رحلاتي إلى الجزائر 5

رحلاتي إلى الجزائر

حسين إسماعيل الأعظمي

[email protected]

الحلقة (5)

ما أن إنتهت المكالمة ، شاكراً له جميله في إيصال الكتب والسيديات الى السيدة الوزيرة حتى إتصلت بأخي وصديقي الكاتب الاردني الكبير فخري قعوار باعتبار أن مجال عمله في الثقافة ورئيساً للاتحاد العام للادباء العرب لدورتين متتاليتين سابقاً ، مستفسراً منه إمكانية لقاء السيدة وزيرة الثقافة الجزائرية , وإقترح ان يؤجل الامر الى صباح الغد إن شاء الله ..

 في صباح اليوم التالي 5/12 أخبرني الاستاذ فخري قعوار بإمكانية لقاء السيدة الوزيرة في آثار جرش وهي في طريقها لمغادرة الاردن الى سورية ومنها الى الجزائر ، كان ذلك بعد إتصال الاستاذ فخري بسعادة السفير الجزائري بعمان د.علي عروج .. على كل حال ، ذهبت الى مكتب الاستاذ فخري قعوار وخرجنا بسيارته متجهين الى آثار جرش وإلتقينا بالسيدة الوزيرة وكان معها سعادة السفير الجزائري د.علي عروج وكذلك كان الاستاذ لخضر بن تركي والمستشارة الانسة نادية شريِّط .. رحبت بيً كثيرا وكذلك بالاستاذ فخري الذي يتعرف عليها شخصيا لاول مرة ، وقد بادرت السيدة الوزيرة بتذكيري في شأن قدومي الى الجزائر في كلية التراث ، فأعلنتُ لها موافقتي بكل تأكيد , وفي هذا اللقاء عرضتُ عليها رغبتي في طبع كتابي الموسوم (الاربعة الكبار في المقام العراقي) وطلبتُ من معاليها أن أكون في الجزائر عند طبعه مذكراً بالمناسبة الثقافية لإختيار العاصمة الجزائرية عاصمة للثقافة العربية 2007 .. رحَّبت كثيراً بالفكرة وتُرك الموضوع على المكاتبات عن طريق السفارة الجزائرية في عمَّان ، او المكاتبات المباشرة .. وتحدث الاستاذ فخري معها في شؤون تخص الثقافة حتى حان وقت مغادرتنا متمنين لهم سلامة الوصول الى أرض الوطن ..

 كان هذا الاستعراض في أيام 2005 هو لربط موضوع بقائي في الجزائر اياماً أُخر كادت ان تكون كثيرة فعلا في رحلة شهر كانون الثاني من هذا العام 2007 والافتتاح الكبير للعاصمة الجزائرية عاصمة للثقافة العربية ، وذلك مستغلاً وجودي الآن في الجزائر ومسالة طبع كتابي الذي كنت قد جلبته معي في CD ( قرص مدمج ) ..

 في ضحى يوم 16/1 قضيت وقتا ممتعاً في صالة الفندق مع الشاعر المصري الكبير محمد ابراهيم ابو سنة ، القادم مع الوفد المصري الثاني من أجل إقامة الاسبوع الثقافي المصري ، الذي إحتوى مواد متعددة من الفنون والادب , منها عرضاً لمسرحية (رام الله وبيروت) لفرقة الهناجر ، ومعرضاً للفن التشكيلي , ومعرضاً آخر للصور الفوتغرافية ، وندوة خاصة بعنوان (مصر والجزائر آفاق مشتركة) ، وأُمسية موسيقية لعازف البيانو المعروف محمد صالح , وكذلك معرضاً للحرف التقليدية والبيئية ، مع اسبوع للأفلام الروائية والتسجيلية , وعرضاً خاصاً لفرقة التنورة التراثية للفنون الشعبية ، إضافة الى القراءات الشعرية لشعراء مصريين معروفين وهم محمد ابراهيم ابو سنة وعماد الغزالي وشيرين عدوي ..

 كما قلت قبل قليل كنت في ضحى هذا اليوم في صالة الفندق مع الشاعر الكبير محمد أبي سنة مستمتعاً بمجالسته ، وقد أطلعني على بعض القصائد من بعض دواوينه التي كانت بحوزته ، وبسبب عدم إمتلاكه نسخاً من هذه الدواوين فقد إضطررت أن أنسخ بعضاً من قصائدها , وهي قصيدة – شتاء العروبة – من ديوانه (شجر الكلام) كان قد كتبها في 5/3/1998 وهذه هي القصيدة ..

 شتاء العروبة

لها أن تُرقْرِقَ أحزانَها

 في مياه الفجيعة

تبكي مقاديرَها

وتنوحَ على وتر مغترب

لها أن تموتَ

وليس لقاتلها أن يقولَ السبب

تلومُ مواقيتَها الغادراتِ

وتندبُ حظ الحياةِ

تعاقرُ فوق موائدِ

هذا الزمانِ النُّوَب

تراقبُ تحت النجومِ

 البعيدةِ

كيف تُزاحُ الى ظُلمات المغيبِ الاخير

قوافل أحلامها

في مداراتِ تاريخِها الملتهب

برابرةٌ قادمون

برابرةٌ ذاهبون

وهذي قرونٌ من الدمِ

فوق المدى تنسكب

وداعٌ طويلٌ يلوِّح

فيه زمانٌ كئيبٌ

باهواله المشرعات

لمن قد تبقَّى من الراحلينَ العرب

وبغدادُ

تَدْعو فلا يَستجيبُ

سوى قاتليها الغلاظ

يجيئون في الريح والماء

في الطائرات

وعبرَ السفائن

من كل صوب

يجيئون بالموت

 يغدو الفراتُ دماءً

وتغدو الطفولةُ أشباحً مذبحةٍ

والعروبة أُضحوكةٌ

 والنخيلُ إعتذارَ الغضب

وبغدادُ تدعو فلا يستجيبُ

لها إخوةٌ في النَّسب

فتجلسُ تحت سيوف المغولِ تُراجعُ

صفحتَها في الكتب

برابرةٌ قادمون

برابرةٌ ذاهبون

ولكنها في ختام الليالي , تَهُب

وتبدأ صولتَها من جديد

وتقرأ أشعارَها

للفصول التي أورَقت في مروج الذهب

لَها أن تحسَّ التعب

لَها أن تقاومَ هذا الجحيمَ

ووَحدتَها , عبرَ هذا النداء

الذي ينتحب

وتُطلِقَ صيحتَها في رماد الغيوب

على أفقٍ مضطرب

يُوَلَّى زمانُ الاعاجيب

يأتي الزمانُ العجب

ويُعتَقلُ الصدقُ , عند المخافر

متهماً بالكذب

متى تَنهضون

الى موعد في زحام الشُّموس

أيا عرباً ...

ينتهي جهدُهم في الصَّخَب

فأعداؤنا يَشحذون

السكاكينَ في الليل

جاؤوا لموعد قَتل

ونحنُ ننازلُهم في الخُطَب

فقوموا إغضُبوا , للهوان

فقد تحرُق العجزَ نارُ الغضب

وترجعُ بغدادُ

غرسُ العروبةِ

وترجعُ قدس العَرَب

 والقصيدة الثانية التي نسختها هي قصيدة – بغداد – من ديوانه (موسيقى الاحلام) مؤرخة في 23/4/2003 .. وهذه هي القصيدة ..

 بغداد

بغدادُ عفوَكِ إن القولَ يعتذرُ

 غابَ الاحبةُ والاعداءُ قد حضروا

كنا نُرجِّى ضُحىً يأتي بعزَّتَنا

 هذا الاباءُ الذي خنَّاهُ يَنتَحرُ

تلك الذئابُ على أعتاب جنَّتِها

 زمرٌ تجئ على أعقابِها زمرُ

تلك القنابلُ والارواحُ شاكيةٌ

 ترجو الغِياثَ وليلُ الظِّلم يعتكرُ

من للطفولة تلقى حتفَها بدَداً

 من للعجائز والنيرانُ تستعرُ

تأتي البروق على اغصان ألوية

 تُعلى شريعةَ غابٍ سَنَّها بشرُ

هذا الربيعُ ولا زهرٌ سوى دَمِها

 هذا الفراتُ وقلبُ المجدِ ينفطرُ

من للعراق .؟ وقد جاءت تحاصرُهُ

 هذي الجحافلُ مثلَ الليلِ تنهمرُ

من للعروبة تذوى شمسُها غَربت

 طغى الظلامُ فمن بالبأس يأتزِرُ

جاؤوا من الغرب غرباناً مدجَّجةً

 قد امطروا لهباً ما هكذا المطرُ.!!!

يا بؤسَ ما حملت أيامُ محنتَنا

 أعداؤنا كثروا , أحبابنا اعتذَروا

بغدادُ لا تَهِني في صدِّ جحفلِهم

 تبدو الحياةُ جحيماً أينما ظهروا

جاؤوا بباطلهم والزيفُ منكشفٌ

 شُدِّي العزائمً إن الحقَّ ينتصرُ

 وفي المساء من هذا اليوم جاء الاستاذ لخضر بن تركي الى الفندق ومكث في الفندق بعض الوقت ، كان يكفي أن أُذكِّرهُ بموضوع طبع كتابي ، فطلبت منه تحريك الموضوع لأن الأيام تمضي ولم نعمل شيئاً في هذا الشأن ، فطلب مني الذهاب صباح اليوم التالي الى الوزارة لتمشية الموضوع وسوف يتصل هو من دائرته ليتابع الموضوع ..

 يفضل ان أذكر شيئاً آخر ، هو انني سبق أن إستعنت بالسفارة الجزائرية ، حيث كتبتُ رسالة الى معالي الوزيرة في موضوع طبع الكتاب وتبعتها برسالة ثانية الى مستشارة الوزيرة الانسة نادية شريِّط لنفس الغرض ، ورجوتُ السفارة إيصالها الى وزارة الثقافة الجزائرية وهذه هي الرسالة الاولى ..

 معالي وزيرة الثقافة الجزائرية خليدة تومي

 معالي السيدة الفاضلة خليدة التومي

 وزيرة الثقافة في الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية

 وفقك الله وجعلك في علوٍ ورفعةٍ دائمين إن شاء الله

تحيةً واحتراماً

 هزني الشوق واعتصرني الحنين الى بلدي الحبيب الجزائر الباسلة التي زرتها اول مرة في اغسطس عام 1979 في مهرجان الجزائر الدولي للموسيقى التقليدية وأقمت عدة حفلات في العاصمة ومدن البليدة والشريعة وتيزي ووزو وسيدي فرج إضافة الى الحفلة الاخيرة في وسط العاصمة .. وهكذا قدِّر لي من خلال وجودكم على دفة الثقافة في هذا البلد العظيم أن أزورها للمرة الثانية بعد مرور أكثر من ربع قرن من الزمان عشية الحفلات التي أقمتها في رمضان المبارك من العام الماضي 2005 ومناسبة مرور أكثر من خمسين عاماً على الثورة الجـزائرية العظيمة ..

 سيدتي الفاضلة

 منذ ان تشرفت بلقاء معاليكم في بلدنا الجزائر وتشرفي مرة اخرى باللقاء في مدينة جرش في الاردن الشقيق , وأنا مُنكبُّ بمعظم أوقاتي على إعداد كتابي الرابع الموسوم (الاربعة الكبار في المقام العراقي) لأجل طبعه من خلال وزارتكم الموقرة , بعد الحوار الذي دار مع معاليكم في هذا الشأن وموافقتكم المبدئية الكريمة خاصة وان جزائرنا ستكون العاصمة الثقافية لعام 2007 وهو أكبر دليل على تقدم هذا البلد في كل ميادين الحياة ..

 سيدتي

 ها أنا الان قد أكملت إعداد الكتاب بكل مقوماته التصميمية واللغوية والاخراج النهائي له في الكومبيوتر , بحيث يمكن طبعه مباشرة دون خسارة اي وقت آخر .. ارجو من معاليكم الايعاز بتمضية هذا الموضوع مع فائق شكري واحترامي لشخصكم الكريم ..

 حفظ الله العلي القدير السيد الرئيس عبد العزيز بو تفليقة ومنحه الصحة والعافية وحكومته الرشيدة وحفظ شعب الجزائر الأبي وحفظكم جميعا من كل مكروه ودمتم لأخيكم

 

 حسين اسماعيل الاعظمي

 الاردن .. عمان

 في

 27/6/2006

00962795820112 mobile ..

 

 وكانت رسالتي الثانية هي لتذكير المستشارة بالموضوع لانها كانت مع السيدة الوزيرة حين إلتقيتهم أنا والاستاذ فخري قعوار في جرش بالاردن .. وهذه هي الرسالة

 

 الاخت الفاضلة نادية شريِّط

 مستشارة وزيرة الثقافة

 رعاكم الله وحفظكم من كل مكروه

 

 تحيةً طيبة

 ارجو ان تكونوا بخير وان تسعدوا بحياة واوقات جميلة بصيفٍ يتربع في ضمائرنا نحو أمل زاهٍ لجزائر آمنة ومزدهرة دوماً ان شاء الله ..

 الاخت الفاضلة

 في الوقت الذي يسرني إبداء شعور مملوء بالحبور والسعادة للنجاحات المضطردة لبلدنا الحبيب الجزائر في كل ميادين الحياة خاصة وانها ستكون العاصمة الثقافية لعام 2007 .. أكتب اليك هذه الأسطر ..

 أرجو من حضرتكم تذكير معالي السيدة الوزيرة بما دار من حديث حين أدركتكم في مدينة جرش بالأردن الشقيق وأنتم تغادرون الى سورية الشقيقة في طريق عودتكم الى أرض الوطن بوجود سعادة السفير الجزائري في الأردن د.علي عروج قبل أشهر من الان , بخصوص طبع كتابي الرابع الموسوم (الاربعة الكبار في المقام العراقي) من خلال وزارة الثقافة الجزائرية الموقرة وتمضية هذا الموضوع بعد ان أكملت إعداده وإخراجه النهائي في الكومبيوتر بحيث يمكن طبعه مباشرة دون خسارة اي وقت آخر, وسأكون في إنتظار جوابكم مع فائق شكري واحترامي لشخصكم الكريم ,

 ودمتم لأخيكم

 

 هذا ويذكر أنه قد تم تأكيد آخر بعد حين من الوقت وبقيت أُتابع الموضوع ..

 على كل حال .. نعود الى اليوميات , حيث ذهبت الى الوزارة صباح اليوم التالي 17/1 بسيارة الوفود آخذاً برأي الاستاذ لخضر بن تركي , وإلتقيت بالاستاذ ياسر عرفات قانة مدير قسم المطبوعات في الوزارة الذي إستقبلني جيدا وبادرني بالقول ، إن معالي الوزيرة أكدت أكثر من مرة على موضوع كتابك منذ أكثر من شهرين ، أين أنت ياأخي .؟ فقلت له ، ها أنا ذا أمامك الآن .! ثم بادر واتصل بمصمم وإعداد الكتب للطبع ، السيد فاروق وأخبره بالموضوع ثم إلتفت اليَّ وقال إذهب اليه وإعطه كتابك ..

 ذهبت الى السيد فاروق في مكتبه ، وكان لطيفاً طيباً في إستقبالي ، نقل الـ CD الى جهاز الكومبيوتر ثم سحبه على الورق وسلَّمني إيّاه لمراجعته آخر مرة فأخذته ومضيت عائداً الى الوزارة وصعدت الى مكتب السيدة الوزيرة آملا لقاءها فالتقيت بالسيد موسى والانسة نادية شريِّط مستشاريْ الوزيرة اللذين رحبا بي كثيراً ، وأخبراني أن السيدة الوزيرة غير موجودة في مكتبها وعدت ادراجي الى الفندق ..

الحلقة (6)

 والاخيرة من الجزء الاول

في المساء كان موعدنا إفتتاح الاسبوع الثقافي المصري في بناية قصر الثقافة الملاصقة لوزارة الثقافة تماماً ، أو هي كلها بناية واحدة , وهي قاعة فخمة للمناسبات الثقافية ، وقبل بدء الافتتاح إلتقيت ببعض الاصدقاء منهم د. محمد العربي الزبيري وقد تبادلنا بعض الأحاديث ثم دخلنا سوية الى القاعة ، وفي القاعة إلتقيت بالسيدة الوزيرة بصورة سريعة وقد رحبت بي كثيراً وأشارت لي بالجلوس في الصف الأمامي ، وأتذكر رغم سرعة اللحظات أنني قلت للسيدة الوزيرة بأنني أُريد أن أزورها في مكتبها ، فردَّت سريعاً .. أنا أنتظر ذلك ..

 ما هي إلا لحظات حتى ظهرت إحدى مذيعات التلفزيون الجزائري على منصة الاحتفال وهي تتحدث عن هذه المناسبة الثقافية .. وترحب بالضيوف وجميع الحاضرين ، وقد بدا على هذه المذيعة ، الامكانية واللباقة في اللغة والتقديم , فكانت جديرة بتقديم مثل هذا الافتتاح الثقافي للأسبوع المصري ، كانت الكلمة الاولى لسعادة السفير المصري السيد احمد ماهر عباس الذي تحدث عن هذه المناسبة وعن مضامين الاسبوع من الفن والادب ، لم يتسن لي الحصول على كلمة سعادة السفير ، ولكن مقالا صحفيا كتبه السيد رضوان قطاف في صحيفة الفجر وضح فيه كل ما نريد قوله عن الاسبوع الثقافي المصري في الجزائر .. وهذه هي المقالة ..

 {{انطلقت رسميا نهاية الأسبوع الماضي بقصر الثقافة، فعاليات الأسبوع الثقافي المصري ضمن تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007 ، بحفل فني وثقافي مميز عزف خلاله الشعراء المصريون على أوتار الوجدان العربي ورقصت فيه فرقة "التنورة" أجمل ما لديها وأكدت وزيرة الثقافة خليدة تومي أن المشاركة المصرية ستتواصل على مدار السنة•

 قال سفير جمهورية مصر العربية أحمد ماهر عباس لدى افتتاحه رسميا الأسبوع الثقافي المصري الذي حط رحاله بالعاصمة، إن مصر من الدول الأولى التي حرصت على المشاركة بقوة ضمن فعاليات تظاهرة الجزائر 2007، وأصر في ذات الوقت على ضرورة اغتنام فرصة الحفل لبعث رسالة لعواصم الدول بأن الثقافة هي السلم والتعاون والتعايش، وقال "إن مصر من الدول الحريصة على المشاركة في هذه الاحتفالية الكبيرة، يجب أن نستثمر هذا الاحتفال لبعث رسالة تحمل معنى كبيرا لممختلف عواصم الدول وهي أن الثقافة هي ثقافة تعايش ومسالمة بغض النظر عن التنوعات، وأنا أطالب بأن تتواصل مشاركة مصر طوال السنة من خلال المعارض والفرق الفنية في الأسابيع المقبلة"• ومن جهتها تشكرت وزيرة الثقافة خليدة تومي خلال هذا الحفل الافتتاح كل الإخوة المصريين على تنظيمهم أول أسبوع ثقافي في الجزائر فقالت: "كان لابد على أمنا مصر، أم الدنيا أن تجازف وتشارك هي الأولى في التظاهرة"• كما أكدت خليدة تومي أن هذه الأسابيع الثقافية تهدف إلى تكريس جسور المحبة وتعزز أواصر المودة بين القيادتين والشعبين المصري والجزائري فقالت: "إننا نؤكد على قوة التواصل بين الشعبين المصري والجزائري وعلى ضرورة زيادة أواصر العلاقة، بتوجيه من رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة والرئيس المصري حسني مبارك لأنهما يدركان الدور الإستراتيجي في تقوية اللحمة بين الشعبين"• وأشارت من جهة أخرى نفس المتحدثة إلى أن فعاليات الأسبوع المصري ستبرز التنوع الثقافي وستشمل كل الإنتاجات السينمائية والمسرحية الضخمة، ومجموعة من المحاضرات والندوات الشعرية ومعارض التراث والكتاب والصناعات الخزفية، مؤكدة عل أن هذه المشاركة ستعزز أكثر خلال المشاركة في الأسابيع المقبلة طوال سنة 2007، فقالت "إن المصريين سيشبعون عطش الجمهور الجزائري من خلال مشاركتهم القادمة المبرمجة ضمن التظاهرة عبر مختلف الفعاليات طوال السنة 2007"• ألقى مجموعة من الشعراء المصريين بعض النصوص الشعرية التي تغنت معظمها بالجزائر بلد البطولات، حيث ألقى الشاعر محمد إبراهيم أبوسنة قصيدة "مرثية لشهداء الجزائر" وأشار إلى أنه كان قد نظمها عندما كان طالب سنة أولى بجامعة الأزهر في اللغة العربية وكان معجبا بجزائر البطولات، وقال "إن كل أصدقائي من أدباء وشعراء يأتون إلى الجزائر وكلهم حب لهذا البلد الشقيق الذي أتمنى له النجاح خلال هذه التظاهرة، فالجزائر لها مكانتها الكبيرة في النضال والتميز"• وأكدت الشاعرة شيرين عدوي والشاعر عماد أحمد من جهتهما أن الثقافة العربية لا يمكن لها أن تنهض وتتحقق إلا بمثل هذا التواصل الجميل فألقى عماد أحمد على الحضور قصيدة "الرحالة" التي تغنى فيها بالجزائر وقرأت شيرين عدوي قصيدة أخرى عبرت فيها وبإحساس مرهف وقوي عن "عذاب العراق" بعدما أكدت عند صعودها فوق المنصة أن الجزائر قصيدة تمشي على الأرض وأن الجزائر وإن كانوا يسمونها بلد المليون ونصف المليون شهيد، فقد أضافوا لها واحدا من الشعراء فقالت "لقد أضافوا اليوم واحدا من الشهداء على المليون ونصف المليون شهيد هي أنا؟"• قدمت فرقة "التنورة" مجموعة من الرقصات والطقطوقات الجميلة التي تجاوب معها الجمهور الجزائري بشدة، وحضر الحفل مجموعة من الفنانين الجزائريين والدبلوماسيين المصريين والشعراء وآخرين• وافتتح معرض الكتاب الذي يشمل مجموعة من الكتب في التراث والأدب والفكر والرواية نذكر منها بعض العناوين: "ثقافة العنف في العالم العربي" للدكتور وحيد عبد المجيد، "مصر للمصريين وملك الوحوش" لأحمد ابراهيم أحمد و"ألحان السواجع" لصلاح الدين بن خليل ورواية "لا تجرح الأبيض " باللغتين العربية والفرنسية لعماد أحمد غزالي وكتاب "محاكمة صدام" لأسماعيل عبد الرحمن، والملاحظة أن الجمهور الجزائري الذي كان حاضرا أثناءها اهتم كثيرا بنوعية الكتب المختلفة والتي اشتملت على بعض قصص وكتب الأطفال• ويعرض حاليا بقصر الثقافة مجموعة من الفنانين المصريين مجموعة من اللوحات الفنية التشكيلية، حيث أكد لنا محمد طلعت محافظ المعرض المصري أنها تقدر بـ 70 لوحة سيتواصل إحضارها إلى العاصمة عبر الطائرة يقدمها حوالي 14 فنانا تشكليا• كما يتضمن المعرض من جهة أخرى بعض الأشغال اليدوية التي يسميها المصريون بالأشغال "الخيامية" وتشتمل على بعض الأفرشة واللوحات النسيجية حسب ما أكده لنا العارض المصري محمد طه
-- ----------------------------------------------------------
التوقيع- رضوان قطاف
جريدة الفجر
www.cirtatheatre.jeeran.com }}

 ثم جاء دور معالي الوزيرة في كلمتها القصيرة بهذه المناسبة التي أعلنت فيها عن بدء إفتتاح الاسبوع الثقافي المصري في الجزائر ..

كلمة السيدة معالي الوزيرة في افتتاح الأسبوع الثقافي المصري

بسم الله الرحمن الرحيم

 يسعدني أن أرحب بضيوفنا الذين جاءونا من أرض الكنانة ، أرض الحضارة والتاريخ العميق ، والذين شرفونا بافتت المشاركات العربية في إطار الأسابيع الثقافية العربية وبهذه المناسبة أشكر كل الإخة المسؤولين المصريين وعلى رأسهم سعادة سفير على ترحيبهم بطلبنا لتنظيم الاسبوع الثقافي المصري ، كأول فعالية عربية مشاركة في تظاهرة عاصمة الثقافة العربية ، والتي نهدف من خلالها إلى تكريس جسور المحبة وتعزيز أواصر القربى والمودة وتدعيم التواصل التاريخي والحضاري بين البلدين والشعبين الشقيقين والقيادتين الحكيمتين .
بافتتاح هذا الاسبوع الثقافي ضمن فعاليات الجزائر عاصمة الثقافة العربية لعام 2007 فإننا نؤكد على قوة التواصل بين الشعبين على المستوى الثقافي ، ومن اجل زيادة أواصر العلاقة وتأكيد المزيد من التلاقي والتلاحم بين الشعبين الشقيقين . إ هذا التواصل الكبير بين الجزائر ومصر ، يمتد ويتنوع بتوجيه من فخامة السيد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وفخامة الرئيس حسني مبارك ، لأنهما يدركان الدور الكبير والاستراتيجي الذي تلعبه الثقافة في تقوية اللحمة بين الشعوب .

 إن هذا الأسبوع الثقافي يشتمل على العديد من الفعاليات التي تبرز التنوع الثقافي والغنى الحضاري المصري بحيث سيشمل عرض أهم الانتاجات السينمائية والمسرحية المصرية ومجموعة من المحاضرات والندوات الشعرية ومعارض التراث والكتب والفنون التشكيلية الخزفية . ونعلم أن الإخوة المصريين سيشبعون عطش الجمهور الجزائري من خلال مشاركاتهم القادمة التي برمجت ضمن فعاليات الجزائر عاصمة الثقافة العربية ، عبر مشاركتهم في مختلف المهرجانات والفعاليات طوال سنة 2007 .
 مرة أخرى أشكر ضيوفنا الأعزاء الذين نعتبرهم في بلدهم الثاني وبين أهلهم وذويهم ونقول لهم ونحن في أسبوعهم الثقافي أهلا بهم عندهم وفي بلدهم وأعلن عن الافتتاح الرسمي للأسبوع الثقافي المصري .

شكرا والسلام عليكم ..

كانت اولى الفعاليات قراءات شعرية لثلاثة من شعراء مصر الرائعين وعلى رأسهم الشاعر الكبير محمد ابراهيم أبو سنة ثم شاعر الشباب عماد احمد الغزالي وتلته الشاعرة الحيوية شيرين عدوي .. الذين ألهبوا جمهور القاعة بقصائدهم المثيرة التي تمحورت حول مصر والجزائر وظروف العراق ، وعلى الأخص كانت قصيدة بغداد لشيرين عدوي التي أثارت الشجون العميقة ، وبعد ذلك قدمت فرقة التنورة للفنون الشعبية عرضاً رائعاً جداً دام أكثر من ساعة ، وقد بدا أن فرقة التنورة ، فرقة على مستوى عال من حرفية العمل الفني ..

 من ناحية أُخرى ، إسمحوا لي سادتي الكرام أن أقول لكم شيئاً جديداً مغايراً لموضوعنا الفني ، فقد كان فكري مشغولا أيضاً في هذه الأثناء بافتتاح دورة كأس الخليج العربي لكرة القدم 18 الثامنة عشر ، التي تفتتح هذا اليوم في دولة الامارات العربية المتحدة ، لأنني رياضي وأُحب الرياضة كثيراً وخاصة كرة القدم رغم أنني متخصص في غيرها من الرياضة ، ومعذرة لهذه الاسطر ، وسامحوني على هذا القطع ..! لعب في افتتاح هذا اليوم بعد ان وصلتني الاخبار كل من البلد المضيف مع فريق سلطنة عمان ، وفريق الكويت مع فريق اليمن .. وعلمت بعدئذ أن المباراة الاولى فازت بها سلطنة عمان بـ 2/1 وتعادل الكويت واليمن بـ 1/1 .. وبقيت أعتمد على برامج الاخبار الرياضية من بعض القنوات ، لأنني لم أستطع مشاهدة معظم المباريات بسبب عدم وجود القنوات التي كانت تنقل هذه المباريات في تلفزيون غرفتي في الفندق ..!!

 في اليوم التالي بقيت متابعاً موضوع الكتاب .. واتصلت بالمستشارة الانسة نادية شريِّط طالباً منها مقابلة السيدة الوزيرة ، وبعد حين أخبرتني أن السيدة الوزيرة ستكون مساء اليوم التالي في قاعة الموقــار حيث يمكن اللقاء بها هناك ..!! خيم عليَّ الاستغراب من هذا الكلام ، لم أطل الحديث ، شكرتها وألغيت من تفكيري مقابلة السيدة الوزيرة رغم ان شكوكاً راودتني في أن كلام المستشارة كان من عندها وليس كلام السيدة الوزيرة .. وفي مساء يوم الغد 19/1 فضَّلت الذهاب الى قصر الثقافة بدلاً من ذهابي الى قاعة الموقار حيث كان فيها أحد النشاطات المصرية ضمن إسبوعهم الثقافي .. وفي قصر الثقافة إستمتعت إستمتاعاً كبيراً بالعرض الاخير الذي قدمته فرقة أُميَّة السورية الشهيرة بفنونها الشعبية .. اذ غــادرت الى أرض الوطن في صباح اليوم التالي ..

 في يوم 20/1 كان موعد العالم الاسلامي كله مع اليوم الاول من السنة الهجرية الجـديدة ( 1 محرم 1428 ) وذكرى الهجرة النبوية الشريفة ، هجرة الرسول الأعظم محمد إبن عبد الله صلى الله عليه وسلم من مكة الى المدينة ..

 قبل الظهيرة جاءني أخي مختار حيدر وزوجته السيدة فاطمة ولد خصال ، بدعوة منهما للغداء خارج الفندق ، فذهبنا الى منطقة على البحر مباشرة تسمى (بوهارون) ومطاعم هذه المنطقة لا تقدم طعاماً غير السمك بأنواعه البحرية الكثيرة جداً , بل هي منطقة خاصة بتجارة السمك .. فكان نهاراً جميلاً حقاً ، مشمساً لطيفاً عليلاً هواؤه .. بعد الغداء تجولنا في المنطقة مشياً وسط أجواء حيوية من البيع والشراء وزحمة المطاعم السياحية المطلة على البحر الأبيض المتوسط ..

 أعود الى الرياضة ودورة الخليج العربي ، فقد ترشحت سلطنة عمان الى الدور الثاني من البطولة بعد فوزها الثاني على الكويت بـ 2/1 وهو أول الفرق الصاعدة الى الدور الثاني ، وفازت الامارات على اليمن بنفس النتيجة 2/1 وكان العراق قد فاز في اولى مبارياته على قطر بهدف واحد مقابل لا شئ 1/0 ..

 خرجت صباح اليوم التالي 21/1 قاصدا الوزارة ، وكان معي بالسيارة عضوان من أعضاء الوفد المصري ، وهما السيدان الفاضلان , الصحفي والكاتب الكبير علاء الذي جاء عن جريدة الأهرام لتغطية الاسبوع الثقافي المصري في الجزائر والفنان التشكيلي محمد طلال .. وصلنا الى الوزارة وقد جُهِّزتْ للسيدين علاء ومحمد سيارة أُخرى من سيارات الوزارة وذهبا بها لإنجاز أعمالهما وبقيت السيارة التي جئنا بها من الفندق معي لحاجتي إليها في تنقلاتي ، صعدت الى السيد ياسر عرفات قانة مدير قسم المطبوعات وقادني الى مدير عام المطبوعات السيد ناصر , وتحدثنا بالموضوع , ثم إنفردت مع السيد ياسر وتحدثنا بإسهاب وقد فهمت أخيراً أن موضوع الطبع يحتاج الى وقت ربما يطول ..! لوجود بعض الروتين الذي يحتم علينا تحمل الوقت ، لم اقتنع بالنتائج هذه ، فذهبت ومعي السيد ياسر الى مكتب السيدة الوزيرة للقاء المستشارة على الاقل ، ولكن الامر مجتمعاً كان دون جدوى .. فلم يتسن اللقاء ، لا بالسيدة الوزيرة ولا بالآنسة المستشارة ..!

 في طريقي وأنا أُغادر الوزارة الى الديوان الوطني للثقافة والاعلام ، كنت على موعد مع أخي وصديقي العتيد الشاعر الكبير سمير سطوف في لقاء قصير في أحد الأمكنة المعروفة وسط العاصمة ، بسبب تعذر اللقاءات الكثيرة لبعد الفندق الذي أُقيم فيه بمدينة زرالدة ، وكان جل حديثنا في شؤون عامة ، شربت قهوتي واستأذنته بالمغادرة ولم يدم لقاؤنا أكثر من ربع ساعة ، وفي الديوان الوطني كنت مع الاستاذ لخضر بن تركي مدير الديوان ، وتحدثنا عن بعض المواضيع وقد أحسست بجدية تقبله لكلامي أكثر من أي وقت مضى وأبدى إستعداده التام لحل الكثير من العقبات ، فاسـتأذنته وغادرت عائداً الى الفندق .. وفي الطريق رغب سائق السيارة أن يلف بي في شوارع العاصمة , فتجول بالسيارة في أمكنة جميلة للغاية داخل العاصمة واستمتعت بجمالها الخلاب والمناظر المدهشة لسواحل البحر .. فشكرته جزيل الشكر على مبادرته هذه .. ثم عاد بي الى الفندق ..

 رغم التسهيلات الكبيرة والكثيرة من قبل إخوتنا الجزائريين في شأن التنقلات في الذهاب والاياب الى مركز العاصمة او أي مكان آخر ، إلا اننا كنا نشعر ببعض الصعوبات في لقاء اصدقاءنا ومعارفنا الجزائريين ، خاصة من قِبلِهم , لبعد المكان عن مركز العاصمة ..

 حيَّرني التنسيق الفاشل للاتحادات الرياضية الدولية هذه الايام ، فدورة كأس الخليج العربي افتتحت في 17/1 وبطولة كأس العالم لكرة اليد المقامة في المانيا أُفتتحت في 18/1 فضلاً عن إفتتاح بطولة الصداقة الدولية لكرة القدم في هذه الايام في قطر مع مشاركة معظم دول الخليج العربي فيها ..!! كل ذلك في فترة متقاربة جداً ..! مع ذلك وصلتني أخبار كأس الخليج العربي بأن مباراة العراق والمملكة البحرينية انتهت بالتعادل الايجابي 1/1 ونفس النتيجة كانت مباراة المملكة العربية السعودية مع قطر .. وفي بطولة العالم لكرة اليد كنت أُتابع مبارياتها من إحدى القنوات الاجنبية حيث لم يصعد الى الدور الثاني من البطولة غير الفريق التونسي من الدول العربية الخمسة المشاركة ، تونس ومصر والكويت والمغرب وقطر ، والفريق التونسي أيضا لم يكمل المشوار ..

 في يوم 22/1 غادر معظم أعضاء الوفد المصري ممن أكملوا فعالياتهم الفنية والادبية الى أرض الوطن .. وفي يوم 23/1 جاءتني أخباراً رياضية أُخرى تقول أن الامارات العربية فازت على الكويت بـ 3/2 وتجاوزت محنتها ، الامر الذي أعطاها دفعاً في صعودها الى الدور الثاني من البطولة سوية مع الفريق العماني الذي فاز بدوره على الفريق اليمني بـ 2/1 وهو فوزه الثالث على التوالي ، وبفوزه هذا يكون قد حصل على نقاط التصفيات كلها ..! وفي اليوم التالي خرج الفريق العراقي من البطولة ولم يصعد الى الدور الثالث من البطولة بفارق الاهداف عن الفريق البحريني ، بعد خسارته اما الفريق السعودي بـ 1/0 وبذلك يصعد فريقا البحرين الذي فاز على قطر 1/0 والسعودية الذي فاز على العراق الى الدور الثالث من البطولة .. وكان يكفي العراق والسعودية التعادل ليصعدا معاً الى الدور الثالث ..

 قُدِّر لي أن أبقى في الجزائر حتى هذا اليوم 25/1 ، وإن يكن بسبب طبع الكتاب ، رغم أعمالي التي تستوجب رجوعي الى عمَّان لمتابعة شؤون فنية إضافة الى تهيئة البحث الذي تم تكليفي به لمؤتمر القاهرة في ذكرى مرور 75 عاما على أول مؤتمر للموسيقى العربية كان قد عقد في القاهرة عام 1932 .. وهذا اليوم هو اليوم الذي دعاني له الفنان الكبير محمد طاهر الفرجاني لحضور حفل تكريمه من قبل الاذاعة والتلفزيون الجزائرية .. وقبل أن أتوغل في سرد أحداث هذه الليلة الجميلة ، أود أن أُشير الى أنني ذهبت في ضحى هذا اليوم الى السيد فاروق مصمم كتب الوزارة ، وسحبت منه أوراق الكتاب التي سبق ان راجعتها المراجعة الأخيرة قبل الطبع ، وكذلك طلبت منه مسح الكتاب من الكومبيوتر ، ورغم إلحاحه في محاولة إقناعي بأن الكتاب سيطبع بصورة أكيدة , ولكنني كنت مصراً على سحب الكتاب بعد أن عجز قسم المطبوعات في الوزارة على توقيع عقدا معي في هذا الشأن ، فليس من المعقول أن أعود الى عمَّان دون أن أُوقع عقداً أو أي ورقة تثبت عملية ترويج طبع الكتاب ، وعليه قررت دون رجعة ، سحب الكتاب على أمل عودتي الثانية الى الجزائر بعد شهرين تقريباً لمؤتمر الحضارة الاسلامية بالأندلس ..

 نعود الى مساء هذا اليوم ، فقد جاءني أخي مختار حيدر أبو خليل بسيارته وذهبنا الى دار الاذاعة والتلفزيون بناءاً على الدعوة التي وجهت اليَّ من قبل الاذاعة والتلفزيون فعلياً لحضور حفل تكريم الفنان المخضرم محمد طاهر الفرجاني ، وفي صالة الانتظار وتوافد المدعوين الذين جاؤوا ليحتفلوا بزميلهم وفنانهم الرائد محمد طاهر الفرجاني في ليلة تكريمة والاحتفاء به عرفانا بانجازاته الفنية وتاريخه الحافل على مدى أكثر من نصف قرن من التجربة الفنية التي حافظ فيها على التراث الغناسيقي الأندلسي القسنطيني الجزائري .. تعرفت على الكثير من الفنانين الجزائريين المشاهير ، في الغناء والموسيقى والتمثيل والمسرح وبعض الرسامين التشكيليين .. ولكوني كنت الوحيد بينهم من غير الجزائريين ، فقد عبَّروا خير تعبير عن أخلاقهم وتواضعهم وحبهم للضيوف وكأنني كنت أنا الشخص المحتفى به ، تأملوا ..! وفي خضم هؤلاء الاخوة الفنانين كان فنان واحد أثار شجوني ونحن لم نزل في صالة الانتظار قبل بدء الاحتفال ، هو الفنان الكبير بو جمعة العنقيس .. ففي خضم تعارفي مع كل الفنانين القادمين الى الاحتفال ، كان أحدهم يسلِّم عليَّ ويقبلني كالآخرين ، وقبل أن يذهب ليستريح ، قال أحدهم معرِّفاً إيّاه لي ، إنه بوجمعة العنقيس .. فصحت فوراً .. بوجمعة العنقيس ..!؟ فعانقته مرة أُخرى وقلت له أمام الحاضرين ، إن لي حكاية معك دون أن تدري بها ، فبهت من كلامي ونظر اليَّ مستفسراً ، فقلت له إن إحدى حفلاتي في سفرتي الى الجزائر عام 1979 كانت في سيدي فرج ، وقبل بدء الحفلة كان هناك مكبِّر صوت يذيع أغاني وموسيقى جزائرية ، تهيئة للحفلة ، وكنت أستمع الى أُغنية بقيتْ في ذاكرتي حتى هذا اليوم ، لجمالها وتعابيرها وشجونها الجميلة ، فسألت عنها وعن مطربها ، فقيل لي إنها أُغنية (يا بحر الطوفان) والمطرب هو بو جمعة العنقيس ، والغريب فعلاً أن إسم الاغنية وإسم المطرب بقيا في بالي حتى هذا اليوم ..! وبقيت أطمح وأتأمل يوماً ما أن أسمع هذه الاغنية مرة أُخرى وأن ألتقي بمطربها ، وبصراحة كان هاجسي اللاواعي ينبهني الى الحصول على مبتغاي ، وها انا ذا اليوم وفي هذه اللحظات أتعرف على هذا الفنان شخصيا وأستذكر تلك اللحظات التأريخية في عام 1979 و قد قُدِّر لي بعد 28 عاماً أن يتحقق لي ذلك الهاجس الذي راودني كل هذه السنين ، علماً انني عندما جئت الى الجزائر في عام 2005 وأنا في دار إذاعة البهجة لإجراء لقاء مباشر معي ، سألت عن هذه الاغنية فجيئ لي بها , وعند رجوعي الى مقر إقامتي في عمَّان سمعتها لأول مرة بعد أكثر من ربع قرن من الزمان ..

 قبلته مرة أُخرى وتمنيت له الصحة والعافية ، ولكنني بصراحة لم أتوقع أن عمره الآن يناهز الثمانين عاماً ..!

 في المؤتمر الصحفي الذي أُقيم للمحتفى به الفنان الرائد محمد الفرجاني تحدث بصورة مختصرة عن تجربته الفنية وكيف غرس في نفوس أبنائه وعائلته كلها شكل ومحتوى هذا الفن الرفيع من الغناسيقى التراثية الأندلسية القسنطينية الجزائرية , حتى إشتهر إثنان من أبنائه كمغنيين وعازفين هما سليم الفرجاني ومراد الفرجاني ، وقد أجاب الفنان المحتفى به عن بعض الاسئلة التي وجهت اليه ، ورغم ذلك كان مسرورا بوجودي في ليلته هذه ، وأشار اليَّ وتحدث للحاضرين بأن الفنان الأعظمي قد أجَّل سفره لحضور هذه الامسية (بصراحة كنتُ فعلاً أرغب بحضور هذه الامسية وقد تم ذلك) .. ومن الطبيعي فقد إلتقطت صوراً فوتغرافية كثيرة مع كل الفنانين والأصدقاء قبل المؤتمر الصحفي وخلاله وفي الامسية التي أُقيمت بهذه المناسبة ، وبعد الانتهاء من المؤتمر الصحفي ، كانت فترة إستراحة للجميع تناولوا فيها بعض المرطبات والأطعمة البسيطة والمعجنات والحلويات وغيرها .. ثم نودي للدخول الى القاعة الكبيرة لاقامة الامسية الغناسيقية ، التي تم نقل كل أحداثها بما فيها المؤتمر الصحفي على الهواء مباشرة من قبل الاذاعة الجزائرية في قناتها الاولى .. وقد أدار الامسية الجميلة هذه ، الاذاعي المعروف السيد ......... ؟ حيث كان يستضيف في كل إستراحة بين فقرة غنائية وأُخرى أحد الفنانين الجزائريين للحديث عن زميلهم المحتفى به ، والحقيقة خلال الدقائق التي مرَّت منذ أن تجمع المدعوون وحتى المؤتمر الصحفي ، توطدت نسبياً علاقتي مع الفنان بو جمعة العنقيس ، وقد جلسنا بجانب بعضنا خلال الامسية كلها التي دامت حوالي ثلاث ساعات ، وقد حكى لي الفنان بو جمعة في بعض فترات الفراغ أو الاستراحات القصيرة ، عن قصة أُغنيته الشهيرة (يا بحر الطوفان) إذ تبدو القصة مشهورة ومعروفة للجميع ويبدو أيضا إنها أصبحت جزءاً من التراث ، وفوجئت بعض الشئ حين قال لي أنه سجل هذه الاغنية في الاذاعة الجزائرية عام 1965 ، وقال أيضا إن عمره الآن 78 عاما ، أمدَّ الله في عمره بصحة وعافية .. على كل حال ، فاجئني أخي المذيع ......؟ ونادى بإسمي للحضور واستضافتي أمام مايكروفون الاذاعة للتحدث بكلمة قصيرة عن الفنان الكبير المحتفى به محمد طاهر الفرجاني خلال إستضافاته المتكررة للفنانين الموجودين في القاعة .. فتكلمت عن لقائي الاول بالمحتفى به في فندق سفير مزفران قبل أيام قلائل وتحديداً يوم الرابع عشر من هذا الشهر ، وأشرت الى جمال اغنيته الشهيرة (ياظالمة) التي سبق أن أهداني إيّاها الفنان الفرجاني واستمعت إليها في سيارة صديقي العزيز مختار حيدر خلال الأيام المنصرمة ، وقلتُ أيضاً انني أجَّلت سفري فعلاً لأجل الحضور الى هذه الامسية الجميلة ومشاركتكم الاحتفاء بفنان الشعب محمد الفرجاني .. علا التصفيق واستمر حتى وصولي الى مكاني في القاعة ..

 كان المنهاج لأُمسية اليوم رغم عدم طبعه وتوزيعه على الحاضرين ، قد تخلَّل بعض المقطوعات الموسيقية ، وغنَّى إبن المحتفى به وهو الفنان المعروف سليم الفرجاني ، فاصلاً جميلاً جداً ، ثم غنى الابن الثاني الفنان مراد الفرجاني المقيم في باريس وحضر هذه الامسية الاحتفائية بوالده ليغني في مناسبة تكريمه , وكانا فاصلين جميلين حقا عبَّر كل منهما عن مزاجهما الرائق وهما يغنيان في تكريم والدهما ومعلمهما الكبير .. حتى جاء دور الفنان الأب الرائد المعلم وهو يأخذ مكانه في المسرح وسط ضجة كبيرة جداً من التصفيق والهتاف والترحيب وهو يرد على الجميع بالتحية والقبلات الهوائية من يده اليمنى ويمسك بآلته الاثيرة (الكمان) بيده اليسرى , وبعد هدوء الجمهور وانتظار بدء فقرة الفنان الفرجاني , تحدث بكلمات قليلة جداً لا أتذكر منها غير أنه قال , ان عمره الآن قد بلغ 79 عاماً ، أطـــــــــال الله في عمره بالصحة والعافية ..

 قد لاتتصور عزيزي القارئ كم كنتُ مستمتعاً بهذه الليلة الجميلة التي غنى بها أبناء العائلة الفرجانية مع والدهم الذي أجاد وكأنه في ريعان شبابه ، وقد كنتُ وأنا أستمع لفنانين أصيلين حافظوا على هذا التراث العظيم من موسيقى وغناء المدرسة القسنطينية العريقة ، في جوِ عالمٍ خياليٍّ رومانسيٍّ حالم ، فكانت هذه الليلة من ليالي العمر المحسوبة ..

 ولعلني هنا ، لا أُريد أن أنسى موقف طيب ونحن نهم بالمغادرة بعد نهاية أُمسية اليوم ، من أخوين عزيزين أهدياني العدد الاول من مجلة امواج مع CD تضمن تاريخ الجزائر الحديث والمعاصر ، وهما مدير التحرير السيد صلاح الدين الاخضري والمدير الفني للمجلة السيد علال حاشي وقد أصبحا من أعز أصدقائي فيما بعد في رحلتي الثانية هذا العام لمؤتمر الحضارة الاسلامية بالاندلس أوائل نيسان 2007 ..

 في هذا اليوم 26/1 كان قد تم حجز سفري عن طريق القاهرة عمان ، ولكن لظروف ما ، أُلغي الحجز وثبت في يوم الاثنين 29/1 عن طريق تونس الى عمَّان ..

 في اليوم التالي 27/1 كان المطر غزيراً ، مع ذلك أخذتني السيارة الى وزارة الثقافة وإلتقيت بالسيد ياسر عرفات وأعلمته بسحب الكتاب من المصمم السيد فاروق ومسحهِ من الكومبيوتر على أمل قدومي ثانية بعد شهرين من الآن لحضور مؤتمر الاندلس في القرن السادس الهجري ، وما عليه إلا أن يهيء المستلزمات الروتينية التي حدثني عنها ليُطبع الكتاب خلال أيام وجودي في الجزائر بعد شهرين من الآن إن شاء الله .. عدتُ الى الفندق لأن المطر وصل بهطوله الكثيف حد الازعاج ..

 صعد الفريق العماني الى نهائي بطولة الخليج العربي للمرة الثانية على التوالي بعد فوزه على البحرين في مباراة نصف النهائي بـ 1/0 .. كذلك صعد فريق البلد المضيف الامارات العربية الى النهائي أيضا بعد فوزه على الفريق السعودي بنفس النتيجة 1/0 , وهكذا يلتقي الفريقان العماني والاماراتي للمرة الثانية في هذه البطولة بعد أن لعبا مباراة الافتتاح ..

 للتأكد من حجز سفر اليوم التالي ، ذهبت صباح هذا اليوم 28/1 الى الديوان الوطني وقد تم تأكيد سفري غداً بعون الله .. ومن الديوان الوطني ذهبت الى دار الاذاعة والتلفزيون الجزائرية حيث تم إجراء لقاء صحفي مطوَّل معي لمجلة أمواج الغراء الصادرة عن القناة الاولى للاذاعة الجزائرية ، وفي مسائي الاخير في هذا البلد الكبير ، جاءني السيد وسام القيسي الذي تعرفت عليه وعلى عائلة السيد عبد الرحمن رومي الذين جاؤوا لزيارتي الى الفندق قبل أيام حال سماعهم بوجودي في الجزائر ، أخذني وسام بسيارته متجولاً في مدينة زرالدة وفي العاصمة ، ثم عاد بي الى الفندق عند العاشرة مساءاً وكان خلال جولتنا إتصل بوالده في بغداد وهو أخي وصديقي المصور الفوتغرافي وليد القيسي وتحدثنا معه وقد فوجئ بوجودي في الجزائر ..

 في الساعة السابعة من صباح هذا اليوم 29/1 جاءني السائق مصطفى ليأخذني الى مطار الجزائر بومدين ، وفي المطار إستقبلني السيد عميروش الموظف التقليدي في الديوان الوطني المسؤول عن إستقبال وتوديع ضيوف دائرة الديوان الوطني والمقيم الدائم كما يبدو في المطار ، لأنني أعرفه من سفرتي السابقة في تشرين الاول من عام 2005 .. أخذني الرجل الى صالة الاستقبال وأكمل معاملة مغادرتي حتى أقلعت الطائرة الجزائرية متوجهة الى مطار تونس قرطاج ، كان عليَّ تبديل الطائرة بأُخرى متوجهة الى عمَّان فتطلب ذلك أكثر من ثلاث ساعات إنتظار في مطار تونس ، وخلال هذا الانتظار تعرفت على بعض الاخوة العراقيين من الصحفيين الذين كانوا في الجزائر أيضا لحضور أحد المؤتمرات وأمضينا وقت الانتظار كله واتفقنا على اللقاء في عمَّان ، حتى أقلعت بنا الطائرة الأردنية في الساعة الثانية والنصف بعد الظهر بتوقيت الجزائر وتونس متوجهة الى المملكة الأردنية الهاشمية التي وصلناها بأمان الله وحفظه قبل غروب الشمس بقليل .. وفي مطار عمان عالية الدولي كان أخي العزيز السيد فؤاد الجنابي في إنتظاري الذي بادر واتصل بي وأنا في الجزائر ليعلم بموعد قدومي رغم إلحاحي عليه بعدم القدوم الى المطار مع شكري له ، ولكنه كان في المطار ، فأوصلني الى البيت وغادر الى بيته دون أن يستريح بعض الوقت معي ، مفضلاً راحتي من عناء السفر ..

 وهكذا أطوي أوراق يومياتي للجزء الاول من سلسلة ...رحلاتي ... الى الجزائر هذا العام , التي قضيتها بين ظهراني إخوتي الجزائريين الذين لن أنساهم أبداً ، وشكراً لكم أعزتي القراء ..