أدب الأطفال في تراثنا

إلى أي حد نستطيع القول بأن تراثنا اعتنى بأدب الأطفال ، وأولاه أهمية تتناسب مع مدركات الطفولة ؟

إن الأدب المقصود منه المتعة الفكرية لم يكن مقصودا لذاته ، بل كان يرتبط بغاية تربوية ( حسب مفهوم الأدب في تلك العصور وهو غير منفصل عن السلوك الاجتماعي ) إذ كان يُقصد به التنشئة القوية التي تجمع بين قوة الأبدان ، وفصاحة اللسان ، فقد اعتاد العرب في قريش أن يبعثوا بابنائهم إلى البادية لينهلوا من فصاحة اهلها ، ولتصح أجسامهم في صفاء طبيعتها .

 وتذكر كتب السيرة أن عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم التمس له مرضعا في البادية ولقد قال عليه الصلاة والسلام لأبي بكر – رضي الله عنه – حين قال له : مارأيت أفصح منك يارسول الله ! فقال : وما يمنعني وأنا من قريش ، واسترضعت في بني سعد ؟ !

 كانت البادية هي محاضن الأطفال ورياضهم يمرحون في فسيحها ، تنمو أجسامهم على الهيئة المرغوبة ، وتستقيم ألسنتهم .

 وقد ذًكر أن عبدالملك بن مروان كان يقول : أضر بنا حب الوليد . لأن الوليد كان لحَّانا ، وكان سليمان فصيحا إذ أقام الوليد مع امه , بينما أرسل سليمان وإخوته إلى البادية فتعربوا وتأدبوا..... ويذكر الأستاذ محمد الغزالي في كتابه ( فقه السيرة ) ما للبيئة من أثر في التنشئة فيقول : ذلك أن تنشئة الأولاد في البادية ليمرحوا في كنف الطبيعة ويستمتعوا بجوها الطليق وشعاعها المرسل أدنى إلى تزكية الفطرة وإنماء الأعضاء والمشاعر وإطلاق الأفكار والعواطف ، وكثير من علماء التربية يود لو تكون الطبيعة هي المعهد الأول للطفل حتى تتسق مداركه مع حقائق الكون الذي وجد فيه . ولعل عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – كان في بعد نظره مدركا لهذا الملحظ في تربية الأبناء فقال : علموا أولادكم السباحة والرماية والفروسية ، ورووهم ماسار من المثل وحَسُن من الشعر .... فجمع بين الغايتين معا ! تنشئة الأبدان وتقويم اللسان ، مع استقامة في السلوك ! فالشعر كما هو معلوم ديوان العرب ومجمع مآثرهم ، وله من رتابة الايقاع ما يجعله محببا إلى النفوس ‘ محركا للمشاعر . ومن ثم ينطبع فيها ما يحمله من مآثر تدل على مكارم الأخلاق وسلامة السلوك . وقد توخى كثير من أجدادنا تنشئة الأطفال على المثل العليا والقيم الرفيعة ، وحرص أن تنطبع معالي الأمور في نفوسهم من خلال تجارب حية وارتباط بتاريخ مجيد فينقلهم إلى أجوائه الأولى فتشبع تطلعاتهم إلى القدوة فقد نُقل عن اسماعيل بن محمد بن أبي وقاص أنه قال : كان أبي يعلمنا المغازي والسرايا ويقول : يابني إنها شرف آبائكم فلا تضيعوا ذكرها ! بل إن تعليم

هذه المغازي ارتبط بتعليم السور من القرآن فقال زين العابدين بن الحسين بن علي – رضي الله عنهم – كنا نُعلم مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نعلم السور من القرآن !

 والسؤال هنا : هل يتناسب ما تقوم به رياض الأطفال اليوم مع تطلعات الأمة في تنشئة أجيال تحمل رسالتها ، بين ماضيها الزاهر ،وحاضرها الواعد من خلال مناهجها التربوية !؟

وسوم: العدد 819