الدكتور كمال جبري يحاضر في رابطة الأدب الإسلامي العالمية

صالح أحمد البوريني

الدكتور كمال جبري يحاضر

في رابطة الأدب الإسلامي العالمية

من صالح أحمد البوريني/عمان

[email protected]

في الأمسية التي أقيمت في رابطة الأدب الإسلامــي يوم السبت الماضي وأدارها الدكتور مأمون فريز جرار تحدث الدكتور كمال جبري المحاضر في جامعة البلقـاء التطبيقية ورئيس قسم اللغة العربيـة فيها عن الأبعاد الفكرية والأدبية والتربوية في بنـاء الشخصية الإسلامية في عصر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم . وقال الدكتور جبري صاحب كتاب ( شعر الصراع بين الإسلام وخصومه في عصر النبوة ) و ( المفصل في صناعة الإعراب ؛ تحقيقا ودراسة ) : إن الأبعاد الفكرية والأدبية والتربوية في بناء الشخصية الإسلامية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم تجذب انتباه الباحث والقارئ ، لأن الرسول كان بناء محكم البناء ؛ فخرج جيلا من الرجال الذين فتحوا الدنيا بأسرها ، وأشاعوا العدل فيها ثم استمروا في ترسيخ هذا العدل أينمــا وجد ظلم . والمقصود بالشخصية الإسلامية هنا الشخصية المنضبطة بالفكر الإسلامي جملة وتفصيلا وهي تلك التي تنتظم بنظام الإسلام ، وتسلك سلوكا إسلاميا موافقا للكتاب والسنة وعمل سلف الأمة الصالحين .

البعد الفكري :

وقد تناول المحاضر البعد الفكري ، وعنى به جوانــب العقيدة الإسلاميـة في بناء الشخصية ، ثم البعد الأدبي المتثمل في الشعـر الذي قيل في عهد النبـوة على اعتبـار أنه الفن الموقر ، والذي ينظـر إليه الناس في ذلك العهد على أنه خير الكلام العربي على الإطلاق . وتحدث عن البعد التربوي وعناية الرسول صلى الله عليه وسلم بتنميته وبنائه في شخصية المسلم . وذكر أن القرآن الكريم الذي نزل به الوحي أسهم في بناء الشخصيات بأفكار جديدة والأفكار التي كانت تنزل هي جوهر العقيدة الإسلامية وهو التوحيد ، لأن القضية كان قضية الصراع الفكري بين الكفر والتوحيد .. ولذلك بنى الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه والشخصيات التي التفت من حوله وثقفهم بالأفكار الإسلامية التي نزلت عليه في مكة .

حين قال الله تعالى (( والشعراء يتبعهم الغاوون . ألم تر أنهم في كل واد يهيمون . وأنهم يقولون ما لا يفعلون )) فالمقصود بهؤلاء الشعراء في هذه المسألة بالذات الشعراء الذين يدافعون عن الكفر والمعصية .. ويؤذون الرسول صلى الله عليه وسلم ، وينالون من المسلمين ويقولون في الأغراض الباطلة التي يحاربها الفكر الإسلامي كالهجاء والقدح في الأنساب ونهش الأعراض وبعث الأحقاد وإشاعة الفساد بين الناس . واستثنى الله تعالى شعراء المسلمين الذي علت أصواتهم للذود عن بيضة الإسلام والدفاع عن الفكر الإسلامي وعن القيم الإسلامية والانتصار لأنفسهم وللمسلميــن فــقد استثناهم عز وجل بقوله (( إلا اللذين آمنوا وعملوا الصحالحات .. )) ؛ ويتجه البعد الفكري في هذه المسألة إلى أن الشعر كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح ، وأن تنزيه القرآن والرسول عنه لا يحط من قدر الشعر ولا يقلل من شأنه .

القرآن معجزة خالدة :

وبين الدكتور جبري أن القرآن الكريم الذي هو معجزة النبي صلى الله عليه وسلم قد بهر العرب الفصحاء البلغاء لأنه جاء بأسلوب لا عهد لهم بمثله في الإحكام والقوة والجمال والاستيعاب مع أنه منظوم بحروف لغتهم التي يعرفونها تمام المعرفة ، وبهرهم بمضمونه الذي دعاهم إلى التوحيد وتغيير فكرهم وعقيدتهم وعبادتهم وترك دين آبائهم ، فشق ذلك على أكثرهم فكفروا به وكذبوا النبي ، مع أنهم شهدوا له من قبل بالصدق والأمانة ، ولكن العناد والاستعلاء أبى عليهم إلا أن يسلكوا سبيل الكفر والتكذيب ، وكان عليهم أن يواجهــوا أكبر عقبة في طريقهم ، إلا وهو القرآن الكريم الذي هو معجزة النبي صلى الله عليــه وسلم ، والذي تحداهم الله تعالى أن يأتوا بسورة من مثله ، فبدا عجزهم وبدا تقاصرهم واضحا أمام آياته الباهرة وساورهم إحساس بالهزيمة أمام أفكار الإسلام ومبادئه ؛ فاندفعوا إلى توجيــه الاتهامات إليه ، واختلقوا ألوانا من التشكيكات في القرآن ، وقدحوا في صدق الرسالة وصدق النبي صلى الله عليه وسلم . وهذا الموقف منهم دلالة ضعف يدل على أنهم قد فقدوا الحيلة والوسيلة أمام هذا الدين .. فهذا النص فيه دلالة على أن مساحة الفكر الإسلامي قد اتسعت وتجاوزت حدود مكة .. وفيه دلالة على أن الاتهامات الموجهة إلى القرآن ضعيفة متهاوية .. وفيه دلالة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أفلح في بناء الشخصية التي تستطيع أن تؤثر في المجتمع .

إعجاز القرآن لغوي :

وقد جاء في سورة يونس (( أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين )) ، وركز المحاضر على أن المقصود بالمثلية هنا في قوله تعالى (( بسورة مثله )) هي المثلية اللغوية ، وهو يذهب إلى أن إعجاز القرآن إنما هو لغوي محض وليس غير ذلك ؛ مستدلا بهذا النص القرآني وغيره من النصوص الأخرى ، وقال الدكتور جبري إن اللفظ القرآني جاء مختارا ، وجاء المعنى مقصودا ، وتم الربط المحكم بين اللفظ والمعنى دون زيادة بحيث أن اللفظ في القرآن لا يصلح غيره ليؤدي معناه ، وينسحب هذا الحكم على القرآن كله دون استثناء آية واحدة ، فكل ما بين دفتي المصحف فصيح محكم لم يتطرق إليه الخلل بحال . وضرب لذلك مثلا قوله تعالى (( فكبكبوا فيها هم والغاوون )) فاللفظ ( كب ) لا يسطيع أن يعطي معنى لفظ ( كبكب ) مع اشتراكهما في الأصل اللغوي . فالكب يحصل دفعة واحدة ومرة واحدة ، وليس هذا هو معنى ( كبكب ) ، فهي تعني استمرار الكب والديمومة في الكب ، فتكرير حرفي الباء والكاف حمل معنى الاستمرار ، وهذا الذي جعل هذه الآية فصيحة ذات بيان ظاهر ، أثرى المعنى المقصود من نص هذه الآية . هذا مثل يشهد على أن اللفظ القرآني مختار ليؤدي المعنى المقصود وأن المعنى مفصل تفصيلا دقيقا على قد اللفظ دون زيادة ولا نقصان ، وهذا هو وجه الإعجاز في القرآن لأنه لم يتأتى لغيره .

البعد الأدبي :

ويتمثل اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم برعاية البعد الأدبي في بناء الشخصية الإسلامية في موقفه من الشعراء المؤمنين الذين مثلوا في زمنه جهاز الدفاع الإعلامي والتعبئة الدعوية ضد أعداء الإسلام ، ويتمثل كذلك فيما كان يصدر عنه من توجيهات يقوم به مسيرة الشعراء ويهذب من قولهم ويصوب توجههم ويصحح أخطاءهم . واستشهد برواية أوردها صاحب الأغاني أن لبيد بن ربيعة ... وهو من شعراء المعلقات قدم مكة ليعرض شعره وحين أنشد قوله .. ألا كل شيء ما خلا الله باطل .. عقب عليه عثمان بن مظعون صاحب النبي صلى الله عليه وسلم قائلا : صدقت . وحين أتم البيت بقوله ( وكل نعيم لا محالة زائل ) رد عليه عثمان : كذبت ، فإن نعيم الجنة لا يزول . وهذا فيه دلالة على أن فكرة التوحيد قد ترسخت عند عثمان وسائر الصحابة في مكة وأن النظام الإسلامي الجديد قد اتضحت أفكاره التي نزلت في ربوع مكة لأن القرآن تم نزوله في مكة والمدينة .

ولما كان الشعر يعد سنام اللغة العربية .. وأعلى كلام فيها .. وهو مقدم على النثر في كل مناسبة .. ويتغنى به العرب ، ويحتفلون بالشاعر ويجلونه ويحترمونه ، ويسلمون له القياد في مجال البيان والبلاغة ، وإزاء عجز كفارهم عن مجاراة القرآن الكريم بأسلوبه المحكم وفكره الجديد ؛ فقد ذهبوا إلى اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بأنه شاعر . وذكر القرآن هذه الاتهام وسواه من الاتهامات ورد عليها . والمقصود بعرض اتهامات الكفار ومناقشتها والرد عليها في القرآن هو تبرئة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإثبات صدقه وتنزيهه عن قول الشعر . بل إن الله تعالى لم يمكنه من قول الشعر مع أنه أفصح العرب ، وقد ألم باللغة كلها ، وكان يكلم كل قبيلة من قبائل العرب بلهجتها ، ومن هنا فإنه كان يجمع اللغة من جميع أطرافها ، وقال عن نفسه ( أنا أفصح العرب بيد أني من قريـــش ) وقال ( أوتيت جوامع الكلم ) .

فلم يكن غريبا أن يتعهد صلى الله عليه وسلم بناء الجانب الأدبي في شخصية المسلم بحيث تنضج هذه الشخصية وتتكامل في أدبها ـ الذي يتسنم الشعر فيه المقام الأعلى ـ عناصر اللفظ السليم والبناء المحكم والمضمون السامي وسائر جماليات البلاغة العربية التي يرتقي معها الإبداع إلى أعلى مستوياته وأرقاها .

البعد التربوي :

ويسلك النبي صلى الله عليه وسلم في بناء البعد التربوي في شخصية المسلم سبيل التوجيه بالكلمة المباشرة ، وبالإشارة والتلميح ، وبإقامة النموذج ورسم المثل الأعلى قولا وعملا ، إذ اعتنى الرسول صلى الله عليه وسلم بالتربية بالقدوة الصالحة التي كان يمثل فيها صفة الكمال البشري. وقد استشهد المحاضر لذلك بما أسعفه الوقت من شواهد وأمثلة .

و شارك عدد من الحاضرين بالمداخلات والتعقيبات التي أثرت الموضوع .