تركيا (2)

د. عثمان قدري مكانسي

تركيا(2)

بقلم: د. عثمان قدري مكانسي

كانت الزيارة الأولى لتركيا عام خمسة وثمانين ، وكانت الثانية في الصيف التالي ،عام ستة وثمانين ، وقد يتساءل أحدهم : لمَ زرتماها سريعا ، وفي الصيف الأقرب؟  أقول : قد يتناول أحدنا وجبة شهية على جوع ، فلا تكفيه ، أو يلتذ بها ، وما يزال طعمها في فمه ، فيعاود الكرة،

وعادات الأتراك قريبة إلى عادات السوريين لأنهم جيران، وقد كانت ولاية حلب تتضمن الجزء الجنوبي من تركيا كديار بكر وماردين والاسكندرون ،

ونحن ـ الحلبيين ـ نستعمل كلمات وتعابير تركية كثيرة في حديثنا لا تستعملها بقية المحافظات السورية.

حين كنت في حلب تعرفت على الأخ الفاضل ذياب القدومي ـأبي ياسرـ وكنيته هذه قبل الزواج ، فلما تزوج ورزق مولودا ذكرا سماه محمدا، نزولا على رغبة " ولي الأمر" , أو قل " بيج"  فما قصة ال " بيج " هذه؟

يقال : إن صديقنا القديم "  مشهور خلفات " وصار قديما لأنني لم أره منذ عشرين سنة مضت ـ فقد صار غنيا من أغنياء الأردن ـ حين عقد قرانه على زوجته نزلاإلى المعارض ليشتريا غرفة النوم ، وكان يريد لونها سماويّا ، وكانت تريده " بيج " فاختلفا ثم اتفقا على حل وسط فكان الحل الوسط " بيج " .... وفهمكم كاف ، فالمغزى واضح.

كان ذياب صديقا لأخويّ برهان ومروان، وعلى هذا فمعرفتي به لصيقة ، وشاء القدر أن نلتقي في الإمارات مدرسَيْن أنا في دبي ، وأسكن الشارقة ، وهو في أم القيوين، وكانت حفلة زواجه في داري .

كل هذه المقدمة لأقص عليكم طرفة جرت معنا كلينا ومدرس فلسطيني لم يزر حلب ولم يسمع بلهجتها ، ولا مفردات حديثها، فسمعنا نتحدث بعض الكلمات التي لم يفهم معناها، فسأل ماذا تقولون؟فضحكنا وقلنا : هي اللهجة الحلبية مطعمة بكلمات تركية ، فثلث كلمات اهل حلب في بداية القرن العشرين تركية ، ثم بدأت تنحسر شيئا ، فشيئا فقال : أهذا معقول ، قلنا استمع إلى هذه المحادثة القصيرة بيننا لتتأكد من ذلك.

اشترينا " سكرتونا "جديدا فيه " سلطانات " واسعة ، وضعت في الواحدة عشرين "جنقا " و" شمشاية "  فقال صاحبنا : ماهذا ؟ لم أفهم شيئا . قلنا له : اشترينا خزانة جديدة ، فيها جوارير واسعة ، وضعنا في الواحدة منها عشرين ملعقة ومغرفة ،....

وعلى هذا فقد اشترينا من الشارقة كتابا لتعلم اللغة التركية دون معلم فوجدنا تعلمها سهلا ، وسريعا، فكنت أستطيع التعبير عما في نفسي دون معانات تذكر، كما أن زوجتي من " بيراجيك " التركية الملاصقة للحدود السورية وأبوها رحمه الله تعالى تركي يحمل الجنسية التركية .

الأتراك إجمالا يحبون المسلمين العرب ، ويتقربون إلى الله بحبهم ، وكلما نزلت جنوبا ازدادت الصلة بيننا ، فالجنوبيون أقل تفرنجا من الشماليين، وأقرب إلى البساطة والتديُّن . ولا يخفى أن اكثر من تسعين في المئة من جذور اللغة التركية ذات أصل عربي، فقد أثر القرآن الكريم وقرب الديار في تركيب هذه اللغة .

وقد التقيت في " بورصة " بطلاب العلم الشرعي ، فسارع كثير منهم للتعرف عليّ ، وإظهار المحبة لنا ، ثم قرؤوا عليّ بعض السور والآيات ،ولكننا معشر العرب قطعنا علائقنا مع إخواننا المسلمين ونأينا عن قيادة ركب الحضارة ،

كوك جدرة قرية سياحية ، تحيط بها الجبال من كل ناحية، يأتيها الأتراك في السبت والأحد ليستجموا بما يسعدهم من راحة تبعدهم عن متاعب الأسبوع ، وليسبحوا في مياه " التيرمال " الكبريتية،وليحضروا المهرجانات الاسبوعية ، ويتعاقد مقهيان لا ثالث لهما في القرية مع المغنين والمغنيات، والفرق الموسيقية التي تصدح ـ أوقل تزعج المصطافين ـليلة الأحد حتى اقتراب الفجر، وكانت شقتنا مطلة على هذين المقهيين ، فكنا نستعيذ الله تعالى من هذه الليلة ، ونتحملها لنستريح بقية الأسبوع في هدوء وأنس مريحين ، ويتجمع العرب في" وسبنر" القرية الغربية الجنوبية من كوك جدرة ،فوق التيرمال فيسهرون على ضوء القمر ، وكان كثير من العلماء يعقدون حلقات العلم والذكر في مسجدها القديم ، وفي الجديد بعد أن بني على تل شيد عليه العرب عشرات البيوت الفخمة،  فيحضرها كثير من المصطافين العرب والأتراك وقد تعرفت على كثير من هؤلاء  كما أن الصلة توطدت بالأساتذة العلماء أمتال الشيخ " محمد علي الصابوني" و" الشيخ الدكتور عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني" و" الشيخين الجليلين " محمد محمود الصواف" و" عبد الفتاح أبي غدة " رحمهما الله تعالى

وكان العقد الثامن للقرن الماضي بعج بمدارس حفظ القرآن الكريم ، فقد كان في تركيا آنذاك أربعة عشر ألف مدرسة لتخفيظه، ولا أزال أذكر قول الصواف : إن بعض التلاميذ يقرؤون  ـ لشدة حفظهم الفاتحة وغيرها بمقلوب الكلمات ـ وقد يقال لأحدهم ابدأ من الآية الثالثة في الصفحة كذا فيقرأ دون إبطاء ، على الرغم أنهم لا يفهمون العربية ،وصدق الله تعالى إذ يقول : " إنا نحن نزّلنا الذكر ، وإنا له لحافظون " . وفي هذه الآية الكريمة أحد عشر تأكيدا ، والله تعالى لا يحتاج فيما يقول إلى تأكيد، إلا أنها تعظيم للقرآن ، ودحض لمكر الماكرين،  وافتراء المفترين,

وكان إمام المسجد التركي من حفظة القرآن ، ومتمكنا من العربية ، يأنس إلينا ونأنس إليه، ومعه بعض تلاميذه الذين ساروا على دربه،  وربما زاحموه في مدارسة العلم الشريف من فقه وتفسير، وممارسة للعربية ليأخذوا العلم من منابعه ، ويغرفوا من مناهله،

لا ترى في التركي طمعا أو غشا ـ على الغالب ـ وترى فيه دماثة ولطفا ، لكن بعض عرب الخليج أطمعوهم في السنوات التالية ، فيعطونهم من الأجرة أضعاف ما نعطيهم ، فبدؤوا يتجهون إليهم وظنوا أن العرب كلهم سعوديون أو إوإماريون ـ نسبة إلى الإمارات ـ أو كويتيون .....  ولِمَ لا ؟ فالإنسان يميل مع مصلحته، وصدق الشاعر إذ قال :

رأيت   الناس  قد  مالوا
ومـن  لا عـنده iiمـال
*          *         ii*
رأيت  الناس  قد  iiذهبوا
ومن  لا  عـنده iiذهـب
 





 
إلى  من عـنده iiمــال
فعنه   الناس   قد  iiمالوا
*          *         ii*
إلى مـن عـنده ذهـب
فعنه   الناس  قد  iiذهبوا
 

قررت والأخ زهير الأصيل أن نزور عاصمة الأتراك " أنقِرة" فحزمنا حقائب أسرتينا ، وقصدنا إستانبول ، لنبقى فيها يومين نتفرج على ما بقي في أذهاننا من معالمها الأثرية ، فأكثرنا من الصلوات في مساجدها الشبيهة جدا بمساجد حلب العثمانية ، وزرنا المتحف الذي فيه عباءة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، وهي التي ألقاها على الشاعر كعب بن زهير حين جاءه مسلما تائبا، ومدحه بقصيدته المشهورة:

    بانت سعاد فقلبي اليوم متبول       متيم إثرها ، لم يجزَ مكبول

ويقول فيها:

    إن الرسول لسيف يستضاء به      مهند من سيوف الله مسلول

 

وكانت قد أهـدِيَت للسلطان سليم الأول حين دخل الشام فاتحا عام 922 للهجرة، ..  ثم وقفنا أمام مصحف عثمان رضي الله ، المفتوح على الصفحة التي رأينا عليها دمه الطاهرحين قتله الثائرون، فذهب شهيدا صائما، فأفطر عند حبيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في الأثر أنه قال له في الليلة التي قتل بعدها : إنك ستفطر عندنا .

كلما ذكرت الخلفاء الراشدين رضوان الله تعالى عليهم حن قلبي إليهم واشتقت أن أراهم ورأيت نفسي واديا ضيقا أمام جبال عملاقة آخذة في السماء تناطح السحاب وتطاول الأنجم،وترسل فيئها على جنبات الأرض

وإني لأرجو الله تعالى أن يرفعني بحبهم  إليهم ، فالمرء مع من أحب ، وحين ألفت كتابي  " قصص رواها الصحابة رضي الله عنهم " أهديتهم إياه، فقد عشت في رحابهم ساعات رضية هنيّة ، فقلت:

إلى   الصدّيق   والفاروق  iiأهدي
وذي   النورين  فاسمي  من  iiنداه
إليهـم أنتـمي قــولاً وفعــلاً
ولست   بمدرك   منهم   iiيسيـرا
فيا   أصحاب   خيرالخلق   عذراً
عساني   أبلغ   الفردوس  iiفيكـم
 






 
كتـابـا  صغـته درّا iiبعـِقـدي
ورابع   هـؤلاء  الصِـيد  iiجدّي
فإن   ألحقْ   بهم،   فالودُّ   iiودّي
ولكن   حبُّهم   في   الله  سعـدي
فأنتم   قدوتي   ،   واللهُ   iiقصدي
إلى   الرحمان   في   جنات  خلْدِ
 

كان الطريق إلى أنقرة طويلا ، استغرق أكثر من ثمان ساعات، إلا أنّه كان ممتعا، فالمساحة الخضراء كانت تصاحبنا على جانبي الطريق، والقرى والدساكر ترامت قريبا وبعيدا ، ترافقنا دون كلال ولا ملال، والجبال التي تقترب أحيانا وتبعد حينا كأنها جماعات تسلم علينا وترحب بنا، .. هذا الطريق الذي ساره الخليفة المعتصم بالله حين استجاب لنداء الهاشمية إذ قالت : وامعتصماه.. وامعتصماه، مستنجدة ، مستجيرة به ممن أذلوها وقتلوا ابنها في" زبطرة " أحد ثغور المسلمين فكانت استجابته مضرب المثل في النخوة الإسلامية والرجولة الإيمانية، فقال : لبيك يا أختاه ، واقسم لا يجلس على عرشه حتى يثأر لها وللمسلمين، .. وبر بقسمه ، واجتاحت جيوشه الروم وعاصمتهم "أنقرة" فهدّمها وأحرقها ، ثم مال على " عموريّة"  مسقط رأس القيصر ، فاستباحها وهدّمها كذلك، ختى تكونا عبرة لمن تسوِّل له نفسه أن ينتهك حرمات المسلمين ، فمدحه " أبو تمام " في قصيدته الشهيرة :

  السيف أصدق إنباء من الكتب         في حدِّه الحَدُّ بين الجدِّ واللعب

وفيها يقول:

  فتح الفتوح تعالى أن يحيط به         نظم من الشعرأو نثر من الخطب

  فتح تفَفتَّح أبـواب السـمـاء لـه         وتبرز الأرض في أثوابها القُشُب

ويعظم شأن فتح عمورية :

  يا يوم وقعـةِ عمّوريـّة انصرفَـتْ       عـنك المنى حفّـلا معـسولة الحَلـَبِ

  أبقيت جَدّ بني الإسلام في صُعُد      والمشركين ودار الشرك في صبب

ويرى أن ما أصاب أنقرة من دمار كان شؤما على عمورية :

جرى لها الفأل نحسا يوم أنقِرة       إذ غودِرَتء وحشة الساحات والرحب

لكن زماننا الرديء ـ أيها الأحباب ـ رزأنا ب" رُوَيبضات" همها إرضاء العدو ، وقمع الأحرار، وقد قلت في ذلك:

رتع       البغاة      iiبموطني
وسطا   على   خيرات  iiشعـ
بالقهر والإرهاب iiوالــبطش
وعيونهم     سهرى     iiولكن
هي      للعـدو     iiسلامـة
وعلى     صدورهمُ     iiغَدَوْا
وتراهمُ       إفكا      iiوزورا
وهمُ      بألقاب     iiالفخــا
وبكل      أوصاف     iiالزعا
هذا أمير المؤمنــــــين
وجلالة       الملك      iiالهما
وسمُوُّه    جبل   iiعظيـــم
وفخامة      iiوسيـــــادة
وعدوُّهـم     iiيكويهِِــــمُ
وهـمُ    عـلى   iiأعتـابـه
لو      داسهم     iiبوقـاحـة
لو      مجّهـم     iiبصفاقـة
 

















 
واقتيد    أسرى   iiالمخلصون
ـبي     المارقون    iiالآبقون
المزلزِل            يحكمـون
أين   منهـا  iiالمفســدون؟!
وعلى    شعوبهـمُ    منـون
ظلمـًا    وقهـرا    iiيجثمون
يكـذبـــون ويـدّعــون
مة    والرياسـة    يرفـلون
مة    والريـادة   iiيُنعتــون
وذاك      حام      iiللحصون
م    ،حمته   أهداب   iiالعيون
يـفتـديـه       iiالحائـرون
وبغيرها     لا    iiيرتضـون
بالكره     والحقـد     iiالدفين
في ذلهـم iiيتمـرّغــــون
ضحكوا    وهم    يستبشرون
عـادوا  وهـم iiيتمسّحــون
 

ورحم الله " أبا ريشة " فهؤلاء الحكام دمى ولعب ، وصور ليس غير :

     ربَّ وامعتصماه انطلقت         ملء أفـواه الصبايـا اليُتَّـم

     لامستْ أسماعهم لكنهـا          لم تلامس نخوة المعتصم

وصلنا أنقرة ، فإذا هي مدينة عصرية ،واسعة المدى ،عصرية البناء

جعلها العلماني مصطفى أتاتورك عاصمة له، فيها الجامعات الكبيرة ، والعمارات العالية ، وعلى الرغم أن رئاتها ـ حدائقها ـ كثيرة، كان جوها قاتما لفساد هوائها، وربما لأن هذا المجرم دفن فيها، فقد دخلنا مقبرته الفخمة ، وهي عبارة عن بناء يونانيّ فخم عال ، على أعمدة سامقة ، يشبه قصور الإغريق، يتوسطه قبره ، فقرأنا الفاتحة على أرواح المسلمين ، ولعناه من كل قلوبنا ، ودعونا عليه بالويل والثبور ، وعظائم الأمور,

مكثنا أيامكا قليلة لم نرتح فيها كما ارتحنا في استامبول ،فعدنا أدراجنا ، وكانت كوك جدرة آنس لنا ، واقرب إلى نفوسنا,

على مسافة عشرة أميال ،ومن ناحية الشمال على شاطىء مرمرة تطل قرية سياحية ظريفة ، تدعى " عرموطلي" أكبر من كوك جدرة وأحدث ، يقصدها السابحون والسابحات، في العطلة الأسبوعية ، فكنا نمشي إليها متريّضين في غير أيام العطل ، إذ تكون هادئة، واسمها على مسمّاها ، فالعرموط ـ الأجاص ـ فيها حلو لذيذ، أما شاليهاتها فمتدرجة ، رخيصة الإيجار والثمن لمن أراد الشراء، لكنها لا تناسب أمثالنا من المحافظين الملتزمين، قضربنا عن شرائها أو الاستئجار فيها صفحا,

رئيس الجمهورية ـ إذ ذاك ـ كنعان إيفيرين ـ تقرب إلى العرب ، وانشأ علاقة طيبة بالشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أمير دولة الإمارات ،فكثر العاملون الأتراك فيها، وكانت خطوة رائدة في الاستعاضة بالمسلمين عن غيرهم

أما الزيارة الثالثة إلى تركيا فكانت في السنة الثانية والتسعين والمئة والألف،حين سافرت أم حسان مع أولاد اختها، إلى كوك جدرة ، صرفتها دون أن تعلم أنني على وشك الزواج بثانية، قالت : كيف أسافر دونك ؟ قلت الأمر بسيط ،فأنا غير راغب الآن ، ولعلي ـ إن غيرت رأيي ـ ألحق بكم ،

   تعرفت في العين ـ مدينة في إمارة أبي ظبي ـ على أسرة فلسطينية طيبة ، فيها امرأة مطلقة في السادسة والعشرين ولها ولد أخذه ابوه ، وعادت لتعيش في كنف امرأة أبيها، التي رغبت عنها، وكنتُ أكبُرها بعشرين سنة، والحقيقة أنني حين رايتها وكانت طويلة ممتلئة ، هادئة الطباع ، قريبة إلى القلب، ترتاح لها النفس ،  ولم تكن جميلة ، فقد شبعتُ من الجمال ، والجمال الحقيقي في النفس ، لا في الجسد فقط ، وانا في سن النضوج أميل إلى الهدوء والبساطة . ملت إليها وشعرت أنها بغيتي ، ولعل الله سبحانه يرزقني منها الولد، وهاتفت الوالدة ـ  رحمها الله وعفا عنها ـ أن تزورني لتخطبها او تبارك هذا الزواج ، فما كان منها حين علمت أنها ليست من حلب إلا أن رفضت رغبتي بشدة، فندمتُ إذ أخبرتها ، وما كان لي بعد علمها بما انتويت ورفضها أن أخالفها، فاعتذرت حزينا ، وأخبرتني انها ـ وقد علمت أنني جادٌّ هذه المرة ـ ستخطب فتاة تليق بي ، وكأن ما يليق بالمرء من النساء ينبغي أن يكون من بلده فحسب، !! فخطبت فتاة خطبة تقليدية ثم عُقد لي عليها، واستأجرت الشقة المناسبة وفرشتها وودفعت المهر، وكان عليها ان تأتي قبل عودة ام حسان من تركيا لترى الأمر قد انتهى فلما ، انتظرت الطائرة في المطار ، فلم تأت العروس فيها عدت إلى البيت لأسأل أخاهاسبب تأخرها ، فكانت هي المتحدثة ، وهذه هي المرة الأولىالتي أكلمها ، ولم أكن قبل قد حدثتها، أو تكلمت إليها .........

حمدت الله تعالى أن كلمتها قبل مجيئها، ولعلها أرادت ان تتقرب إليّ ، فأسمعتني من عبارات الحب والغزل ما لم أسمعه من زوجتي العفيفة مدة أربعة عشر عاما قضيتها معها، وأخبرتني أن جهاز العرس سينتهي بعد أيام وأنها ستوافي حبيبها في الأسبوع القادم لتسقيه الشهد،  وتنسيه أيام الشقاء، وليرزقه الله منها الذرية الصالحة!! قلت لنفسي : خير البرعاجله.

اتصلت بعمي واخبرته أنني لا أريدها،  فلما عرف السبب وحاول أن يثنيني طلقتها ثلاثا، وقررت أن أحتفظ بهذه المهرة العربية الأصيلة فقط، التقية اللبيبة ، وأنسى الزواج الثاني .

عادت رفيقة الدرب ، بعد اسبوع ، وكنت قد انتهيت مما عزمت عليه ، فرافقتني مرة ثانية إلى تركيا شهرعسل جديد أغسل فيه تعبي وأنسى فيه خيبتي.

لم أخرج من مصيف "كوك جدرة" إلا مرات قليلة استمتعت فيها بالهدوء ولقاء الأصدقاء وراحة الأعصاب.