حب من طرف واحد !

عبد الرحمن يوسف القرضاوي

عبد الرحمن يوسف القرضاوي

أسوأ أنواع الحب في الحياة هو ما يسمى (الحب من طرف واحد) !

الحب علاقة بين طرفين، يتبادل فيه الطرفان أشكال التعبير عن هذه العاطفة، الشعر شكل من أشكال التعبير عن الحب، الزهور، الهدايا، حتى الجنس شكل من أشكال التعبير عن الحب، ومن أروع أشكال التعبير عن هذه العاطفة هو إظهار الرضا عن المحبوب، ويظهر ذلك أكثر ما يظهر في نظرات العيون، وكما قال الإمام الشافعي :

وعين الرضا عن كل عيب كليلة             ولكن عين السخط تبدي المساويا !

وبيت الشعر ذاك ينطبق أكثر ما ينطبق على (عين الكاميرا) !!!

"عين الكاميرا" تحب ... وتكره !

إذا أحبتك الكاميرا وكنت إعلاميا أو سياسيا أو من الذين يتصل علمهم بالجماهير أو بالظهور في التلفاز فأنت محظوظ، لأنك تملك "تزكية" عند الجمهور، لن يغنيك ذلك عن الاجتهاد، ولكنك بالفعل شخص محظوظ، كأنك قد دخلت مكانا ومعك "كارت توصية"، وكل المطلوب منك الآن الاجتهاد، وإذا اجتهدت ستحصد ثمار جهدك أكثر وأسرع من سواك.

من تحبه الكاميرا يستطيع أن يتقدم بسرعة، أن يقطع مسافات طويلة في زمن قياسي، انظر للفارق بين "حسين فهمي" الذي تعشقه الكاميرات، وبين ممثلين آخرين قد تكون موهبتهم أعظم منه بكثير، ولكن الكاميرات لم تعشقهم مثله !

المطرب الذي لا تعشقه الكاميرات أصبح إنسانا سيء الحظ في زمننا هذا الذي يعتمد فيه الغناء على "الفيديو كليب"، فأصبح شكل المطرب، وقدرته على إظهار وسامته جزء لا يتجزأ من عملية "المنتَج" الغنائي، فأصبحت الأغنية سلعة لها شكل، والمطرب أصبح أشبه بــ"العبوة" أو "العلبة" التي توضع فيها الأغنية.

في زمن مضى لم يكن شكل المطرب بتلك الأهمية، وكبار مطربي القرن الماضي عاشوا وماتوا دون أن يراهم غالبية من سمعهم وعشق أصواتهم.

ما زلت أذكر أحد أساتذتي وهو يحكي لي كيف أنه أصيب بإحباط شديد حين شاهد على التلفاز المطرب الكبير "محمد قنديل" لأول مرة، وكيف أنه ظل فترة من الزمن لا يستسيغ أن هذا الرجل هو صاحب هذا الصوت الرخيم الذي عشقه !!!

الكاميرا تحب ... هذه حقيقة، يعلمها جيدا المتخصصون في هذا المجال، ومكتشفوا المواهب، والمنتجون، وأصبح عرفا راسخا في سائر المؤسسات الإعلامية والفنية إجراء "اختبار كاميرا" (Camera test) ... لكل وجه جديد، لاختبار أداءه، ولاختبار العلاقة العاطفية بينه وبين الكاميرا !

أهل الخبرة والمعرفة بهذا الأمر يميزون الفروق الدقيقة بين حب الكاميرا لأشخاص، وبين حيادها تجاه أشخاص آخرين، وبين مشاعرها السلبية تجاه نوع آخر من الناس !

الكاميرا – للأسف الشديد أو لحسن الحظ – لا توقر كبيرا، ولا ترحم صغيرا، مشاعرها قاطعة، فإذا صعرت خدها لشخص ما لن يغنيه أنه ذو شأن في قومه، وإذا أحبت شخصا ما لن يضيره أنه سفيه !

ولكن كما قلت سيبقى الجزء المتعلق بأداء هذا الشخص أيا كان مركزه، فإذا أساء سيصبح أشبه ما يكون بموظف مدلل، له واسطة كبيرة، ولكنه ضبط متلبسا بسرقة، أو متحرشا بزميلته، وبالتالي ... سيصبح مصيره في مهب الريح، ومع توالي الأخطاء أو الخطايا أو الجرائم ... سيدفع الثمن برغم الميزة النسبية التي يتمتع بها.

هل يمكن أن نتساءل من تحب الكاميرا؟ على أي أساس تحب الكاميرا؟ لماذا تحب الكاميرا؟ هل هناك معيار لمن تحبهم الكاميرا؟

 سأحاول أن أجيب على هذا السؤال الصعب المعقد، أقول وبالله التوفيق :

حب الكاميرا يحدث نتيجة عدة عوامل شديدة التعقيد، منها ما يتعلق بالشكل، كالمظهر، والصوت، والأداء الحركي، ولغة الجسد، ومنها ما يتعلق بالمضمون كالبلاغة، والإقناع، والحجة، والمعلومات، وسرعة البديهة.

حب الكاميرا يحدث تلقائيا من الطلة الأولى أحيانا، ويحدث بتكرار "الطلة" الحلوة، أو الكلمة الرقيقة !

الكاميرا آلة من صنع الإنسان، ولله في خلقه شؤون !

أحبت عبد الحليم ... وما أحبت عبدالوهاب بجلالة قدره !

أحبت منى الشاذلي ... وما أحبت الحرباء التي تعرفونها !

أحبت السادات ... وما أحبت مبارك !

أحبت جيهان السادات ... وما أحبت سوزان مبارك !

أحبت الشعراوي ... وما أحبت خالد الجندي !

أحبت الكابتن لطيف ... وما أحبت شوبير !

أحبت شكوكو ... وما أحبت (هو اسمه إيه اللي بيقول قشطة يابا) ؟؟؟

 أحبت سعاد حسني ... وما أحبت إلهام شاهين !

أحبت إسماعيل ياسين ... وما أحبت مرتضى منصور !

أحبت حسين فهمي ... وما أحبت أخاه (اللي في برنامج آراب جوت تالانت) !!!

أحبت محمود الخطيب ... وما أحبت (الواد القزعة اللي بيطلع يصوت ده) !

أحبت السيد قشطة (أي والله الكاميرا تحبه) ... وما أحبت السيد البدوي !

أحبت يونس شلبي ... وما أحبت (المخبر الذي يذيع مكالمات النشطاء)

بعد كل ذلك الشرح أحب أن أقول ... ويل للذي يعيش قصة حب من طرف واحد مع الكاميرا، خصوصا إذا كان عمله يعتمد على التأثير على الجماهير، خصوصا إذا كان مشروعه كله يعتمد على التأثير الخادع الكاذب على الجماهير !

ملحوظة : إياكم أن تقولوا لذلك الغبي أن الكاميرا تكرهه ... دعوه يغرق لوحده ... خلونا نخلص !