يومياتي  في أمريكا

يومياتي  في أمريكا

بلاد الكلاب .. والخضرة .. والآيس كريم

أ.د/ جابر قميحة

[email protected] 

الحلقة ( 26 )

مع المستشرقين في جامعة فلادلفيا ...

كان موضوع المحاضرة في قاعة الإخوة في جامعة بنسلفانيا بفلادلفيا هو (المستشرقون ) . وهو الموضوع الذى عالجته بعد موضوع المحاضرة التي سبقته وكان عن الإسلام ورصيد الفطرة ، وهذا الموضوع من اقتراح الإخوة ، وقد رأيت في عيونهم حماسة قوية لهذا الموضوع  .

قبل أن أبدأ المحاضرة ابتسمت وقلت : أنا دائما أسمح لكم في نهاية كل محاضرة أن تسألوا ما شئتم . فاسمحوا لى قبل بداية المحاضرة أن أسألكم سؤالا واحدا هو: لماذا تحرصون على أن أتحدث في هذا الموضوع ؟

فكانت الإجابة : لأننا نلتقي في غربتنا هنا بعض هؤلاء المستشرقين الجدد ، ويوظفون معلوماتهم عن الإسلام  توظيفا سيئا ، وبصراحة نحن لا نملك الآلية ــ لغة و مضمونا ــ التى تمكننا من الرد عليهم ، ونقض ما يزعمون .

وهذه الصراحة جعلتني أتحمس للموضوع وأتناوله بصورة وافية تدور حول المحاور الآتية :

1- مفهوم الاستشراق ، وبداياته .

2-                        الصلة بين التبشير والاستشراق .

3-                        أخطر الأعمال التى قام بها المستشرقون .

4-                        كيف نقيم المستشرقين وأعمالهم تقييما يتفق مع قيمنا الإسلامية .

5-                        من افتراءات المستشرقين .

6-                        الآثار والبصمات التى تركها المستشرقون في العقليات والمفاهيم العربية .

7-                        ككيف نتصدى لهؤلاء .

***********

وفي السطور الآتية أقدم بعض التفصيلات :  /span>

يراد بالاستشراق ما يقوم به الغربيون من دراسة لتاريخ الشرق وأممه وعلومه وعاداته ، ومعتقداته وأساطيره .

وفي سنة 1130 أنشئت في طليطلة مدرسة للترجمة تولاها أحد الأساقفة ونقلت جلائل الأسفار العربية الى اللاتينية ، وبلغت 400 كتاب أغلابها للرازي ، والزهراوي ، وابن رشد ، و وابن سينا .

ولعل أخطر ما قام به المستشرقون حتى الآن  إصدار " دائرة المعارف الإسلامية " بعدة لغات .

وخلاصة حكمنا على المستشرقين ، وتقييمنا لأعمالهم ينبع من قوله تعالى (ولا يجرمنكم شنأن قوم على ألا تعدلوا ، اعدلوا هو أقرب للتقوى ، واتقوا الله إن الله خبيرا بما تعملون ) المائدة 8 .

فالحكم المطلق على المستشرقين بأنهم رصدوا أنفسهم لهدم الإسلام والعربية ، وتسميم أفكار شبابنا وتحطيم أخلاقه ، كالحكم المطلق على المستشرقين بأنهم رصدوا أنفسهم لخدمة الإسلام والعلوم الإسلامية والحضارة العربية .

كلا الحكمين مجانب للصواب ، مجاف للواقع ، مناقض لروح العلم والبحث

 الشريف ، ومناقض كذلك لروح الإسلام الذي أمرنا أن نتبين طريقنا وأن نبحث عن الحقيقة ، وننشد الحق .... الإسلام الذي قال نبيه صلى الله عليه وسلم ( الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها ) .

وأي مسلم منصف يستطيع أن يزعم أن" توماس كارلايل" كان صليبيا متعصبا ، وهو يقول عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في كتابه الأبطال " ... ويزعم المتعصبون من النصارى الملحدون أن محمدا لم يكن يريد بقيامه إلا الشهرة الشخصية ، ومفاخر الجاه والسلطان ، كلا وأيم الله ، لقد كان في فؤاد هذا الرجل الكبير إبن القفار والفلوات العظيم النفس ، المملوء رحمة وخيرا وحنانا وبرا ، وحكمة وحجى ...أفكار غير الطمع الدنيوي ، ونوايا خلاف طلب السلطة والجاه ... لقد كان زاهدا ، متقشفا في مسكنه ومأكله ومشربه وملبسه ، وسائر أموره وأحواله . وقد أخرج الله العرب بالإسلام من الظلمات إلى النور ، وأحيا به من العرب أمة هامدة ، وأرضا مواتا " .  

ولا ننسى  جهود المستشرق " ديرمنجم" ، في السيرة والسنة ، و"توماس أرنولد " في  كتابه الدعوة الي الاسلام  و" برجستراسر " ، و "بريستيل " في كتابهما مجموعة علوم القرآن . ومن أشهر المستشرقين " دنسنك " الذي عني بالحديث النبوي الشريف .

ومن أخلص المستشرقين للقضية المصرية المستشرق الإنجليزي " ويلفريد بلنت " (1840 – 1922 ) .

ومن هؤلاء من تعمق في الإسلام فأسلم وألف كتبا رائعة مثل " ليوبولد فايس " الذي سمي محمد أسد .

**********    

وإذا كان هذا هو الوجه المشرق للاستشراق فإن هناك وجوها مشحونة بروح التعصب والحقد والتحامل الأعمى على الإسلام والقرآن والنبي والعروبة . من أهم أهم  أهدافهم :

 - تمكين الاستعمار الغربي في البلاد الإسلامية ،وإضغاف روح التدين الإسلامي .   – العمل على سيطرة الروح الصليبية في دراسة الإسلام بدعوى البحث العلمي ، وخدمة الإنسانية . وممن وقف جهده في هذا المجال  المستشرقان : رينان ولامانس ، وغيرهما .

  *******

والتبشير هو الصورة الجديدة للاستشراق ، وبتعبير أدق هو الصورة الباقية من الاستشراق .

وأصبح التبشير في وقتنا الحاضر يتمثل في عنصرين :

الأول هو العنصر الأجنبي الأوربي والأمريكي في هيئة قسس ، وعلماء ، وأطباء ، ورجال أعمال ينطلقون إلى بلاد العالم الثالث ، وغاباته وأحراشه مع اهتمام خاص بالمناطق ذات الكثافة الوثنية .

والثاني هو العنصر الوطني : ويتمثل في رجال الدين المحليين وأغلبهم صنعهم المستشرقون المبشرون على أعينهم ، وكثيرمنهم تربوا في الكليات اللاهوتية في أوربا وأمريكا يساندهم رصيد ضخم من الأموال وسياسة الحكام ...الخ

ااستغرقت المحاضرة – كما ألمعت آنفا - قرابة ثلاث ساعات ، وكان لها كسابقتها وقع طيب جدا في النفوس .

***********

وبت ليلتي في فيلا الأخ المهندس إبراهيم موسى وتناولنا الإفطار على مائدته أنا وبعض الإخوة .

وفي الحادية عشرة والنصف من صباح الأحد 9 من مايو انطلقنا أنا والأخ إبراهيم إلى الولاية الملاصقة لولاية بنسلفانيا ، وهى أصغر ولاية في الولايات المتحدة ,  واسمها   Delaware وهي أول ولاية في النشأة ،إذ أنشئت في 7من ديسمبر سنه    1789  .  . وتشجيعا لإقتصاد ولاية Delaware  سمحت الدولة بأن يكون التعامل التجاري من غير ضرائب ( Tax  ) مما يشجع الناس على الشراء منها .

وفي الرابعة مساء تناولنا الغداء على مائدة الأخ إبراهيم  ، وودعناه الي نيوهافن في الخامسة ، ووصلنا إليها  في العاشرة مساء . وشكرا للأخ المصري الدكتور عاصم طبيب الأسنان – وهو مقيم في فلادلفيا – فقد أصرعلى يحملني بسيارته في رحلة العودة .

وبهذه المناسبة أثني على جهود الأخوة في فلادلفيا فهم يقومون بتدريس اللغة العربية والثقافة الإسلامية لأبناء العرب والمسلمين .

    الاحد  9   من مايو 1982

قطرات نفس

القصف الإعلامي ضد الإسلام

لا يستطيع أحد أن ينكر الأثر البالغ لوسائل الإعلام على الفرد، والمجتمع، والشعوب، والأمم. ووسائل الإعلام منها المقروء كالصحف، ومنها المسموع كالمذياع، ومنها المرئي كالتلفاز، وكان آخر أطواره ـ هو ما يسمى "بالإنترنت".

وقد استطاعت المؤسسات التنصيرية والصهيونية توظيف هذه الآليات بجهود وإمكانات هائلة متواصلة، وأكدت جميع المؤتمرات ـ التي ناقشت موضوع استخدام وسائل الاتصال الجماهيري ـ ضرورة إنشاء الإذاعات في كل مكان، وفي كل فرصة ممكنة، وإنشاء معاهد لإعداد الإذاعيين، وتدريب الكوادر، وإقامة مؤسسات لإنتاج المواد الإذاعية وتزويدها بكل الإمكانات، وتدعيمها ماليًّا بكل ما يجعلها قادرة على الوفاء بالتزاماتها.

ولعل أنشط هذه المؤسسات والهيئات والمنظمات ـ على سبيل المثال، لا الحصر ـ المؤسسات التالية:

1 ـ الرابطة الكاثوليكية للراديو والتليفزيون: ومقرها سويسرا.

2 ـ الرابطة العالمية المسيحية: ومقرها جنيف.

3 ـ الاتحاد العالمي للاتصالات المسيحية: أنشئ في لندن عام 1968م.

4 ـ الرابطة الدولية للإذاعيين المسيحيين: وهي رابطة خاصة بالإذاعيين العاملين في مجال الإذاعات التنصيرية في الولايات المتحدة الأمريكية.

5 ـ جمعية التنصير العالمية بالراديو: وهي جمعية "بروتستانتية" مقرها "نيوجرسي" بالولايات المتحدة الأمريكية.

6 ـ الهيئة التنصيرية العالمية في هونج كونج.

7 ـ الاتحاد الفلبيني للإذاعيين الكاثوليك:ومقرها تايلند.

 8 - وإذاعة "صوت الغفران" التي تبث برامجها بالعربية من جزيرة سيشل، كانت ـ ولا زالت ـ من أخطر وسائل تضليل المسلمين ما استحدثه في مجال البرامج الإذاعية التنصيرية هو ترتيل الإنجيل على غرار أسلوب وطريقة تلاوة القرآن الكريم، وذلك لخداع المستمعين البسطاء من المسلمين العرب وغير العرب، أو على الأقل لجذب انتباههم، والاستحواذ على اهتمامهم.

وقد دأبت الإذاعات التنصيرية التي تبث بالعربية على التعريض بالإسلام، والحط من شأنه، وتمجيد النصرانية والرفع من شأنها. من ذلك ما يبث في برنامج باسم "الحكمة السرمدية" من إذاعة "حول العالم من مونت كارلو".