من سفر إلى سفر

من سفر إلى سفر

أحمد الهواس*

[email protected]

لماذا يضيق صدرُ الإنسان ِ...؟؟؟ ويشعرُ أنّ الأرضَ بامتداداتها الواسعة أصغر من قرية ٍصغيرة ...!! ربما أنّ الجواب الذي تثيره آلافُ الأسئلة يكمن في كلمة واحدة (الظروف) أو هكذا سوّق لها الذين قهرتهم ظروفهم واستكانوا لواقعهم المرير فباتوا أسارى وهم ٍ صنعوه كقول الشاعر :

قيدُ العبيد ِمن الخنوع          وليس من زردِ الحديد

ومما يُنصحُ به في مثل هذه الأمور ( السفر) ولقد كان الإسلام سبّاقا ً في هذا الشأن وعدّ الهجرة من أسس الدعوة زمن الرسول الكريم ... ورأتها السنة النبوية المباركة ( هجرة إلى الله ورسوله) ولهذا كان المطلب القرآني واضحاً بترك دار الكفر(قريش)

 (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا)

وقد روى سيدنا معاوية عن الرسول الكريم :

 (لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة , ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها)

وفي السفر والترحال يلتقي المرء بأناس ٍ مختلفي الطبائع وشعوب ٍ لها ثقافاتها وعاداتها , وكل هذا يعود على صاحبه بالمعرفة وتزداد خبرته الحياتية إلا إذا كان ممن ينطبق عليهم المثل الإنجليزي ( السفر يزيد الأحمق حمقا ً) في حين قال الشاعر العربي :

تَغَرَّبْ عَنِ الأَوْطَانِ فِيْ طَلَبِ العُلَى
تَـفَـرُّجُ هَـمٍّ، واكـتِسَابُ iiمَعِيْشةٍ
فـإن قـيلَ في الأَسفارِ ذُلٌّ iiومِحْنَةٌ
فَـمَـوْتُ  الفتى خيْرٌ له مِنْ iiقِيامِهِ



وسـافِرْ  ففي الأَسْفَارِ خَمْسُ iiفَوَائِدِ
وَعِـلْـمٌ ، وآدابٌ ، وصُحْبَةُ iiمَاجِدِ
وَقَـطْـعُ الفيافي وارتكاب iiالشَّدائِدِ
بـدَارِ  هَـوَانٍ بـين واشٍ وَحَاسِدِ

ربما أنّ السفرَ حاجة طبيعية للإنسان كحاجته للهواء والماء والطعام , ولهذا انتشر بنو البشر في بقاع الدنيا المختلفة , وما فرية الأوربيين باكتشاف أراض ٍ وقارات إلا برد ٍ واحد هم اكتشفوا ا جهلم بتوزع بني آدم على اليابسة ليس إلا ...

ولكن لماذا يكون السفر ...؟ وهل له سبب ٌ واحد أم مجموعة أسباب ..؟؟ ربما يكون مطلبا ً كتغيير واقع ٍ علمي أو تجاري , أو هجر مكان لم يعد آمنا ,ً كحال أبناء الدول التي تعاني اضطرابات مختلفة , وأطباء النفس والصحة النفسية ينصحون عادة مراجعيهم بالسفر ولو لمدة قصيرة كسرا ً للروتين , وإخراجا ً لبعض الناس من تعب ٍ ذهني ونفسي نتيجة لظروف طرأت في حياتهم , وربما مفارقة أناس ٍ ثقلاء أو سخفاء يُبتلى المرء ُ بهم .

سألني أحدهم ولماذا السفر أو لم تمل التنقل ...؟؟ قلت ُ: لما كان في السفر فوائد جمة فقد بدا لي أنّ الأرض التي استخلفني الله فيها تدعوني مرتين ... مرة ً للتطواف في أصقاعها وأمصارها مااسطتعتُ لذلك سبيلا ً, وأخرى لتحتضنني كأمي .. ولكن دون أن تسمح لي بالسفر والتطواف بالثانية , ولهذا أوجبتُ على نفسي قبل سؤال نفسي لي أشبعت أم لم تشبع سفرا ً ..؟؟!! سأجيبها بقدر ما توفر لي وأنا أعلم أنكِ تتمنين أن تجوبي مع جسدي العالم ...

ولو كنت ُ أرانا نمضي من سفر ٍ إلى سفر ولو لم تغادر الأجساد ُ أماكنها ..!! وتمضي بنا الأيامُ وتتعاقبُ سنو العمر مابين فرح ٍ هنا ... وألم ٍ هناك هكذا هي ثنائية الحياة , ونحن نصارع الوقت , وكل ٌّ مشغول ٌ بشغل ٍملموس أو دون ذلك , والأيامُ تأكلُ العمرَ , وواحدنا كمن يصنعُ لوحة ً فسيفسائية .. يُرتبها قطعة ً قطعة مستعجلا ًالنهاية , ومادرى أن ّآخر قطعة تعني نهاية الرحلة ...!! وبين لوحة مكتملةٍ تسرُّ صاحبها ويغلق عينيه مبتسما ً, وأخرى منفرة مقززة يمضي البشرُ قوافل تتبعها قوافل... هناك حيث الحقيقة المطلقة , فقد سكنَ الجسد ُ, وصمت العقل عن التفكر والتفكير , وفرغ الجيب أو أفرغه الورثة من الكثير والقليل.. وهدأتِ النفسُ عن الأماني , والوسوسة ....... وأيا ً تكون الحالة ويكون المآلُ فقد انتهت الرحلة , وانتهى العطاء وكل ّ حمل أعماله لمقابلة العدل المطلق ... منتظرا ً دورا ً في محكمة العدل الإلهية , دون محام ٍ يُنافح عنه ولا خصم يجيدُ فن الحديث , ولا يعز ّ أحد ٌ أحدا ً بالخطاب , لقد انتهى السفرُ المقرر أصلا ً لحظة الاستخلاف , وكلّ سفر ٍ يقرره صاحبه أو تلح عليه الظروف إلا هذا السفر تأشيرته عالم الغيب بكل التفاصيل شيفرة تحمل كل شيء , الصمت, ومكان النهاية, والأرض التي تحتضن الجسد إنْ توفرت ..!! هو سفر بغير عودة ....... فهلا وقفنا أمام حقيبة السفر....؟؟!!

              

    *كاتب وإعلامي سوري مقيم في القاهرة