أوهامُ الهجريّ، وسقوط ممر داوود

ما جرى في السويداء مؤخرًا لم يكن حراكًا مطلبيًا، بل محاولة انقلاب ناعمة، استثمرت فيها إسرائيل أدواتها لتمزيق النسيج السوريّ، وإحياء وهم "ممر داوود" الممتد من شمال العراق إلى جنوب سورية، تمهيدًا لواقعٍ تقسيمي يخدم أجندتها في قيام "إسرائيل الكبرى" من النيل إلى الفرات.

غير أنّ يقظة الحكومة السورية قد أفشلت هذا الانقلاب، كما أفشلت من قبل انقلاب الساحل، ولم يبقَ إلّا الورقة القَسَديّة، وهي في طريقها إلى السقوط، وسيسقط معها حلم تمزيق سورية.

إن إفشال تمرد "الهجريّ" بما يمثله من رمزية دينية لدى الطائفة في منطقة السويداء، وبما أعطي له من وعود إسرائيلية، وتمنيته بفتح معبر تجاريّ مع الأردن، وتنسيق لوجستي مع "قسد" في الشرق؛ ليمثّل مرحلة مهمة في بناء سورية الجديدة بعد: 8/ 12/ 2025م.

إنّ ذلك ما كان ليكون لولا يقظة الحكومة السورية، ومؤازرة أبناء سورية الغيارى، ولا سيما العشائر السنية، التي رفضت أن تكون جسورًا تعبر عليه مشاريع التقسيم.

وبالطبع لن يغيب عن الأذهان موقف الأردن على الرغم من الضغوط التي تعرضت لها، كي تكون عاملًا مساعدًا في إنجاح محاولة الهجريّ اليائسة، من خلال فتح معبر له معها؛ تمهيدًا للانفصال عن الجسد السوريّ.

وهذا على خلاف ما ظهر من "قسد" التي رحّبت بفكرة الربط مع السويداء، لكنها أغفلت تعقيدات المشهد.

وحتى أنّ التحالف الدولي ذاته قد أسقط الفكرة من التداول، بعدما نبّهت تركيا إلى أنّ أي ممر من هذا النوع سيكون ذريعة لاجتياح جديد قد يطيح بالكيان القسديّ.

فشكّل ذلك صفعة لم تكن في حسابات "قسد" الخاطئة، وغابت عن ذهن "الهجريّ" الذي بات على وشك الدخول في مرحلة صمت أبديّ.

لقد انتهى المشهد باتفاق واضح لا لبس فيه: دخول قوى الأمن السورية إلى كامل محافظة السويداء، مع إمكانية دمج من يرغب من شباب الطائفة في الأجهزة الأمنية على قاعدة المواطنة الكاملة.
لقد اضطر "الهجريّ" إلى القبول بالاتفاق مع دمشق، بعدما وجد نفسه معزولًا، وفاقدًا للغطاء الشعبيّ والعسكريّ والإقليميّ، وكان حريًّا به أن يتعظ من التاريخ بدلًا من السعي إلى لعب دورٍ أكبر منه.

لقد خانته الذاكرة، في أنّ سورية اليوم ليست سورية الأمس، وأنّ الدول تسعى إلى تحقيق مصالحها من الأنظمة والهياكل الرسمية، وليس مع أصحاب الأهواء والطموحات الضيقة، الذين لا يجيدون قراءة التاريخ.
رحم الله دولة بني عثمان التي كانت تُلزم أمراءها بقراءة وهضم "مقدمة ابن خلدون"؛ كي يكونوا على دراية من أنّ الشجرة النخرة تسقط مرةً واحدة، وأنّ البقاء للقوى الصاعدة، كما يقول علماء الاجتماع.

وسوم: العدد 1128