطلعها:

زعمتِني شيخا وما أنا بشيخ...إنّما الشّيخ من يدبّ دبيبا

ورغم نفسيّتي الشّبابيّة إلا أنّني "شيخ يدبّ دبيبا"، وأثبتت لي تجربتي الحياتيّة التي أهرب من مآسيها إلى صفحات الكتب، أنهل منها ما يغذّي عقلي، ويشبع غروري الدّنيويّ، أثبتت أنّ في داخل الإنسان طاقة لا يمكن حصرها، ومع إدراكي لمقولة أديبنا الكبير محمود شقير حول العمر:" ما ظلّ وقت"، إلّا أنّني أبذل ما أستطيع كي أنهي بعضا من مشروعي الثّقافيّ الذي يلحّ عليّ دائما قبل أن ينتهي "وقتي".

لذا فإنّني قرّرت " مكرها لا بطلا" أن أقلّص نشاطاتي الاجتماعيّة والثّقافيّة حسب متطلّبات مخطّطي الثّقافيّ، وأعتذر سلفا لمن يبنون عليّ آمالا وخيّبت ظنّهم بي.

وأتمنّى للجميع عمرا مديدا وحياة سعيدة.

وسوم: العدد 984