رجل من ذهب رحل منذ 10سنوات..!!

الشهيد أحمد ياسين

محمد سعد الدين

يصادف اليوم الذكرى العاشرة لاستشهاد الشيخ احمد ياسين مؤسس حركة المقاومة الإسلامية حماس ، واحد مؤسسي جماعة الإخوان المسلمين في مصر .

فمن منزل متواضع بين شوارع فرعية جنوب مدينة غزة ، قاد الشيخ احمد ياسين من غرف منزله التي ما زالت من الاسبست حركة مقاومة وجهاد ، قلب فيها معادلات سياسية صعبة وفرض نفسه على اى تسوية بجناح عسكري بدأ بقنابل ووصل للصواريخ بإمكانيات بسيطة .

وبرغم مرور عشرة أعوام على استشهاده إلا أن رائحة عطره ما زارت تفوح في منزله ، وصورته ترحب بالزائرين على مدخل منزله الذي تحول لمتحف يحتوى على مقتنياته وبقايا كرسيه المتحرك بعد استشهاده ، ويعتبر تاريخ استشهاده هو تاريخ ميلاده في فلسطين ، حيث يتحول منزله لمزار شعبي لأحياء ذكرى استشهاد الشيخ احمد ياسين ، وتجلس زوجته على كرسيها بجانب كرسيه المتحرك بروحه الطاهرة التي تسكن بجانبها .

منزل مكون من ثلاث غرف وصالة كبيرة يجتمع فيها خمسون شخصا تحولت لمعرض لصور الشهيد مع القيادات الفلسطينية من حركة فتح وحماس ، وعرض بعض مقتنيات الشهيد وكتبه ، بالإضافة لقاعة اجتماعات كبيرة تصعد إليها بسلم يصعب صعوده لصناعته من الحديد بانحناء شديد لضيق المنزل .

عبد الغنى احمد ياسين " 40 عاما "  نجل الشهيد احمد ياسين ، والذي يعمل جنايني في الجامعة الإسلامية يجلس بجانب صور والده يستذكر بعض لحظاته الجملية برفقته ، مستذكرا بداية تاريخ والده النضالي قائلا " عام  1989  سجنت خمسة أيام بتهمة إلقاء الحجارة على الجيبات العسكرية في منطقتنا ، وبدأت اسمع من الشارع والمتواجدين داخل السجن أن احمد ياسين مؤسس حركة حماس ، ولم اصدق هذه الأقوال وكنت أجيبهم بنفي هذا الكلام ، ولم أكن اعرف أن والدي وقتها هو مؤسس حماس سوى من شباب الحارة ومن ثم سجن والدي في نفس العام "

وتأكد من صدق ما سمعه من الشباب بعد عودته من السجن بعدما وجه له والده الشيخ احمد ياسين نصائح بعدم إشعال الإطارات وإلقاء الحجارة على الجيبات العسكرية داخل المنطقة ، ونصحه بالابتعاد عن المنطقة حتى لا يعرفه العملاء والمتعاونين مع المحتل ويبلغوا عنه ، في حين إباء أصدقائه يمنعونهم من الخروج من المنزل لمقاومة الاحتلال ، فأيقن حينها أن والده مؤسس لحماس.

وأشار إلى توافد بعض الشباب الملتزمين لوالده بعد خروجهم في مواجهات ومسيرات ضد الاحتلال ، مصطحبين معهم بعض القنابل الصوتية والغاز ليثبتوا له أنهم كانوا في مواجهات مباشرة مع الاحتلال .

 وأصيب الشيخ احمد ياسين منذ صغره بشلل كامل بعد وقوعه في البحر عندما كان يمارس لعبة الجمباز على البحر ووقوعه على العمود الفقري وأصيب بالإعاقة .

واستذكر ياسين احد المواقف التي كانت معهودة لديهم في طريقة دخول جيش الاحتلال لمنزله قائلا " نظرا لوضع بيتنا وبنائه القديم من الاسبست كان الجيش يقفز لداخل بيتنا من الجدران  نظرا لعدم ارتفاعها ، وكنت أبيع أنا وشقيقة على * بسطة * صغيرة بجانب منزلنا وعندما عدنا للبيت وبدأنا بحصى الأموال تفاجئنا بتوافد الجيش من الجدران داخل منزلنا وهددوا والدي بنفيه إلى لبنان إذا لم يوقف الانتفاضة ، فأجابهم انه مقعد وليس له علاقة بذلك  ، وبعد فترة قصيرة تم ترحيل 415 شخصا من قيادات الحركة من الضفة وغزة لجنوب لبنان "

وأشار إلى انه بعد سجن الشيخ لدى الاحتلال الاسرائيلى زارهم الرئيس الراحل أبو عمار في منزلهم ، وطرح عليه إبلاغ والده بأنه سيقوم ببناء منزله ليكون منزلا لائقا بمكانة الشيخ احمد ياسين ، كان رد الشيخ عليه " الشيخ ليس من طلاب الدنيا ..وهذا بيت الشيخ يريده كما هو "

وعرض الرئيس الراحل أبو عمار على نجل الشهيد احمد ياسين بالعمل داخل صفوف السلطة الفلسطينية  ، إلا انه رفض  لالتزامه بعمله داخل الجامعة الإسلامية .

وبعد خروج الشيخ احمد ياسين من السجن أمر له الرئيس أبو عمار بسيارة بى أم دبليو حديثة الصنع ، فرفضها الشيخ احمد ياسين لأنها لا تناسبه كمعاق في التنقل والصعود والنزول ، فاستبدلها الرئيس بجيب لاند روفر مزودة بكرسي متحرك .

وأشار نجله أن وفود عربية كثيرة زارت الشيخ لمفاوضته ومحاولة إيقاف عمل الجناح العسكري وانتزاع موقف بذلك ، إلا أن ذلك قوبل بالرفض عدة مرات وبمشاركة إسماعيل هنية ومحمود الزهار وعبد العزيز الرنتيسى وإسماعيل  أبو شنب في الاجتماعات .

وتركزت اغلب الاجتماعات في منزل الشيخ احمد ياسين مع القيادة ، إلا انه بعد استهداف الاحتلال لعدة منازل وقيادات ، توزعت الاجتماعات في منازل القيادة السياسية والعسكرية للحركة .

وعن رؤية والده في المنام في أول رؤية صادقة قال " ابتليت أنا وشقيقي بإصابة ابنائى الأربعة بالثلاسيميا وأبناء شقيقي الثلاثة بنفس المرض ، وبعد تطابق زراعة النخاع لابني احمد مع شقيقته قررنا إجراء عملية له ، وقبل العملية شاهدت والدي في المنام يسير على قدميه بجانبي ووضع يده على رأس ابني احمد وقال له " مشالله عليك يا سيدو كبران " وبعدها أجريت العملية ونجحت بحمد الله "

ونقلا عن صديقه في رؤية أخرى قال "ابلغني صديقي أن إمام مسجد خلال خطبته تطرق إلى رؤيته في المنام لرؤية الشيخ احمد ياسين يسير على قدميه شمال مخيم الشاطئ برفقة عددا من الرجال ، وجاء بعدها الرسول صلى الله عليه وسلم والتقاه ومسك يده وسار معه في الطريق وقال للشباب اتركوه انه معي وهذا يدل على أن الشيخ في مرتبة الأنبياء  "

وأشار نجله أن والده  لم يسعى لحكومة ، وان قراراتهم كانت تخضع للشورى بينهم ، واستذكر موقفا من ذلك قائلا " حينما كانوا يجتمعون كنت ادخل لتقديم الضيافة لهم ، وفى إحدى المرات اجتمع كل القيادة على رأى كان رفضه الشيخ وكان للشيخ رأى أخر ، وبعدما نفذت القيادة رأى الأغلبية فشلت خطتهم فعادوا على خطة الشيخ "

وأضاف " الشيخ كان يسعى لتأسيس حركة مقاومة وذراع عسكري امتداد لجماعة الإخوان المسلمين ، ومقامة الاحتلال داخل إسرائيل ورفض نقل المعركة خارج فلسطين وتصديرها للخارج ،  برغم اغتيال إسرائيل للعديد من القيادات خارج فلسطين ، وكان يطمح لدخول المجلس التشريعي ليكون لهم رأى وتغيير القوانين الموضوعة "

وكان الشيخ على اتصال مباشر  مع قيادات السلطة الفلسطينية بغزة ، وتوسط للعديد من شباب الحركة المتواجدين داخل سجون السلطة بغزة وتم الإفراج عنهم ، وشاهد ذلك عند زيارة أبو عمار لهم حيث قال " حينما خرج والدي من السجن زارنا أبو عمار ، وطلب حينها والدي منه الإفراج عن فتحي حماد وأبو أيمن طه ،فهمس أبو عمار  لمرافقه فأفرج عنهم على الفور وشاركوه لقاء الشيخ الأسير المحرر في نفس اللحظة "

وأكد إلى أن الشيخ كان يسعى لتوحيد الصف الفلسطيني وتركيز القوة ضد الاحتلال ، وبدليل ذلك كان يدعم ويمول احد أجهزة حركة فتح العسكرية بميزانية شهرية بمقدار 5500 دولار لتنفيذ عمليات ضد الاحتلال ، واستمر ذلك 6 أشهر ، وبعدما اكتشف تخاذله أوقف تمويله لأنه لم يصدق قوله مع الشيخ وحول التمويل لجناح أخر .

وتمنى نجله في الذكرى العاشرة لاستشهاد والده أن يعود الشعب الفلسطيني لرشده ودينه والتوفيق والمقاومة ، ودعا حركة حماس أن تسير على خطى والده وجمع الشمل الفلسطيني بكل أطيافه .

وتطوى الذاكرة الفلسطينية تاريخ رجل بأمة ، لوع الاحتلال بذكائه وهوس جيشه بصواريخه ،إلا أن الذاكرة ما زالت تحفره بحروف من ذهب .