امرأة بأُمّة!

إنها أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، رضي الله عنها، قد حباها ربها بصفات عالية أهّلتْها لأن تكون زوجاً لخاتم النبيّين.

ولقد كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، نِعمَ الرفيقُ ونعم العون، وكانت أوّلَ من آمن به، وقد عرفت فيه الصدق والأمانة مذ أرسلته بتجارتها يوم كان شاباً، وتزوجت منه وهو في الخامسة والعشرين من عمره. وحين قارب الأربعين وحُبّب إليه الخلاء فكان يتحنث في غار حراء كانت تمدّه بالزاد ليقضي في الغار الليالي ذوات العدد، ثم يعود إليها ليتزود بمثلها، وبقي على ذلك ثلاث سنين. فلما نزل عليه الوحي وعاد إليها يرجف فؤاده سكّنته وطمْأنتْه أن من كان في مثل خُلُقه فلن يخزيه الله أبداً: "إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلّ، وتكسب المعدوم، وتَقري الضيف، وتعين على نوائب الحق".

وبقيتْ إلى جانبه تشدّ أزره، وتمدّه بمالها، وتُعينه على البلاء الذي يلحقه من عُتاة أهل مكة... فلما توفيت، رضي الله عنها، في العام العاشر من البعثة كان ذلك العام عام حزن وأيّ حزن.

وكأن الله تعالى يقول لنبيّه صلى الله عليه وسلم: لا يبقى لك أحد من الخلق، لا أبوك ولا جدك ولا عمك ولا زوجك... لا يبقى لك إلا الله.

وكما كان عطاء خديجة عظيماً، كان وفاء النبي صلى الله عليه وسلم لها عظيماً: لم يتزوج غيرها حتى توفيت، وحين تزوج الواحدة تلو الواحدة بقيت مكانة خديجة محفوظة في قلبه، ولربما حرّكت في نفوسهن الغيرة منها وهي المسنّة المتوفّاة.

أقبلت هالة أخت خديجة، وسمع النبي صلى الله عليه وسلم صوتها، وكان يشبه صوت خديجة فاهتزّ لذلك سروراً وقال: اللهم هالة!. وظهرت غيرة عائشة وقالت له: وما تذكر من عجوز قد أبدلك الله خيراً منها؟. فتغيّر وجهه صلى الله عليه وسلم وقال: "والله ما أبدلني الله خيراً منها: أمنتْ بي حين كفر الناس، وصدّقتْني إذ كذّبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها الولد دون غيرها من النساء". رواه مسلم.

وكان صلى الله عليه وسلم يبرُّ صديقات خديجة، ففي بِرّهنّ وفاء لذكرى الزوج البارّة الكريمة الطيبة، فإذا ذبح شاة يقول: "أرسلوا إلى أصدقاء خديجة". ويقول: "إني رُزقت حبّها". رواه مسلم.

وهو يرى أن احتفاظه بحبّ خديجة نعمة عليه من الله: "إني رُزقت حبها".

وكثيراً ما كانت عائشة الصدّيقة تقول: "ما غِرتُ من امرأة قط ما غرت من خديجة، لكثرة ذكر الرسول لها، وما رأيتها قط". رواه مسلم.

فكما أحبّت خديجةُ زوجها لصدقه وأمانته ووفائه وصبره... أحبّها صلى الله عليه وسلم لإيمانها وبذلها وكرمها ومواساتها فكانت نِعم الزوج لأعظم زوج.

رضي الله عنها، وصلى وسلم وبارك على زوجها سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

وسوم: العدد 802