الموسيقار السوداني عبد الكريم الكابلي يرحل في الغربة

dfhdhd959.jpg

شعرت بأسف شديد يوم أمس حينما قرأت خبر وفاة الفنان الكبير الدكتور عبد الكريم الكابلي، ليس فقط لخبر الوفاة نفسه بل أيضاً لإنقطاعي عن التواصل مع الفقيد خلال السنوات القليلة الماضية وهو الذي كان يحب كثيراً تجربة "مركز الحوار العربي" وساهم أكثر من مرة في مناسبات تأسيس المركز وفي امسياته الشعرية والموسيقية. كان الدكتور الكابلي فناناً كبيراً بكل معنى الكلمة. كان يعزف ويؤلّف ويغني ويكتب الشعر والنثر. كان وطنياً مخلصاً لسودانه، وكان عروبياً وناصرياً محباً لأمته العربية. وكان شخصاً أليفاً متواضعاً يسعد بلقائه وبالحديث معه كل من عرفه.

ولأني لم اكن اعلم باحواله الصحية في الأشهر الأخيرة معتقداً أنه يمارس الحجر الصحي الذاتي في زمن كورونا فقد اتصلت برقم هاتفه الخاص مطلع هذا الشهر وتركت له رسالة صوتية ادعوه فيها إلى مشاركتنا يوم 17 ديسمبر في أمسية الشعر والزجل والموسيقى التي سنقيمها بمناسبة 27 سنة على تأسيس مركز الحوار. فعسى يكون معنا بروحه بعدما غادرنا بجسده.

رحمة الله على نفسك الطاهرة أيها الفنان الكبير وخالص التعازي لعائلتك الكريمة ولكل محبيك.

(في ختام هذا الأيميل تجدون قصيدة جميلة خصّ بها الدكتور الكابلي "مركز الحوار"، كما تجدون رابطاً على "يوتيوب" لحفل مركز الحوار في العام 2012 الذي ساهم به الراحل الكبير)

*****************************

الموسيقار السوداني عبد الكريم الكابلي يرحل في الغربة

رحل أيقونة الفن والشعر، الموسيقار السوداني عبد الكريم الكابلي، بعد معاناة طويلة مع المرض في ولاية ميشيغان بالولايات المتحدة حيث كان يقيم مع عائلته.

ونعاه شخصيات سودانية وعربية بارزة على مواقع التواصل الاجتماعي مشيدين بمسيرته الفنية التي التي امتدت 60 عاماً.

مسيرته

يعتبر عبد الكريم الكابلي الذي ولد في مدينة بورتسودان، عاصمة ولاية البحر الأحمر في عام 1932، من أشهر الفنانين السودانيين الذين أثروا التراث الفني السوداني وعُرف بتعدد مواهبه الفنية في الغناء والشعر والتلحين والبحث في التراث الموسيقي السوداني.

عمل في بداياته بعد أن أكمل دراسته، كمفتش إداري في القضاء في عام 1951 لمدة عشرين عاماً. وغادر السودان لبضع سنوات ليعمل مترجماً في السعودية. وبعد عودته إلى بلاده مرة أخرى، تربع على عرش الغناء والموسيقى وعمل مع كبار المبدعين السودانيين.

كان الكابلي في الثامنة عشر من عمره عندما بدأ بالغناء، لكن الفرصة الحقيقية لنجوميته لم تظهر إلا في عام 1961، عندما أدى أنشودة "آسيا وأفريقيا" للشاعر السوداني تاج السر الحسن، بحضور الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر خلال زيارته للخرطوم وقتذاك.

أعماله

لم يغنٍ الفنان الراحل باللهجة السودانية المحلية فقط، بل أن العديد من أغانيه كانت بالعربية الفصحى التي ساهمت في نشر أغانيه وذيوع صيته خارج السودان أيضاً.

ومن أبرز أغانيه التي خُلدت في الذاكرة "مروي" و"شذى الزهر" للشاعر المصري محمود عباس العقاد، و"وسادة يا ملك الكناري" للشاعر المصري أحمد شوقي، و"حبيبة عمري" و"يا ضنين الوعد"" و"أراك عصي الدمع" للشاعر أبو فراس الحمداني و"أكاد لا اصدق" و"زمان الناس" و"حبك للناس" و"شمعة" و"دناب" و"لماذا"، و"معزوفة لدرويش متجول" لشاعرها السوداني الأصل محمد مفتاح الفيتوري.

رحيله

نعاه السودانيون والعرب وكل من سمع أغانية التي تلامس القلوب، على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك في تغريدة على تويتر: "أقدم التعازي لأسرة الراحل والأمة السودانية ولكل محب للفن والجمال والحياة. كان الراحل رمزاً للفن السوداني والجمال الأخاذ ونصب أدبي ضخم نحت اسمه في ضمير شعبنا بأحرف من نور".

وكان الكابلي في العناية المشددة منذ أكثر من ثلاثة أشهر في إحدى مستشفيات ولاية ميشيغان الأمريكية حيث كان يقيم فيها مع بعض أفراد أسرته.

 

==================================

قصيدة التفاحة

الدكتور عبدالكريم الكابلى

ذكروا فيما روت الأنباء     أن التفاحة أصل الداء

جعلت هابيل وقابيل        أول أخوين من الأعداء

يا ملهمة الحسن الأوفى     يا ينبع بدايات الأغراء

يا كاتمة السر الأخفى       يا أم الخلق بلا إستثناء

ما انفك اللغز يحيرنا         قولى وأبينى يا حواء

هل كانت فاكهة حقا          أم أن الأمر يتيه خفاء

أتراها ما زالت تحيا       بالنفس وبالغدد الصماء

وتداعب موج خيالات     تتقاذفها الفكر الهوجاء

أو نسمع شيئا عن آدم      عن رأيه ما بين الآراء

هل كان ودودا ورحيما يشتار رضاءك والإرضاء

هل يوما ازور صدودا      وجفاك لكهف أو بيداء

هل أبدى لك يوما        لوما لفراق الخلد لدار فناء

أم كان سعيدا بفناء       فى الحب وحبك كالإعفاء

ماذا عن إبنك هابيل        ماذا عن إبنتك السمراء

هل كان لقابيل أخت       بيضاء البشرة أم شقراء

بماذا كنت تناديها         ما الاسم لها بين الأسماء

هل كان يلاحقها سرا  أم تحت الشمس بلا استيحاء

تحنانك عقلي أرهقني      تجوالك في كل الأرجاء

ماذا عن أصل طبائعنا     ماذا عن فطرتنا الأهواء

هل كان القبح لقابيل         وأخوه الآخر منه براء

تحنانك عقلي أرهقني       تجوالك في كل الأرجاء

من أين الغيرة يا حواء    وزمانك ليست فيه نساء

والغيرة امرأة أخرى         والغيرة امرأة حسناء

من نفسك كنت تغارين  من صورة وجهك فوق الماء

أو كنت تعدين الأضلع     من آدم في صبح ومساء

تحنانك عقلى أرهقنى       تجوالك في كل الأرجاء

لو أني كل من ترب          لسعدت ولكن في سماء

فالترب بجسمى يثقلنى       أما عقلي يرد الجوزاء

ويسامر ومض مجرات      ومدارات زهر شهباء

ليعود لأسري وقيودي        ولعيش حلو فيه شقاء

ما كان الأجدر أن يبقي  من ظل الغفلة في استرخاء

بخفيها أقسمت الدنيا           أن تتركني إلا أشلاء

وتفالة عاد لفعلته                   وتفالة فعلته نكراء

وتفالة طبع موصول    حمل العشرات من الأدواء

وتفالة قول معسول        يتغلغل ما بين الأعضاء

وتفالة حس مرذول      يجزي الإحسان بكل بلاء

وتفالة للخبس رسول        يغتابك لؤما دون جفاء

وتفالة فى الواقع غول          وتفالة لدغته وقطاء

قد عاصر ازمانا حقبا       وتقلب في كل الأجواء

أحيانا فالاسم يهوذا       وسلافة من أجل الإغواء

قال التلميذ لمرشده      حدثني عن بعض الأشياء

حدثني عن صبرك هذا  حدثني عن أفضل الإصغاء

حدثني عن كل جميل        يتعشقه الناس الشرفاء

حدثني عن كل قبيح          ينساق لعتمته التعساء

عن قوم دنياهم حسن         عن قوم دنياهم بأساء

عن كنه العدل ومخبره  عن وقع الظلم على الضعفاء

عن أصل الزهد ومصدره  هل كان الموت إليه نداء

عن روح الفن وجوهره     ان كان الخير منه دواء

حدثني عن نبل النفس        حدثني عن غدر ووفاء

ولماذا يحسد إنسان             من أورثه الله النعماء

بالحق وما زال رحيما   في صحبة إفضلنا الرحماء

ولماذا ينقلب علينا           من آويناه من البسطاء

ولماذا نستسلم حينا       لتحكم ذي النفس الشوهاء

من كل بغيض زج به      تعقيده في أسر الشحناء

ولماذا لا نحمل قلبا        كقلوب الأطفال العتقاء

فأجاب المرشد مبتسما       يمناه بلحيته البيضاء

أبنى أراك تسألنى عن    طيب العيش عن الوعثاء

سأجيب وعلمى محدود    أوله الرحمة والإغضاء

أما فالآخر من علمى       الخالق يفعل كيف يشاء

فهو الرحمن بلا عدد     وهو الرزاق له الإحصاء

لا أملك من أمري شيئا      فالخالق تدبير وقضاء

جفت أقالام وسطور    سألني عن فضل الإصغاء

إيمانك إصغاؤك صبر    والصبر مواطنه العلماء

تسألني عن دنيا الناس    عن عيش منقوض بنماء

أنسيت التفاحة سهوا          أنسيت منازلة الأبناء

واليوم ضياء وظلام       والعام مصيف ثم شتاء

والأرض قفار وبحار   والغابة من بعد الصحراء

والخير يطارده شر        لولاه لحار الناس دواء

بل شر يعقبه خير          لولاه لحار الناس دواء

والخير يطارده شر         لولاه لحار الناس دواء

بل شر يعقبه خير          لولاه لحار الناس دواء

واليأس يبدده أمل     وصحيح الفعل من الأخطاء

أضداد مخبرها عظة       والخالق يمتحن العقلاء

فالسعد لناس قادتهم    أنصار الحق على الضراء

والويل لقوم سادتهم        شذاذ الخلق من الدهماء

من كل جهول إعماه   تفضيل الذات على الأحياء

لا بيصر غير ملامحه   وملامح فطرته البغضاء

فأجنح بزمانك للحب  وأنهل من شرعته السمحاء

بفناء المدرسة الصغري بالروضة شاهدت السعداء

والمرح يطارده مرح     صخب تتقاذفه الأصداء

دنيا من فرح مشبوب       سيان به ضحك وبكاء

سلوى تمنح قطعة حلوى     لصديقتها فتغار هناء

فتريها سلوى لعبتها      وإذا بالعيش يعود صفاء

وزهير بدا يخفى شيئا   ليثير فضول الطفل بهاء

فيقول بهاء لزهير        ان لم ترني خبرت عناء

وعناء الروضة أستاذا    مثقوب السيرة كالعنقاء

فيريه زهير خنفسة       قد أرهقها طول الإعياء

والمشرفة الحبلى أمل      حملته حنانا بالأحشاء

تتخيلها حينا بنتا            تتمايل سنبلة خضراء

أو ولد يشبعها عدوا  خلف الأصحاب من الرفقاء

وحنين المسكين صغير      أعيته مقاومة الأمعاء

فتصدى للخبث ذباب      إعلن عن فعلته الشنعاء

وإذا بالمدرسة هدير         رعد تتجاوبه الأنحاء

سواها حنين افي افي         وحنين ما أجداه بكاء

فتهب المشرفة الحبلى      عونا قد جانبه الإبطاء

وتقود المسكين برفق      لنظافته والعطف سخاء

ليعود وبيديه حلوى        والعطر بساحته فيحاء

فيجئ الأطفال إليه         بعيون حول يديه ظماء

كل يرجو قطعة حلوى   والرغبة يعقبها استجداء

يا دنيا الطفل فداك غدي وغدي غيب والغيب غطاء

بفناء المدرسة الصغرى   أدمعت وما أجداني بكاء

فسألت النفس على جهل   ما أضيعها نفس الجهلاء

في أي الأعمار ترانا         نتطبع لونا كالحرباء

في أي الأعمار ترانا          نتلون طبعا الحرباء

وسوم: العدد 959