في رحاب الشيخ عبد الحميد كشك

عام واحد وثمانين وتسعِ مئة وألف، وقبل مقتل السادات بأسبوعين زرت الجامع الذي كان الإمام عبد الحميد كشك يخطب فيه ، في شارع مصر والسودان في القاهرة 

صليت مع الجماهير المتعطشة في شارعٍ بعيد عن المسجد على الإسفلت.. فالمنطقة تغُصُّ بعشرات الآلاف من المصلين القادمين من أطراف العاصمة وغيرها ليصلوا وراءه ويسمعوا خطبته

لما انتهت الصلاة اخترقتُ الصفوف المتبقية بعد الصلاة وكانت على قلتها - إذا قورنت بمن كان في الصلاة – آلافاً كثيرة وتقدمت إلى المحراب بخطا ثابتة وئيدة ، فلما حاولت الوصول إلى الشيخ أبعدتني الجموع المتعطشة للقائه. 

كررت الاقتراب مرات ، فلم أفلح . قلت لنفسي : تَروَّ قليلاً يا عثمان؛ ما بعد الصبر إلا الظفر ، 

تقدم أحدهم بعد أن رآني أتقدم وأُحجم مرات يسألني: ما بالك؟ أجبته باللهجة السورية ليطمئن إليّ " ما قدرت يا أخي الوصول إلى الشيخ ، أنا سوري من حلب وأحب السلام على الشيخ ليدعو لي وللسوريين في محنتهم" 

اخترق الرجلُ الجموع بسرعة فأخبر الشيخ ثم عاد إليَّ بالطريقة نفسها ليأخذني إليه 

قبّلتُه وضممته أشم فيه أنفاس الصحابة والأولياء ، وقبّلني وضمّمني كما يفعل الوالد بابنه الغائب من سفر ، يسألني عن سورية والجهاد فيها ، ويدعو الله لنا جميعاً بالنصر والظفر ...وحمّلني شوق المحب للسوريين جميعاً ، ودعا لنا ، فكنتَ تسمع المسجد يرتجُّ بتأمين الجميع. 

وخرجتُ بالطريقة السهلة نفسها ليبدأ تدافع المصلين المنظم للسلام على الشيخ الجليل.

هناك فهمت قول أحد الصالحين- ولعله ابن تيميّة رحمه الله - : لو علم الملوك والسلاطين ما نحن عليه من العزة والمَنَعة لجالدونا عليه بالسيوف. 

رحمك الله يا سيدي .. ايها العالم الجليل ورفعك في عليين ، وحشرني معك في زمرة عباده الصالحين بقيادة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ،وصحبه الكرام رضوان الله عليهم.

وسوم: العدد 1023