الأمير عبد القادر لا يقطع الرؤوس

جاء في صفحة 250 من كتاب "تحفة الزّائر" لمحمّد بن الأمير عبد القادر، أنّ الأمير عبد القدار رحمة الله عليه وبعد انتصار على الذين حاربوه بقيادة مصطفى بن اسماعيل سنة 1834 و ولوا الأدبار، قال: " وبعث الأمير رؤوس من هلك من أعيانهم المشاهير"، وعليه أقول:

لو أعلم أنّ الأمير عبد القادر يقطع الرؤوس لانتقدته علانية وبشدّة واستنكرت عليه الفعل الشنيع ولو كان ضدّ أعدى أعداء الجزائر.

قرأت للغربيين والفرنسيين الذين عاشوا مع الأمير عبد القادر و رأوه رأي العين وتعاملوا معه بصفة مباشرة وحاربوه وأبرموا معه المعاهدات ولم يقل أحد منهم أنّ الأمير عبد القادر "كان يقطع الرؤوس !" و "يبعث بالرؤوس !".

وأنا أقرأ 3 كتب لأبناء وأحفاد الأمير عبد القادر لحد الآن، وقفت على هذه الملاحظة: صنف من أبنائه جعل الأمير  معصوما كما فعلت حفيدته بديعة، وابن يتّهم الأب ظلما وعدوانا بـ "قطع الرؤوس !" وهم ما لم يتجرّأ عليه الأعداء الذين حاربوه كما فعل محمد، وابن صادق مخلص كما فعل حفيده خالد.

نظلّ نحترم ونوقّر ونقدّر الأمير عبد القادر كما تربينا على ذلك في الصغر، وننتقده حين يتطلّب المقام ذلك، ونرد عن أميرنا التّهم الصادرة ضدّة ولو كانت من أبنائه وأحفاده. 

أقصى ما قاله الغربيون والفرنسيون الذين عايشوا الأمير أنّ هناك قطع رؤوس في صفوف جيش الأمير وأنّ هناك خناجر خاصة بقطع الرؤوس، وقالوا: الأمير عبد القادر لاعلم له بذلك وجرت دون إرادته. وعقّبت يومها وما زلت أقول: ويبدو أنّ الأمير عبدالقادر لم يكن يتحكّم بالقدر الكافي في جيشه لأنّه كان يضم قبائل متنافرة متناحرة فيما بينها ولم يكن جيشه بالشكل النظامي المعهود لدى الجيوش النظامية لأنّه كان يستدعي القبائل حين الحاجة ثمّ تنصرف لشؤونها بمجرّد ما تنتهي الحرب في انتظار استدعائها مرّة أخرى حين تدق طبول الحرب من جديد.

سبق لي أن استنكر ت أمام جمع من المجاهدين وكتبت ذلك في مقال بعنوان: " الثورة الجزائرية.. تهميش وقطع رؤوس" وبتاريخ: الإثنين 08 ذو القعدة 1436 الموافق لـ 23 أوت 2015 حين تحدّث أحدهم وقال: الشهيد بوقرة رحمة الله عليه هو الذي أعطى أوامره بقطع رأس الخائن "كوبيس"، واستنكرت أيضا على الشهيد الجيلالي بونعامة رحمة الله عليهم الذي قطع رأس الخائن وقدّمه لقائده بوقرة الذي طلب منه قطع رأس الخائن، وما زلت أستنكر قطع الرؤوس ولو صدر ذلك من أسيادنا الشهداء رضوان الله عليهم.

استنكارنا لقطع الرؤوس ولو صدر من أسيادنا الشهداء رضوان الله عليهم جميعا يدفعنا لتكرار استنكارنا للاغتيالات السياسية، والتي قال عنها العقيد يوسف الخطيب حين سئل منذ سنوات وهو يلقي محاضرة بدار الثقافة بالشلف يوم الأربعاء: 28 ربيع الثاني 1436هجري، الموافق لـ 18 فيفري 2015، ونقلت المحاضرة يومها تحت عنوان: " الثورة الجزائرية.. كما يراها  يوسف الخطيب، فأجاب حينها بالحرف الواحد: " Oh, c’est la loi de la révolution !"، "إنّه قانون الثورة"، وهذا خطأ شنيع لا نقرّ أحدا عليه ولو كانوا أسيادنا الذين حرّروا الجزائر من الاستدمار الفرنسي.  

أخطأ محمّد بن الأمير عبد القادر للمرّة الثانية حين نقل عن الأب الأمير عبد القادر هذا الوصف الشنيع الذي لم يذكره أعدى أعدائه من الغربيين والفرنسيين الحاقدين على الأمير والذين رأوه رأي العين ويعرفونها من قبل أن يولد ابنه صاحب "الكتاب.

أملي أن يكون هناك خطأ مطبعي أو زلّة لسان، والحمد لله على نعمة النقد وعدم التبعية لأحد.

لا أتحدّث عن المعارك لكن أستنكر قطع الرؤوس بعد انتهاء المعارك أو  ما قبلها والتمثيل بها، والجسد له حرمة ولو لعدو خائن.

أنهي قراءة كتاب: "وشاح الكتائب وزينة الجيش المحمّدي الغالب" لقدّور بن محمّد أرويلة، تحقيق: الأستاذ محمّد بن عبد الكريم، دار الوعي، الرويبة، الطبعة الأولى 1438 هـ - 2017، من 166 صفحة، ويتحدّث فيه صاحبه عن جيش الأمير عبد القادر من حيث الرتب واللّباس والأكل والشرب والرخص والعقوبات والمكافآت والأوامر والهرم المتّبع وذكر الصلاة والتيمم، ولم يذكر أبدا "قطع الرؤوس" وصاحب الكتاب ذكر أدقّ التفاصيل عن الجيش ولم يذكر أنّ الأمير عبد القادر أوصى بـ "قطع الرؤوس" ولم يضع مكافأة لها، فكيف بابنه يقول مثل هذا الكلام.

وسوم: العدد 763