العلامة الشيخ مصطفى الزرقا أستاذ الأجيال في الفقه والقانون

د. عبدالله إبراهيم زيد الكيلاني

clip_image001_39752.jpg

تشرفت بمعرفة شيخنا العلامة المرحوم - بإذن الله -مصطفى الزرقا ، بندوة علمية ، بربوع الجامعة الاردنية ، وكان على يمين الاستاذ المرحوم  الدكتور اسحاق الفرحان - رحمه الله -

وذهبت بعد يومين من لقائي الاول معه الى كلية الشريعة ، لزيارته بمقر عمله ، وسألت عنه موظفة الاستقبال ، فأخبرتني : بأن الشيخ في استنبول يحضر مؤتمرا عن المدن الاسلامية ، وكانت لا تعلم بعودته من تركيا. 

وبدوري اكدت لها اجتماعي به في الندوة ، وانا على موعد معه ، وسألتها : اليس له ساعات تواجد ؟ !

فقالت : الشيخ مكسب كبير للجامعة وللمملكة وللعالم ،  ولا نلزمه بدوام وتوقيع ، وهو استاذ لبرامج الدراسات العليا واطروحات شهادتي الماجستير والدكتوراة . .

وأكرمني الله : ان وقفت مع الشيخ في عزاء ولده احمد نوفل- رحمه الله -  وقبل وصول اولاده من السفر ، في منزله بحي الشميساني في عمان مقابل جامع الفيحاء  ،ورأيت جموع المعزين ؛ من كبار رجالات المملكة

ومسؤوليها؛ وعلى رأسهم الامير الحسن ولي العهد - حينها - وكبار الوزراء  والاعيان والنواب والضباط والوجهاء والاحزاب والجمعيات والمنظمات الدولية والمحلية والقضاة والعلماء واساتذة الجامعات والمطارنة والقساوسة وممثلين عن السلك الدبلوماسي والسفراء وممثلين عن الجمعيات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني والعشائر . .

كما رأيت : فضيلة الشيخ الدكتور ابراهيم الجرمي - حفظه الله - المستشار الديني لاذاعة حياة اف ام  يكثر الثناء عليه ، ويستشهد بفتواه وينصح بقراءة كتابه( المدخل الفقهي ) . .

وقد مدحه لي الشيخ نسيب الرفاعي الحلبي ابو غزوان - رحمه الله - وقال : ان العلامة الزرقا ؛ شيخه واستاذه في حلب . كما ان الاستاذ الشيخ نوح علي سلمان القضاة مفتي المملكة الاردنية الهاشمية وقاضي القضاة الاسبق فيها - رحمه الله - ووالد معالي النائب في البرلمان الاردني الحالي الدكتور محمد نوح القضاة - حفظه الله - تلميذه في جامعة دمشق . .

ومن تلاميذه ومحبيه ايضا ؛ معالي الاستاذ الدكتور الشيخ إبراهيم عبدالحليم زيد الكيلاني - رحمه الله - والذي تتلمذ في بداية تلقيه العلم ، في جامعة دمشق على العلامة الزرقا والسباعي والدواليبي والمبارك وفوزي فيض الله ، والذي عرف قدرهم ، وكان يصفهم : بانهم من كبار العلماء الذين جمعوا الى الفقه الدراية فيه ، وفقه الحياة ومقاصد الشريعة . .

وللشيخ ابراهيم زيد الكيلاني  دور بارز في الارتقاء بالمستوى العلمي لكلية الشريعة الاسلامية ، برفد الكلية بالاساتذة الكبار من اهل العلم والنهج العلمي الاصيل . .

وبتوصية من العلامة الزرقا ؛ تم استقدام العلامة الاستاذ الدكتور فتحي الدريني ، وهو من خيرة اساتذة اصول الفقه ، ومتخصص في مقاصد الشريعة ، وتدريس كتابها الجامع ( الموافقات ) لابي اسحاق الشاطبي - رحمه الله -

وكان الهدف من ذلك؛ نقل الطلاب من دراسة الفروع الجزئية في الفقه ، الى فهم مقاصد هذه الفروع  ، ومقاصد الشريعة الكبرى الكلية  ، التي تحمي المسلمين من التعصب المذهبي والفقهي ،  وتساعد في وحدة علماء الامة . .

وظهر الاثر الكبير في تدريس هذه المقاصد ؛ وتخرج ثلة من العلماء الذين ورثوا هذا المنهج وصاروا مرجعا لتدريس مقاصد الشريعة في كليات الشريعة ..

وللشيخ العلامة مصطفى الزرقا  - رحمه الله -دوره ونصائحه لعلماء الاردن واهل القانون فيها ، في قضية #معركة القانون المدني  . . 

والتي تحدث عنها الاستاذ الدكتور عبدالله ابراهيم زيد الكيلاني استاذ الفقه واصوله في كلية الشريعة بالجامعة الاردنية وعضو رابطة علماء الاردن :

#تعرض الاردن في سنة1964لمحاولة خطيرة في إلغاء آخر قانون للمعاملات يحكم بالشريعة الاسلامية ، وهو (مجلة الاحكام الشرعية ) الذي كان مطبقا منذ عهد الخلافة العثمانية ، وقد تآمرعلى هذا القانون في مصر  ، رجال القانون المستغربون الذين اعجبوا بالقانون الغربي والقيم الغربية ؛ كعبدالرزاق السمهوري وغيره . . وكان لعلماء مصر ورجال القانون فيها موقف عظيم ، في مواجهة السنهوري ، وتقديم الشريعة الاسلامية لتكون مصدرا لقانون مدني معاصر ؛ وكان على رأس هؤلاء العلماء #العلامة الاستاذ محمد صادق فهمي بيك المستشار في محكمة النقض ومعه ، مجموعة من العلماء ، وقدموا بحثا عنوانه:(  نموذج لكتاب العقد في القانون المدني المصري المقترح وفي الفقه المصري ) ، وبينوا مزايا الفقه الاسلامي على الفقه الغربي ، مقارنة مادة بمادة ،  ولكن #عبدالناصر تدخل بالباطل ، وانتصر للفقه الغربي على الفقه الاسلامي .. ! ؟  

وفي سورية ؛حاول العلماء استباق الاحداث ، وشكلوا لجنة كان من اعضائها العلامة الشيخ مصطفى الزرقا ؛ لوضع قانون مدني يناسب تطور العصر ، مستمدا من الفقه الاسلامي من مذاهبة المتعددة . .

ولكن انقلاب حسني الزعيم وحكومته ؛ الغت هذه اللجنة ، وتبنت القانون المدني المصري الفرنسي بأصوله والاجنبي بمواده بدلا من الشريعة الاسلامية وطبقته . . ! ؟ 

واراد مجموعة من رجال القانون والنواب في الاردن سنة1964

ان #يقلدوا تقليدا اعمى لمافعل في مصر وسورية ، في الغاء مجلة الاحكام العدلية الشرعية واستبدالها بالقانون المدني السوري ! ؟  واصدر مجلس النواب الاردني؛  موافقته على الغاء مجلة الاحكام الشرعية واقرار مشروع القانون المدني الدستوري . .

وهنا تحرك الشيخ ابراهيم زيد  الكيلاني ؛ وكتب مقالا في جريدة (المنار الاردنية): تحت عنوان( قانوننا المدني المنتظر بين شريعة الله وشريعة الاجنبي ) اغضب رئيس مجلس النواب والحكومة . . ! ؟ 

واستمرت المعركة ؛ على صفحات الجرائد والمجلات مع المعجبين بالقانون الفرنسي والغربي  ، وتابع الناس المقالات ، ونشط العلماء وخطباء المساجد في توعية الناس . . وتحرك التجار ، وكافة شرائح الشعب ، وارسلوا البرقيات للملك حسين - رحمه الله - 

واستجاب ملك البلاد ؛ لنداءات العلماء والامة ، الذين التقوا على كلمة واحدة ؛في مواجهة هذا القانون . .

وكان لما يكتبه الشيخ مصطفى الزرقا وتوجيهاته اثر كبير في توجيه هذا العمل . .

وفي عهد دولة رئيس الوزراء بهجت التلهوني وهو من كبار رجال القضاء ، تشكلت لجنة  يرأسها دولته ، ومقررها الشيخ ابراهيم زيد الكيلاني ، ومعه في عضويتها ؛ الشيخ عبدالله غوشة، والشيخ السائح ، والشيخ الخياط ، والشيخ عبدالباقي جمو ، وعدد من كبار رجالات القانون في المملكة ، وانجزت اللجنة ؛ #القانون المدني الاردني ، الذي اقره البرلمان الاردني سنة 1994  . .    واعتبر قانونا دائما الي يومنا هذا والحمد لله رب العالمين . .

وكان من فضل الله ؛ ان اعتمدته بعد ذلك #جامعة الدول العربية ليكون اصلا موحدا لقوانين الدول العربية ،  وصار اسم الاردن في البلاد العربية ؛ متميزا بمحافظته على تراثه واصوله الحضارية من الفقه الاسلامي . . وقدم البيان الراجح بان الشريعة الاسلامية ليست عاجزة عن الوفاء بحاجات العصر ووضع القوانين المناسبة لها . .

رحمك الله استاذ الاجيال في الفقه والقانون ورحم الله تلاميذك ومحبيك في انحاء المعمورة وبارك بجهودهم وجهادهم . .

#المصدر :مقال للاستاذ الدكتور عبدالله ابراهيم زيد الكيلاني في جريدة الراي الاردنية العدد 16997يوم الاثنين 17رمضان1438هجري الموافق12حزيران 2017ميلادي

وسوم: العدد 803