وقفة مع كتاب: "من بين الصّخور- مرحلة عشتها"

clip_image002_4187d.jpg

صدر كتاب " من بين الصّخور-مرحلة عشتها" للكاتب المقدسي جميل السّلحوت، عن مكتبة كل شيء -  حيفا.

العنوان الذي انتقاه الكاتب، يوحي للقارئ بنوع من التفاؤل، بأنّ ثمّة نبتة ناجحة شقّت الصّخور، ونبتت رغما عن الأرض التي ليست خصبة لإنبات النباتات فيها. هذا العنوان المُكوّن من شبه الجملة، ولم يكشف عن الفعل الحاصل الذي حدث ما بين الصّخور. من الممكن التنبُّؤ بالتفاؤل .

جسّدت الأحداث ونصوص الكتاب ما يقصده الكاتب، بالعنوان من بين الصّخور، حيث انطبق القول مع العنوان؛ انبثقت حياة كاملة وسيرة ذاتيّة طويلة الأمد لحياة الكاتب نفسه، لمرحلة زمنيّة معّنة، تبدأ بعد مرحلة التعليم الثّانوي، يبدو بأنّ هذا الكتاب يُعتبر جزءا ثانيًا للسيرة الذّاتيّة التي كتبها الكاتب في كتاب سابق: " أشواك البراري" التي تحدّث فيها الكاتب عن مرحلة طفولتة البائسة.

 من خلال قراءة الكتاب، كشف لنا الكاتب عن أحداث هامّة في مسار حياته، وكوّنت انعطافات ومجريات في تغيير مسار حياته، بكلّ صراحة وشفافية، والدّخول في تفاصيل دقيقة جدا وخصوصيّة توضّح معالم الشّخصيّة التي هي محور الكتاب.

  تطرّق الكاتب للحياة الاجتماعية والأسريّة، والحياة السّياسيّة، العمل الشّاق في الأرض بالحراثة والزراعة، والتعليم العالي خارج البلاد، والأسْر بالإضافة للرحلات خارج البلاد، والتعارف مع الأدباء والشّعراء المعروفين، وسرد المواقف والطرائف التي دارت بينه وبينهم؛ رصد كاتبنا السّلحوت الأحداث التي رافقته أثناء وجوده خارج البلاد، واستحضر معالم الحضارات الغريبة، مع وصف الأماكن التي قام بزيارتها وصفا دقيقا مع التفاصيل الصّغيرة منها، مع إضافة بعض الرّموز التي كانت بين السّطور، ورؤية الكاتب حول المُفارقة بين حضارتنا العربيّة والحضارات الأخرى التي تتميّز عنها. بأسلوب هزلي ومرح.

  لغة الكتاب بسيطة وسهلة وواضحة، غير مُتكلّفة ومفهومة جدّا لكافّة المستويات والأعمار، وتكاد تخلو من اللهجة العاميّة.

  يُعتبر المكان هو البطل في السيرة الذّاتيّة للكاتب، الأماكن في السّيرة الذاتيّة احتلّت مساحة ومكانة عالية في نصوص الأديب، والتي اعتمد الكاتب عليها في سرد الأحداث والنوادر التي خاضها أثناء ترحاله وتجواله. القدس كانت بداية المشوار وساهمت في غرس بذور الانتماء والارتباط الأبدي لها، كذلك الأماكن الأخرى البعيدة مثل: روسيا التي تلّقّى فيها الكاتب العلاج، والأردّن، ومصر، ولبنان، وأمريكا خاصّة في مدينة شيكاغو عند زيارة الأخوة والإبن قيس وعائلته.

  هذه الأماكن كلّها ساهمت في تشكيل منظومة حياة مختلفة للكاتب، مليئة بالخبرات والعلوم والمعرفة التي اكتسبها وشكّلت شخصيّته ونمط حياته الحاليّة.

  استخدام الكاتب لفقرات قصيرة وعنونة الأحداث، ساهم في تشويق القارئ لملاحقة القراءة دون ملل أو كلل.

تُعتبر سيرة الأديب السلحوت سيرة ذاتيّة، مُلهمة للأبناء وطلّاب المدارس؛ للاقتداء بها، في الجهد والمُثابرة نحو التقدّم والنجاح في تحقيق الأهداف المنشودة، فيه تتحقّق مقولة المثل القائل: " من زرع حصد، ومن سار على الدّرب وصل"، أبناؤنا بحاجة لمعرفة شخصيّات كهذه ليقتدوا بها، عِلما بأنّ أجيال العصر الحديث لا يأبهون بالتقدّم، والتواصل الإلكتروني أشغلهم وطغى على حياتهم.

  أنصح باقتناء كتاب "من بين الصّخور" في كافة المدارس من الابتدائيّة ولغاية الثانويّة، مع توجيه المعلّمين لفحوى النّصوص، ودراسة واستنتاج العبر من الأحداث الهامّة في الكتاب، والاقتداء بنموذج الشخصيّة المُكافحة، والنهوض بعد كل المعيقات المُحيطة.

  يبدو لي بأنّ كتابة السيرة الذَاتيّة لكلّ كاتب، تساهم في تفريغ نفسي للمكنونات النفسيّة التي تراكمت في ذاته سنوات طويلة، وتُعتبر الكتابة نوعا من التكيُّف الذّاتي مع الأحداث المؤلمة التي عاصرها في حياته، وإلقاء الضّوء على التّحولات والتّغلّب على المعيقات مهما كانت وتذليلها؛ للسّير مع المركب أو تجاوزه أحيانا.

هكذا كانت سيرة كاتبنا السلحوت، فيها تطوّر للأحداث من المؤلمة، حتّى المُفرحة، ومن بين الصّخور انبثقت زنابق.

وسوم: العدد 852