المغرب بعيون زائر جزائري

 الزائر المعجب.. زيارتي للمغرب كانت مفيدة جدا في تصحيح نقاط عدّة، وثرية جدا من خلال ملامسة المجتمع المغربي بأطيافه عن علم وقرب طيلة 17 يوما، ولعلّ الملاحظات المدونة أعلاه، تبيّن بوضوح درجة الإعجاب والتقدير، منها..

حب المغاربة للملك.. لمست عن قرب حب المغاربة لملكهم محمد السادس، فهم يلبسون لباسه ويتعاملون مع لباسه على أنه موضة جديدة، تستحق التقدير والافتخار بها. ونفس الشيء يقال عن زوجه، فيقلدها النساء في لباسها المغربي المتجدد.

يقولون عن الملك، أنه فتح الأبواب على مصراعيها للاستثمار، ومهّد السّبل والطرق لكل من يريد أن يستثمر وفي أيّ ميدان ناجح مثمر، تعود فائدته على المملكة.

يفتخر المغاربة بكون الملك، يتفقد المشاريع شخصيا وعلى حين غرّة، فيقوّم ويصحح ويعاقب المخطئ المتكاسل.

يتحدثون باعتزاز شديد، بكون الملك يسوق سيارته بنفسه، ويلقي السلام، ويأخذ معه المارة صور تذكارية لملكهم، ويعالج في نفس الوقت أخطاء رآها وهو العابر للطريق المارعبر الشوارع. ويذكرون بعض الشكاوى التي عرضت عليه وهو في سيارته وعالجها بقوة وعلى الفور.

رأيت بأم العين، كيف لبعض المغاربة يضعون صور الملك وهم يقبّلون يديه، مفتخرين بما قاموا به، ولا يرون في ذلك أيّ حرج، بل يأذنون للزائر أن يلتقط الصورة وينشرها نيابة عنهم.

تقبيل يد الملك ليس أمرا سياسيا ولا تهديدا، إنما يسعى إليه المغربي طواعية وعن حب. وقد أخبرتني الأستاذة المترجمة بشرى شاكر Bouchra Chakir ، أن الملك السادس، رفض تقبيل يديه، لكن الأشراف طلبوا منه التمسك بهذه العادة وعدم التخلي عنها، فلبى طلبهم.

يد ماهرة.. رأيت مغاربة من كل الأصناف والأعمار، يحوّلون القليل الذي بين أيديهم إلى تحف تسحر الأبصار، وطبق تذوب أمامه كل الأطباق، ولباس من جلد أصيل يتمناه الأصيل، وقرن خروف يتحول إلى قبضة يد تتزين به الأيدي، وخيط وإبرة تتحولان إلى لباس يزيد صاحبه جمالا وبهاء.

رأيت بأم عين شيخ طاعن في السن، في حانوت هو أشبه بالحفرة بفاس، إلتفّ حوله الأوربيون والأمريكيون من نساء ورجال، كل يطلب حاجته بالسعر الذي يحدّده صاحب الحرفة والحفرة. إستطاع هذا الشيخ المبدع، أن يحوّل قرون الكباش المرمية في حفرته إلى سكاكين تسر الناظرين، وتجلب الأنظار من بقاع العالم.

حدّثني فقال، السكاكين التي تراها أمامك تطوف العالم أجمع ويقتنيها زوار المعمورة، لكن مع بروز ظاهرة الإرهاب، إنخفضت تجارتها لدواعي أمنية. ثم إستدرك وقال، هناك من يأخذها ويسلمها بطريقته، فعشق هذه التحف النادرة، يستهل المجازفة.

بيع العمل.. يبدو لي أن نسبة البطالة قليلة جدا في المغرب، حسب مارأيت من الرجال والنساء الذين يعملون في مختلف القطاعات ولو كانت شاقة متعبة، لأن المغربي بطبعه يخلق من يده عملا، ومن ذراعه خدمة منتجة، ومن فقهه وعلمه مايعود عليه بالربح والأموال..

رأيت شبابا ونساء وهم في زهرة العمر وفي عدة أمكنة ومناسبات، يعرضون عضلاتهم وخدماتهم على أصحاب الدكاكين والمطاعم. وحين يتلقون رفضا لسبب من الأسباب، ينتقلون دون كلل ولا ملل إلى جهة أخرى بكل حيوية ونشاط، وقد اكتووا بحرقة الشمس وطول الانتظار، وكأنهم زهرة لاتيأس من البحث عن رحيق تصنع به شهدا صافيا.   

قراءة مغربية.. يمتاز المغرب بكونه مازال محافظا على القراءة الجماعية للقرآن الكريم بالطريقة المغربية. وقد ظهرت نتائج الإصرار والمحافظة في بروز أصوات جيدة، سبق لي أن استمعت لواحد منها مباشرة وصليت وراءه بمسجد وجدة الكبير، وكذا الإبداع في علوم القرآن من طرق الحفظ والتفسير.

مباشرة بعد صلاة المغرب ودون صلاة ركعتي النافلة، يجتمعون وسط المحراب، يتوسطهم الإمام القارئ، فيقرأ الحافظ من صدره، ويقرأ المبتدئ المتعلم من المصحف. فيتمكن المتمكن من المراجعة، ويستعيد المبتدئ بعض مايساعده على الحفظ والتثبيت.

صناعة الاستقبال.. يمتاز المغربي بحلاوة اللسان وحسن الاستقبال والتفنن في خدمة ضيوفه، والسعي بكل ماأوتي لجعل أيامك أيام راحة وهناء. وأجزم أن حسن الاستقبال في مقهى مغربية شعبية بسيطة على حافة الطريق، أحسن بكثير من استقبال في فندق من 4 نجوم.

قهوة مغربية.. الخدمات التي تقدم في المقاهى المغربية الشعبية البسيطة لاتختلف عن تلك التي تقدم في أرقى الفنادق. عصير، كأس ماء، مأكولات شعبية ساخنة صباحا، وبسمة تستقبلك وتودعك، وعرض خدمات إضافية لمن أراد الزيادة، ونصائح مجانية وتوجيهات ذهبية، ودعاء للوطن والأهل والأحباب.

في المغرب لاتدفع ثمن القهوة التي تبدو في الوهلة الأولى أن سعرها مرتفعا، كما قلت لمغربي، بل تدفع ثمن الجلسة كما نبهني إلى ذلك المغربي. وأشهد، أن جلسة القهوة المغربية لتساوي الكثيروتستحق لأجلها الكثير، فهي تنسيك أفخر المطاعم وأرقى الفنادق.

مآذن مغربية عالية.. جبت المغرب فرأيت كل المساجد ذات مآذن عالية وأعلى من أي بنيان يجاورها، وفي أسوء الأحوال مساوية للبناء الذي يجاورها. وهذه الملاحظة تتبعتها عبر وجدة وفاس ودار البيضاء، وكنت أقارن باستمرار بين مختلف المآذن والبنايات المجاورة لها، ولم أجد إطلاقا أيّ بناية رسمية كانت أو شعبية، تعلو مآذن المغرب. فوجب التقدير والاحترام لأهل المغرب، باحترامهم لطول وعلو المآذن.

فلاحة مغربية.. وأنا أجوب المغرب عبر القطار والحافلة وداخل الأسواق، لفت إنتباهي الأراضي الشاسعة المغروسة بمختلف أنواع الخضروالأشجار كالزيتون مثلا، والطاقة الشمسية التي تم تقديمها للفلاحين للاستعانة بها  في مجال الفلاحة. وقد تجلت هذه المساعدة في..

إنخفاض الأسعار، وتنوع المحاصيل، وعرضها بشكل مغري، وتوفرها في كل حين، ومنافستها لأرقى أنواع الفواكه والخضر الأجنبية، وقد عاينت ذلك بنفسي.

إن إهتمام المغرب بالفلاحة والصيد البحري، جعل المغرب يتناول الفواكه الطازجة والخضر والحوت بأنواعه المختلفة بأثمان رخيصة وفي أي وقت، وبالطريقة التي شاء، وبالكمية التي يريد.

عصير مغربي.. باستطاعة المغربي أن يتناول عصير كوب طازج وبارد في أيّ وقت شاء وفي أيّ مكان أراد، وبالفاكهة التي يشتهيها ويريدها، وله أن يختار حجم الكأس الذي يناسب جيبه، وكل هذه الخدمة النبيلة يجدها المرء في أقصى البلاد وأعمق الأسواق وآخر الشوارع وعند صاحب العربة البسيطة المنسي.  

من الصور العالقة في الذهن والتي لايمكنها أن تزول، رأيت ماسح الأحذية قد أخذ قسطا من الراحة بعد تعب وجهد، فتناول كوب عصير طبيعي، يعيد له بعض قوته ونشاطه. وبينما هو فرح بالعصير أنظر وأقول..

المسألة ليست في المال الذي تملكه ولا تستطيع شرب كوب عصير لأنه غير متوفر، إنما في الخدمة التي ينالها المرء بثمن بخس دراهم معدودات.

قطار الدار البيضاء.. بمجرد مايحط المسافر رحاله بمطار الدار البيضاء، يقله قطار إلى أقصى الحدود بوجدة، ورغم المسافة البعيدة التي تقدر بـ 750 كلم، إلا أن وجود محطة القطار في أسفل المطار، يخفّف العبء عن المسافرين المرهقين المتعبين من آثار السفر، فيغرس فيهم الأمن والطمأنينة والراحة، ويمكن للمسافر أن يتخذ من محطة القطار محطة راحة ونوم في انتظار القطار القادم  صباحا، والذي ربما لم يستطع اللحاق به، وهذه بحد ذاتها ميزة عظمى لمن عاين وعثاء السفر وحمل الحقيبة. يمتاز القطار بالنظافة المستمرة، فعلى طول المسافة، عمال يجوبون العربات لتنظيفها وحمل ماتركه المسافر عبر أكياس أعدت لذات الغرض، ضف لها الأمن المطلق  وكأن المسافر في بيته وبين أهله.

عملة ومصارف.. في المغرب، وهي الدولة الفقيرة من ناحية الموارد المادية المالية، يجد المرء فيها مصارف في الأزقة الضيقة والأماكن الوعرة والأحياء البعيدة، ناهيك عن المدن الكبرى، وبأعداد كثيرة عديدة ملفتة للنظر، وإستقبال يفتح الصدر قبل الجيب، مرفوقا بوصل رسمي ممضي يدل على القيمة والعملة المعنية بالبيع والشراء، مثبتا بذلك الثقة والأمان.

إن توفر المصارف الخاصة بصرف العملات الصعبة عبر أرجاء المملكة، يدل على الثقة في العملة المحلية، وعدم الخوف من تهريب العملات الأخرى، مايدل على درجة الأمن التي تميّز الاقتصاد المغربي، ويمكنه أن يعيش في الأزمات كما يعيش الآن في مايميّزه عن غيره، وهو لايملك مايملك غيره.

مسح الأحذية أفضل من سرقة الأحذية.. حين زرت مصر سنة 2006، رأيت لأول مرة ماسح الأحذية، إقشعر يومها البدن كله. وفي كل مرة يطلب مني ماسح الأحذية أن يمسح حذائي أرفض إكراما له، بالإضافة إلى الثقافة التي تربى عليها المرء منذ صغره. وأتذكر جيدا أني قدمت مبلغا لماسح الأحذية دون أن يمسح لي الحذاء، بعدما أخبرني أنه يقوم بمسح الأحذية ليستطيع القيام بشؤون أبناءه الذين يدرسون، وكم فرح وظل يدعو لي ولأبنائي، وتلك واقعة لاأنساها أبدا.

وأثناء زيارتي للمغرب رأيت ماسحو الأحذية يجوبون المقاهي والمدن والشوارع والأزقة، يعرضون على الجالس والماشي والقاعد خدمات مسح الحذاء، فتغيرت لدي الصورة السابقة، وأصبحت أنظر لماسح الأحذية على أنها خدمة كغيرها من الخدمات، يحترم صاحبها وينال مايناله غيره الذي يخدم الناس بما أوتي واستطاع كل التقدير. وفي انتظار أن توجد مهنة أفضل من مسح الأحذية، يمكن القول أن..

خدمة ماسح الأحذية هي أفضل بكثير من سرقة الأحذية من المساجد، والسطو على الجيوب في وضح النهار والاستيلاء على الأعراض علانية. وإن الأيدي النظيفة البريئة التي تمسح الأحذية، لهي أشرف بكثير من الأيدي التي إمتدت للمال العام، وعاثت فيه فسادا وتبذيرا وجعلته دولا وحرمت أصحابه من التمتع به.

الطريق السيار.. وأنا أجوب الطريق السيار من وجدة للدار البيضاء عبر شركة الحافلات المسماة بالسابعة لمسافة 750 كلم، وهي مسافة كافية لإبداء الرأي حول الطريق، وإن كان رأي عابر مسافر غير مختص في شؤون الطرقات.

يخيل للمسافر وهو يقطع طريق السيار البسيط جدا، أنه يجوب المسافة عبر الطائرة ، لأن الطريق ممهدة سهلة بسيطة آمنة، لم تصادفنا حفرة ولا عائق ولا خوف ولا مايعكر صفو الرحلة والسفر.

من أبرز مايميّز طريق السيار المغربي، أن المغرب لم ينفق على الطريق، وذلك واضح بيّن، لكن سلامة الطريق، وأمن الطرقات، توحي للمسافر أن المغرب أنفق أموالا طائلة لأجل راحة المركبات والمسافر، مايدل على حسن التسيير والتدبير.

مطار مغربي متعدد الجنسيات.. وأنت في مطار الدار البيضاء، تجد كل أنواع الطائرات التابعة لكل دول العالم، حتى أنهم من فرط كثرة الطائرات، استنجدوا بالطابق الأسفل ليعينهم في مواجهة الضغط الكبير الذي يلاقونه جراء إرتفاع عدد الزائرين والسواح.

وحين يقف المسافر في القاعة المخصصة للمسافرين ينتظر دوره، يسمع المنادي ينادي لكافة الدول، وفي كل لحظة وحين، مايدل على أن حركة الطيران والمسافرين في المغرب قوية جدا ومزدهرة، وقد إنعكس ذلك جليا على الاقتصاد المغربي، الذي يفتقر لمقومات الدولة من نفط وثروات. وللتدليل على ماشهدناه بأم العين، ويكفي أني أسمع عبر إحدى الفضائيات، أن المغرب زاره 10 ملايين مسافر، خلال عام 2015، والرقم مرشح للإرتفاع.

أمن وسلامة مغربية.. ماشدّ إنتباهي وأنا أجوب المغرب، إنتشار اللوحات الشمسية عبر القرى البعيدة والأماكن المنسية. وبقدر مايعجب المرء باهتمام المغرب بالطاقة الشمسية وتدعيم مستعمليها من فلاحين ومزارعين ومربين، يعجب بكون هذه اللوحات الباهظة الثمن، لم يمسسها أحد بسوء ولم تتعرض للسرقة ولا للتلف، رغم وجودها في متناول اليد وبعيدة عن الأعين، خاصة تلك المنتشرة في القرى والجبال. ونفس الإعجاب يقال عن بيوت الهاتف التي بقيت لحد الآن آمنة سالمة، لم يمسسها أحد بسوء ولم تتعرض للتلف. وهذه خصلة من خصال المغاربة التي لمسناها عن قرب وعايشناها مدة 17 يوما.

صناعة السياحة.. الثقافة السياحية يلمسها المرء في حلو اللسان، وحسن الاستقبال، وأنامل ذهبية تجعل من التراب ذهبا يلمع، وقدرة المغربي على عرض الأكل والشرب واللباس المحلي المغربي في أبهى  صوره وأجمل زينته، وحدائق خلابة، وشوارع عريضة، وزهور فواحة عطرة، وفنادق مختلفة الأسعار والألوان، ووسائل نقل بسيطة مريحة.

ديم وجديد.. مايميز المغرب في تعاملها مع القديم والجديد، أنها أبقت على المدن القديمة، وضربت عليها صورا يحميها ويميّزها، وفي المقابل أقامت مدنا جديدة عصرية. ونفس القاعدة طبقت على المساجد، فالمساجد القديمة العتيقة الضاربة في الزمن، بقيت على حالها دون تغيير، يستمد عبرها المصلي والزائر عبق الزمن الغابر. وفي المقابل شيّدت مساجد جديدة عصرية إحتوت على كل وسائل الراحة . وبهذا تكون المغرب قد حافظت على تراث ضارب في الزمن، وفي نفس الوقت تساير الزمن في التطور والخدمات.

ويكفي أن العاصمة الاقتصادية دار البيضاء مازلت تحتفظ بجانبها على مدينة باب مراكش، وهي قديمة شعبية مازالت تحافظ على بنيانها العتيق ومساجدها القديمة وأسعارها التي تناسب الجميع وفطرتها الصافية وخدماتها العفوية، مقارنة بالدار البيضاء التي تتميّز بما تتميّز به العواصم.

وسوم: العدد 629