الشام : ذهاب ، غياب ، وإياب

حول مهرجان السنديان

ظبية خميس /القاهرة

ثمة تحولات اليوم في الأماكن والأفراد تدعو للذهول. ولا ثبات للحال. فما بالك لو طال الغياب لربع قرن أو أكثر عن المكان وناسه .. لابد آئنذاك أن يكون التحول أعمق من إدراك المرء لتفاصيله.

غبت عن الشام لزمن طويل .. وهي البلاد التي شاهدتها لأول مرة مع عائلتي في طفولتي .. ولطالما زرتها خلال النصف الأول من ثمانينات القرن العشرين وخالطت أدباءها وأهلها وتمتعت بأنس بلادها ورقي مثقفيها وأدباءها.

ذلك الإخضرار الذي جعلها جنة صغيرة في عين إبنة الصحراء برمانة والزبداني وبلودان ومياه بردي التي كان الدراق والبطيخ واللوز الأخضر يوضع في سلال ليبرد تحت شلالات مائه في عز القيظ. وإخضرار الروح الذي رافق مراهقتي وأنا أقرأ كتب غادة السمان وأشعار نزار قباني وروايات كوليت خوري. ثم ذلك الزمان القصير الذي إمتد إلى ما بعد وأنا أقرأ كتب محمد الماغوط ، وممدوح عدوان ، ونزيه أبو عفش ، وإحسان مراش، وسعد الله ونوس ، وعلي الجندي وشعراء وأدباء فلسطين الذين أقاموا فيها يحيى يخلف وأحمد دحبور ورشاد أبو شاور وغيرهم. بل أنني إلتقيت في طرقاتها بأدباء لاجئين فيها مثل منعم الفقير آئنذاك قبل أن يهاجر إلى الدانمارك ، وقاسم حول ، بالإضافة إلى أهل السياسية فارين إليها من حركات ثورية كانت آئنذاك من البحرين ، والسعودية ، وغيرها من الدول العربية.

هذه هي الشام التي عرفتها مخلوطة بآثار إبن عربي ، وأبو فراس الحمداني والمعري والنعمان بن المنذر وزنوبيا وحجر أوغاريت والتاريخ الممتد إلى أغوار أغوارها.

العودة إلى الشام بعد غياب هي مثل عودة المرء إلى بيت جده الكبير وتشمم رائحة ثياب جدته .. عودة إلى أصل وجذر.

لذلك وعندما تلقيت دعوة بالبريد الإليكتروني من السيدة رشا عمران لحضور مهرجان السنديان الذي أسس له والدها محمد عمران وهو شاعر قابلته منذ زمن طويل وأكملت هي مسيرته بعد وفاته تحمست للسفر إلى الشام رغم أنها شرحت أنها تعتذر لتأخرها في الدعوة وأنه أول مهرجان أهلي في الشام تقيمه على حسابها ولا قدرة لها على على دفع تكاليف السفر ولكنها تتكفل بالإقامة. وطلبت إستضافتي لمدة تطول عن عشرة أيام من 2 أوغسطس وحتى 14 أغسطس في قريتها الملاجة في طرطوس. وذكرت لي أسماء بعض المشاركين فتحمست للمشاركة لأرى الشام أولاً ولأشجعها وأشجع مهرجانها الأهلي ثانياً ولأتعرف على تطورات الجيل الجديد من شعراء سوريا عبر هذا الملتقى وإعتذرت عن تلك الأيام الطويلة وذكرت لها بأنني سأأتي إلى الشام وأقضي ثلاثة أيام في دمشق التي إشتقت إليها ثم فلتستضيفني هي لمدة ثلاثة أيام أخرى في قريتها لأعود بعد ذلك إلى القاهرة. وإتفقنا على اللقاء في دمشق عند وصولي هناك.

لم أكن أعرف رشا عمران ولا عن مهرجانها قبل ذلك. وقرأت لها نصوص نثرية في موقع كيكا الإليكتروني عبرت لها عن إعجابي بها وكذلك قرأت أنثولوجيا عن شعراء سوريا الشباب على موقع جهات الشعر تسببت في خلاف كبير بين عدد من شعراء سوريا وبينها بسبب تجاهلها لعدد كبير من شعراء الشام وإقتصار الأنثولوجيا على معارفها وأصحابها على حد قولهم بالإضافة إلى مشاكل صغيرة حدثت بينها وبين بعض ضيوفها في الماضي منهم أديب سعودي لم أعد أذكر إسمه.

وفي السابع من أغسطس غادرت القاهرة إلى الشام ببهجة كبيرة وشوق عارم. ومن السماء لفت إنتباهي ذلك التصحر الذي أحاط بدمشق وفي المطار لفت إنتباهي كل ذلك السواد من الحجاب والنقاب الذي لف معظم الشاميات في المطار. ألم أقل إنه غياب تجاوز الربع قرن.

إخترت النزول في فندق الشام في قلب دمشق لأنه يذكرني بجلساتي مع محمد الماغوط زمان. وهناك إلتقيت صديقتي الدبلوماسية كوكب الريس شقيقة الناشر رياض الريس التي أتت خصيصاً من بيروت إلى دمشق لترحب بي وتقضي تلك الأيام في صحبتي متجاورتان هي في فندق أمية وأنا في فندق الشام.

وفي مقهى البرازيل في فندق الشام لاحظت التغير ، أيضاً ، فلا وجوه أتذكرها هنا.. ولا رائحة لحوارات المثقفين. سألت عن طاولة محمد الماغوط .. وعن من ما لا يزال يزور المكان من الشعراء فقيل لي لا أحد. وسألت عن الشاعر علي الجندي إن كان ما    لا يزال حياً .. لأصعق بخبر وفاته في ليلة وصولي. وداعاً لهم ، إذن ، ذلك الجيل المعتق بالحلم والحبر .. والوصول إلى ما هو أبعد.

سألت عن مقهى أبو علي في الربوة حيث كان الماغوط يحب الجلوس والتأمل نهاراً فقيل لي أنه أغلق وتم هده. سألت عن مقهى اللاتيرنة فقيل إلي أنه تحول إلى ديسكو وقد كان مقهى ومطعم يجمع شمل شعراء وأدباء أيام زمان. إذاً الأشخاص والأماكن المألوفة أيضاً لم تعد هناك.

توجهنا في اليوم التالي لزيارة قبر صلاح الدين الأيوبي والصلاة لروحه .. ثم إلى الجامع الأموي الذي ما أن هممت بدخول بابه حتى أحاط بي الزبالين : غطي يامرة .. غطي يا مرة دون إعطائي فرصة لخلع الحذاء ووضع غطاء على رأسي فقررت عدم دخوله ما دام الزبال هو موجهي لكيفية الخشوع في حوش الجامع. ودلفنا إلى سوق الحميدية المكتظ بالمنقبات والمحجبات ومجلات قمصان النوم الحمراء والشفافة التي نافست ما قد كان منذ زمن محلات للمشغولات اليدوية الشامية.

كنت قد إتصلت برشا عمران حال وصولي للشام يوم الجمعة وقالت أنها ستأتي للسلام علي يوم السبت غير أنها لم تتصل ولم تأت رغم إنتظاري لها طوال المساء وبتكرار الإتصال بها قالت أنها ستأتي يوم الأحد وإعتذرت لإنشغالها.

زرت معرض الكتاب على أطراف دمشق وتجولت بين قاعات الكتب وإشتريت بعض الكتب التي ذكرتني بمن أحبهم وأولهم محمد الماغوط وغادة السمان ومحمود درويش. وفي اليوم التالي أبكرت الإرتحال إلى أديرة وكنائس معلولة وصيدنايا وحضرت قداس الأحد في معلولة وأفطرت من نبت أرضها وكنت أشعر بقداسة تلك الجبال والوديان وأصغيت إلى اللغة الآرامية من حولي.

وفي طريقي بعد الظهر إلى الفندق وجدت إتصالاً من رشا تبلغني فيه بأنها في مقهى البرازيل في الفندق فذهبت للقاءها هي وأصدقائها هناك. ثم إصطحبتها إلى جناحي في الفندق وأهديتها كتبي وهدية لها وأدوية طلبت مني إحضارها لها من أجل أمها. ودردشنا حول الأدب والحياة وتعارفنا قليلاً. وسألتها عن ضيوف المهرجان فقالت أنه لم يصل منهم غير 6 أشخاص فقط وأن بعضهم يصل الليلة وأنها تتصل بالشاعر العماني زاهر الغافري ولا يرد فلعله لن يأتي وأن الشاعر المصري أحمد الشهاوي قد يصل متأخراً للمشاركة في معرض الكتاب وإنه قد لا يتمكن من المشاركة في لقاءها وأن شاعراً إنجليزياً إسمه جيمس يصل الليلة وستذهب للمطار لإستقباله وغير متأكدة أين ستأخذه ليبيت الليلة فهي لم تحجز له فندقاً في دمشق وتلك هي زيارته الأولى إلى العالم العربي.

أخبرتها نصف مازحة بأنني أشتم رائحة عدم تنظيم للمهرجان وأنني إذا لم يعجبني الحال فلن أشارك فأنا لا أحب العشوائية عموماً ولابد أن يكون مكان إقامتي في طرطوس مقبولاً لأقضي تلك الأيام التي دعتني إليها وطمأنتني بأنها قد تبدو غير منظمة لكنها منظمة جداً. ثم مضت رشا لإنشغالاتها.

وفي منتصف الليل فاجأتني بدعوتها لي لأأخذ تاكسي وأنضم إليهم في مطعم "عندنا-شي نو" حيث تحتفل هي وأصدقاءها وجيمس الشاعر الإنجليزي الضيف فذهبت وسهرت معهم حتى وقت متأخر وقبل العودة إلى الفندق سألتها عن موعد السفر غداً إلى طرطوس فأجابت أنها لا تعرف ربما مساءاً .. ربما ليلاً .. ربما بالقطار .. ربما بالباص. فتوجست من ذلك وطلبت عنوان الفندق هناك وأخبرتها بأنني سوف أستأجر ليموزين للسفر إلى هناك والذهاب إلى الفندق مباشرة لأن موعد المغادرة من فندق الشام هو 12 ظهراً فأعطتني إسم الفندق وعنوانه. وللوهلة الأولى كان علي أن أعيد التفكير فإسم الفندق نفسه لا يدعو للطمأنينة. فندق الغابة.

مضيت في الصباح التالي مع السائق أبو إبراهيم إلى الأوتوستراد ومنه إلى طريق طرطوس .. تحيطنا الجبال الجرداء والصحراء والقرى الصغيرة من كل مكان. وتأملت المشهد الذي بقى في رأسي جميلاً رغم كل شيء فتلك الجبال والهضاب الجرداء تبدو لي مغلفة لأسرار التاريخ الطويل الذي شهدته هذه البلاد. ولم نتوقف إلا في بلدة النبك في الطريق .. حيث لمحت ديراً على أطرافها .. وفي داخلها بيوت تبدو معظمها مغلقة ومهجورة ووضح لي السائق أن أهلها معظمهم مهاجرين إلى السعودية وأمريكا اللاتينية وغيرها وتوقفنا في سوقها لشراء الدراق واللوز والفستق والجوز والبندق ثم أكملنا الطريق الذي طال خمسة ساعات قبل الوصول إلى طرطوس.

 ولم أرى البحر. " يا عم أبو إبراهيم أين البحر ؟ " ...

- " إنه هناك " . وإستدار إلى شواطئ ترتمي عليها أكوام الزبالة وتتزاحم العشش وسفن الميناء. الأبنية القديمة .. وآثار تاريخية متداعية. فأين فندق الغابة ، إذن ؟ سألنا .. ودخلنا إلى أحياء المدينة حتى وصلنا إلى شارع سكني صامت. وفي الزاوية مبنى من عدة أدوار ولافتة صغيرة على الدور الثالث منه تحمل إسم الفندق. طلبت من السائق الإنتظار. ودخلت باب المبنى وسألت فقال لي رجل هناك ، ربما كان الحارس ، إنه في الدور الثالث وبقية الأدوار شركات أخرى ثم سألني إذا ما رغبت في أن يرافقني في المصعد لأن المصعد قد يتوقف بي بسبب إنقطاع الكهرباء المفاجئ والمحتمل.

وصعدت إلى الفندق الذي يشبه غرف مستشفى القصر العيني في القاهرة .. شقة صغيرة وآنسة في زاوية الإستقبال وراء ورود صناعية مغبرة تحمل اللحاف والمخدة وتستقبلني لتريني غرفتي في زاوية وراءها. الغرفة بها حوض إغتسال كأي فندق صغير من فنادق العتبة في القاهرة والشباك يطل على حوائط سد. كيف لي أن أقضي ثلاثة ليالي في مكان كهذا يبعد عن مكان المهرجان حوالي 40 كيلومتراً ؟

إتصلت بي رشا عمران وأخبرتها أنني وصلت إلى طرطوس وإنه يصعب علي قبول النزول في مكان كهذا. أخبرتني أنها لا تزال في دمشق وأنها تقترح علي فندق للمغتربين في ضيعة على مقربة من قريتها ولكنها لن تدفع للفندق وعلي أن أتحمل تكلفة إقامتي هنا وأنها سترسل إلي بقريبها الدكتور ليدلني على ذلك المكان. وبالفعل جاء الدكتور وتبعناه بسيارة الأجرة وهو يرتقي جبال طرطوس ويدور في محاورها وعلى بعد 22 كيلو وجدنا ضيعة صغيرة لا يتعدى سكانها ربما المائة ومبنى صغير يحمل إسم فندق هناك. المصعد خارج المبنى ونصعد به إلى السطح ثم ننزل على الأقدام ليقول لي رجل الفندق أنهم سيرونني أجمل غرفة لديهم – غرفة شهر العسل للعرسان ليفتح الباب فأفاجئ بمشهد من مشاهد سلفادور دالي: مرحاض وبانيو وشطاف وسرير ضخم في غرفة واحدة ونافذة تطل على حائط. ضحكت كثيراً بالطبع فلم يسبق لي أن رأيت مرحاض نوم من قبل وسألته لماذا الغرفة هكذا فأجابني لأن العرسان لا يحتاجون إلى أكثر من ذلك وحمدت الله أنني لست عروساً تقضي شهر العسل في ذلك المكان. إعتذرت عن الإقامة في ذلك المكان وذهبنا بصحبة الدكتور لنشاهد الملاجة وعلى بعد 22 كيلو متر آخر فوق الجبل توقف الدكتور فجأة أمام أحجار مبعثرة وقال أن هذا هو المسرح الذي بنوه بأيديهم وسألته أين القرية فأشار إلى منطقة بعيدة حوالي 10 كيلو مترات بها عدة بيوت على رأس الجبل وقال أنها تلك. وإنه لابد من المضي بالسيارة إليها من هنا. كان المغرب قد إقترب وأردت العودة إلى دمشق وخصوصاً أن هناك سيارة معي يحسب صاحبها ساعاته بالدولارات وهو ينتظر لذلك إعتذرت عن دعوة الدكتور لزيارة منزله لكنني سألته لماذا لا تحضرون ضيوفكم للإقامة في القرية ما دامت بعيدة هكذا بدلاً من تجشم المشقة من طرطوس إلى هنا فرد بأن منازلهم لا تتسع للضيوف لقلتها وضيقها. خمسة ساعات أخرى من الطريق وعدت إلى دمشق في ليلة الإثنين ولم تتصل رشا عمران أبداً بي لا تلك الليلة ولا بعد ذلك وأنا تناسيت الموضوع وقررت أن أكمل تجوالي في دمشق وما حولها رغم إنني مرضت في اليوم التالي ولازمت السرير بسبب إجهاد السفر ذهاباً وإياباً في نفس اليوم إلى طرطوس.

زرت أسواق الحمراء والصالحية وجامع السليمانية ومتحف دمشق وبلودان والزبداني وقبر قابيل على جبال بردى ومنبع بردى وتجولت وتمتعت بصحبة صديقتي كوكب في دمشق. ثم تحضرت لمغادرة الفندق ظهر يوم الجمعة 14 أغسطس وأثناء محاسبتي لفواتير الفندق في الإستقبال فوجئت بالشاعر أحمد الشهاوي آتياً للسلام علي فقد وصل في الليلة السابقة وأخبرني أن وزير الثقافة السوري السيد رياض نعسان الآغا موجود في اللوبي ويود السلام علي فمضيت معه للسلام عليه وخصوصاً إنني أعرفه منذ زمن فقد أجرى لقاءاً تليفزيونياً معي منذ عشرين عاماً وكان سفيراً لسورية في الإمارات فيما بعد ثم وزيراً للثقافة اليوم وهو للحق شخصية دمنة ورجل إعلامي مثقف لطالما أطل على الجمهور العربي وله الكثير من المعارف والأصدقاء في الوسط الثقافي العربي.

وفي اللقاء الخاطف ذلك رحب بي وذكر أنه لم يعرف بوجودي في دمشق وأنه كان سيحتفي بي لو عرف ذلك وسألني عن مهرجان السنديان فذكرت له إنني لم أشارك بسبب عدم وجود مكان لائق للإقامة أثناء فترة المهرجان وإن إنطباعي أن التنظيم ليس جيداً بما يكفي ثم ودعتهم وسافرت إلى القاهرة.

وصلت ليلاً إلى القاهرة وفي منتصف الليل فوجئت بإتصال على الأنسرماشين من رشا ورسالة بأنها زارتني ذلك الصباح في الفندق ولم تجدني. إستغربت بالطبع فهي لم تتصل ولم تسأل منذ الإثنين وها هي ليلة وصولي للقاهرة – الجمعة – تتصل. أرسلت إليها في اليوم التالي بأنني سررت بلقائها وإعتذرت لأن المكان لم يناسبني. وإنهالت علي بعدد من الرسائل والتهديدات بأنها ستكتب في الصحف وبأنني شاعرة فنادق .. إلخ فإضطررت للإتصال بها لإيقافها عند حدها وشرحت لي بأن الوزير ذهب إلى طرطوس وأقام مؤتمراً صحافياً إتهم فيه مهرجانها بأنه مهرجان فقاعات ثقافية. شرحت لها أن هذا أمر داخلي لاشأن لي به فالوزير كي يصرح بمثل ذلك التصريح لابد أنه مبني على أمور تتجاوز قضية إستضافتي وذكرت لها بأنني لا أريد الدخول في معارك إعلامية معها وتمنيت لها التوفيق.

وللحقيقة فقد عدت مريضة من سوريا ولا أزال فقد وقعت طريحة الفراش لمدة أسبوع غير أن ذلك السيل الإعلامي والبيانات التي أصدرتها – رشا عمران مورطة ضيوفها معها فيها ومتهمة إياي بأمور تشوه صورتي وتسيء إلي دعتني لكتابة كل هذه التفاصيل. جزئياً للتوضيح .. وجزئياً لذهولي مما آلت إليه سلوكيات بعض المثقفين والمثقفات العرب في سياق مهرجاناتهم وملتقياتهم وشلليتهم. وأنا أنأى بنفسي عن كثير من الملتقيات لا لشيء سوى أنني أجد معظمها تفتقر إلى أدنى شروط العمق الثقافي وسلاسة التواصل الإنساني وللمتاجرة البينة في أخذ المساعدات أو التلميع الإعلامي سواءاً للجهات الرسمية أو بعض الأفراد القيمين عليها. إنهم يستغلون أسماءنا لا لصنع المزيد من الثقافة ونشرها بل للإتجار بها ضمن منجزاتهم والحصول على المزيد من الأموال التي لا ندري إلى أين تذهب تحت مسميات مهرجانات الشعر والأدب المحلي والدولي. رحم الله الماغوط وونوس وممدوح عدوان وإحسان مراش ومحمود درويش الذي أحب دمشق كثيراً في قصائده ونزار قباني الذي جعلنا نشم رائحة ياسمينها دون أن نزورها وأطال الله في عمر غادة السمان التي لا زالت كتاباتها مضمخة برائحة جدران دمشق القديمة.