بسبب حق الملكية الفكرية للدواء حياة الفقراء في خطر

بسبب حق الملكية الفكرية للدواء

حياة الفقراء في خطر

أسامة القباني

النقابة العامة لمستشارى التحكيم الدولى و خبراء الملكية الفكرية

باتت حيـاة الملايين من الفقراء على المحك بعد أن أصبحت حماية حقوق الملكية الفكرية للأدوية واقعاً حتميا تدافع عنه الدول وتدخل في الاتفاقيات الدولية وتحميه منظمة التجارة العالمية، ورغم أننا من أشد المدافعين عن قوانين حماية الملكية الفكرية إلا أنه ومن المؤكد أننا لا يمكن أن نقدم بأي حال من الأحوال الملكية الفكرية على مصالح ملايين البشر لذا نحاول في هذا الملف مناقشة آثار احتكار شركات تصنيع الدواء الكبرى لبراءات اختراع تصنيع الأدوية وحجم الأضرار الناجمة عن ذلك ومن يعطي الحق لجهة حرمان الفقراء من الحق في التداوي ، ما هي العوائق التي تحول دون توفر الدواء الرخيص الذي يناسب ظروف ملايين الفقراء في العالم؟ وما هي الحلول الممكنة لمشكلة احتكار الشركات الكبرى الحق في تسعير الدواء؟ أين مصالح الدول النامية فقد اتهمت منظمات غير حكومية الدول الغنية بتقويض اتفاق لمنظمة التجارة العالمية، يمنح أفقر دول العالم حرية الوصول إلى الأدوية الرخيصة ضد أمراض معينة، خصوصاً مرض فقدان المناعة المكتسبة (الإيدز). وأقرّت الدول الأعضاء في منظمة التجارة أحكام هذا الاتفاق في قطر عام 2001، وهو يمنح الدول الفقيرة، المُهدَّدة بسلسلة من الأمراض، "استثناءً موقّتاً" من شروط براءات الاختراع الواردة في القوانين الدولية المعنية بحماية حقوق الملكية الفكرية في مجال الأدوية. وأعلنت مؤسسة "أوكسفام" البريطانية، المعنية بالدفاع عن المصالح الاقتصادية للدول النامية، أن الدول المُتقدِّمة "لم تعمل شيئاً، لتلبية التزاماتها في الاتفاق، بل أنها قوَّضت في بعض الحالات بنود هذه الاتفاق"، متهمة الولايات المتحدة بإتباع سياسات تجارية تتعارض مع اتفاق قطر، عندما فرضت شروطاً قاسية على تطبيقات براءات الاختراع في مجال الأدوية، خلال مفاوضاتها الثنائية مع العديد من الدول النامية، لإبرام اتفاقيات للتجارة الحرّة معها. وأفادت المنظمة في بيان لها أوردته صحيفة "الشرق الأوسط "اللندنية ، أن اتفاق التجارة الثنائية بين الولايات المتحدة وكولومبيا يجبر الأخيرة على إنفاق مليار دولار إضافي سنويا،ً اعتباراً من عام 2007 إلى عام 2020، لشراء أدوية محمية ببراءات الاختراع، في حين أن بمقدور كولومبيا الاستفادة من اتفاق منظمة التجارة الذي يتيح لها حقّ الحصول على أدوية مُنتجة محليّاً، أو من دول نامية أخرى، مستثناة من قوانين حقوق الملكية الفكريّة. وأضافت أوكسفام أن على نحوٍ مُماثِل، فإن البيرو ستدفع أسعاراً مُضاعفة للحصول على الأدوية لمدة عشر سنوات، طبقاً لشروط اتفاق التجارة الحرة بين البلدين. كما انتقدت "أوكسفام" مؤسّستين عملاقتين لصناعة الأدوية الأمريكية بفايزر والسويسرية نوفارتيس ، لشروعهما بإجراءات قانونية لمنع دواءين مُستنسَخَين من أدويتهما يتم تصنيعهما في الفلبين والهند على التوالي. التربس والملكية الفكرية ومن أجل تقليل الآثار السلبية التي تفرضها أسعار الأدوية الباهظة على اقتصاديات الدول النامية، فقد سمح اتفاق منظمة التجارة حول الجوانب التجارية في حقوق المُلكية الفكرية "تربس TRIPS" لبعض البلدان الفقيرة بتطبيق مرن للاتفاق، كمنحها التراخيص لنسخ الأدوية المسجلة، أو الاستيراد الموازي للأدوية المسجلة التي تُباع بأسعار أرخص في بلدانٍ أخرى. وتم تأكيد هذه المرونة في "إعلان الدوحة"، الذي نصّ صراحة على أنه "يمكن، ويجب، أن يُفسر الإعلان ويُنفذ بطريقه تدعم حق الدول الأعضاء في المنظمة حماية الصحة العامة، وعلى وجه الخصوص الحصول على الأدوية للجميع". وهناك آلية أخرى اعتمدها المجلس العام لمنظمه التجارة العالمية في 30 أغسطس 2003، بمنحه استثناءً موقتاً لاتفاق "تربس"، يُتيح للدول الأعضاء تصدير معظم الأدوية المُستنسَخَة إلى البلدان التي لا تستطيع صنع الأدوية بنفسها. الهند ومعركة الملكية الفكرية إلا أنه يبدو أن الهدف الأهم بالنسبة للدول المتقدمة هو حماية اختراعاتها، وهي حماية وفرت لها منذ مطلع القرن التاسع عشر ازدهاراً صناعياً، وانعكس مردودها على المخترعين، حتى إن شركة نوفارتيس للأدوية ترفع اليوم قضية ضد الهند ، القضية التي من شأنها أن تجعل ملايين المرضي حول العالم سيفقدون مصدرا للأدوية إذا كسبت الشركة هذه القضية . من جهتها، أعلنت مُنظمة أطبّاء بلا حدود الفرنسية أن أسعار الأدوية سجَّلت ارتفاعاً كبيراً خلال السنوات الخمس التي أعقبت اتفاق قطر، داعية إلى إجراء إصلاحاتٍ عاجلة لحقوق المُلكية الفكرية لضمان منافسة الأدوية المُستَنسَخَة للأدوية الجديدة المُنتَجة مِن قِبَل المؤسسات الدوائية العالمية. وتعالج أطباء بلا حدود أكثر من 80% من مرضاها البالغ عددهم 80,000 بأدوية مصنعة في الهند التي تنتج أدوية بأسعار مخفضة في متناول ملايين المرضى في الدول النامية أكثر من نصف الأدوية المستخدمة اليوم لعلاج مرض نقص المناعة المكتسبة الإيدز تصنع في الهند. إذا نجحت نوفارتيس في تحديها وكسبت القضية فإن العديد من الأدوية المنقذة للحياة ستكون ضمن إتفاقية الملكية الفكرية وسيتوقف إنتاج الأدوية المقلدة بأسعارها المعقولة. ملايين المرضى حول العالم الذين يعتمدون علي الأدوية المنتجة في الهند سيفقدون هذا المصدر. دواء بسعر معقول ..كيف؟ تهيب منظمة أطباء بلا حدود من خلال موقعها على شبكة الإنترنت بمرتادي الشبكة العنكبوتية للتوقيــع على عـريضة للحفاظ على إمكانية الحصول على الدواء بأسعار معقولة! وجاء في العريضة : قل لنوفارتيس إنه ليس من حقها منع المرضى من الحصول علي الدواء! وقع علي هذه العريضة الآن واطلب من نوفارتيس إسقاط الدعوى كلياً ضد الهند! ودعت المنظمة على موقعها على الشبكة شركة نوفارتيس بإسقاط الدعوى القضائية ضد الحكومة الهندية. وكانت لجنة مستقلة تُعنى بحقوق الملكية الفكرية والابتكار والصحة العمومية قد قدمت تقريرا إلى منظمة الصحة العالمية، ويوصي ذلك التقرير باتخاذ إجراءات لا بدّ منها لضمان حصول الفقراء في البلدان النامية على وسائل تشخيص أهمّ الأمراض التي تعاني منها تلك البلدان وعلاجها وتوقّيها، سواء كانت تلك الوسائل متاحة بالفعل أو جديدة. وكانت منظمة الصحة العالمية قد أكدت من خلال موقعها على الإنترنت أن أكثر من نصف السكان في أشدّ المناطق الأفريقية والآسيوية فقراً من فرص الحصول على تلك الأدوية بشكل منتظم نظراً لعدم قدرتهم على تحمّل تكاليفها أو بسبب هشاشة النُظم الصحية في بلدانهم. ويواجه سكان تلك المناطق، فضلاً عن عدم حصولهم على الأدوية المذكورة، مشكلة عزوف الشركات الصيدلانية عن استحداث بعض الأدوية المخصّصة لعلاج أمراض تصيب سكان البلدان النامية على وجه التحديد، وذلك نظراً لعدم وجود سوق مستدامة لتلك المنتجات.