التجربة السياسية للحركة الإسلامية في سورية: الشيخ الداعية عبد الحميد الطباع أنموذجاً - 3

 ( 1889- 1950)

clip_image001_bd58c.jpg

هو العالم الفاضل، المشارك في الهيئات الاجتماعية والسياسية عبد الحميد بن محمد خليل الطباع الدمشقي ..الذي شارك في النضال السياسي ضد المستعمر الفرنسي، كما شارك في تأسيس الجمعيات الخيرية، وساهم مساهمة فعّالة في العمل السياسي حيث أصبح عضواً في البرلمان ...، وكان له نشاط كبير في دعم الرئيس شكري القوتلي والكتلة الوطنية، كما كان صديقاً مقرباً للزعيم السياسي فارس الخوري، ناضل الشيخ الطباع من أجل حقوق المرأة المسلمة، وكان مناصراً للحركة الإسلامية الراشدة في سورية تحت قبة البرلمان، حيث وقف إلى جانب العلامة د. مصطفى السباعي - رحمه الله تعالى - في نضاله لوضع الدستور، وصبغه بالصبغة الإسلامية .

المولد والنشأة :

 ولد الشيخ عبد الحميد بن محمد خليل الطباع في دمشق في (حي القنوات) الممتد عن الشاغور عام 1316ه/ 1889م، من أسرة عريقة متأصلة الجذور في دمشق الفيحاء، حيث أشتهر منها من العلماء والمجاهدين والإداريين وشيوخ التجار، حيث عرفت لهم الريادة في العمل الخيري، فوالده محمد خليل تاجر معروف ساهم في جمع تبرعات مهمة لمؤازرة إخوانه في حرب فلسطين وكان ممن ساهم في الجهاد في ميسلون لدحر الاحتلال الفرنسي عن دمشق، وجدّه من الأعيان وكان أمين المال (الصرة أميني) في المحمل الشامي إلى الحج (وهي مهمة موكلة من السلطان العثماني لاسترضاء القبائل على طريق الحج لتأمين الحجاج من سلبهم من هذه القبائل).

دراسته ومراحل تعليمه :

 أما عن دراسته فقد تلقى العلوم الشرعية الأولى في الكتاتيب حيث تلقى العلم الشرعي على يد علماء أفاضل في المدارس الأهلية، فدرس على الشيخ علي الدقر رحمه الله، وشيخه شيخ الإسلام بدر الدين الحسني شيخ الشام.

 و كان أبناء الحاج خليل الطباع : الشيخ محمد، والشيخ عبد الحميد، والشيخ محمد مراد، وحفيده الشيخ بهاء الدين من أوائل الذين حضروا دروس الشيخ علي الدقر في جامع السادات في سوق مدحت باشا . وتلقوا عنده علوم القران الكريم تلاوة وتفسيراً والحديث النبوي الشريف والفقه الشافعي بعد أن كانوا أحنافاً ومبادئ النحو والبلاغة والرقائق ...

حياته العملية :

clip_image002_0d61f.jpg

 بدأ حياته العملية بوقت مبكر بالعمل بتجارة الأقمشة (المال فاتورة) في دمشق سوق الحريقة المعروف، ولشخصيته القوية وأمانته رشح نائب لرئيس غرفة تجارة دمشق في سن مبكرة لنبوغه وحب التجار له.

 ساهم في تأسيس كثير من الجمعيات الخيرية ذات النفع العام التي أخذت مناحي مختلفة سياسية وعلمية وحتى الطبية، منها:

 الجمعية الغراء : التي أسسها ، وكان أمين سر لها حتى وفاته، ولها حتى الآن مهمة الإشراف على فتح مدارس شرعية والإنفاق عليها لتدريس المسلمين من كافة أنحاء الأرض، العلم الشرعي الوسطي النافع وتخريج الدعاة المجهزين بالعلم الصحيح. وقد تخرج منها آلاف الدعاة والعلماء ومن كل الجنسيات.

 وساهم في تأسيس أول كلية في دمشق (الكلية الوطنية)..

 وفي تأسيس جمعية المواساة (مستشفى المواساة) عام 1943م المعروفة إلى الآن في دمشق، وكان أمينها العام، وكان من نشاطاته الإشراف على الطلبة الوافدين من البلدان المختلفة؛ يقوم على خدمتهم ورعاية شؤونهم هو والشيخ أحمد الصابوني، والشيخ محمد الخطيب (أبو كامل)؛ فكانوا يتولون تهيئة أماكن سكنهم وإيوائهم، وتأمين جميع حاجاتهم من طعام ولباس ودواء، وغير ذلك.

 وكان له دور رائد في تأسيس رابطة العلماء المسلمين عام 1946م، وكان من المدافعين عن الأوقاف الإسلامية إبان الاستعمار الفرنسي.

 وكان من مؤسسي شركة المغازل والمناسج في سورية الأكبر في المنطق عام 1937م وكان نائب رئيس مجلس أدارتها.

والمساهمة في تأسيس شركة التبريد وعضو مجلس إدارتها.

وكان عضو في الشركة المحاصة المشهورة التي تربط التجار الشاميين.

 ومن أهم أعماله إتمام مد خط سكة الحجاز الحديد بين دمشق والمدينة المنورة لأنه كان رئيس لجنة الخط الحجاز الحديدي بعد انقطاع طويل لهذا الخط الهام والحساس، لما له من تأثير بربط الدول العربية بتركيا على طول هذا الخط وقبل فترة قصيرة من نهاية حياته القصيرة، ولكن الزاخرة بالعمل الإسلامي الوطني.

 وقد أثنى عليه الشيخ علي الطنطاوي في مذكراته فقال : ( الشيخ عبد الحميد الطباع رجل العلم والمال مرشح الجمعية الغراء..) .

التجربة السياسية :

clip_image003_43d9b.jpg

 لقد سبق الإخوان المسلمين في سوريا ظهور جمعيات إسلامية عدة، وهي جمعيات شكل كثير من قادتها وأعضائها القاعدة الأساسية والنخبة القيادية لجماعة الإخوان المسلمين فيما بعد، ومن هذه الجمعيات "الغراء" برئاسة محمد هاشم الخطيب الحسيني، ثم علي الدقر، وكان من نشطائها عبد الحميد الطباع الذي انتخب فيما بعد عضواً في البرلمان السوري نائباً عن مدينة دمشق وعن الكتلة الإسلامية سنة 1943.

 وساهم في تلك الفترة على ترسيخ هوية سورية الإسلامية، وحرصه على المرأة السورية من الامتهان، واشتهر الطباع أيضاً بمداخلاته تحت قبة البرلمان مدافعاً عن تصوره لسوريا في الأربعينات، وكان شديداً في مواجهة التيار العلماني والمنادين بحقوق المرأة بشكلٍ خاص، وواجه التغريب ودعا إلى المحافظة على التراث الإسلامي لسورية، وترسيخ العلم للنهوض بسورية بشكل صحي صحيح بعد الاستعمار البغيض الذي حاول زرع الفتن بين أبناء الوطن.

 يذكر أنه وفي أربعينات القرن الماضي أيضاً كان الخلاف على أوجه بين التيارين المحافظ والحداثي إن جاز التعبير، وانتقل النزاع بين الأول وبين دعاة تحرير المرأة إلى الشارع متمثلاً بجمعية “نقطة الحليب” التي ترأستها السيدة “رفيقة بنت ممدوح بك العظم” زوجة وزير التعليم آنذاك السيد نصوحي البخاري، وبمشاركة زوجات عدد من السياسيين والبرلمانيين الآخرين، والتي كانت تعمل على شراء الحليب وتعقيمه لتوزيعه على الأمهات في الأحياء الفقيرة.

 وفي عام 1944 قاد الشيخ الطباع مظاهرات واسعة لإيقاف الاحتفال السنوي لجمعية نقطة الحليب، كما دعا إلى استجواب الوزراء والنواب الداعمين للجمعية، وتطورت المظاهرات إلى فوضى عامة، فتصدت لها قوات الأمن وأطلقت الرصاص على المتظاهرين، مما أدى إلى مقتل عدد منهم، وانتشار الاضطرابات إلى حلب وحمص وحماة ومدن سورية أخرى.

 وقد تم إنهاء الفوضى بقرار من الرئيس القوتلي الذي كان يعي أن لجانبي النزاع مكانةً ومؤيدين في الشارع السوري فأمر بوقف توزيع الحليب المجاني على الأمهات في الأحياء الفقيرة لدمشق، وإيقاف توزيع دقيق القمح في حي الميدان الذي يعتبر معقل أنصار “الجمعية الغرّاء”، في وقت لا أحد غير الحكومة يقدر على توفير هذه المادة الأساسية، والأيام أيام حرب، مما أدَّى إلى إضعاف لنفوذ الجمعية.

 وكان من المساهمين الأساسيين في الاستقلال عن فرنسا، وله المساهمة الفعالة في تقديم الرئيس شكري القوتلي كمرشح عن حزبه للرئاسة .

 عرف عن الشيخ بعد نظره وحكمته وحلمه فقد حاول، وبشكل فعال، التأليف بين مختلف طوائف وترسيخ دعائم الوحدة الوطنية عن طريق جمع قلوب الفقراء منهم كما حدث بتعليم بعض أبناء الطائفة العلوية في معاهده العلمية بالجمعية الغراء والإشراف عليهم وعلى راحتهم بشكل شخصي.

 ومن صداقاته الراسخة مع وجوه الطوائف الأخرى مثل فارس الخوري صديقه القديم الذي أيد مشروعه الإسلامي الذي تقدم به للبرلمان السوري وآخرين من وجهاء سوريا كما وشجع الجيل الجديد المتنور من الشباب المتحمس، وضمهم إلى كتلته البرلمانية كمصطفى السباعي.. وغيرهم ذلك لبعد نظره في تأثير الشباب على حركة النهضة في المجتمع الجديد الناشئ.

 وكان صديقاً لفارس بك الخوري، ودخل البرلمان على قائمة موحدة مع الوطنيين.

وعند انتخاب الخوري رئيساً للمجلس، عارضت كتلة حلب النيابية هذا الكلام،

ليس تشكيكاُ بالرئيس الخوري، ولكن بحجة أن مكتب الأوقاف الإسلامية (ولم تكن وزارة بعد) تابع لرئاسة الحكومة، ولا يجب أن تكون أوقاف المسلمين بيد رجل مسيحي.

 نهض الشيخ عبد الحميد الطباع، وفي خطبة عصماء أثنى على الرئيس الخوري، وأعطى أصوات كتلته لهذا الرجل الكبير قائلاً: "نحن، ممثلين وزعماء الكتلة الإسلامية في المجلس، نؤمن فارس بك الخوري على أوقافنا تماماً كما نؤمنه على أنفسنا."

 ووسط عاصفة من التصفيق، قبل الخوري المنصب، ولكنه اعتذر عن تسلم الأوقاف، وعيّن حجة القانون العلامة سعيد الغزي، رئيساً لمكتب الأوقاف الإسلامية في رئاسة الحكومة.

وفاته رحمه الله : توفي الشيخ عام 1950م عن عمر يناهز 52 سنه بعد رحلة مضنية مع المرض، ومليئة بالبذل والعطاء ودفن بمقبرة باب الصغير.

المراجع :

1-رابطة أدباء الشام – العالم المجاهد الشيخ عبد الحميد الطباع – بقلم محمد فاروق الإمام - وسوم: العدد 652

2- الموسوعة الحرة ( ويكيبيديا ) .

3-السياسي النائب: الشيخ عبد الحميد الطباع | جريدة سوريتنا .

4- من هو في سورية ؟ - ص 263 ، وترجمة بقلم الأستاذ منذر الدقر .

5- نثر الجواهر والدرر في علماء القرن الرابع عشر : 646 .

وسوم: العدد 763