الدكتور عودة أبو عودة يحاضر في رابطة الأدب الإسلامي

صالح أحمد البوريني

القصة في القرآن الكريم منهاج دعوة

الدكتور عودة أبو عودة يحاضر في رابطة الأدب الإسلامي

من صالح أحمد البوريني/عمان

عضو رابطة الأدب الإسلامي

[email protected]

استأنفت رابطة الأدب الإسلامي في عمان نشاطاتها  الثقافية بعد شهر رمضان المبارك بمحاضرة ألقاها الدكتور عودة أبو عودة وقدمه الدكتور مأمون جرار .

وكان المكتب الإقليمي للرابطة قد علق نشاطه الثقافي خلال شهر رمضان  إلى ما بعد عيد الفطر المبارك الذي التقى أعضاء الرابطة في يومه الرابع لقاءهم الاجتماعي المعتاد .

وقد استهل رئيـس مكتـب الرابطـة محاضرتـه التي ألقاهـا مساء يوم السبت الماضي ببيان الاستنكار الـذي أصـدره المكتـب حـول التفجيـرات الآثمـة التي وقعت في عمان يوم 9/11/2005م .

وفي مستهل محاضرته التي اعتنت بالتفاصيل اللغوية وحفلت بالشواهد القرآنية بين رئيس قسم اللغة العربية في جامعة الزرقاء الأهلية الدكتور عودة أنه سيتناول موضوعه من خلال أربع نقاط هي : القصة في اللغة واستقصاء مادة قص في المعاجم اللغوية ، والقصة في النسيج القرآني ، والقصة القرآنية مقارنة بالقصة التي يبدعها الجهد البشري وتخضع لمقاييس النقد الفني القصصي ، والقصة في الآداب الاجتماعية والخلقية والسلوكية في آيات القرآن الكريم .

وبعد تتبع مادة قص ومشتقاتها اللغوية ومعانيها في القرآن الكريم ومعاجم اللغة ، أكد المحاضر أن قص ومشتقاتها مرتبطة كلها بمنهج الدعوة والتبليغ في القرآن الكريم ، ومستخدمة لبيان حقائق الإيمان كما في قصة أصحاب الكهف وغيرها من القصص وموجهة إلى تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وتأييدهم وإحقاق الحق وإزهاق الباطل وبيان قدرة الله تعالى على تغيير نواميس الكون من أجل دينه وتبليغ رسالته وإيصال الهدى إلى الخلق وإقامة حجـة البلاغ على الناس ونصر المؤمنين وإنزال العقاب بالطغاة والمستكبريـن والمكذبيـن بآيـات الله ورسالاته وكتبه المنزلة .  

وتناول الدكتور أبو عودة عددا من القصص الواردة في القرآن الكريم مستشهدا بها لتأكيد منهجية الدعوة في القصص القرآني وأن هذه القصص لم ترد لمجرد التسلية والتسرية ،  وإنما وردت لغايات تخدم الدعوة إلى سبيل لله عز وجل ، وهي تشكـل فـي مجموعهـا منهجا دعويا يعتني بالتفاصيـل بقـدر ما تـؤدي دورها فـي النص ويوظـف الحدث توظيفا خاصا ويوجه القارئ والسامع إلى الأهداف المرسومة والغايات المقصودة بأساليب البيان القرآني المعجز  .

والقصة في القرآن من صميـم التركيب القرآنـي موجهة لدعوة الناس إلى الحق والدين . والأسلوب القرآني في التعبير عن الأحداث أسلوب معجز يتجلى فيه الوضوح والبيان والإحكام . والقصة جزء من نسيج القرآن ولحمته وإعجازه ، وفيها من أوجه البلاغة والبيان  ما يستدل به على إعجاز القرآن .

وقال الدكتور عودة : حينما نأتي إلى سياق القصة القرآنيـة أيا كانت نجد أنهـا تشتمل على آيات فيها بيان لعظمة الخالـق عز وجل وفيها شواهد على العلوم المختلفـة وفيها عظات وعبر من الحياة وفيـها من  لطائـف أسـرار اللغة ومن مقارعة الحجة بالحجة ومن جهاد أعـداء الله تعـالى ومن صفات المؤمنين ومـن صفـات الكافـرين ، وكل ذلك ورد في القصة القرآنية  .

وأضاف أن القصة استخدمت لبيان التوحيد وهذا واضح في قصة يوسف عليه السلام حيث يقول تعالى : (( يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ؟ )) وقولـه تعالى : (( تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتـم فذروه في سنبله )) فهـذه إشـارة علميـة تكشف عن حجابها جهود البحث العلمي في عصرنا لتظهـر حكمـة الله عز وجل وبليغ أسلوب القرآن المعجز .  والرؤيا في قصة إبراهيم عليه السلام هي جزء منها وهي جزء من الدعوة إلى الحق والهدى والتوحيد ، كما هي في قصة يوسف عليه السلام .

وقال الدكتور أبو عودة صاحب كتاب ( شواهد في الإعجاز القرآني ) إن مما يميز القصة في القرآن عن القصة العادية الصدق الصراح ، وأنه ليس فيها خيال كما في القصة العادية التي عادة ما يدخل الخيال فيها ، وتكون من تلفيق أذهان الكتاب وسبحات خيالهم ، فالقصة القرآنية لا تلفيـق فيهـا ولا ابتـداع ولا خيال وإنما هي واقع فعلي متحقق وأحداث جرت في الحياة ووقعت بالفعل ؛ قال تعالى في قصة أصحاب الكهف : (( نحن نقص عليك نبأهم بالحق ..)) .

وذكر الدكتور أبو عودة  أن القصة ترد في القـرآن للعبـرة والموعظـة ، قـال تعالـى : (( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألبـاب )) ، وتلتزم القصـة القرآنيـة بسرد الحقيقة ، وتفصيـل الآيات والإخبـار بالحق وإرادة البلاغ للهداية والإنباء بالصدق تنجية للناس ورحمة بهم  ، قال تعالى : (( ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون )) . وبين أن القصة الوحيدة التي وردت كاملة في القرآن هي قصة يوسف عليه السلام إذ أخذت حيز سورة كاملة هي سورة يوسف ، أما باقي القصص فقد وردت في مواطن خاصة لتؤدي رسالة خاصة تتناسب مع الحدث الذي نزلت في حينه أو لتشد من أزر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتمدهم بالثبات والصبر على محن التبليغ ومعيقات الدعوة أو لتبشرهم بحسن العاقبة في الدنيا وعظيم الأجر في الآخرة ، وأن نهاية مسيرتهم الدعوية هو استقرار الأمر للإسلام وتحقيق النصر على أعداء الدعوة ودخول الناس في دين الله أفواجا .

 وفي الجانب الاجتماعي في القصة استشهد المحاضر بقصة يوسف وبقصة موسى مع ابنتي شعيب عليه السلام ، ونعى على بعض المتشددين منعهم الكلام والنظر المباح إلى المرأة في حدود الأحكام والآداب الشرعية ، وبين أن الإسلام رعى المرأة وحفظها ويسر التعامل بينها وبين الرجل بحيث تقضى الحاجة وتتحقق المصلحة .

وفي قوله تعالى ( نحن نقص عليك أحسن القصص )  بين الدكتور عودة أن معنى   أحسن القصص أي أحسن طريقة وأكمل طريقة لإيراد الخبر .. وليس المقصود بها أحسن القصص موضوعا بل أحسن القصص أسلوبا ووضع القصة وحكاية أحداثها ، وتفيدنا دلالة التنوع في الفعل يقص وقصصنا والقصص على أن القصة بالمصطلح النقدي المعاصر لم ترد في القرآن الكريم بل رسم القرآن الكريم منهجا متقنا وافيا لتناول القصص وبيانها ، وهذا ما يؤكد أن القصص في القرآن لم تأت كما يظن كثير من الناس للتسلية ولا للترويح عن النبي والمؤمنين أو تزجية الوقت وإنما هي من صميم الدعوة إلى الله عز وجل . ولبيان الدعوة والتبليغ ..