الاتجاه الإسلامي في شعر أحمد مظهر العظمة

( 1909 – 1982 )

عمر محمد العبسو

مدرس ، وكاتب ، وداعية إسلامي ، وحقوقي ، ووزير.

سوري الجنسية ، مسلم ، عربي المنبت والفكر.

من عائلة العظمة السورية العريقة

نشأته

 ولد  في 17 أيار عام 1909م / الموافق عام  1327هـ  في مدينة دمشق في منطقة سوق ساروجا, لأب ملاك يعمل في التجارة ، والزراعة .

 توفى والده وهو أبن ثمانية أعوام, درس ، وتربى ، وترعرع في أحضان دمشق تحت عناية عائلة عريقة وصارمة في تربيتها ، وهي عائلة آل العظمة التي ترجع إلى أصول تركية ، والمعروفة بأصالتها ووطنيتها ، حيث قدمت الشهيد يوسف العظمة قرباناً لحرية الوطن .

فشب على المبادئ والمثل والقدوة الصالحة ، والوطنية فوصل إلى أعلى المراتب الوظيفية والتي يعتز بها وهي رئاسته لديوان تفتيش الدولة حيت كان آخر منصب حكومي له قبل تقاعده .

الصفات التي اتسم بها :

الصدق ، والمبدئية ، والهدوء في التعامل ، والاعتزاز بالنفس ، واستشارة ذوي الخبرة والمعرفة عند اتخاذ قراراته.

يتقن الأدب ، والشعر ، والخط العربي ، والزخرفة.

التعليم والتدرج :

في أول دراسته كان في الكتاب فتعلم  قراءة وحفظ القرآن الكريم ، وأصول الدين

ثم درس في المدارس الابتدائية ، و في المدرسة السلطانية (مكتب عنبر) ، وحمل شهادتها الثانوية.

حصل على  إجازة في الحقوق من معهد الحقوق ، ومدرسة الأدب العليا تخرج منهما عام  1354 هـ .

-إلى جانب الدراسة الرسمية درس علوم الدين على يد كبار العلماء حيث كان يحضر حلقات العلم عند الشيخ بدر الدين الحسني ، والشيخ صالح الحمصي والشيخ أبي الخير الميداني ، والشيخ خالد النقشبندي الحفيد.

كما تأثرت ثقافته الأدبية ، والعلمية ، والاجتماعية بالأدب الفرنسي وبرحلاته إلى الشرق والغرب.

تجاربه وما مر به من صعاب و تأثير شخصيته على المجتمع الذي عاش فيه :

بعد تخرجه ، وزواجه سافر للتدريس في العراق الذي كان في تلك الفترة جديد التأسيس والنشأة في الأوائل الحكم الملكي بالعراق حيث قام بتدريس اللغة العربية في مدينة أربيل ( وقد لعبت الصدفة ففي سبعينيات القرن الماضي عند توديع أحد الحفارين المحالين على التقاعد قام ، وألقى كلمة الوداع بلغة عربية رائعة بدلاً من الإنكليزية كما هو معتاد آنذاك ، فأستغرب أحد الحضور وسأله : أين تعلم هذه الفصاحة ؟ وهو ليس عربي فهو مسيحي تربى في قرى شمال العراق , وكان جوابه غريباً بأنه قد تعلم العربية ومبادئ دين الإسلام على يد أستاذ سوري...  له قرابة بقائد الثورة العربية ضد الفرنسيين يوسف العظمة , ثم درس في منطقة الرستمية جنوب مدينة بغداد, عاد بعدها إلى وطنه للعمل في مدينة حلب  حيث عمل مدرساً في مدرسة  تجهيز البنين بحلب ، والمدرسة الخسروية ، والفاروقية.

ترك التدريس ، ونقل إلى دمشق للعمل رئيسا لكتاب الضبط في ديوان المحاسبات

عمله في السياسة :

وفي عام 1367 هـ استقال ، ورشح نفسه للانتخابات في مجلس النواب .

 فاز فيها ، ولكن لجنة فرز الأصوات أخطأت بالنتائج ، فاحتج لدى رئيس الجمهورية إذ لم يقتنع بصحة الفرز، فترضاه ، وعينه عضواً بالوكالة في لجنة التربية بوزارة المعارف , واختير بعد سنة عضواً أصيلاً ، ثم عين بعدها بلجنة تأديب الموظفين ، فمفتشاً للدولة ، فرئيساً لمكتب تفتيش الدولة.

في عام 1382 هـ  وبعد انفصال سوريا عن مصر اختير وزيراً للزراعة في وزارة الدكتور معروف الدواليبي فطرح فكرة الجمعيات التعاونية في المدن والقرى .

 فقد أهتم كثيراً بما كان يعانيه الفلاحون والمزارعون ، وما كانوا يشتكون منه.

أضيفت إليه مع وزارة الزراعة وزارة التموين، لكنه بعد قيام ثورة آذار 1963 م ،  أخرج من الوزارة ، وأعيد إلى عمله الأصلي  برئاسة ديوان تفتيش الدولة ،  وبقى فيه رئيساً للديوان حتى أحيل على التقاعد عام 1389هـ .

انجازاته الاجتماعية والأدبية :

لقد كان من الشباب الإسلامي المثقف الذي عكس ، وأعطى صورة عصرية عن الإسلام تختلف عن الصورة التي كانت سائدة في الحقبة العثمانية ،  و معظم فترة الانتداب الفرنسي , مع تأثر ثقافته الأدبية والعلمية والاجتماعية بالأدب الفرنسي وبرحلاته المتعددة للشرق والغرب.

 فقد كان أحد المشاركين في تأسيس جمعية التمدن الإسلامي ، وأصبح أمين سرها ، ثم رئيساً لها ، وقد ضمت الجمعية صفوة علماء الشام في وقتها مثل الأساتذة السادة : حمدي السفرجلاني ، عبد الفتاح الإمام ، محمد كمال الخطيب ، عبد الحميد كريم ، عبد الحكيم المنير ، محمد بهجت البيطار ، محمد علي ظبيان ، محمد سعيد الباني ، جميل الشطي ، محمد أحمد دهمان ، عبد الرحمن الخاني ، سعيد الأفغاني ..... وغيرهم من العلماء السابقين .

 وقد كان منهج الجمعية ، ولا يزال منهج اتباع الدليل من الكتاب والسنة مع إدراك عميق لمقاصد الشريعة ، وانفتاح وتعاون مع كافة التيارات الإسلامية ، دون انغلاق ولا تعصب ولا تكفير، مع اهتمام بالغ بأحوال الأمة ، و سد ثغراتها على كل صعيد.

 وكان رئيس تحرير لمجلة التمدن الإسلامي منذ تأسيسها عام 1933 م ، ولحين وفاته.

 

صورة لمؤسسي جمعية التمدن الإسلامي في دمشق

مقر جمعية التمدن الإسلامي في دمشق

كما كان ناشطاً في العمل الاجتماعي والبر حيث تعاون مع العاملين في الجمعيات الخيرية والمؤسسات الثقافية، فأسهم في جمعية أنصار المغرب العربي في مؤتمر نصرة الجزائر، فكان أميناً عاماً له في دورة 1370 هـ  وصدرت عن المؤتمر مقررات هامة، منها الدعوة لتأليف حكومة جزائرية، وكان لسان حال رابطة العلماء يتكلم عنها ويعبر عن تطلعاتها وأفكارها، مما زادت من شهرته فقد كان كذلك عضواً في عدد من الهيئات العلمية والثقافي.

ذكرته مجلة (الشهاب) التي أصدرها الإمام حسن البنا في ملحقها في سجل التعارف الإسلامي كعادتها في توثيق وذكر الدعاة ومنهم رجالات سوريا وعلمائها ودعاتها الأكرمين.

رحلاته :

ولا يخفى على المرأة المسلمة ما للاختلاط المطلق من مضار وخيمة على الجنسين لمسها الغربيون الذين يمارسونه على أوسع نطاق في تدنّي مستوى  التعليم فعمدوا إلى عزل الفتيات عن الشبّان في كثير من الجامعات والمعاهد.

وقد شاهد هذا العزل الأستاذ المربّي (أحمد مظهر العظمة )الذي زار المدارس البلجيكية، ففي إحدى زياراته لمدرسة ابتدائية للبنات سأل المديرة : لماذا لا تخلطون البنين مع البنات في هذه المرحلة ؟ فأجابته : قد لمسنا أضرار اختلاط الأطفال حتى في المرحلة الابتدائية. وفي أمريكا فروع جامعية تزيد على 170 فرعاً لا يختلط فيها الطلاب  بالطالبات .

أسرته وأولاده :

له ولدان ، وثلاث بنات أحسن تربيتهم ، وتعليمهم فأولاده وأحفاده منتشرون في بلدهم الأصلي سوريا ، والعديد من البلاد العربية والعالمية يعملون ويقدمون خير ما تعلموه للناس .

إنتاجه الأدبي والفكري :

نشر في الكثير من المجلات والدوريات العربية المختلفة كمجلة الوعي الإسلامي الكويتية ومجلة العربي الكويتية وغيرها ، وقدم العديد من البرامج والأحاديث الدينية والاجتماعية في الإذاعة والتلفزيون السوري .

وله العديد من المؤلفات منها :

 تفسير جزء عم، وتبارك، وقد سمع، والذاريات، وسورة لقمان، وسورة الحجرات

 من الهدي النبوي الشريف .

3- سبل الإسلام .

 نحو حياة أفضل .

 حديث الثلاثاء - 5 أجزاء أصلها أحاديثه الإذاعية.

6- مذاعات في الإسلام -  3 أجزاء وهي أحاديث إذاعية أيضاً.

7-هيئة الإسلام - 5 أجزاء ألفها لطلاب المدارس الثانوية ودور المعلمين.

8- التربية الإسلامية - جزآن للطلاب .

9- من إعجاز القرآن الكريم .

 10- الإيمان وآثاره .

11- علي بن أبي طالب - للصغار.

12- الثقافة العربية .

13- حضارتنا .

14- الإسلام ونهضة الأندلس .

15- خواطر في الأدب ودراسة نصوصه ونقدها .

16-  ((دعوة المجد)) – ديوان شعر إسلامي .

17- ((نفحات)) – ديوان شعر إسلامي .

18- كلمات .

       كتابات ومقالات كثيرة في العديد من المجلات والدوريات العربية الرصينة ، وخصوصاً في مجلة التمدن الإسلامي.

 وفاته :

في آخر حياته مرض بمرض باركنسون ، وتوفى في عام 1982م الموافق  لـ 1403 هـ  في مدينة دمشق حي المالكي .

 

            الاتجاه الإسلامي في شعر أحمد مظهر العظمة :

النبي من خلال سيرته :

وعلى هذا النسق الشامل من التناول لسيرة النبي – صلى الله عليه وسلم – يقدم لنا الشاعر أحمد مظهر العظمة موشحاً نبوياً مطولاً أصفاه مشاعره وتصوراته وأحلامه من خلال حياة النبي ورسالته ، وقد خص مطلع الموشح والسمطين الأولين بمناجاة بيد الجزيرة العربية ، مهبط الوحي ، ومنطلق الرسالة ، يرجيها مواساة آلام البشرية ، وإضفاء السلام ونور الهداية والحقيقة على الوجود ، كما يحملها ، من خلال التغني ببيانها وتغريد كلمها الجميل ووراثتها للرسالات ، شرف قيادة البشرية إلى الحق .

كما يروي في السمط الخامس كيف سقى النبي اليد الظامئة برحيق الوحي ، فإذا صداح الهدى والتقى بشير رقي ونهضة للبشرية ، لقد صاغ الله ابن البادية خاتماً للرسل ، فحرر الإنسانية من المظالم ، وأسبغ عليها إشراقة الإسلام :

أتت البيد تستقي فرواها       بمعان للمكرمات مصادرْ

فمشت خلفه فشاد علاها      فإذا العرب للحياة ضمائر

تتنزّى خيامها ..فمناها       فتحيات هديهنّ سوائرْ

فأناشيدها وريّ تقاها      والمروءات والمعالي بشائرْ

فإذا شيحها وحر لظاها     فيء ورد معطّرْ وأزاهرْ

وإذا الأرض بدلت بسواها     كلّ حرّ فيها إلى العرب شاكرْ

رجل البيد مذ هداه وعلّم       خاتم الرسل للبرايا تفقدْ

فرأى الأرض ظالمين ونّم    فجلاها فأصبحت دار أحمدْ

ويشدو في السمط السادس آفاق بعثة النبي ، آملاً أن توقظ ذكراه المجيدة سلالة الأمجاد الذين أرمضتهم المآسي :

صرخة من هدى الرسول وروح      بعثت ميّتاً على صولجانه

فهو راع للعيش وهو طموح       وهو راعي الملوك في إيمانه

هكذا آية النبوة ..نفح             من هدى الله هبّ من قرآنه

وهو خلق ورحمة ..وفتوح       وعلاء وحكمة في بيانه

وهو دهر فيما يقص ..صحيح     وهو بدر دوماً على فيضانه

فالأيادي إذا دعاها مديح       كان شكراً يهدي إلى إحسانه

تلك ذكرى الرسول دوماً وما تقدّم      فيدوّي بها سموّ ..ممجّدْ

فمتى توقظ ابن مجد يثلّمْ          ومآسيه كل يوم تردّدْ

ثم يختتم أسماط الموشح بمناجاة البيد من خلال ذكرى النبي التي تشق الآماد إلى عصور الضياء ، عساها تعيد المجد السابق المعطر يرهب الأقوياء ، ويخضع الأعداء ، ويجلو الفيافي بالحق والنور والأشدة الرحماء :

أنصتي ..أنصتي فهيمنة الذكــرى تشق العصور وهي ضياءُ

فاحفظي أيها الغوالي ..يند            كّب ها ما يشيده الأعداءُ

ويعدّ مجـــدك المضمخ بالشــــكر علياً يهابه الأقوياء

يسكن الحقّ والمكارم والذكـــــر ويسمو الأشدة الرحماء

إن ليل الضلال لا يدفـع الحكــــمة وهي النهار والآلاء

أنت يا مولد الهداية في الفكـــــر وفي القلب ثورة غرّاءُ

غنّ يا بيد بالهدى إذ ترنمْ         نظمته الرمال زهراً منضّدْ

واملئي الخافقين عطراً يضرّمْ    بسجايا هادي الشعوب محمدْ – مجلة التمدن الإسلامي : م 4 ( 1357هـ / 1938 ) – ص 60 .

ويواكب أحمد مظهر العظمة هذا الآفاق في موشحه ( ميلاد الرحمة العالمية ) وينصرف بقليدبه ووجدانه تلقاء البيد، فيجدها منطلقاً للهدى وبلسماً لآلام البشرية ، كلما ألمت بالبشر الكروب :

غنّ يا بيد بالهــدى إذ ترنّمْ        نظمته الرمال زهراً منضّدْ

واملئي الخافقين عطراً يضرّمْ      بسجايا هادي الشعوب محمدْ

من سواكِ يهدهد الألم السا          كب كالبرء في ملاقاة بؤس ِ

من سواك ِ يكفكف الحزن السا       هر بالبشر والرجاء وأنس ِ

من سواك ِ ينهنه الجور ما سا  م ببأس إن لم يفد نصح ُ طِرس ِ

من سواك ِ يحمي السلام إذا سا     ر فيمضي لعرشه لا لرمس ِ

من سواك ِ يبيّن الرشد للسا       در في الليل بين هجس ولُبس ِ

أنت يا بيد نفحةٌ تتنسّم ْ      في صروف من الضلال تأوّدْ

تهب النور عالمـاً يتألمْ          فإذا الخلق للحقيقة سجّدْ

معجزة البيان :

وينفرد أحمد مظهر العظمة في ريادته لبعثة النبي بجلاء الجانب البياني الذي كان معجزة الدعوة الإسلامية . فيرصد آثار الهدى الإلهي الذي انبعث من حراء فانداح نوره في أقطار الأرض :

رنّ في مسمع الزمان بيانهُ       فإذا العلم والهدى ألحانهْ

تستميل القرون بالنغم العلوي يدوي بين الورى تبيانه

من حراء بدا فردده الكو        ن طروباً قرآنه

فالكلام الجميل يصدح في الأر      ض فيهدي أوطانها قرآنه

وهكذا بعث النبي من بين العرب الفصحاء ، فكان القرآن معجزة ربه إليهم ، فأذعنت أمة البيان لنظمه المعجز :

حول مأوى البيان أحدقت الآ        مال تترى كأنها أعوانهْ

حيث تثوي الجحاجح العرب بالمنـــــطق يبقى على الزمان جمانه

قام طه مبلغاً شرعة اللــــــه بعزم وقد بدا برهانه

وحديث الرشاد بالنسق المعـــــجز يهفو والمصطفى ترجمانه

جلّ نظم الإله عن أبلغ القو      ل فأين الإعجاز أين لسانه

سجدت أمة البيان إليه     إذ سباها إعجازه وبيانه – مجلة التمدن الإسلامي : م 2 ( 1355 هـ / 1936 م ) – ص 126 .

الأمجاد ومعارك الفتوح الإسلامية :

وأما أحمد مظهر العظمة فيمضي مؤلقاً صور أمجادنا ويروي قصة المجد المخلّد في أمتنا التي ما زادتها خطوب الزمان إلا قوة واستبسالاً . فكانت بنهجها الإسلامي القويم مؤثلة لحضارة فريدة ترف فوقها أعلام الهداية والسمو والرفعة في ظل الشورى والأمان والعدل :

في شاطئ الأبد الرهيب مآذن        تلقى جنود المصطفى أشبالا

ساروا على النهج الرفيع فأصبحوا     للمجد أهلاً والسيادة آلا

وتشيّد المجد الرفيع كأنه        قد رام من أفق النجوم سؤالا

سكنت به أسمى الحضارات التي      ما شاهدتْ لجمالها أمثالا

وعليه من معنى العروبة مسحة      ومن الهداية روعة تتلالا

وعليه أعلام كأجنحة الهدى       تطوي الزمان مسبّحاً إجلالا – مجلة التمدن الإسلامي : م 1 ( 1354 هـ / 1935 م ) – ص 38 .

الرسالة الإسلامية :

أفاض شعراؤنا في الإشادة برسالة الإسلام الرائدة وامتاز كل منهم بتناول جانب منها ، وتناول أحمد مظهر العظمة جوانب الطاقة والمدد فيها ، ويصطفي من مثل الدين الإسلامي وطاقاته ما نحن بأمس الحاجة إليه في المرحلة المناضلة المكافحة ، فيجد في استجلاء آيات الله وتمثلها طاقات مشعة تبعث الحياة في الرقود ، ويحيي الآمال كما تحيل الضعف قوة ، وتغذي نفس المؤمن بالعزيمة والقوة وطاقة الاستمرار ، فيجابه الخطوب صابراً متجلّداً ، كما تمنح طاقة الطموح المجدّ فيمضي المؤمن بها مجوّداً مجلياً مسابقاً في تجديد الحياة وتقدمها ، فآيات الله منائر للبشرية ، تؤلفها وترفعها ، فهي كالشمس تنفح الحياة فضلاً وحكمة وجمالاً :

لله آيات الكتاب فإنها      تحيي الرميم وتبعث الأمالا

وتسابق الأجيال تجديداً فما    هرمت وإن شاخ الزمان وطالا

هي للعصور فشأنها التجديد لكن فطرة وطبيعة وخصالا

كالشمس في كل العصور مضيئة      تهدي الحياة الحسن والإفضالا – مجلة التمدن : م 1 ، ع 1 ( 1354 هـ / 1935 ) – ص 38 .

النهضة الإسلامية المعاصرة :

ولقد رسم لنا شعراؤنا المحدثون صورة من هذه الرؤية الحضارية التي عرضنا لها ، فهذا أحمد مظهر العظمة ينادي ناشئة الجيل أن يبنوا نهضتنا الحديثة في ضوء رسالتنا الحضارية واصلين نهضة الحاضر بنهضة الماضي التليد :

أبني الألى أملوا على التاريخ ما      فعلوا فكان إلى الكمال مثالا

قد آن أن يجد الكتاب جنوده      دوّى الزمان بهديهم وتلالا

برق يريني في الشباب عزيمة         خلف الكتاب تحقق الآمالا

وتشيّد الآتي السعيد على الهدى       ما خاب من يستصرخ الأبطالا – مجلة التمدن الإسلامي : م 1 ، ع 1 ( 1354 هـ / 1935 ) – ص 38 .

إنه ينادي جيل العروبة والإسلام ، سليل الأمجاد الرائعة ، كي يبني الحياة قوية حرة ناهضة ، ويدوي هذا النداء في عرام انتفاضة الشعب على المستعمر ، إثر وفاة الزعيم هنانو لذا فهو أعظم استجابة لنداء الشاعر وأوفر امتثالاً وقبولاً .

التكافل الاجتماعي :

شرع الإسلام مبدأ التكافل الاجتماعي بين المسلمين إرساء لقواعد العدالة الاجتماعية في المجتمع الإسلامي ، قال الرسول – صلى الله عليه وسلم - : ما آمن بي من بات شبعان وجاره إلى جانبه جائع وهو يعلم به . رواه البزار والطبراني وهو حديث حسن .

ولقد ابتعث شعراؤنا في هذا الميدان قيم الأخوة الإسلامية التي تملي المشاطرة في الخير وتعين في الشدة دونما منة أو فضل ، فهو حقّ إلهي على كل قادر : وفي أموالهم حقّ معلوم للسائل والمحروم – سورة المعراج : 24 .

الشاعر أحمد مظهر العظمة يلقي في حفلة تخريج طلاب المعلمين ببغداد قصيدة يهيب فيها برعاية حق الأخوة الإسلامية بإنجاد بطاح الريف البائسة وإنارتها بالعلم قبل أن يحفزها الجهل للتردي والأذى فإنه : من أصبح لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم . كما يهيب بصيانة الخلال الفطرية الصافية فيها قبل أن يفسدها الظلم والحرمان :

أنجدوا تلكمُ البطاح َ الحزينا         ت أأنساكم النعيم إخاها

أدركوها من قبل أن يصرع الجهـــل مناها فيسزيدَ أذاها

أدركوا الخير والمروءة والإخلاص والجود والإبا في حماها

ثم يستنهض شباب الجيل أن يحيوا مثل الإسلام بإشاعة الهداية المؤمنة والأخوة الإسلامية بين أبناء شعبنا من جديد ، ليسعد الشعب بالتضامن والوئام ويعمر الريف ويسوده العلم والنور :

يا شباب العلياء والأمل الغرّيد     والوثبة التي سنراها

يا بهاء الربيع ، يا طلعة الصبــــح وأشبال أمة ورجالها

قد سمعتم نداء ماض مجيد      ليس يرضى عن ذلة وكراها

فأرجعوها هدايةً وإخاء ً     ومضاء ً وعيشة لا تضاهى

واجعلوا الريف روضة وسرورا        ومناراً يفيض حكماً وجاها

لا تدوم البلاد في الصفو إن لم       ترض أمصارها وتسعدْ قراها – مجلة التمدن الإسلامي : م 5 ، ع 4 ( 1358 هـ / 1939 م ) – ص 124 .

ونلاحظ شعر أحمد مظهر العظمة وهو يتسربل بالجزالة الخطابية في موضوع معاصر يعالج فيه قضية أبناء الريف ، ويتراءى لفظ الإخاء الإسلامي حافزاً للتكافل .

الأشواق المتسامية :

ويرود أحمد مظهر العظمة أفقاً آخر من المواجد ، إن فاجعته في أخيه لتهز كيانه ، وتزلزل صبره ، فهو الحبيب الودود ، يفارقه في لحظة هذا الوجود ، فيا له من مصاب :

حمل البرق النعيّ الموجعا        فإذا بي مستطار جزَعا

وبعد أن يعبر عن لوعته وشكواه ، تثوب نفسه إلى ذكر الله فيجد روح السكينة ، ويسلم بمشئة الله وقدره :

وأتى الليل فجالستُ الهدى       سوراً تهدي إليه أجمعا

ذاكراً تقدير رب قادر          شاء أن تحيا الورى أو تُمنعا

ثم تعاوده سورة الحزن التياعاً لرحيل الأخ الغالي في موجة وجدانية رقيقة :

وسجا الليل وأرخى ستره       فغدا الحِندس يوري الأضلعا

ولكن لا يلبث أن يثوب إلى ربه ثانية مبتهلاً إليه أن يكلأ الفقيد برعايته وغفرانه ، ويسكنه فردوس جنانه ، فهو المؤمن المتسامي بالهدى الباذل للمعروف الباسط للخير الآسي آلام الناس :

رب رحماك فقد كان أخي        يحمل المعروف مهما ضعضعا

ويذيع الخير ما كلّت له       همّة فيه ولا سوءاً رعى

ربّ كم أبكته آلام الألى       مسهم ضرّ ودهرٌ صدّعا

وتسامى بأحاديث الهدى      وأثارته الدنايا أجمعا

فأقرّ العين في فردوسها       راحماً عبداً مجيباً ضارعا – مجلة التمدن الإسلامي : م 8 ، ع 2 ( 1361 هـ / 1941 م ) – ص 52 .

دراسة فنية :

الشاعر أحمد مظهر العظمة شاعر إسلامي ، جزل الأسلوب ، يغلب عليه الطابع التقليدي ، ومن سمات التقليدية انتقاء القافية الملائمة للفخامة والاعتداد في نفَس الفخر القديم ، من هذا ما نراه عند أحمد مظهر العظمة في نونيته الموصولة ( أي فضل ) :

رنّ في مسمع الزمان بيانهْ       فإذا العلم والهدى ألحانهْ

ومن القوافي ما يوحي بالتوجع والألم ، من ذلك ما نجده عند أحمد مظهر العظمة في عينيته الموصولة :

حمل البرق النعيّ الموجعا        فإذا بي مستطار جزعا

القافية الملونة :

ولكن بعض الشعراء قد خرجوا في قوافيهم عن إطار القافية الموحدة مؤثرين إضفاء شيء من تلوين النغم في منظوماتهم ، فنظموا في الموشحات التقليدية والموشحات المطوّرة والدوبيت .

فممن نظم الموشحات القديمة أحمد مظهر العظمة في موشحه المطول ميلاد الرحمة العالمية ، ويحتوي عشرة أسماط ، وقد لاءم فيه بين اختلاف النغم واختلاف الغرض جاعلاً من قفل الموشح اللازمة الموحية بالغرض الثابت ، يقول في السمط الثالث مخاطباً البيد التي احتضنت الوحي النبوي :

فيك ِ يا مبعث الحياة تعالى     منبر الوحي رحمـة للعوالمْ

فرقــاه البشير ثم تتالى      منطق النور في ليالي فواحمْ

فبنفسي فجر الربيع وهلاّ         كان طه إلا صباح المراحمْ

بسم الخلق مذ رأوه تجلّى        وابتسام الغريق للرفق دائمْ

وتغنى الزمــان حين أبلا       من صروف ونائبات تهاجمْ

ودوى البشر والهتاف ومن لا   يتسامى بالمصطفى للمكارمْ

ليس يقوى البيان مهما تقدّمْ     لخضمّ مــن المعاني تمرّدْ

فبيان الخفاق أسـمى وأكرمْ      فسلوه عن الرسول المؤيّدْ

وبعد :

هذه شذرات من سيرة هذا الداعية العظيم ، ونفحات من شعره أفاض بها بيانه ، وجاد بها وجدانه ، ترجو الله أن يوفق لإتمامها في مقبلات الأيام .....