أحب أن أعلِمكم.. لا أعلّمكم فأنتم في مقامكم عند أكبرو

حديث: خاطبوا الناس على قدر عقولهم.

باطل ولا أصل له.

وينقضه: أن الله سبحانه وتعالى خاطب البشر المكلفين بخطاب واحد. وكلفهم في أساسيات التكليف تكليفا واحدا من حيث الاعتقاد ومن حيث العبادة، ومن حيث الالتزام بالشرائع الأساسية. والحكم ببطلان الحديث حكم أهل الصنعة، وليس قولي قولا بهوى.

وحديث:

خاطبوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله

ليس بحديث، وإنما هو أثر مأثور عن سيدنا علي، ومثله مأثور عن سيدنا ابن مسعود.

يقف الخطيب على المنبر، ويجلس تحته الفئام من الناس. ويصيب كل واحد منهم من فضل الله بقدر واديه.

وأما المقام فيسعفنا فيه حديث سيدنا أبي موسى، رضي الله عنه، كما في حديث سيدنا مسلم رحمه الله تعالى:

عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن مثل ما بعثني الله به عز وجل من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا ورعوا وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه بما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به"

فالناس فيما يسمعون أو يقرؤون على هذه الأوجه التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم: فريق يشرب ويسقي. وفريق يحفظ ويؤدي، وفريق لا هذا ولا ذاك، ويظل مترددا حائرا متربصا، كالذي يظل يردد: ها.. ها..

ويخرج على الناس ابن باعوراء عصرنا، وكم في عصرنا لباعوراء من ذرية، يتحدى أهل الإسلام، أن يأتوه بمبحث من مباحث الفقه، في سفر من أسفار الفقهاء، يقررون فيه فرضية الحجاب!!

وكم كنت أترقب أن يبادر رجل من أصحاب الاختصاص، فيرد على هذا الدعي قوله، ويحصن جماعة المسلمين والمسلمات، وفيهم من السماعين له والسماعات ، من فتنة يثيرها من قال الله سبحانه في مثله: (إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث..)

وما درى هذا المفتون أن السنن العملية في تاريخ تشريعنا، مقدمة على السنن، القولية..

وأن المسلمين والمسلمات على مدى خمسة عشر قرنا، كانوا يعيشون عمليا قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ)

وكتب التفسير التي هي مرجع من مراجع كتب الفقه، تفيض في تفسير هذه الآية، وتحديد شكل الحجاب، وما يجب فيه، وأحوال. المرأة المسلمة معه في خصوصيتها في بيتها، ومع محارمها، ثم في حياتها العامة مع الناس..

ومهما اختلف المسلمون حول الحجاب، فلم يختلفوا حول وجوبه الأصلي، وحول ما يجب على المرأة إن تستره، واختلفوا في أمور، يسيرة، ليس منها الوجه والكفين.. ومنها حدود ما أراد الله من الزينة…

شريعتنا واضحة. يقول لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: تركتكم على الواضحة، ليلها كنهارها. وما أجمله من تشبيه!! ليلها الذي يظنه البعض مظلما أو مشتبها هو مثل النهار في وضوحه عند العالِمين الذين رزقهم الله ملكة الاستنباط..

اللهم اجعلنا هادين مهدين غير ضالين ولا مضلين..

نعلم الناس العلم الذي تعلمنا. ولا نعلم الناس الجهل..الذي به ينعق الناعقون..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1126