تعقيبا على قول مازن أكثم سليمان .....والشعر السوري في زمن الثورة و الخراب

قد تكون دراسة د. مازن أكثم سليمان " مقاربة نقدية للشعر السوري في زمن الثورة والخراب[1] من أوائل الدراسات النقدية التطبيقية للشعر السوري الجديد المتعلّق بالثورة / الحرب السورية, و هو سبق يجب أن تكون موضع تقدير بحدّ ذاته. و سأورد عددا من النقاط ذات الصلة بالدراسة أوّلا- إذا كانت الثورة / الحرب السورية ظرف استثنائي و تاريخي في حياة الوطن و مصير الشعب السوري, فلا شك أنّ التجارب الشعرية المنبثقة من هذا الحدث والمواكبة لهذا الظرف تشكّل فرصة نادرة و ثمينة للشعراء , و هي مؤشر هام و كاشف لعمق و طبيعة الذاكرة الجمعية و امكانات حضورها في الكتابات الشعرية الجديدة! و في هذا السياق يأتي استخدام الدراسة لمفهوم " ليبيدو الحرب الغرائزي الدفاعي " للدلالة على طاقة الحياة الكامنة في الخلق و الابداع و قدرتها على تجاوز قيود التجنيس الثقافي و الادبي. ثانيا- تلاحظ الدراسة بذكاء " أن بعض الشعراء أضحوا يهربون من اتخاذ موقف سياسيّ واضح، بإغراق قصائدهم بمفردات الحرب اليوميّة، متفنّنين في توجيه أبلغ اللعنات نحوَ قسوتها الأليمة" و الموقف السياسي هنا ليس بمعنى التحزب الفئوي, و لكن بمعنى ادانة الجهة/ الجهات المتورطة في المجازر و المسؤولة عن ايصال الحالة السورية إلى ما هي عليه الآن! و الشعر بهذا المعنى لا يمكن فصله عن الهاجس القيمي و الانساني. في هذه الحال هؤلاء الشعراء يدينون الحرب بعامة و يسكتون عن الفاعلين السياسيين و المتورطين في حرب تخصّهم !, يدينون المجازر بعامة و يسكتون عن مجزرة تحدث قريبا منهم , ينعون الوطن و يتواطؤون تعبيرا أو صمتا مع من قتل الانسان و دمّر الوطنّ! و في هذا الصدد كذلك قد يكون من الصعوبة بمكان الفصل بين الموقف الأخلاقي / السياسي للشاعر و نصوصهُ إلا على سبيل الفصل الاجرائي المؤقّتْ عند دراسة النصوص. ثالثا- ترى الدراسة أنّه " من الصعب حتى هذه اللحظة أن نتحدّث حديثاً قطعياً عن ولادة حساسيّة شعريّة جديدة في الكتابة السوريّة، فالأمر يتعدّى السطح الخارجيّ الظاهر إلى السطح العميق الغائر" و هي مصيبة – كما يبدو لي- في ذلك على الأقل وفقا لعشرات النماذج الشعرية المختارة التي وردت في متنها

رابعا- وفقا لما ورد في بيان شعري سبق أنّ نشره الكاتب في موقع ألف [2] فقد تاه الشعر العربي الحديث في ثنائية ميتافيزيقية مصطنعة " فتوزَّعَ هذا الشِّعْرُ بينَ وهم إحضار المَعيش ومُطابَقتِهِ في القصيدة اليوميّة، ووهم إحضار الغائب ومُطابقته في القصيدة الكِّلّية " الوهم الأوّل يمثّلهُ " الشعر اليومي" أمّا الوهم الثاني فيمثّلهُ الشعر الرؤيوي! و هو يرى " أنَّ هذا الفعل لم يكُن في معظم الأحيان سوى استجابة قَبْليّة تطوي القصيدة الحديثة على مركزيّات إيديولوجيّة تُصادِرُ مُسَبَّقاً الرُّؤى والمجهول ". حسنا ما يُعيب هذا الحكم هو الصفة الإطلاقية و التعميم , فقد أنتجت مدرسة الشعر الرؤيوي و مدرسة الشعر اليومي نماذج شعرية مهمّة منذ بدأ تجربة الحداثة الشعرية و و كلتاهما تعبّران عن أصل شعري و انساني راسخ نجد جذوره في الشعر العالمي , و اذا كان الشعر هو الصيغة أو الاسلوب فلا يعيب الشعر ان يكون رؤيا و لا يعيبه كذلك أن يكون يوميا مُعاشا يستخدم التفاصيل ويسلط الضوء على المُهمل المنسيّ في زوايا الحياة, بالتأكيد ثمة كتابات مبتذلة تخفي ضعف الموهبة تتوسّل الأيديولوجيا الفجّة كرافعة كما هي حال الشعر المُلتزم و الشعاراتية , و بالتأكيد ثمة كتابات سطحية تسجيلية تفشل في توظيف اليومي المُعاش كرافعة شعريّة. و لكنّ هذا لا يطعن في مشروعيّة هاتين المدرستين و كذلك لا يمنع استمرارية الابداع الشعري ضمن أو خارج هذا التصنيف , و لا يمنع من اجتراح انماط و فلسفات كتابية جديدة. و إذا كان " الإعلان التَّخارُجيّ - نحوَ بيان شِعريّ جديد " لمازن أكثم سليمان ينظّر لكتابة شعرية ما بعد حداثية وفقا لمقاربة الأنطولوجية فينومينولوجية مستخدما مفهوم الدازين الهايدجري للدلالة على الموجود الانساني المنفتح على الكون, كتابة شعرية تنفي التثبيت الميتافيزيقي للذات و تحيلها الى البحث و التجلي المُتشظّي , فإنّهُ لمناسبة طيبة أن يكون الكاتب نفسه قد نشر لاحقا " مقاربة نقدية للشعر السوري في زمن الثورة والخراب" لنرى و نبحث عن صلة نسب تطابقية / تفارقية بين الشق التنظيري الذي يمثلهُ البيان الشعري و الشق التطبيقي الذي تمثّله المقاربة التطبيقية!

خامسا- لقد شهدت الثورة / الحرب السورية تجديدا على مستوى لغة الخطاب السياسي و حضورا لمفردات و تعابير و مجازات و مرويات جديدة وشعارات و هتافات و تهكمات جديدة, انعكستْ كلّها بشكل مباشر أو غير مباشر في لغة النصوص الشعرية, و هذه النقطة بالذات قد تكون مفتاح دراسة الشعر السوري الجديد موضوع دراسة د. أكثم مازن سليمان, و هذا مالم أجد و لو أدنى اشارة إليه في الدراسة, و أختم مقالي بنص شعري قصير يوضّح ما ذهبتُ إليه للشاعر أحمد اليوسف, نلاحظ فيه تجديد على مستو القاموس اللغوي و كذلك تناص و توليف مع لغة الخطاب السياسي الثوري , من دون ابتذال ايديولوجي أو شعاراتي:

عيناكِ فصائلٌ مسلَّحة

كتائبٌ جهاديّة لا تخافُ الله

عيناكِ عنفٌ وعنفوان

ومجازرٌ جماعية

ودكتاتورية ساديّة

وضحايا تهتفُ تحت التعذيب

ما النا غيرك يا الله...يا الله!

الهامش:

[1] ملحق/ جريدة النهار- تشرين الثاني .2015. العدد 25825

[2] الإعلان التَّخارُجيّ - نحوَ بيان شِعريّ جديد . مازن أكثم سليمان. موقع ألِف الثّقافيّ الإلكترونيّ بتاريخ 13 حزيران 2015

وسوم: العدد 643