الطبيب، الداعية، اللغوي د. محمد هيثم الخياط

(1456هـ /1937م - معاصر )

clip_image001_147f3.jpg

هو الأستاذ الدكتور (محمد هيثم بن أحمد حمدي الخيَّاط): ذلك الطبيب اللامع، واللغويٌّ البارع، والفقيه المفسِّر. من أعلام تعريب المصطلحات الطبيَّة، ومن أعلام أمتنا العربية، ورائدٌ من رواد نهضتها، الذين نفتخـر، ونعتز بهم أمام العالمين، لما قدمه من عطاء، وخدمـات لوطنه وأمته العربية في مجـال التعريب واللغة، بجانب تخصصه في الطب، كما أنه عضـو قدير عرفته المجامع العربية في دمشق، وبغداد، وعُمان، والقاهرة، فكان عضواً فاعلاً بها، كذلك عضويته في أكاديمية نيويورك للعلوم...

إنه علمٌ تفتخر أمته بإنجازاته التي لا تعد، ولا تحصى، في مجالات التعريب، والطبّ، والعلوم، فله مؤلفات طبية عالية القيمة، آثر أن يكتبها بالعربية، إيمانًا وتدليلاً على أن اللغة العربية، لغة علمية صالحة للتعبير عن المفاهيم الطبية بدقة ووضوح.

مولده، ونشأته:

clip_image002_cd83b.jpg

ولد د. محمد هيثم بن أحمد حمدي الخياط بحي المهاجرين بدمشق عام 1456هـ (1937م)، ونشأ في كنف والده الطبيب أحمد حمدي الخياط الذي كان من مؤسسي كلية الطب في جامعة دمشق، له مختصر فن الجراثيم، وهو أول كتاب يقرّر في كلية الطب، ثم فن الجراثيم، ويقع في 4 مجلدات، وكتاب صحة الأسرة، ويقع في 3 مجلدات، وقد توفي رحمه الله عام 1981م.

دراسته، ومراحل تعليمه:

clip_image003_b818e.jpg

تلقى محمد هيثم خياط مبادئ القراءة والحساب والدين على يدي والده الدكتور أحمد حمدي الخياط -رحمه الله-، ثم دخل الصف الرابع الابتدائي، وهو في السابعة من العمر.

وبعد حصوله على الثانوية ( الفرع العلمي) من ثانويات دمشق حينَ بلغ / 15 / سنة، ثم درسَ العلوم الطبية في كلية الطب في جامعة دمشق، وكانت مدة الدراسة / 7 / سنوات، أصدر كتابه الأول علم النبات سنة 1955م عندما كان طالباً، وحصل منها على درجة الدكتوراه في الطب عام 1959م، وكان من المتفوقين في دراسته، ولم يتجاوز العشرين من عمره، وكان عضواً في لجنة مسجد الجامعة السورية، ونشر بعض الرسائل فيها.

واستمر في التدريس الجامعي معيداً في كلية الطب في جامعة دمشق حتى عام 1966م.

ثم غادر سوريا إلى بلجيكا، فحصل على شهادة أهلية التعليم العالي في العلوم الكيميائيَّة والحيوية من جامعة بروكسل في بلجيكا، وقدّم /4 / أطروحات فيها، وتخرج عام 1969م.

تبحر الخياط في العلوم فقد جمع بين الطبِّ، والعلوم الشرعيَّة، واللغوية، وتخرَّج بعدد من أعلام علماء الشام، وصحب الشيخ عبد الرحمن الباني، والشيخ محمد سعيد الطنطاوي، وانتفعَ بعلومهم .

أعماله ومسؤولياته:

ثم عاد د. محمد هيثم الخياط إلى سوريا، فوجد أن بعض الأساتذة قد حلّ مكانه في التدريس الجامعي، فعمل  في المستشفى في حرستا، ثم أعيد إلى الجامعة، فعمل في لجنة التطوير الطبية، وعمل معيداً في كلية الطبَّ في جامعة دمشق، وفي كلية الصيدلة، وكلية طب الأسنان، ومدرسة التمريض في سوريا، وعمل مدرساً في المعهد العربي الإسلامي التابع لجمعية التمدن الإسلامي في دمشق، و كما عمل من قبل في بروكسل.

ثم صار رئيساً لقسم الطب المخبري في جامعة دمشق بين عامي ( 1971-1981).

وهو عضو بمعظم المجامع اللغوية العربيَّة، ومقرر لجنة المصطلحات في مجمع اللغة العربية بدمشق 1976-1983. ولم يكن قبله سوى د. شاكر الفحام، ود. عبد الرزاق قدورة.

واستمر في التدريس حتى الثمانينات حيث غادر سوريا في عام الأحزان، وتوجه إلى إيطاليا وبقي فيها 3 سنوات حيث أنشأ المكتب الإفريقي المتوسطي للكيمياء السريرية ، كما أسس دار نشر وتعريب طبع فيها العديد من قصص الأطفال.

و من ثم عمل مدير البرنامج العربي لمنظمة الصحة العالمية 1983.

وعضو مجلس أمناء المركز العربي للوثائق والمطبوعات الصحية 1987.

ورئيس تحرير المجلة الصحية لشرق المتوسط 1991. .

وعضو مجلس أمناء المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية 1996.

وسُمِّي كبيرَ مستشاري المدير الإقليميِّ لمنظَّمة الصحَّة العالميَّة 1999.

وعضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يرأسه العلامة يوسف القرضاوي منذ عام  2004م.

وهو عضو في لجنة توحيد المصطلحات الطبية الذي أنشأه اتحاد الأطباء العرب ، وهو مقرر مشروع المعجم الطبي الموحد التي بدأت عملها عام 1968م.

وهو عضو في أغلبية مجامع اللغة العربية؛ فهو عضو مجامع اللغة العربية في دمشق، وبغداد، وعمان، والقاهرة.

علاوة على ذلك فهو عضو في أكثر من 20 جمعية علمية في مختلف أنحاء العالم منها أكاديمية نيويورك للعلوم، والمجمع العلمي الهندي.. وغيرها.

مؤلفاته:

أصدر د. محمد هيثم الخياط حتى الآن أكثر من  / 25 /  كتابًا باللغات العربية، والفرنسية، والإنكليزية، ومنها بعض المعاجم، كما نشرت له عشرات المقالات باللغات العربية، والفرنسية، والإنكليزية، والألمانية، والإيطالية في مختلف المجالات.

منها كتب في الطب والصحة، والكيمياء، وعلم النبات، واللغة العربية، والأخلاق والفكر، والقضايا الإسلامية، وقصص الأطفال. كما شارك في تأليف المناهج والمقررات الطبية لجامعتي دمشق وحلب، وأشهر كتبه:

1-             (المعجم الطبِّي الموحَّد): طبع عام 1973م في جامعة الموصل في العراق، ثم طبع في سويسرا عام 1983م وبلغ عدد مصطلحات المعجم / 150 / ألف مصطلح، وهو متوفر على قرص حاسوب . وهو معجم ثلاثيُّ اللغات. ولعل أهم تلك الإنجازات، هو الإنجاز الفريد الذي يدل على قدرة علمائنا على العطـاء والإبداع، وهو " المعجم الطبي الموحد "، مع كوكبـة من خِيرة علمائنا الذين هم دائماً محل تقـدير الدوائر العلمية والطبية العالمية، بإنجازهم وعطائهم الذي لا ينضب خدمـة لشعوبهم وأوطانهم.

2-             في سبيل العربية: طبعه سنة 1987م، وقد تكررت طباعته مراراً، وهو من كتبه المهمة الفريدة، قال عنه العالم الكبير الدكتور عبد الحافظ حلمي محمد عضو مجمع اللغة العربية: هذا الكتاب – عند العارفين – جوهرة ثمينة، فيه من الفكر النَّيِّر الشجاع، والخبرة الناضجة، والأدب الرفيع ما أعجزُ عن التعبير عن مبلغ تقديري له وإعجابي به".

وذلك ليس غريب عليه، فوالده د. أحمد حمدي الخياط من رواد المعهد الطبي العربي، الذي أنشئ في 12 يناير (كانون الثاني) عام 1919 م خلفاً للمدرسة الطبية العثمانية، وكان التدريس باللغة العربية بفضل الرواد الأساتذة الأطباء منهم د. أحمد حمدي الخياط، د. مرشد خاطر، د. حسني سبح، د. أحمد شوكت الشطي، د. جميل الخاني، د. حنا سعيد ..... وغيرهم من الذين وضعوا المصطلحات العربية المقابلة للأجنبية.

3-            المسلم إنسان إيجابي – لجنة جامعة دمشق .

4-             المرأة المسلمة وقضايا العصر:  عبارة عن محاضرتين الأولى المرأة في الإسلام ودورها في التنمية البشرية، ألقاها بطلب من البارونة إيمانكلسون عضو مجلس اللوردات البريطاني في مقر الاتحاد الأوربي في بروكسل، والثانية (الإسلام والجندر): ألقاها في المشاورات الإقليمية حول الجنس، والهوية، والتحيز ضدّ المرأة في القاهرة.

5-             بين حضارتين – لجنة مسجد جامعة دمشق.

6-             الغاية لا تبرر الوسيلة – لجنة مسجد جامعة دمشق.

7-             الكيمياء المرضية: درّسه في جامعة دمشق وحلب ثم طبعه ووزعه على الطلاب مجاناً.

8-             الهدي الصحي ( فقه الصحة ).

9-            البيئة من منظور إسلامي.

10-        المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء – طبع دار الفكر المعاصر سنة 1996م.

وأشرف د. الخياط على سلسلة التثقيف الصحي، وهو يُتقن ستَّ لغات عالميَّة، ونشر مقالات كثيرة بالعربيَّة، والإنكليزيَّة، والفرنسيَّة، والألمانيَّة، والإيطاليَّة.

الشاعر الداعية:

والدكتور محمد هيثم الخياط متعدد المواهب فهو فضلاً عما ذكرت من علومه، في الطب والكيمياء والدين والفكر، فهو شاعر وأديب إسلامي، ولنستمع إليه، وهو يقول:

سَرِّحِ الطَّرفَ في رِمالِ الصَّحاري    حافلاتٍ بالذِّكرَياتِ الغِزارِ

شَهِدَت في القديم مولدَ نورٍ             مُستَديمٍ ومَبدأٍ مِعطارِ

يومَ قام النبيُّ في الناسِ يدعو               لِمَبادٍ لألاءةِ الأنوارِ

يا عبادَ الرَّحمن لِمْ قد تركتُم           شِرعةَ الخالقِ الكريم البارِي

ونحتُّم من الصُّخور رسومًا        وعبَدتُّم هذي الرسومَ العَواري

حطِّموا هذه التماثيلَ، هيَّا         وأطيحُوا بالنُّصْبِ والأحجارِ

واعبُدوا الله لا إلهَ سِواهُ                وتَناءَوا عنِ الخَنا والشَّنارِ

اعبُدوه ولا تخافوا اضطِهادًا             مِن عَبيدِ الجبَّارِ، والجبَّارِ

ليس يقوى على الصُّمودِ أبو جَه       لٍ ولا غَيرُه من الفُجَّارِ

شِرعَةُ الله سوف تُنصَر دَومًا           والخَسارُ الخَسارُ للأشرارِ

وفي الختام:

أقول وأنا واثق - بإذن الله- من غد مُشرق جميل للأمـة العربية، والإسلامية بأمثال علمائنا الذين وهبوا حياتهم للعطـاء في سبيل خدمة أوطانهم في مجال اللغة والتعريب والعلوم الطبية والصحية، لتأخذ مكانها تحت الشمس بين الأمم المتقدمة في مجال العلوم والطب، وفي جميع مجالات الحياة لما تستحقه بفضل شبابها وشيوخها وعلمائها وأدبائها وحكمائها .

لم أكن أعلم أن دكتورنا الجليل الذي نذر نفسه للطب والعربية يحتل كل هذه المكانة، كما علمت أيضاً بمساهمته الفعالة في وضع أول دستور إسلامي للأخلاقيات الطبية، وهو عمل جليل كبير أيضاً.

إن (محمد هيثم الخياط) علمٌ تفتخر أمته بإنجازاته التي لا تعدّ، ولا تحصى، في مجالات التعريب والطب والعلوم، فله مؤلفات طبية عالية القيمة، آثر أن يكتبها بالعربية، إيمانًا وتدليلاً على أن اللغة العربية، لغة علمية صالحة للتعبير عن المفاهيم الطبية بدقة ووضوح.

الدكتور عصام العريان قد قدّم عرضاً شيقاً لكتابه ( المرأة المسلمة وقضايا العصر)، مذيلاً هذا العرض بتعقيب يقول فيه "هذا كتاب يحتاج الجميع إلى قراءته ذكورًا وإناثًا، وهو إضافة جيدة للمكتبة الإسلامية في وقتٍ تحتاج فيه الحركة الإسلامية والمجتمعات الإسلامية إلى تحرير المفاهيم حول القضايا المتعلقة بالمرأة، وبلا شكٍ سيُثير أصداءً واسعةً في الساحة الإسلامية."

حفظ الله الأستاذ الداعية الطبيب الشاعر د. محمد هيثم الخياط، وأطال في عمره، ونفع المسلمين بعلومه، وأكثر من أمثاله في شباب أمتنا.

مصادر الترجمة:

1-             الموسوعة الحرة ( ويكيبيديا) .

2-             مقالة (ماهر محمدي يس): منشورة على مواقع التواصل الاجتماعي.

3-             ترجمة الأخ أيمن ذو الغنى - موقع شبكة الألوكة.

4-             برنامج عالم الكتاب: قناة المستقلة الفضائية – تقديم د. محمود السيد الدغيم..وغيرها .

وسوم: العدد 810