حكاية من كتب الأدب.. يا لاعقين عسل المحرر !! ونحن معاشر حملة الثورة ذاك الرجل ...

وروى ابن المقفع، وهو عاقل أديب أريب معلم للناس، وحار في تعليمهم وأكثر من ضرب الأمثال..

وبعضهم يقول كليلة ودمنة من وضعه، وإبداعه واختراعه، وبعضهم يقول من ترجمته عن حكماء الهند.. وإنها كانت طريقة لتعليم الملوك الذين بهم عجرفة وكبر: كيف يسوسون؟؟

ومن طريقته استمد الشاعر الفرنسي لافونتين، سواء القرن السابع عشر، حكاياه وأمثاله "الفابل" فظنها قوم لا يعلمون أنها طريقة لتعليم الأطفال!! نعم أطفال العقول من فاقدي الحكمة. وحين تقرأ حكاية الضفدع تريد أن تسامي الثور بحجمها، تجد أنموذجه في العشرات من البشر حولك. وحين تقرأ حكاية الدب يريد أن يحمي صاحبه البستاني النائم من إزعاج ذبابة، فيرميها وهي على رأس صاحبه، بأضخم حجر يصل إلى يده ؛ تعلم أن الحكاية ليست مما يحكى للأطفال فقط، وإنما يمكنك أن تحكيها لكثير من حولك من الكبار..!!

تلك معلومات تعثرت بها قبل أن أحكي الحكاية المؤلمة في تفسير مقالي الذي قيل لي إنه أضج مضاجع أقوام، لا أحمل في قلبي إلا الحب لهم، والإشفاق عليهم، وإرادة الخير والنُجح لمسعاهم..

وفي الحكاية…

أن رجلا كان يمشي في صحراء، فخرج عليه من أجمة "أسد" ويا ويلنا كلما ذكر في كتب التراث الأسد. وأوصانا رسول الله صلى عليه وسلم "وفر من المجذوم فرارك من الأسد" فجعل من أمر الفرار من الأسد الغشوم غاية المطلب..

وهذا الأسد الذي يوصف بأنه هصور غشوم يرديه بضربة سوط!! رجل رجل!! رجل ذو عزيمة مثل بدر بن عمار!!

الذي يقول فيه المتنبي:

أمعفر الليث الهزبر بســـــــوطه       لمن ادخرت الصارم المسلولا ؟؟

وما أريد فيما أكتب أن أعظم شأن الأسد. وأنا الذي أنادي على كل الأحرار السوريين منذ ٢٠١٢ ولعبتنا على رقعتنا ليست لعبة بيدق وفرس وفيل.. وإنما هي لعبة "كش شاه" وتنتهي رحلة الإشفاق والتأميل!! حرروا من دمشق ٥٠٠٠ متر مربع يغنيكم عن تحرير ١٨٤ ألف كم متر مربع، وتريحون وترتاحون… فأبوا إلا أن يردوهم الذين لا يعلمون.

وكانت لنا جيوش ضخمة حيث أعلم وتعلمون، وهذا ليس اتهاما لأحد وإنما "عرضحال"

وبينما الرجل يسير في الصحراء، خرج عليه من أجمة أسد، وعدا نحوه، فأطلق الرجل ساقيه للريح، يطلب النجاة!! فصادف أمامه فوّهة بئر، قد امتد فوقها غصن، فألقى نفسه على الغصن فتعلق به، ودلى رجليه داخل فوّهة البئر، والتقط أنفاسه، والأسد قد لحق به، وأحاط بموقعه، ولكنه لا يقدر عليه..

تقول الحكاية:

ونظر الرجل تحت قدميه؛ فإذا في عمق البير، تنين ضخم، ما أن أحس بصاحبنا حتى بدأ يشرئب لينال من صاحبنا، وينفث عليه منخريه نارا ودخانا فازداد شعور الرجل بالهلع والخوف والجزع، ثم رفع رأسه، فرأى على أصل غصن الشجرة الذي تعلق به، جرذ ضخم، يتسلى بقضم الغصن فينحته نحتا شيئا بعد شيء، فأخذ الخوف من الرجل كل مأخذ، وقد علم قرب انقصاف الغصن به، وصيرورته؛ إما نهشا لمخالب الأسد ووأنيابه، وإما لقمة سائغة في جوف التنين، وكان عليه أن يبحث عن منجاة، أو يختار ..

قال الراوي الحكيم الأديب: ثم التفت الرجل المعلق فوق التنين، والأسد يطوف حوله، التفاتة، أيها الأحباب جميعا، فوجد في جدار البئر، قريبا من أصابعه، قصعة عسل، فأقبل عليها فرحا يلعقها، ويقطع ما تبقى من وقته في تذوق حلاوتها، غافلا عما ينتظره في قعر البير، أو حوله، وعما يتهدده من قضم الجرذ لغصن معتصمه المؤقت، الذي إذا لم يسقط عنه بانكسار، فسيسقط عنه بوهن. وقديما تواصى العقلاء: "لا تصدق ما لا يكون أن يكون"

هذا مثلنا فيما نحن فيه أيها الأحباب، وللأقدمين في تفسير رموز الحكاية طريقة، ويجب أن تكون لنا طريقة…

وأحب أن أترك لكل واحد منا أن يفسر أصل الحكاية بما يريد..

وأولى من تضييع الفرصة بالانشغال بلعق حلاوة الاتكاء على الأرائك، والقول نحن نحسن الظن بالله، أن نتذكر: وكذبوا ولو أحسنوا الظن- بالله- لأحسنوا العمل..

ولأن يقول لي قومي أخفتنا، أحب إليّ من قولهم بالغد: دليتنا بغرور!!

وعلى كل حال وهذا قصعة عسل التركي قد فرغت، أو تكاد، ولم ينفعنا قول لسعادة سفير، ولا لمعالي وزير..

وأخصر وأجمل دعاء أهل الكهف إذ أووا إلى كهفهم: (رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا).

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 998