أربعة أيام في استكهولم (2-3)

أربعة أيام في استكهولم

نوال السباعي*             (2-3)

 برد استكهولم وتراكم الثلوج في بعض جنباتها لم يخف جمالها المعماري ولا أناقتها الحضارية البارزة ولانظافة شوارعها وهي التي تتكيء علي عدد من البحيرات تتعايش مع ضبابها وسككها الحديدية وشوارعها القديمة والتي سبقت أوربة في حداثتها وان كانت اليوم قد تخلفت عنها في تحديثها، فالسويد كما حدثنا أهل السويد من أهلنا هي دولة صامتة لم تدخل الحرب العالمية الثانية ولكنها استفادت منها ببيع الأسلحة  والعتاد والعتد الي كل الأطراف المتحاربة، فلم تدمر مدنيتها بل انتفخت خزائنها بأموال هائلة جعلتها أكثر دول العالم تقدما وحضارة، ولاأقول أغني دول العالم فكلنا يعرف كم من دولةٍ غنية ٍ أموالها حكر علي بعض الجيوب وأرضها وشعوبها ترزح تحت نير التخلف والشرذمة وسفاسف وقشور الثقافات المستوردة!.

لفت نظري في سكان العاصمة السويدية خلال هذه الأيام الأربعة التي قضيناها فيها في ظل المؤتمر الرابع والعشرين للرابطة الاسلامية في السويد، لفت نظري الهدوء الكبير جدا والذي يتمتع به القوم، وصدق من قال ان الثقافة سلوك حضاري، هدوء في طريقة الكلام، هدوء في أسلوب المشي، هدوء في التعامل مع الآخرين، لم يكن صحيحا هذا الذي قاله لنا بعض الاخوة لدي استقبالنا بأن أهل السويد أقل عنصرية، لم يكونوا علي الاطلاق ممن يرضي بالأجانب أو يغض الطرف عنهم خاصة وأن المحجبات كنّ يتواجدن بكثافة مرتفعة في مركز المدينة الصغيرة أيام المؤتمر وهن يتنقلن بين مسجد استكهولم وبين المركز الثقافي الذي جُعل مقرا لذلك المؤتمر، لم يكونوا أقل عنصرية من أصحابنا أهل اسبانية من حيث أتينا، ولكنهم كانوا أكثر أناقة في إبداء عنصريتهم نحونا!.

الأناقة كانت الطابع الأكثر لفتا للنظر في كل شيء في استكهولم، الأبنية، الشوارع، سلوك الناس، لباسهم البسيط اللطيف هادئ الألوان، حركاتهم، طريقة تناولهم الطعام، الأصبغة التي تضعها نساؤهم علي وجوههن، وحتي طرق تصفيفهن لشعورهن، معاملة رجالهم لنسائهم في الأماكن العامة، طريقة تعبيرهم عن الخوف العميق الذي انتابهم لدي رؤيتنا- أنا وأولادي الارهابيين - في طابور الدخول الي الطائرة للاقلاع نحو مدريد، كل شيء في استكهولم كان هادئا وأنيقا بطريقة حضارية متميزة طالما يحاول الاسبان تعلمها وبدأب عن طريق بث حملات تربوية دعائية في التلفزيون الاسباني لكي يتعلم الناس في اسبانية السلوك الحضاري في الحديث بصوت منخفض وفي الحوار دون غضب ورعونة ورفع للصوت والأيدي وربما الأرجل! كما هو الحال في بلادناالأصلية التي تعاني من شقاق نكد بين سلوكيات شعوبها وبين التعاليم الأصلية التي تتكيء عليها الحضارة العظيمة التي قامت عليها اصلا هذه الأمة وهذه البلدان..وصدق من قال: في أوربة مسلمون ولااسلام، وفي بلادنا اسلام ولا مسلمين!.

الذي لفت نظري وكثيرا أثناء هذه الأيام الأربعة هو تطبع أبناء كل جالية عربية ومسلمة بأخلاق الأرض التي حلّوا فيها مهاجرين وذلك علي الرغم من قواسم عربية عامة مشتركة تتعلق بمشكلات الجاليات العربية مجتمعة وخصائص كل منها منفصلة، الجالية العربية في السويد متنوعة الي درجة كبيرة جدا علي قلة عددها مقارنة بالجالية في اسبانية، أعداد القادمين من السودان والصومال وأرتيريا كبيرة جدا بالنسبة الي تعداد الجانب والفرق الهائل في طبيعة المناخ بين افريقية وشمال أوربة، لكن هناك سوية ثقافية لابأس بها بين أفراد الجاليات الذين التقيت بهم في هذا المؤتمر ولعل السبب الرئيسي في ذلك يعود الي تشجيع الدولة للدراسة ونيل العلم وتسهيل عمليات معادلة الشهادات الأجنبية وتخصيص معاشات خاصة للطلبة طيلة فترة دراستهم في الجامعات وهو شيء لانعرفه أهل اسبانية من العرب والمسلمين المهاجرين!.

الجالية العربية المسلمة في السويد أو علي الأقل الشريحة التي التقيناها في هذا المؤتمر كانت تبدي سلوكا انضباطيا كبيرا جدا، ورغبة في العمل وبذل الجهود، وان كانوا كغيرهم من أبناء الجاليات العربية في الغرب يعانون من نفس الأمراض التربوية التي حملناها معنا وتفرقنا بها في أنحاء الأرض نصارع الحياة وتصارعنا أملا في الارتقاء فوق هذه الأثقال الثقافية التي ترهق العرب في كل مكان وتجعل منهم عبئا علي الآخرين كما تجعل من ثقافتهم عبئا عليهم لدي التعامل مع الآخرين خاصة فيم يتعلق بقضية تقديم الاسلام الي هؤلاء الآخرين.

محوران رئيسيان تدور حولهما كل مشكلات هذه الجاليات بعيدا عن تعقيد الأمور الرسمية المتعلقة بالهجرة والحصول علي الاقامات والي غير ذلك ممازاد تعقيدا وصعوبة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي فرضت نفسها علي كل شاردة وواردة في كل مايخص الوجود العربي والاسلامي الانساني في الغرب، هذان المحوران هما وضع المرأة، ومشكلات الشباب .

المرأة..المرأة ..المرأة، وكأنه لاهمّ ولابلوي للعرب والمسلمين في هذه الأرض كمصيبتهم في وضع المرأة في مجتمعاتهم وأخلاقهم وسلوكهم ؟ أحوال النساء العربيات في السويد لاتختلف في شيء عن أحوالهن في كل البلاد العربية وفي كل مكان يتواجدن فيه علي سطح هذه البسيطة ! وذلك علي الرغم من أن المرأة المسلمة في استكهولم وصلت الي برلمان محافظة العاصمة لتكون عضوا فيه وبحجابها، وهذا هو حال السيدة لمياء العامري التونسية الأصل والتي تمثل صورة مشرقة لوضع المرأة المسلمة في دول الاتحاد الاوربي من حيث التسامح الديني وقبول الآخر وتحقيق القيم الديمقراطية بأبهي صورها وأصدق ادعاآتها، وهو شيء يصطدم تماما مع ماتنوي الحكومة الفرنسية طرحه علي الساحة من قوانين تتدخل فيها في قضية الحجاب لدي الطالبات المسلمات.

ولهذه المفارقة حكاية طويلة قد نسردها ان شاء الله في الاسبوع القادم!.

*كاتبة عربية -مدريد

-يتبع-