نفثة ألم ولفتة وفاء لفراق عزيز، رحيل الدكتور إسحق فرحان خسارة فادحة

clip_image002_d44fc.jpg

... رحمك الله يا أبا أحمد رحمة واسعة .. فقد كنت ملء السمع والبصر

لقد كان رحيل الدكتور إسحق فرحان خسارة كبيرة ليس لأهله وإخوانه ومحبيه فقط ..ولكن للوطن كله وللدعوة الإسلامية ..ولقضية فلسطين والقدس .

.. كيف لا وهو رئيس لجنة القدس ..حيث أنه أحد أبنائها البررة فقد ولد ونشأ في عين كارم التي أصبحت من أهم ضواحي القدس الغربية ..ومن أجمل البقاع في العالم.. حيث لم تجد سلطات الاحتلال اليهودي مكانا أنسب منها لإقامة مستشفى هداسا الجديد..الذي اشتهر باسمها[ هداسا عين كارم] !

وكانت قبل الاحتلال متنفسا ومتنزها لأهل القدس يؤمونها في العطل والمناسبات للتمتع بالهدوء ونقاء الهواء واالمناظر الخلابة والفواكه الطازجة !

حتى مدير مدرستها :حلمي العارف - المقدسي – رحمه الله؛ الذي كان يأتي إليها يوميا لممارسة عمله ..كنت أراه كذلك يأتيها في الإجازات متنزها !

قال عنها العلامة الشيخ عبدالفتاح أبو غدة – رحمه الله- في كتابه (تراجم ستة من فقهاء العالم الإسلامي في القرن 14) في مقدمة ترجمته لابن القرية النابغ الذي كان من كبار العلماء في الأزهر (الشيخ عيسى منون ) رحمه الله:

( ولد في بلدة عين كارم، ضاحية من ضواحي القدس الشريف غربيها،تُعَد جنة من جنان الأرض ، في جمال منظرها ، وعذوبة مائها، ولطف هوائها،وطيب مُناخها،تظللها أشجار السرو، وتكتنفها مساحات واسعة من أشجارالعنب والزيتون ومختلف أشجار الفواكه، يقصدها سراة القوم لقضاء فترة الاصطياف فيها، لجمال موقعها ، وخضرة مربعها،ونضارة بقعتها ، وحسن عمارتها،وكثرة بساتينها ،وأنس أهلها،وهم عرب كرام،عُرِفوا بكرم المحتِد،وطيب العنصر،وسجاحة الأخلاق، ونبل الأعراق ..)...

.. وربما لسلامة وجمال مبانيها وبيوتها- كانت من القرى القليلة التي لم يهدم اليهود منازلها بعد الاحتلال من ضمن أكثر من 500 قرية فلسطينية هدموها وأزالوها من الوجود!

..وفيها ولد النبي يحيى عليه السلام .. وعاش زكريا ..وتسمى عينها ( عين مريم العذراء)  لأنها طالما شربت منها هي وولدها المسيح عليه السلام !

.. ولقد كانت الدولة اليهودية تتطلع لجعلها مقرا للسفارات الأجنبية – بعد نجاح مؤامرتها –التي تكللت أخيرا بالنجاح .. بنقل سفارة الولايات الأمريكية للقدس!

لكنا وقفنا لها بالمرصاد .- منذ أكثر من عشرين عاما-وحذرنا الدول والشعوب وبرلماناتها ..من تلك [الحماقة] موضحين أنها أرضنا لم نتنازل عنها ولم نوكل أحدا بالتنازل عنها بل سُلبت منا بالقوة وأخرجنا منها بالإرهاب والعدوان..وكل دولة توافق على وضع سفارتها في عين كارم تعتبر مشاركة للدولة الصيهونية في العدوان والاغتصاب!

.. وكان لتلك الوقفة ضجة كبرى وأثر .. ما زال ماثلا !

.. لقد تزاملتُ – مع الفقيد العزيز - في مدرسة عين كارم الابتدائية –من الأول إلى السابع الابتدائي– كما كان يعرف عليّ دائما..وحين وقعت نكبة 1948 كنا في الصف السابع .. ولم نكمله..ورحلنا إلى السلط .. فدخلنا في مدرستها في الصف السابع الابتدائي..وكان من زملائنا فيه كذلك الدكتور عبداللطيف عربيات أحد أشهر رؤساء مجلس الأمة الأردني –والذي يذكر هذه الصفة حينما نلتقي-..ولكني لم أكمل معهما المرحلة بل رحلت لعمان وأكملت السابع الابتدائي وكان شهادة عامة ( يسمونها مترك ابتدائي) ..وعرفت نتيجتي قبل الجميع حيث كنت أعمل في جريدة الأردن اليومية – ليليا -..وآخذ المواد للرقيب ( كان المرحوم سعد جمعة حينها) لاعتمادها قبل النشر !

وكان ذلك آخر مترك ابتدائي ..ألغي بعدها الامتحان العام في الشهادة الابتدائية !

وأذكر أن الدكتور إسحق قد لمع نجمه في أواخر المرحلة الابتدائية ..حيث فاجأنا في الصف السادس بفوزه بالدرجة الأولى ..واستمر في تفوقه ..حتى كان ما علم الجميع فيما بعد من قطعه جميع مراحل دراسته بتفوق ..حتى الدكتوراة .. وتقلب في المناصب الرسمية في ميدان التربية وغيرها ..حتى شغل أكثرمن وزارة ..ورئاسة الجامعة الأردنية وجامعة الزرقاء الأهلية ..وغير ذلك من المواقع – داخل الآردن وخارجه- التي ترك فيها آثارا إيجابية طيبة .

   نعم.. لقد شغل – رحمه الله عدة وزارات –عدة مرات – وتقلد عدة مناصب ورئاسات رسمية وغير رسمية – فما غيّر أيٌّ من ذلك من جوهره  النقي شيئا ..بقي على صفائه وأصالته ونقائه وإخلاصه وتواضعه .

 .. لقد قلت له مرة : لو لم يكن لك إلا إنشاء كلية الشريعة ومسجد الجامعة الأردنية لكفاك! فما كان منه إلا أن قال: عسى الله أن يتقبل !

..نعم :تلك الكلية الطيبة التي خرجت ألاف العلماء .. وذلك المسجد العظيم ..الذي يعتبر من أهم معالم الجامعة الأردنية بل العاصمة الأردنية عمان- من بعض جهود ذلك العامل المخلص لربه ووطنه وشعبه ودينه ودعوته !

..ولذا كان من اولى من يصلَّى عليه في ذلك المسجد الذي بذل جهودا مباركة خيرة كثيرة في متابعة بنائه والحث على التبرع له حتى اكتمل بذلك الشكل الرائع الشامخ المميز!

   ولا ينسى الأردن أن الدكتور إسحق فرحان كان أول امين عام ..لأول حزب إسلامي في الأردن .. والحزب الأقوى والأبرز  !

ولا ينسى الأردن بصمات الدكتور إسحق على مناهجه الدراسية .

..وكذلك سلطنة عُمان !

كما لا ينسى أنه من رموز الوسطية الأردنية الهاشمية !

ومن العسير أن يذكر ذاكر وسطية الأردن واعتداله ..ولا يذكر أمثال الدكتور في ترسيخ تلك الاتجاهات وتثبيتها ..وتميز الأردن وحفاظه على امنه وأمانه وتلاحم أبنائه وعناصره .

  ولا ننسى كذلك جهوده البارزة والكثيرة في سبيل القضية الفلسطينية والدفاع عن حقوق شعبه والمطالبة الملحة بحق العودة ..حيث أنه – مثلنا – واحد من اللاجئين المنتظرين - بفارغ الصبر - العودة إلى ديارهم..لكنه – كالآلاف – أدركه الموت قبل تحقق هدفه ذاك ..ولكن جهوده وأمثالها من الجهود الدائبة والمتواصلة والملحة .. ستحقق ذلك الهدف – بإذن الله تعالى وقدرته-..وحينها .. تقر عينه في قبره – وعيون الجميع التي مات أصحابها وهم يتطلعون إلى العودة الظافرة لفلسطين !

" ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم "

وسوم: العدد 780