صورة المغرب بلغات متعددة

في ندوة بفاس – كلية ااداب ، ظهر المهراز:

صورة المغرب بلغات متعددة

عبد اللطيف محفوظ

صبيحة ماطرة يوم ثامن أبريل بمدينة فاس ، وتحديدا بكلية الآداب – ظهر المهراس :بقاعة المحاضرات انطلقت أشغال الندوة الوطنية التي نظمها  مركز البحوث الأيبيرية و الأيبيرو أمريكية ، ومركز بحوث محمد أبو طالب والجمعية المغربية للبحث في الرحلة، في موضوع : المغرب في نصوص الرحلات الغربية.

وقد افتتحت الجلسة بكلمات رئيس مركز البحوث الأيبيرية و الأيبيرو أمريكية و منسق الندوة عبد المنعم بونو ورئيس جمعية المغربية ، رئيس شعبة اللغة الأسبانية حيث أكدوا على أهمية دراسة صورة المغرب في الكتابات الرحلية الغربية نظرا لما توفره من معرفة عن الذات وفق تمثلات الآخر..

·     عيون.. تحدق  وترى ما تريد

     خلال الجلسة العلمية الأولى برئاسة أحمد صابر الذي أعطى الكلمة في البداية لخالد بكاوي. ركز هذا الأخير في مداخلته الموسومة بعنوان" الحريم الغربي في الخطاب البريطاني" على خصوصيات الصورة المنتجة  في القرون الوسطى من خلال وعي أوروبي إلى إفريقيا، خصوصا ما يتصل بالرحلات ذات الصلة بالقراصنة والأسرى، موضحا كيف أن هذه الرحلات تختلف عن رحلات القرنين التاسع عشر والعشرين من حيث كونها رحلات قسرية ، لأن الكاتب يكون مجبرا على ارتياد بلدان غريبة والعيش في عوالم محكومة بثقافة مختلفة. مشيرا إلى ظاهرة ملفتة ،تتمثل في كون الصورة المنتجة تتناقض مع الخطاب الاستشراقي عندما تتخلى بعض الذوات عن ثقافتها الأصلية وتفضل عن طواعية الانخراط في الثقافة الإسلامية.

    أما المداخلة الثانية فقدمها شعيب حليفي وحملت عنوان " الصورة والوعي الدائري: في رؤية الأخر للمغرب"  حيث افتتح ورقته بالإشارة إلى ضرورة بناء تصور نظري مرن وإطار تحليلي لقراءة النصوص التي رسمت صورا للمغرب خلال مختلف العصور .وحصر الباحث هذه الكتابات في الرحلات والمذكرات والتقارير والرسائل والشكاوى والاستعطافات ...لينتقل بعد ذلك إلى تحديد مفهوم الصورة في هذه الكتابات وفي السياقات التي أنتجت فيها ( ثقافية ودينية وسياسية ) ليخلص إلى وجود أشكال متغايرة لصورة المغرب  حصرها في ثلاث لحظات :قبل مؤلف وصف إفريقيا للحسن الوزان وبعده إلى حدود نهاية القرن 18  ،ثم القرن 19 و20  وارتباط هذه اللحظات بخلفيات تجارية ودينية وإيديولوجية .

انتقل الباحث في سياق تحليلي إلى الرؤى التي أفرزتها اللحظات الثلاث  للسفراء والسياح ورجال الدين والتجار والأطباء والصيادلة والعشابين والجواسيس والأدباء ثم توقف عند الرؤية الغرائبية والرؤية الدينية – السياسية المرتبطة بالأطماع الاستعمارية.

ثم تدخل بعد ذلك  عبد المنعم بونو بموضوع " صورة وخيال :المغرب بعيون إيبيرية"  قدم من خلالها صورة المغرب كما يتبدى انطلاقا من نصوص رحلية إسبانية و برتغالية وقصص وتقارير لمقيمين .. موضحا مواقف الرحالة التي لا يمكن الكشف عن خلفياتها دون الأخذ بالاعتبار لخصوصياتها المتمثلة في كون الصورة تنبع من وعي بالذات وبالآخر بوصف هذا التقاطع مما يشكل بالضرورة علة لتغليب قيم وتمثلات الذات، الشيء الذي ينتج عنه تبخيس ثقافة الآخر، جراء المقارنات بين انساق الرؤية للظواهر والأشياء ومسارات الفعل، وسيادة الموقف الباني لصورة سلبية عن المغرب. ومن نتائج ذلك كون بعض الرحلات الإيبيرية إلى المغرب أفرزت توجها عدائيا يتضمن غياب التقاطعات الممكنة بين الثقافتين وهو وضع ينفي إمكانية الحوار، لأنه يضمر الموت للآخر. ويتجلى ذلك في عدة مظاهر من بينها الانطلاق من الأحكام العامة الجاهزة وغياب تفعيل المنطق في التمثيل والتقييم و اعتماد المقارنة بين أشكال تمظهر نفس حالات الأشياء المؤسساتية أو الذهنية في المنطقتين بهدف ترجيح شكل حضورها في ثقافة الذات.

وأكد الباحث على نزوع تلك الرحلات نحو وسم المغرب بصورة البداوة والوحشية ورسم إسبانيا بالحضارة والحداثة. وخلص إلى القول بكون تشكيل الصورة الموضوعية للمغرب يجب أن تستنتج من دراسة تنخرط في سياق موسع هو الخيال السوسيو ثقافي مع ضرورة العودة إلى كل الخطابات ذات الصلة بالموضوع. منبها إلى أن صورة المغرب في الرحلات الإيبيرية يمكن أن تكون موضوعا لدراسة الخيال الثقافي للإيبيريين أنفسهم.

وقدم عبد الرحيم مؤدن مداخلة تحت عنوان " مستويات المكان في الرحلة الإسبانية إلى المغرب في القرن 19 " مؤكدا في البداية تأثير هذه الرحلات المهم في هذه المرحلة وتأثيراتها السياسية. لينتقل إلى تحديد مفهوم المكان، الذي بدا عنده أقرب المكان الافتراضي بوصفه تحققا للفعل وتأويلا له في نفس الآن. وقد انطلق من رحلة خواكين كاتيل الذي قدم ترجمة له، قبل أن يحدد سياقات رحلته في ثلاثة، هي سياق استشراقي ينطوي على فكرة المركز والهامش، وسياق المتعة ممثلا بالتقاط الطرائف والعجائب والشوق إلى المكان. والسياق الاستعماري، حيث يمكن ربط هذه الرحلة بهزيمة إيسلي واحتلال تطوان.

ثم انتقل إلى وصف تجليات المكان، فحدد المكان البكر وربطه بما يظل راسخا في الذهن، وهو فضاء مرغوب دائما في ثباته. ثم المكان المعرفي، ويرتبط بالأمكنة الفعلية مثل التضاريس والجوامع والحومات والفنادق والخانات.. وأخير المكان الدموي ويرتبط بالأمكنة التي شهدت الفتن وشق عصا الطاعة وكانت ميدان قتال. وخلص إلى أن الرحلة وهي تحتفي أكثر بوصف الأسلحة الأوروبية وتظهر فعاليتها في كبح التمرد تشير إلى فعالية التقدم الأوروبي ونجاعة منتوجاته وتفوقه، وإلى أن المكان في هذه الرحلة يعكس أوضاع المغرب خلال الفترة المشكلة لزمن الرحلة، وأيضا صورة الآخر والوضع المريح الذي كان عليه.

وكان آخر متدخل في الجلسة الصباحية  هو أحمد برمضان بمداخلة حملت عنوان "المغرب من خلال كتاب  (رحلة إلى إفريقيا ) في أواخر 1934" ،وهي رحلة لصحفي أرسلته جريدة A.B.C للبحث عن أسرة من إسبانيا، موضحا أن هذه الرحلة قد احتفت بتصوير بطولات أسرى الحرب الأسبان في المغرب، انطلاقا من استجواب مغاربة. مشيرا إلى الفضاء العام الذي ميز هذه المحكيات هو النزوع الواضح نجو أسطرة أفعال الأسبان والأمكنة الموصوفة التي زارها من طنجة إلى الرباط، فالجنوب الذي غاب التعريف به كونه مجهولا من قبل الأسبان. كما أشار إلى أن وصف الرحالة قد تنوع بتنوع المدن التي زارها وبأثرها على تاريخ بلاده، وهكذا وصف مكناس بالوحشية تحت تأثير كونها في عهد المولى إسماعيل كانت فضاء لاعتقال أسرى أسبان، بينما أثرى على الدار البيضاء ووصف عمرانها بالمتأثر بالعمران الأوروبي، وأشاد بجمال أغادير، وجعل طنجة فضاء لتقاطع المتع والروائح والخطايا. واصفا سكانها بالمدمنين على الكيف والميل إلى الخمول. وانتهت الرحلة بتأكده من خبر إطلاق سراح الأسرى مباشرة بعد اعتقال بن عبد الكريم الخطابي.وخلص في الأخير إلى تقييم أسلوب الرحلة التي تبدت مؤشرة على ضعف صياغة الربورتاج، والسطحية في تمثل الموصوفات.

·     المغرب بعين ألمانية وكواتيمالية

      أما الجلسة الثانية المسائية التي ترأسها شعيب حليفي، فقد تدخل فيها خالد لزعر بمداخلة عنونها ب" من أجل تلق ألماني للمغرب: نموذج جيرهارد  رولفس" موضحا أن هذا الرحالة يعتبر من أكثر العارفين بالواقع المغربي في القرن 19، ويعود ذلك إلى تكوينه الطبي الذي سمح له باقتحام مجامع العديد من الأوساط المغربية، ومن أهمها حريم السلطان المولى عبد الرحمن. مشيرا إلى أن رولفس قد دون أسفاره في المغرب في ثلاثة كتب أهمها " مقامي الأول بالمغرب والسفر جنوب الأطلس عبر واحات درعة وتافلالت" سنة 1873. وكلها تعبر عن التوجهات الاستعمارية التي شغلت فكر الأوروبيين تجاه المغرب خلال القرن 19 .كما لاحظ أن هذا الرحالة قد حاول إضفاء صبغة علمية صرفة على أوصافه، حيث تحرى الدقة في أغلب الأحيان، وعمل على مقارنة بلده بالمغرب. الشيء الذي يوضح، يقول الباحث، مدى تأثر الرحالة بموروثه الثقافي وجعله مرآة لرؤية الذات. أما وصف رولفس لأوضاع المرأة واليهود والإسلام.. فانه لم من الصور النمطية المكررة التي عادة ما نجدها عند أغلب الرحالة الغربيين.مشيرا في الأخير إلى أن علاقة رولفس بمولاي عبد السلام (وزان) كانت مفتاح أبواب إطلالته على المغرب من أجل سبر أغواره.

    عبد الرزاق مسلك بمداخلة تحت عنوان" مغرب 1911 أو رؤية رحالة عسكري ألماني" وقد كانت عبارة عن تحليل لكتاب " المغرب: دراسات اقتصادية وسياسية" الصادر سنة 1911 لكروتير  الذي هو ضابط ألماني متقاعد. وقد حاول الباحث تجلية صورة المغرب كما تتبدى في هذا الكتاب، خصوصا انطلاقا من خصوصيات وصفه للمدن المغربية ولسكنها ولتواجد الجيش الفرنسي. مشيرا في الأخير إلى أن ما يصبغ أهمية خاصة على هذا الكتاب هو إنتاجه في الليلة نفسها التي أعلن فيها المغرب محمية فرنسية.

أما مداخلة سعيد سبيعة الموسومة ب" فاس لويس كاردوثا " وهي عبارة عن قراءة في كتاب      " فاس مدينة العرب المقدسة" المكتوب سنة 1927، وهو كتاب ينقسم إلى جزأين، يركز الجزء الأول على الجوانب الروحية والدينية لأهل فاس، وعلى وصف المرأة العربية وعنف ودموية الرجال، وأيضا على الفن والشعر الفاسيين، وأهميتهما. وكذا اسم المدينة مع تعداد مختلف الروايات المرتبطة بهذا الاسم. مشيرا إلى أن هذا الجزء قد كتب بنفس شعري ملحوظ.

أما الجزء الثاني فيتعرض لوضعية اليهود في المدينة، بالتحولات السياسية العربية التي كانت تؤشر آنذاك على تحول عميق محتمل. وقد لا حظ الباحث أن الرحالة يبدو متأثرا بما سمعه أكثر مما رآه هو نفسه. وأنه يبالغ في تقدير معتقدات أهل فاس ومن ذلك على سبيل المثال تقريره أن المولى إدريس يعتبر من قبلهم في مرتبة إله. وينتهي إلى التأكيد أن هذا الجزء على خلاف الأول قد اتسم بقصور في التعبير، حيث يلاحظ أن الرغبة في التعبير كان يعوقها العجز عن إيجاد تركيبات مناسبة تجسدها. الشيء الذي دفعه إلى تركيبات لغوية مختلفة وغير متوائمة.

ثم تدخل عبد القادر الصنهاجي بورقة حول "الاستشراق والكولونيالية عند اوجين اوبان "مقدما قراءة مستفيضة وتحليلات معمقة لما خلفه اوبان الفرنسي أثناء تواجده بالمغرب 1902- 1904 والمعطيات التي جعلت من كل أحكامه تندرج ضمن سياق الكتابات الكولونيالية .

في نهاية اللقاء عرف النقاش مستوى علميا رفيعا عكس التكامل المعرفي بين مختلف التخصصات العلمية المشاركة والحضور المتنوع. مع العلم أن المداخلات قدمت بالعربية و الانجليزية و الفرنسية والاسبانية من طرف باحثين من تخصصات متعددة بلغات مختلفة.