الشيخ طاهر خير الله

1341 ـ 1409هـ

1922 ـ 1989م

✿✦الشيخ طاهر بن الشيخ بشير خير الله الحسيني الحنفي الحلبي.

✿✦عالم عامل، فقيه، مقرئ، حافظ، مفسر، وداعية جريء شهم مجاهد وخطيب مصقع مؤثر، وعابد ورع زاهد، له مشاركة في أحداث وطنه الاجتماعية والسياسية.

ولد الشيخ في محلة خان السبيل (حارة الباشا)، ذلك الحي الشهير بكثرة مساجده وعلماءه، سنة: إحدى وأربعين وثلاثمئة وألف للهجرة النبوية الشريفة، وفي أسرة حسيبة ينتهي نسبها إلى سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وكان والده الشيخ بشير عالماً، صالحاً، محباً للعلم والعلماء، فغرس في نفسه هذا الحب، فنشأ ميالاً للعلم، محباً للعلماء كوالده وحفظ القرآن الكريم منذ نعومة أظفاره في (دار الأرقم) لتحفيظ القرآن الكريم.

✿✦ولما شبَّ انتسب إلى المدرسة (الخسروية)، ليتابع طلب العلم فيها، ولما درس فيها السنوات الأولى تغير اسمها وأُدخل بعض التغيير على مناهجها وطرق التدريس فيها فغدت تدعى بـ (الكلية الشرعية) وتابع الشيخ تحصيله فيها بجد واجتهاد، وقد هيأ الله له فيها مجموعة من كبار علماء حلب في ذلك الوقت، فأخذ عنهم معظم العلوم الشرعية والعربية والكونية.

✿✦فقد أخذ القرآن الكريم تلاوة وتجويداً على شيخه الشيخ محمد نجيب خياطة، وأخذ علم القراءات على شيخه الشيخ عمر مسعود الحريري، وأخذ علم الحديث الشريف ومصطلحه على شيخه محدث حلب ومؤرخها العلامة الشيخ محمد راغب الطباخ، وقرأ الفقه الحنفي وأصوله على شيوخه الشيخ مصطفى الزرقا، ثم الشيخ محمد الرشيد، والشيخ أحمد الكردي، ودرس التفسير على شيخه الشيخ أحمد الشمّاع، كما أخذ علم الأخلاق على شيخه الشيخ عبد الله الحماد، ودرس قواعد اللغة العربية نحوها وصرفها على شيخه الشيخ أسعد العبجي، والسيرة النبوية على شيخه الشيخ عبد الوهاب سكر، كما التقى في هذه المدرسة المباركة عدداً من العلماء الأفاضل أخذ عنهم بعض العلوم الكونية كعلم الأشياء والجغرافية والحساب وغيرها وأتم الشيخ دراسته في الكلية الشرعية، وتخرج فيها مع الدفعة الأولى وذلك سنة: أربع وستين وثلاثمئة وألف للهجرة، الموافق لعام: 1945م.

✿✦ لم يكتف الشيخ بما حصل من العلم في (الكلية الشرعية) على كثرة ما حصل، بل يمّم وجهه نحو القاهرة، لينتسب إلى أزهرها، ويدرس في كلية أصول الدين فيه، بهمة طالب العلم المجد حتى تخرج فيها، سنة:1372هـ.

عاد بعدها إلى موطنه حلب، مشمراً عن ساعد الجد والنشاط في الدعوة إلى الله، ونشر العلم والمشاركة في بناء الوطن المتحرر من الاستعمار حديثاً.

فقد عمل المترجم له - رحمه الله - مدرساً للتفسير والحديث النبوي الشريف في عدد من المدارس الشرعية، بالإضافة إلى دروسه العامة في عدد من مساجد المدينة وجوامعها، وتولى إدارة الثانوية الشرعية (المدرسة الخسروية)، فعمل على إصلاحها، وتعيين المدرسين الأكفاء من ذوي الخبرة والصلاح فيها، كما عمل في إدارة (الجمعية الخيرية الإسلامية)، المشرفة على عدد من المشاريع الخيرية وخاصة رعاية الأيتام- في دار الأيتام الإسلامية - فعمل على النهوض بهذا الدار، وحرص على رعاية الأيتام والعناية بهم، وبذل جهده في تحسين أوضاعهم الحياتية، وجهد في تعليمهم العلم والمهن الشريفة، ليرتقي بهم ويمنعهم من ذل الاستجداء، وحضور حفلات المآتم وغيرها، وكثيراً ما كان يشاركهم في طعامهم ورحلاتهم.

✿✦ولعل أهم ما تميز به شيخنا المترجم له - رحمه الله- بالإضافة إلى إتقانه القرآن الكريم تلاوة وتجويداً، موهبته الفذة في الخطابة، وطرحه للموضوعات التي تهم الأمة، يناقشها بكل وضوح دون مداراة أو تردد، فقد كانت خطبه متميزة بمضامينها وتأثيرها في نفوس السامعين، لهذا كان المسجد الذي يخطب فيه يغص بالمصلين منذ الساعات الأولى من يوم الجمعة انتظاراً للخطبة التي يلقيها هذا الشيخ الجرئ، الذي كان يجهر بالحق إعلاء كلمة الله، لا تأخذه فيه لومة لائم، وقد تنقل الشيخ بخطبته في عدد من المساجد أهمها جامع (بانقوسا)، وجامع (عمر بن عبد العزيز)، وعندما تم بناء جامع (الروضه)، انتقل بالخطبة ولإمامة إليه، بناء على طلب أهل الحي، وكثر طلابه فيه، ومن الشباب طلبة العلم الشرعي وطلاب الجامعات خاصة، وغص بهم المسجد على سعته.

✿✦في عام: 1399هـ، أكرمه الله بالهجرة إلى المدينة المنورة، فأقام فيها مجاوراً الحبيب المصطفى محمداً وتابع عمله في الدعوة إلى الله ونشر العلم في المدينة المنورة، فعمل مدرساً لمادة الحديث الشريف في (كلية الدعوة وأصول الدين) في (الجامعة الإسلامية) فيها من سنة: 1407هـ، فأفاد منه كثيرٌ من طلاب العلم من مختلف الأقطار الإسلامية.

وكأن الله سبحانه أراد للشيخ أن تكون آخر أيامه وأعماله خواتيمها فانصرف إلى العبادة وتلاوة القرآن الكريم بجوار المصطفى وفي أواخر أيامه أصيب بمرض عضال، نقل على أثره إلى أحد المشافي في (المدينة المنورة)، فتقبل البلاء بنفس راضية بقضاء الله وقدره، وكأنه أحس بدنو أجله، فكان يردد وهو على سرير المرض: " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، اللهم إني أحب لقاءك اللهم هوّن علي سكرات الموت ".

وكان آخر ما تكلم به أن طلب من بعض إخوانه من العلماء الذين قدموا لعيادته في المشفى أن يسمعوا منه هذا الحديث: " اللهم إني أسلمت وجهي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، لاملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت "، ثم سألهم هل أخطأت في لفظ الحديث؟ فأجابوه: بل هذا صحيح فتبسم وقال: الله، الله، الله، ثم انطلق مجيبا دعوة ربه، فبدأ الحاضرون في تلاوة سورة (يس) ولم يكملوها إلا والشيخ في مستقره عند رحمة ربه بإذن الله.

وكان ذلك في ليلة الجمعة، في السابع والعشرين من شهر جمادى الأولى، سنة: تسع وأربعمئة وألف للهجرة النبوية، وصلي عليه عقب صلاة الجمعة، وقد حضر الصلاة عليه خلق لا يحصيهم العدّ، ثم حمل جثمانه الطاهر إلى (البقيع)، حيث ووري الثرى قرب قبر سيدنا عثمان .

✿✦وحزن عليه أهله وإخوانه من العلماء وطلبة العلم في (المدينة المنورة) وفي حلب.

ورثاه عدد من الشعراء، منهم: شيخنا الشيخ محمود الفحام ـ رحمه الله في قصيدة أرخ فيها وفاته يقول فيها:

عليك سحاب الجود والفضل هامر

قضيت حياة بالمحامد كلها

فقد كنت بالتقوى لسانك ذاكر

وقد كنت في دنياك ـ كاسمك ـ طاهراً

أبوك بشير رمز كل مكارم

ومن بيت (خيرالله) تأتيك نسبة

دعاك إله العرش نحو جواره

فلبيت مسروراً تحب لقاءه

مقامك عال قد أتى تاريخه

فقبرك بالمعروف والعرف عامر

حليف العلى تزدان فيك المحاضر

وصدرك بحر بالشريعة زاخر

نقيا من الأدران بالحق جاهر

وقد كان منهجه العلا والمفاخر

لخير نبي للضعيف يناصر

إلى جنة المأوى بها الخير وافر

لدعوة من كلّ الخطايا غافر

هام وفي الجنات مثواك طاهر

✦✦✿✦✦✿✦{رحمه الله}✦✿✦✦✿✦✦

ـــ المصدر : كتاب علماء حلب في القرن الرابع عشر للأستاذ محمد عدنان كاتبي

وسوم: العدد 810