الشعر السياسي من بيالك وحتى اليوم

الشعر السياسي من بيالك وحتى اليوم - أمسية أدبية لنقابة الكتاب في إسرائيل(تل أبيب – 20 /3 / 2005)

بحضور حشد من الأدباء اليهود والعرب عقد في تل أبيب لقاء ثقافي متميز حول الشعر السياسي في الأدب العبري.وكان الجزء الأول من الأمسية قد تناول شعر بيالك السياسي ، و تحدث فيه كل من الأستاذين الأكاديميين أبنير هولتسمان وزيفا شمير .

وتناول القسم الثاني من الأمسية مختارات الشعر العبري التي نشرت في كتاب " بقلم من حديد " – أشعار الاحتجاج العبرية ضد الاحتلال ( 1984 – 2004 ) من إعداد طال نتسان ( إصدار دار النشر – حرجول ) .

تحدثت الشاعرة طال أولاً عن الاعتبارات التي راعتها عند إعداد الكتاب ، حيث تضم المجموعة تسعًا وتسعين قصيدة كتبها خمسة وأربعون شاعرًا ، كما تحدثت عن أهمية نشر هذه القصائد في وقت

أخذت القصائد المناهضة للاحتلال تزداد وتتعدد ، فمن سنة إلى أخرى نرى هذا التطور الذي يتمثل في زيادة عدد الشعراء الذين يعبرون عن احتجاجهم ضد الاحتلال – سواء من شعراء قدامى ومعروفين ، ومنهم من لم يكتبوا سابقًا قصائد سياسية ، وانتهاء بشعراء شبان لم ينشروا بعد دواوينهم .

وقد قرأ في الأمسية نخبة من هؤلاء الشعراء الذين ظهرت أشعارهم في المجموعة : أريه سيفان ، مايا بوجرانو ، ليئور شطرنبرج ، مي طال ندلر .....

أما الشاعر أوري برنشتاين فقد ذهب إلى أن الشعر السياسي هو ضعيف عامة ، وهو غير ضروري ،بل هو شعارات ، فيه المطروق المألوف ، وينحو نحو القِدم ، ورأى أن على الشاعر أن يحافظ على مواقفه السياسية خارج دائرة الشعر .

غير أن الشاعرة طال ( معدّة الكتاب ) ردت عليه بقولها -:

" الشعر السياسي نشأ مع نشوء الشعر ، فالإلياذة تختتم في مرثية مذهلة أنشدها بريئيموس ملك طروادة في رثاء ابنه هكتور - إنها قصائد هادفة تبين مصائب الحروب ، فهي شعر سياسي بكل معنى الكلمة كتبت في القرن الثامن قبل الميلاد . وتراجيديا ( الفرس ) التي كتبها أسخيلوس وهي أقدم دراما حُفظت لنا ، حيث تروي عن الثكل والجزع إثر الهزيمة في الحرب ، ومن جهة أخرى تدعو إلى عدم الانجرار وراء كبرياء النصر المشوّه . ( عوقب أسخيلوس بسبب هذه المسرحية لأنه جعل المشاهدين يذرفون الدموع ) ؛ فما هو الشعر السياسي إن لم يكن علاقة مع الواقع ، ومع الأخلاق ، ومع الوجود الإنساني على الأرض ؟ وما قيمة الشعر وما أهميته من غير هذه العلاقات أصلاً ؟

اليوم ( وفي كل حين ) وفي هذا المكان ( وكل مكان ) فإن الشعر السياسي عمليًا هو الشعر الذاتي الحميم،لأن الشاعر فيه يجابه " جروح " الواقع ، ويتفحص ثباته إزاء العالم ، ويسأل الأسئلة الخلقية والإنسانية الهادفة أكثر .

إن الشعر باعتباره ظاهرة ثقافية – إنسانية وليس شعر الشاعر الفرد هذا أو ذاك - إذا كان مصغيًا فقط لعالم الكاتب الذاتي ، وإذا لم يتصل بزمنه وبالعالم الذي هو فيه ، وإذا لم يتواصل مع البشر ولم يتجاوب مع الكوارث والمآسي فإن هذا الشعر عقيم ، مغلق ومحدود ، فكيف نرى أشعار العالم دون أن نقرأ ميلوش وبرخت وأودن ونيرودا وفييخو وبروديسكي وماياكوفسكي وشمبوريسكي وييتس ؟؟؟

إن الأحداث التاريخية التي كتبوا عنها مضت ، وبعضها لم يعد له أثر ...أما القصائد فقد بقيت وستبقى

لتظل شهادة تاريخية ، وتعبيرًا عن الروح البشرية ، وإنجازًا فنيًا ثمينًا .

بالإضافة إلى ذلك فإن الشعر السياسي يخلق شفافية للحدث المعيَّن ، وينقله إلى الحقل الأساس الخالد

الذي يتجاوز الظروف التاريخية للحظة الكتابة . وتبعًا لذلك فالشعر السياسي ذو قيمة ، حتى لو لم يكن راهنيًا ، فهو لن يفقد أبدًا موصوليته ، وهذا تمامًا ينطبق على إبداع إيدا فينك أو بريمو ، فلا ندعي أن أشعارهما أصبحت " قديمة "

إن حق التعبير حق هام جدًا – فهل نبغي أن ندع ذلك للسياسيين والجنرالات فقط ؟ فالشعراء والفنانون هم جزء من مجتمعهم ، ويروون لنا من داخله وفيه ، فكيف لنا أن ننزع منهم بصورة جارفة هذا الحق ؟؟ الضروري جدًا إلى حد بعيد ؟

كثيرًا ما يتحدث الحكم ووسائل الاتصال بعلامات تعجب – ونحن ما أحوجنا إلى علامات استفهام .

الشعر السياسي يبرر ذاته ومن خلال وجوده ، ومن المهم أن نؤكد : أيضًا بفضل جودته الفنية .

أما الزعم بأن المضامين الراهنية والإنسانية تستدعي الشعر السطحي والشعاراتي فهو زعم فيه تعميم،ولا أراني بحاجة إلى تفنيده ، فحسبنا قصيدة " تلويح " لدالية رابيكوفتش أو في الأسطر الحادة كالموسى لمئير فيزلتر ( ولن نذكر بيالك ) حتى نفند هذه الكليشيهات قطعيًا . فاختلاف الأصوات

والتكنيكات لمعالجة الشعر السياسي هو متعدد وواسع – بدءًا من المتوحش وحتى المرهف الحس ، ومن التحليل الثقافي وحتى الصرخة والهمس،واليوم لا يمكننا أن نُلزم هذا الشعر بتعميمات مستهلكة عفا عليها الزمن"

وفي الختام،وإثباتًا لقيمة الشعر السياسي والحقيقة فيه قرأت طال نيتسان من كتاب " بقلم من حديد " قصيدة " تمزيق في الشبكية " للشاعرة دفورا أمير التي كتبتها عن هدم بيوت فلسطينية ، حيث مس ذلك بالشاعرة إلى حد أنها أحست بتمزيق شبكية عينيها،وهذه القصيدة أثارت انفعالاً شديدًا لدى الحضور ، حيث اختتمتها الشاعرة :

" من يترك ندبة في بيت إنسان – نهايته أن يترك ندبة في عينه هو

من يقوّض بيت إنسان نهايته أن يقوّض روحه هو"

وجدير بالذكر أن الشاعر د . فاروق مواسي نائب رئيس نقابة الأدباء اتفق مع الشاعرة ومع كل من نقابة الكتاب واتحاد الكتاب العرب على عقد أمسية في الوسط العربي يقرأ فيها خمسة شعراء يهود وخمسة من الشعراء العرب قصائد سياسية لنصرة قضية الشعب الفلسطيني ، واتفق كذلك على الشروع بترجمة هذه القصائد إلى اللغة العربية وتعريف القارئ على هذه الأصوات الإنسانية الداعمة للحق الفلسطيني .

د . فاروق مواسي