كلوس أَب فلسطيني من أميركا وأوروبا2

\"كلوس أَب\" فلسطيني من أميركا وأوروبا....(2)

 

عبد الباسط خلف/ جنبن-فلسطين

[email protected] 

لقطات متحررة:

تمثال وحريتان

  ودلالات......

  راحت سفينة \" تيرسيل\" البيضاء تشق خطاها في المحيط الأطلسي في رحلة الوصول لجزيرة حوفيرنسر، قبل الانطلاق يمكن استقبال العديد من الإشارات الفردية والجماعية المتشعبة، فكل الساعين لهذه الرحلة يضعون نصب أعينهم الوصول للتمثال الأشهر في العالم أو تمثال الحرية الذي قدمه الشعب الفرنسي لنظيره الأمريكي ذات يوم من العام1876: يتسابق حشد من أمم الأرض لابتياع تذاكر الرحلة القصيرة وينتظرون الدور للصعود إلى طبقات مركبة المحيط، الكل هنا تقريباً بدل زوايا الرؤية الخاصة به من تمثال الحرية البعيد نسبياً لتلك العجوز المحمولة على عربة رباعية، فهي كما علق فرنسي قريب منا تريد التمتع بالحرية قبل منيتها.

 في المكان أيضاً يمتلك كل واحد من المنطلقين للتمثال تفسيرا لسبب الزيارة، بين اللهو وركوب البحر والتمتع بدخول تمثال عملاق كان الوصول إليه مهمة مستحيلة قبل أغسطس من العام الحالي، وهذا ما تحفظه الفرنسية مارسيل عن ظهر قلب، أيضاً يسير الطفل كريستوفر الأمريكي الأشقر وكأنه المكتشف الجديد لبلاده بخطى بطيئة صوب التمثال الأخضرـ الذي يظهر فتاة تحمل شعلة بيمنها وتنظر صوب أرجاء من منهاتن ونيوجيرسي وسواها....

على ظهر السفينة لم يمنع المنظر الخلاب أعضاء الوفد الإعلامي الفلسطيني المشارك في التدريب الإعلامي الذي تعقده الأمم المتحدة من تفسير قيمة الحرية و قراءة ما وراء التمثال الجميل: هنا يشعر القادم من غزة بما يفقده ويرفع يده كصاحبة الحرية فيما يده الأخرى على قلبه لأن معبر رفح مقفل و ذلك يعنى أن العودة ورغم كونها بعيدة المنال تحتاج للدخول في تكهنات وتوقعات كثيرة، ومثل هذا الشعور يستلقي في أعماق يوسف عطوة ومها مطر وألفت الحداد وهيام حسان، أما القادمون من الضفة الغربية والقدس فتمنينا لو أن نرى في بلدنا المحاط بأسوار ومعازل تمثالا للحرية الغائبةـ بدلا من مشاهدة جدران وأسلاك شائكة، فعلي صوافطة وربى رجب و هبة الطحان والمثنى القاضي يتمنون أن تتذكرهم الحرية ذات نهار...

 نرى الكندي القادم في رحلة عائلية التمثال ولا يمنعه المكان الساحر من تقديم صورة رائعة لشراكه زوجية راقية، فهو الذي شرع في تبديل حفاظات ابنته الصغيرة، فيما زوجته تمتع ابنتيها في سحر الحرية.

  تقتحمك فكرة تسبق قليلاً يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني، فتفترض لو أن أطفالاً من وطننا الممزق صعدوا السفينة وسألهم أي قادم من ماليزيا كالذي يعتقد أن فلسطين إيران: ما الذي يرمز إليه المجسم الكبير الذي يحمل اسم الحرية...

 ليس بعيداً عن التمثال، راح الطفل\" إروا\" ابن الثالثة يملأ قطار \"الصاب وي\" شغباً، تارة يتمرد على حضن والده، وأخرى يحاول تسلق قضبان القطار السريع، تقترب من والد الطفل و تسأله عن صغيره، تصافح الطفل تستفز براءته بسؤال عن لون عيونه، تخبره عن لون عيونه، يرد عليك بلغته العذبة \"بلو\"، تحاور ثانية والده، فتقول له ماذا لو حكمت براءة أطفالنا العالم يرد إليك كلماته، بالطبع لن تكون هناك مجازر ولا حروب ولا دماء.

في المترو ذاته المتجه لاختراق شارع 42 يتذكر صديقك وليد اللوح مترو القاهرة وذاك اليوم الذي أكره على دفع غرامة مالية لأنه صعد في العربة المخصصة للنساء كونه يجهل بقوانين المترو في القاهرة.

يضحك وليد وهو يراقب سيدات منهاتن وفتياتها بالقول كل واحدة تنشغل بما يعنيها فمنهن من يسرفن في استخدام أدوات التجميل وتقرأ طائفة ثانية منهن الصحف والمجلات وتأثر أخريات محادثة أصدقائهن أو أزواجهن، وتنحاز فئات أخرى للصمت.

 نودع المترو فنصطدم بعازف آسيوي راح يبعث الحياة لأدوات موسيقية خشبية، وقلبه ينظر إلى الكرماء والسميعة علهم يغدقون عليه بأوراق من ذات فئة أوراق الدولار الواحد.

تتسلل للعازف طفلة بريئة تمنحه ورقة نقدية والفرح يملئ وجهها، فتتمنى أن يحظى أطفالنا بأصوات موسيقى عذبة بدلا من الرصاص الأعمى والطيران الذي لا يكف عن استهداف سماءنا أو الدبابات التي تملأ أرضنا شغبا وموتاً.

لمحمود الأسعد الفلسطيني القادم قسراً من بلدته المدمرة قالونيا \"قرب القدس\"، فهو الذي حرم من العيش في بلده وتقاذفته الظروف العصيبة إلى العالم الجديد أمريكا.

لازالت ذاكرة أبو إياد تحفل بمحطات كثيرة من بلده، مثلما يحتفظ لسانه بلهجة محلية متقنة الصنع، ولم تذهب \"إنجليزيات\" أمريكا حنينه للممارسة ما اعتاد عليه من كرم وبشاشة وجه وطيب خلق.

يعود أبو إياد إلى العام 2001 حيث عاد برفقة زوجته التي تكالبت عليها أوجاع السرطان في وداع شبه رسمي لبلدهما وما تبقى لهما من أقارب، غير أن زوجته فارقت الحياة قبل فترة قصيرة من العودة إلى كوينز.

كان حلم الأسعد إطلاق جمعية لمساعدة السقماء الذين طاردتهم اللعنة ذاتها التي اختطفت زوجته من الدنيا.لكن الرياح تجافي رغبة قبطان البحر.

لأولاد أبو إياد الستة حكاية  لا تختلف كثيرا عن حنان والدهم لمسقط الرأس المسلوب، فيتمنون أن لو بقيت أحلامهم قائمة في قالنويا المدمرة.

بكل تأكيد إن زيارة أبو إياد لتمثال الحرية ستعيد فتح الحنين إلى قلبه، ولن يتمكن من تحقيق أحلامه في إضاءة شعلة التي تستقطب أنظار السائحين من كل أقطاب الأرض، ومع ذلك فهو ينعم هنا بالحرية.

يتبع..