أدب الرحلات . . . بين الشرق والغرب

أدب الرحلات . . . بين الشرق والغرب

ديب علي حسن

لم يعد السؤال المطروح في العلاقة بين الغرب والشرق هو : كيف ينظر الغرب الى الشرق وتحديدا الى (العرب) فالاجابة تبدو واضحة اكثر من اللازم واذا كانت في احايين من الزمن.

تبدو غير واضحة تماما او ربما تحمل اكثر من معنى واتجاه فهي اليوم من الوضوح بحيث تجعل المتابع يتساءل من أين يأتون بهذا الكم الهائل من الاشارات غير الصحيحة بل ومن الذي استطاع ان يحول النظرة الصائبة حينا ويبعدها عن مسارها ? واذا كانت الاجابة ايضا واضحة وجلية فلنا ان نتسأل:‏

ماذا كنا نفعل نحن العرب , وتحديدا اولئك الذين هاجروا الى الغرب وعاشوا فيه أبدعوا كما يقولون على ارضه وصاروا نسيجا دخل عباءته ما الذي فعله هؤلاء مقيمين دائمين ورحالة مؤقتين ..?‏

الاجابة الاولية ومن خلال ما نرى ونسمع ونتابع تدل على ان اثنين من المفكرين العرب استطاعا ان يكونا صوتا مختلفا مغايرا قادرا على التأثير وهذا لم يأت بين ليلة وضحاها بل امتد زمنا طويلا حتى استطاع هشام شرابي وادوار سعيد ان يحضرا مجرى فكريا ان لم يكن قادرا على البقاء زمنا طويلا في الغرب فانه ليس من السهولة ان يحمى بين ليلة وضحاها وربما يزداد عمقا ورسوخا ان هيأت له الايام من يتابعه ويعمق مجراه ..‏

الجديد الذي يمكن ان نقف عنده في العلاقة بين الغرب والشرق هو الجزء الثاني من كتاب العربي ( الغرب بعيون عربية) الذي صدر حديثا وحمل رقم /60/ وهو بقلم نخبة من الكتاب في هذا الجزء يقدم مجموعة من الباحثين والمتابعين تجاربهم في الغرب , ويتوقف بعضهم عند محطات في رحلاته الى الدول الاوروبية ويتناول اخرون تجارب مفكرين وكتاب عرب وعلاقتهم بالغرب في الباب الثالث من الكتاب وهو الاول في الجزء الثاني , يتوقف د. محمد رجب النجار عند رحلات مجلة العربي الى الغرب الاوروبي ورأى ان ( اكتشاف الاخر هو الوجه الاخر للعملة ) لاكتشاف عوالم الانا الذاتية ونقدها يدفعها الى ذلك الاحساس بعمق المأساة مأساة النهضة العربية- من ناحية- والاحساس بضعف الاستجابة من ناحية اخرى وبمناسبة اكتشاف عوالم الانا الذاتية ونقدها فإن محرري الرحلة في مجلة العربي يتسمون جميعا بالامانة والصدق وبالجرأة والشجاعة في مواجهة الذات ونقدها وفي استنطاق السكوت عنه في الثقافة العربية المهيمنة وفي المجتمعات العربية التقليدية ..‏

وفي نهاية بحثه يطرح د. النجار السؤال التالي بعد ان يتحدث عن نجح العلماء العرب هناك واخفاقهم في بلدانهم والسؤال هو : كيف نجحوا هناك وفشلوا هنا ?

و ربما كان الاجدر ان يضاف الى السؤال شق ثان هو : لماذا ينجح هؤلاء في التكنولوجيا وفي الابداع وفي امور الحياة التي تهم المجتمع الغربي ولماذا يخفقون في خدمة قضاياهم العربية ? والغريب في الامر ان بعضهم اصبح عبئا على بعض القضايا العربية .. هل المطلوب من هؤلاء ان يكونوا ادوات انتاج وكفى ام عليهم ان يكونوا سلاحا ذا حدين جارحين ..? ومع ذلك يبقى السؤال حسب النجار : فان جوهر المسألة والسؤال الذي لا يمل رحالة العربي من تكراره - في كل رحلة - سيبقى قائما وهو المتمثل في كيفية نجاح الحداثة في بلدان وبنى مجتمعية تتقارب مع ظروفنا على نحو كبير وكيفية فشلها او تعثرها المتكرر في وطننا العربي.. ?!

العرب وعلاقتهم بالغرب ..‏في بحثه هذا يتوقف مصطفى نبيل عند تفاصيل هذه العلاقة غير الجليلة تماما ويرى ان في الغرب ثنائية هي : تقديس الحياة وصناعة الاسلحة التي تدمر البشرية التقدم التقني العالي والسعي الى الهيمنة على العالم ومن ناحية اخرى الفنون والثقافة الانسانية الجميلة واشاعة الانحلال .. فالمجتمع الغربي المتحضر يحمل كل مزايا التحضر وآفاقه ولكنه يحمل عناصر البقاء والفناء معا .. تفوق عقلي ومعرفي واستغلال هذا التفوق من اجل السيطرة وظهر الارتباط الوثيق بين الثقافة والسياسة وظهرت ايضا ازدواجية المعايير والنأي عن العدل ..‏ الولع الحضاري ..‏

د. صلاح فضل يتوقف عند سندبادات حسين فوزي التي بلغت سبعة كتب وقد نشر اولها عام 1938 بعنوان : (سندباد عصري : جولات في المحيط الهندي ) وفي هذا الكتاب يعلن استراتيجيته الثقافية دون مواربة في هذا الاهداء الذي يمهره بتوقيعه الخطي : درجت على حب الغرب والاعجاب بحضارة الغرب وقضيت اهم ادوار التكوين من عمري في اوروبا فتمكنت اواصر حبي وتقوت دعائم اعجابي فلما ذهبت الى الشرق : عدت الى بلادي وقد استمال الحب والاعجاب ايمانا بكل ما هو غربي ..)‏

هذا الولع بالغرب صدمته تجربة الاستعمار الفرنسي للجزائر كما يقول فوزي ويخلص الى القول ان علينا ان نميز بين النموذج الحضاري الغربي الذي اشتركنا تاريخيا في صياغته وما انتهى اليه من منظومة قيم انسانية تعلي من شأن الحرية والعلم والشراكة الحضارية وبين ممارسات هذه الدول السياسية والاقتصادية التي تبغي تحقيق مصالحها وتهميش منافسيها والسيطرة عليهم .‏

اسبانيا بعيون عربية..?‏

ربما كان ما خلص اليه د. محسن الرملي في موضوعه الذي جاء خاتمة للكتاب وتحت العنوان الانف الذكر , ربما كان خير تجسيد لحالة الضياع التي نعيشها في الحنين الى الماضي وفقدان العمل في الحاضر وضياع المستقبل .‏

يقول د. الرملي : ( بالنسبة لي لا ازعم ما يزعمه البعض من العرب تجاه ضياع الاندلس كفردوس مفقود ,صحيح ان الحضارة العربية الاسلامية في الاندلس كانت حضارة راقية ومازالت معالمه شاخصة حتى الان ولكنني ارى ان نلتفت الى اشكاليات قضايانا وواقعنا الحالي ونعمل على معالجته وانمائه اكثر من الحلم بفردوس مفقود انني اتعامل مع الاماكن بموضوعية وواقعية وحنيني جارف تجاه الاماكن العراقية وليس سواها لان العراق هو الذي يهمني وليس الاندلس فالاندلس الان اسبانيا , وهي تعيش بخير وبحال افضل من بلداننا العربية .. لذا لا افهم كيف ينادي البعض باستعادة الاندلس وانقاذ الفردوس المفقود ..فلننقذ فلسطين اولا او العراق وغيرها ..)‏وكلمة اخيرة..‏

قد يكون من المفيد ان يسرد لنا هؤلاء المبدعون ما في جعبتهم عن الغرب ولكن كم كان مفيدا لو ان السؤال الاهم كان سيد الموقف : لماذا لم نستعد من هكذا رحلات وعلاقات ? لماذا ينجح المبدعون هناك في العلم والمعرفة ويخفقون في نصرة قضايا اوطانهم العادلة..?‏