العلامة الدكتور حسن هويدي

ولد في دير الزور عام 1925م، 

ونشأ في بيتٍ إسلاميٍ على الفضيلة وحب العلم ، كان والده معروفًا في دير الزور ملتزمًا بالدين ومجالس الذكر والعلم في المساجد  وله أبلغ الأثر رحمه الله في مسيرة الدكتور. شغف بالعلم والدراسة منذ طفولته، فأخذ معظم العلوم الشرعية في الفقه والحديث واللغة والتصوف  على  علماء ديرالزور وأبرزهم العالم الجليل الشيخ حسين الرمضان  الخالدي رحمه الله والشيخ سعيد المفتي والشيخ جعفر الرحبي ... وصقل تعليمه الشرعي عن طريق الشغف بالمطالعة والدراسة لأمهات الكتب في مختلف العلوم .ضمن رفقة صالحة من أقرانه أمثال الشيخ أحمد السراج والشيخ عبدالرزاق الخالدي والشيخ د.خليل ملا خاطر و أمين الشاكر وغيرهم  ولازم العارف بالله الشيخ عبدالله الكرعاني وكان ممن خلفه بالطريقة . وكذلك لازم العارف بالله الشيخ محمود الأنطاكي والذي كان يقيم غالبا في عيادته ويقوم بالعناية به .

بعد حصوله على شهادة الثانوية العلمية،  انتسب إلى كلية الطب في جامعة دمشق. وحصل على شهادة الدكتوراه في الطب بتقدير "جيد"عام 1952م  . وكانت رسالته لنيل شهادة الدكتوراه عن:( فرط نشاط الغدة الدرقية) . ثم حصل على شهادة التخصص في الأمراض الباطنية من كلية الطب في جامعة دمشق . وخلال سنوات الدراسة في دمشق لازم كبارالعلماء فيها في حينها ونهل من علومهم . وأكثر من لازمه الشيخ مصطفى السباعي الذي تأثر به كثيرا وأصبحت علاقته به كبيرة جدا .

عاد إلى ديرالزور وافتتح عيادته لتكون مقرا ليس فقط للعلاج فحسب  . بل للدعوة والنصح والفتوى وملتقى أهل العلم والصلاح .

كثير الترحال والمشاركات .وله رأيه الذي يسمعه كبار رجال الدين والدولة آنذاك ..

اشتهر د. حسن هويدي كواحد من أبرز دعاة الوسطية والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، بالمسالمة والمحاورة والنقاش ، ومن كلماته "لا نكتم النصيحة ولا نستسلم للخطأ ، هذا هو الأصل الذي لا يخفى على أولي الألباب " وهو من دعاة التطوير والتجديد في الآليات وفي التناول وكان يدعو الى تطبيق الشريعة معتبراً أن الشريعة كلها عدل ورحمة وأن كثيراً من الناس يعيشون في أوهام أعداء الإسلام فيظلمونه بغير حجة ولا فهم .

وفي فترة الخمسينات كانت تعصف بالبلاد أمواج التيارات الفكرية والأحزاب المتشرذمة أسس في ديرالزور حزبا إسلاميا سمي ..(شباب محمد) ..ليكون نواة للعمل الدعوي والإصلاح. ضم نخبة من الشباب المسلم المثقف في المدينة.

عاش الرجل ربانياً يدعو إلى الله بلسان حاله قبل مقاله ، حسن الخلق شديد الحياء حلو المعشر، ينتقي أطايب الكلام ، ولا يذكر أحداً بسوء أبداً، يتحدث العربية الفصحى بطلاقة ، عرفه السوريون طبيباً بارعاً بكل مناحي الطب وشؤونه ، وعالماً محقّقاً ، ثريّ الثقافة ، واسع الإطلاع حجة في العلوم الشرعية لا يبارى . يبارز العلماء ويباريهم؛

وتم تعينه عضواً في إتحاد المجلس الأوربي للإفتاء .

كان شديد المجاملة والملاطفة عظيم التأدب ، عفيف اللسان ، يجمع إلى حماسة الشباب المتوقّدة الوثابة  رجاحة العقل والحكمة والأناة، يؤمن بالحوار ويتبنّاه سلوكاً ومنهجاً حتى في لحظات مرضه الشديد .

لم يهجوه عدو قط بل كان محط الثناء والتقدير من المخالف والموافق .

كان دائم الأسفار متعهد الترحال ناشراً الدعوة مهاجراً بها حاملاً لها على غير عادة الشيوخ في مثل هذه السن المتقدمة ، يطوف من اليمن إلى الإمارات و الكويت ومن لندن إلى استانبول والسودان ، ولم تهدأ عزيمته حتى وفاته ، 

كان سفيراً للصلح يعيد الله به أواصر الثقة ، والوئام المفقود ، عاش متفائلاً بأنّ المستقبل لهذا الدين ، مستشرفاً النصر يخرج من بين جنبات الظلم والقهر ، منتظراً الفجر ممتطياً جواده ،عابراً ظلام الليل ، لم تفارق الطمأنينة وجهه !

دارت بينه وبين الدكتور محمد المبارك في عام 1953 مساجلات ونقاشات وحوارات حول دعوة العالم الجليل لتنقية السنة الإسلامية من الشوائب ، فرجح رأي هويدي على حداثة سنه ، وكان يرى أن هذه الدعوة قد تكون وسيلة يستغلها بعض ضعاف النفوس وأعداء الإسلام في النيل منه ، والتشكيك فيه والإساءة إليه .

لا يحب الظهور زاهد في الكلام والكتابة ، لا يكتب إلا ما يراه فرضاً  . ومن كلماته:  

(الظهور يقسم الظهور) .

له عدة مؤلفات وهي :

الوجود الحق.

من نفحات الهدى.

محاذير الاختلاط.

الشورى في الإسلام.

مفهومات في ضوء العلم .

كانت له جلسة أسبوعية يجلس فيها للترويح مع إخوانه يتلون كتاب الله ، ويتدارسونه بينهم ثم تكون لهم دروس فى العقيدة أو التزكية أو التاريخ ، وليلة وفاته تحدث حديثاً رقيقاً خاشعاً عن الموت وقرأ من التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة للقرطبي وكان يقول: "إن الميت كمن تاه في الصحراء بلا ماء ، والحسنات والأعمال الصالحة للميت فى القبر كالماء للتائه في الصحراء ، " وكان يكرر حديث النبي صلى الله عليه وسلم :

" ألا أدلّكم على خير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعِها في درجاتكم، وخيرٌ لكم من إنفاق الذهب والورِق، وخيرٌ لكم من أن تلقوْا عدوَّكم، فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: ذكر الله)

وأوصى بقراءة جزء يومي من القرآن ، وقول لا إله إلا الله 100 مرة ، و الصلاة على النبي 100 مرة ، والإستغفار 100 مرة ، ثم ذهب إلى بيته ولقى ربه جالساً فى محرابه بعد أن أدى صلاة الفجر ،

توفي في مدينة عمّان في الأردن فجر الجمعة 13/3/2009 ، بعد عقود من العطاء كان فيها نبراساً ومعلماً للإهتداء لمن يريد أن يسلك الطريق من بعده ، ويتصدى للأجر .رحمه الله تعالى وأدخله فسيح جناته وعوض الامة أمثالهم ...

وسوم: العدد 801