كلوس أَب فلسطيني من أميركا وأوروبا3

\"كلوس أَب\" فلسطيني من أميركا وأوروبا....(3)

عبد الباسط خلف/ جنبن-فلسطين

[email protected]

مشهد عام:

يوم صحافي عربي

في نيوجيرسي

راحت عقارب الساعة تجافي النهار وتصادق الليل، وراحت خطواتنا تلتحق بمركبة حميد عبد الجابر الفلسطيني الموظف في منظمة الأمم المتحدة الذي لا ينسى حادث تفجير مقرها بالعراق، ومغادرته المكان قبل ساعة من موعد الموت الصناعي، ورحيل الفلسطينية رهام الفرا التي حلت مكانه لترحل سريعاً من غير رجعة.

اخترقنا معاً شوارع نيويورك المزدحمة، وبدأنا نتعرف على رفاقنا في مهنة البحث عن المتاعب.

بالصدفة تزامن انعقاد برنامجين منفصلين لصحافيين فلسطينيين ولآخرين قادمين من فضاءات الوطن العربي. كانت هذه هي المرة الأولى التي أجتمع فيها مع إعلاميات عربيات من سبع دول، وكانت أيضاً المرة الأولى التي أرى فيها انتصارا للجندر: سبع صحافيات قادمات من مصر وسوريا والبحرين والإمارات العربية المتحدة وليبيا والجزائر والمغرب، وصحافي قادم من اليمن، قلت لمنظمي البرنامج أنه الانتصار الأول للنساء في مجتمع لا تسمح بعض دوله للنساء بالتوجه إلى صناديق الاقتراع.

أخذت الأحاديث العربية والصحافية تتداخل وليل نيويورك البارد، وصرنا بالتدريج ندنو من مطعم الباشا حيث سنقل في نقاش مع الجالية العربية وحوار حول أقلامنا وقضايانا وحال النساء في دولنا، كقمة عربية غير رسمية غير مطالبة بشجب قضية ما أو إدانتها.

نتفرع قليلاً بعد التعرف إلى الصحافية أيمان محمد أو مدير تحرير مجلة الرجل اليوم، للحديث عن النظرة \"الجندرية \"من عمل الرجل في الشأن النسوي، ومن دخول النساء لصحافة الرجال.

نتفق أن لا حدود في الصحافة تفصل بين تفاعل الرجال والنساء مع قضايا مجتمعهم المشترك.

قبل اللقاء وحول مائدة العشاء، تلتقي و فلسطيني من بيت عنان شمال غرب القدس بدأت الغربة تتآمر عليه، يحدثك عن حاله وحنينه للوطن، ويخبرك بأنه جاء إلى هذه البلاد العام 1959، فيما جد زوجته قدم إلى نيوجيرسي العام 1914، نشرع والشيخ في حوار عن الحواجز، ونتحدث هنا في هذه الدنيا عن الخنيدق، وهو الطريق القديم الذي يربط بين بلدات شمال غرب القدس وقراها برام الله، وصار السكان يجبرون على سلوكه لأن حاجز قلنديا سيئ الصيت، منعهم من التنقل بحرية.

تصفه له الغبار والعنب والزيتون الذي غزاه الشيب القذر المنبعث من طرقات غير معبدة ولا تصلح حتى لسير الحيوانات.

يسخر أحمد الشيخ، من أننا في هذا المكان نسرف في وصف طريق منع من المرور بها منذ أكثر كن عشرين سنة، ويرتفع في نفسه منسوب الشوق لها.

نبتعد عن هموم بلدنا الصغير المضطهد ونشرع في الحديث عن وطننا الكبير، على الأقل مثلما كان مدرسنا السمين وعاشق السردين يلح علينا أن نسميه في إشارتنا للدول العربية على شرف دروس اللغة العربية.

تروي عهديه أحمد، التي تعمل في النسخة الإنجليزية من التلفزيون البحريني:شغلنا الشاغل اليوم قضية البطالة، فهي ذات معدل عال، ومرشحة بالتصاعد، ويتحتم علينا التفكير بحل لها، في وقت يرتفع فيه عدد أفراد الأسرة البحرينية إلى ثمانية أفراد.

تنتقل لشق سياسي، وتصف حال بلدها الذي تعرض لموجة شعبية من الانتقادات لأنه وقع على اتفاقية التجارة الحرة في أوج الحرب على العراق.

بهدوء لا يخلو من دلالات تقول الإماراتية إيمان محمد، مدير تحرير مجلة الرجل اليوم،تصف مشكلة بلدها مع توطين الأجانب، فمجتمع الإمارات له خصوصية تميزه، ويسعى للحفاظ على هوية مواطنيه، مثلما يحاول توسيع رقعة المواطنين في الوظائف العامة والقطاع الخاص.

تضيف، بعد وقت قصير من ريل رئيس بلادها، نراقب أيضاً باهتمام لافت التغيير الحكومي، الذي منح للمرة الأولى امرأة حقيبة وزارية.

يخلط محمد الجموزي القادم من اليمن ونائب رئيس تحرير صحيفة الثورة الأكبر و الأوسع انتشارا، المشكلة في بلدنا الحال الاقتصادي في أعقاب الوحدة في العام 1994، ومساعي بلدي لحل الأزمة عن طريق البنك الدولي.

يصل الميكرفون إلى الجزائرية الأكثر صمتاً، مليكة خلاّف العاملة في صحيفة الجمهورية، فتغرق في الأزمة الأمنية التي عصفت ببلدها بدءاً من العام 200، والخسائر البشرية التي فاقت المائتي ألف قتيل في بلاد المليون شهيد، عدا عن الخسائر التي فاقت آل 12 مليار دولاراً.

تتابع: في الجزائر وصل النمو الاقتصادي العام 2003 ما يقرب من 6,7%.

يرحل الحديث العربي الأفريقي إلى الجارة الليبية الخضراء، فتبحر إيناس حميدة العاملة في صحيفة الجماهيرية، والتي واجهت مصاعب في الحصول على تأشيرة لدخول الأراضي الأمريكية فتقول: وجعنا اليومي يتمثل في الحصار الذي فرض علينا لعشر سنوات، والناس في وطننا يعيشون تحت خط الفقر بالرغم من أننا بلداً نفطياً، ولم ترتفع رواتب الموظفين منذ عشرين سنة.

ليس بعيداً عن ليبيا، تنطلق فاطمة يهدي من التلفاز المغربي في توصيف أزمات بلدها، فتقول: إن مشكلتنا صارت تأخذ طابعاً اقتصاديا واجتماعيا، وأصبح الشباب يواجه أزمة حادة، وكشفت تفجيرات الدار البيضاء عام 2003 عن الكثير من الإشكاليات.

وتضيف: لدينا بطالة عالية، و أمية، ويحلم الكثير من المغاربة أوروبا والهروب إليها خلسة، فيصعدون قوارب الموت، ويعيشون غرباء في وطنهم.

تقول يهدي: قبل العام 1997، كان لا يسمح للصحافة بتوجيه أي انتقاد للحكومة، أما اليوم فقد أصبح بوسعنا توجيه الانتقاد للحكومة، وصارت وسائل الإعلام تكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت في حقبة السبعينيات وكشف أسرارها.

لكن فاطمة تعترف بأن مسألة الحديث عن الملكية والصحراء هي من المسائل المحرمة.

تبدأ الليبية إحميدة، بالاستعانة في إجابتها عن مسألة الحرية الصحفية، بلوحة شاهدتها في أروقة الأمم المتحدة تقسم دول العالم لتصنيفات مختلفة وفق درجة الحرية المتوفرة فيها، وفي بلدنا الحرية ذات لون مختلف.

ترى مليكا خلاف، أن حرية الصحافة في الجزائر تنقسم إلى نوعين، فالمكتوبة و المسموعة تتوفر فيها درجة لا بأس بها من الحرية، في حين تختفي الحرية من الإعلام المرئي المنغلق على نفسه.

يقول الجرموزي أن الصحافة اليمنية تمتلك هامشاً كبيراً من الحرية، ولا تعترف الصحافة بالخطوط الحمر.

يستذكر زيارة الرئيس اليمني لوزارة الإعلام في أبريل الماضي، عندما أمر بمنع حبس الصحافيين على الإطلاق، ويقول : المشكلة أن جرائدنا منبراً للكتابات، وتغيب عنها المهنية.

تذهب الإماراتية إيمان محمد لتوصيف حال صحافة بلدها، فتقول إن الوضع يراوح مكانه، لكن الفترة التي أعقبت غزو العراق للكويت صارت تتسم بتوسيع هامش الحرية.

ووفق القانون الإماراتي للإعلام الصادر العام 1970، فإن ثمة 18 بنداً تقيد حرية الصحافيين.

تقول عهديه أحمد، إن الوضع في البحرين تغير قبل أربع سنوات ، إذ بات بمقدور وسائل الإعلام توجيه الانتقاد للملك، ومن الممكن أيضاً مناقشة القضايا ذات الحساسية الاجتماعية كالشذوذ الجنسي وشرف العائلة والضعف الجنسي.

تضيف: الديمقراطية في بلدنا جديدة، والخط الأحمر الوحيد لدينا هو العلاقة مع المملكة العربية السعودية.

تستهل مليكا خلاف جلسة حوار أخرى راحت تناقش حال المرأة العربية في الجزائر الذي تحسن كثيراً، إذ أصبحت المرأة تتبوأ مناصب سياسية، وتتحمل مسؤوليات هامة بالرغم من الأوضاع الأمنية المعقدة.

تؤكد إيناس أن الحال بالنسبة للمرأة الليبية قد تبدل كثيرا بعد ثورة العقيد القذافي، التي منحت الكثير من الحرية لها، وصار بمقدورها انتزاع ملكية منزل زوجها الذي يقدم على التزوج من امرأة ثانية.

في أوراق فاطمة عن المرأة في المغرب مساحة كبيرة من التفاؤل، فبعد تولي الملك محمد السادس عرش المملكة، ظهرت السيدة الأولى في وسائل الإعلام، وأصبحت المرأة تتقلد مناصب رفيعة، فأصبحت ساعية بريد وشرطية وسائقة باص وقطار وربان طائرة.

ووفق فاطمة، شهد قانون الأحوال الشخصية تطوراً كبيراً، وحصلت المغربيات على المزيد من حقوقهن، بموازاة بروز الكثير من المشاكل الاجتماعية.

تشرع عهديه بالحديث من جديد عن حال البحرينيات اللواتي كن أول خليجيات يدخلن البرلمان، في وقت يغيب فيه قانون للأحوال الشخصية بسبب الخلافات بين السنة والشيعة.

فمثلاً تظل قضايا الطلاق معلقة لعشرين سنة وبذلك تضيع الكثير من حقوقهن رغم حصولهن على امتيازات ثانية.

تصف إيمان حال نساء الإمارات اللواتي يقطفن حرية تدريجية، فبعد أن كان التوجه بطيئاً للنساء استطاعت المرأة الإماراتية تولي منصب وزاري، في الوقت نفسه الذي لا يسمح للنساء من دخول المجلس الوطني، إلا أن باب الجدل والنقاش أنطلق في التساؤل عن التوقيت الذي ستصل به المرأة إلى قبة البرلمان.

وفي الإشارة للخريطة الجديدة لحال النساء، استطعن الإماراتيات دخول نادي دبي للصحافة، ومنتدى تجارة دوت كوم، وفي مجلس الشارقة الاستشاري دخلت المرأة إلى عضوية المجلس.

ليس بعيداً عن الإمارات السبع، يقلع محمد في الحديث عن حال النساء اليمنيات، فيقول: الدستور كفل للمرأة حقوقها السياسية والاجتماعية، ووقع اليمن على قوانين منع اضطهاد النساء، إلا أن مكانة المرأة الاجتماعية لا زالت متراجعة، إذ تتفشى الأمية في صفوف النساء بواقع 60% .

وعن حال حقوق الإنسان تعيد يهدي عجلة التاريخ إلى الوراء عندما شهدت حقبة الستينيات والسبعينيات انتهاكات خطيرة لحقوق الفرد المغربي، لاحقها الصمت لعشرين سنة، واليوم خرجت مجموعة كتابات جريئة تتحدث عن السجون ونشطاء حقوق الإنسان، وبدأت تنشط جمعيات تسعى لتسوية الضرر، إذ ثمة هيئات تسعى للتعويض المادي والمعنوي، وتطالب الحكومة بالاعتراف بالضرر، إلا أن تفجيرات الدار البيضاء العام 2003 أدت من جديد لانتكاسة حقوق الإنسان، وكان المستهدف في السبيعنيات الشيوعيين أما اليوم أصبح الإسلاميون الهدف.

على خلفية مخففة لصوت أم كلثوم، راحت إيناس توصف شأن الإنسان الليبي، إذ أخذت تبرز للعلن قضايا السجون غير المعلنة كسجن \"بوسليم\"، وطفت إلى السطح قضية إعدام مجموعة من الشبان بسبب خطأ حراس السجن في تحديد المتهم.

والشأن البحريني بحسب عهديه آخذ بالتحسن عقب تأسيس جمعيات غير حكومية لمراقبة حقوق الإنسان والتعذيب الذي يتعرض له السجناء.

تمتزج حوارات الحضور من أعضاء الجالية الفلسطينية والعربية بهموم عربية كبيرة، وتبرز عاصفة من الأسئلة الساخنة حول السياسة والشأن الفلسطيني والعراقي، والتنمية والشباب والمرأة والحقوق المصادرة، والتراجع والتبعية وهجرة العقول العربية خارج أوطانها، والملف السياحي الذي يعاني تشوهاً وتراجعاً لصالح السياحة خارج البلاد العربية. نغرق أنفسنا في الإشارة لقضية الغزو العراقي للكويت، وهامش الحرية الصحفية والمعارضة والديمقراطية، ومخاطبة الآخر وصورة الذات في الإعلام الغربي، والفقر وسوء توزيع الثروات، والمشهد الجزائري، والانتخابات الفلسطينية والعراقية في ظل الاحتلال وغياب الديمقراطية.

نحاور رئيس النادي العربي الأمريكي، عمر عساف عن صحافة المهجر وصورة العربي في ذهنية الأمريكي، ومنسوب الحرية في الإعلام الأمريكي الذي يجمد الموضوعية في وقت الأزمات.

نودع الجالية، ونعود لحديث في ضيافة منزل حميد عبد الجابر ، مدير القسم العربي في منظمة الأمم المتحدة، وننحاز للحديث عن شؤون عربية وعراقية وفلسطينية تطغى على صوت الطائرات الخاصة التي تشق ليل نيوجيرسي، وتدنو من مطار ترويز، ولا يكف الفلسطيني المغترب أحمد الشيخ من الإشارة لحنينه وذكريات طفولته في بيت عنان التي سرق جدار الفصل العنصري.

يتبع..