الأخت الداعية عائشة محمود شعبان

(1948م – معاصرة)

هي الأخت الداعية، والسيدة الفاضلة أم اليمان (عائشة محمود شعبان) شقيقة الأخ الشيخ (محمد مجاهد شعبان) – رحمه الله تعالى-، وزوجة الأديب الداعية الشهيد أحمد حلمي خوجة - رحمه الله تعالى -، تنتمي إلى أسرة عربية عريقة في نسبها، تحبّ العلم، وتحترم العلماء.

مولدها، ونشأتها:

والسيدة عائشة محمود شعبان من مواليد مدينة حلب عام ١٩٤٨م، نشأت في كنف والدها الحاج محمود شعبان، الذي ولد في باب النيرب في حلب عام 1918م، وكان ترتيبه الثاني بين إخوته، تعلّم القراءة والكتابة عند الكتّاب،  وكان محباً للعلم والعلماء، وقد نال الإجازة في قراءة القرآن الكريم، وكانت له جلسات مع العلماء يذهبُ إلى جامع (الخسروية) لحضور خطبة الجمعة، وحضور الدروس الفقهية، وتفسير القران الكريم للشيخ عبد الفتاح أبي غدة، والشيخ محمد السلقيني، والشيخ إبراهيم السلقيني، والشيخ عبد الله علوان -رحمهم الله جميعاً-.

وكان يشجع أولاده على اقتناء الكتب، ويستعدّ لدفع ثمنها مهما كانت.

وكان عدد أولاده ثمانية يجلسون كل يوم حوله بعد أن يأتي من العمل ليشرف على واجباتهم الدراسية جميعها، وينتبه لتدريبهم على الخط الجميل، وكان في كل يوم بعد انتهاء الواجبات ومعرفة أخبار الأولاد يسأل: هل قرأتم  قصة دينيةـ، قد تكون قصة حياة نبي أو سيرة رسول الله، وعندما كبر الأولاد  كان يطلب منهم أن يفسر آية، أو حديثاً، وأثناء زيارة الأقارب للعائلة كان يطلب من أولاده أن يتحدثوا بموضوع مفيد، وأن يقوموا بإلقاء قصائد أو كلمات.

وكذلك كانت له - رحمه الله- زيارة لمدارس أولاده وبناته، والتعرف على أخبارهم وسلوكهم وبالنسبة للشباب في الثانوية الشرعية كان يعقد صداقة مع الإدارة والمدرسين، وقد يدعوهم لزيارة البيت، ويسأل عن حال الأولاد دائماً.

وكان - رحمه الله-  يختار لأولاده الأصدقاء، فالجميع يعرف أثره منهم: الأخ د. عبد الجبار الزيدي، ومحمد سعيد الإدلبي، وكيف كان يكرمهم، ويمازحهم.

وكان يتعرّف على صديقات الفتيات، وعلى والد كل منهم، ويشجع الجميع على الحوار والمناقشة، وعدم السكوت على الخطأ والباطل وبخاصة في موضوع الحجاب.

حتى إن أحد المدربين ذهب إليه؛ ليقول له: إن ابنتك هذه ستخرب بيتك، فقال له:  هذا فخر وشرف لي ، والله هو أولى وأعلم، وهو يدبرنا ...

وأما حضوره في المنطقة، فقد كان لكبار ووجهاء الحي لقاء أسبوعي، وكان له حضور معهم يعرفه الشيخ عبد الله سلقيني -حفظه الله-، والشيخ الغنام.. وغيرهم؛ لتداول أمور البيئة والتعرف على حوائج الحي.

وفي أحداث الثمانينات تفاعل مع الأحداث، وشجع أولاده وأولاد إخوته منهم: محمد صديق شعبان الذي فرّ من السجن مع الخمسة عشر، واستشهد بدمشق، وعبد السلام شعبان الذي استشهد في منطقة الصاخور.

وأما أولاده فقد التفت إلى دراستهم، وحتى إلى دراسة أولادهم في الثانوية الشرعية (الخسروية ) حيث انتبه إلى تربية أحفاده بنين وبنات  أيضاً، ولا زال الجميع يتذكر أعماله وأقواله وأثره.

وأما بالنسبة لوالديه، فقد كان باراً بهما، ودأب على خدمتهما وتدبير أمورهما عندما كبر سنهما - رحمه الله -.

ونشأت السيدة عائشة شعبان على حبّ العلم والدين والأخلاق الكريمة مع إخوتها الذين بلغ عددهم خمسة شباب، وثلاث بنات، وهم: محمد مجاهد -رحمه الله- وأحمد ربيع، ومحمد زهير،  وكان هؤلاء من طلبة الثانوية الشرعية (الخسروية) في حلب، وعبد الله، وعبد العزيز درسا ( الهندسة  الكهربائية في جامعة حلب).

دراستها، ومراحل تعليمها:

درست (عائشة محمود شعبان) مراحل التعليم الأساسية في مدارس حلب، وعندما أصبحت في المرحلة الثانوية عملت مع كبرى الحركات الإسلامية، وتابعت دراستها حتى نالت الشهادة الثانوية عام ١٩٦٧ م، وكثيراً ما وقفت مع أخواتها المؤمنات في مقابل الآراء والأفكار المنحرفة التي تروج لها الفتيات والمدرسات البعثيات، وكانت تمتنع عن الخروج في المسيرات المؤيدة للحزب، وكثيراً ما كانت تقوم بأعمال ضد مدرسي ومدرسات ما يسمّى التربية الوطنية، وأخرجت من الحصص الدراسية.

وانتسبت (عائشة شعبان) إلى جامعة دمشق (قسم التاريخ)، ويعود الفضل بهذا الأمر للعالم الفاضل الشيخ صلاح الدين الإدلبي -حفظه الله - لأن الانتساب للجامعة يعتبر محظوراً على البنات في الأسرة، حيثُ ألحّ على الوالد حتى أرسل ابنته إلى الجامعة، فحصلت على الإجازة في التاريخ من جامعة دمشق عام ١٩٧٢م.

أحوالها الاجتماعية والأسرية:

C:\Users\zizan\AppData\Local\Temp\msohtmlclip1\01\clip_image002.jpg

وقد تزوّجت الأخت عائشة شعبان ( أم اليمان) في 6 / 5 / 1976م، من الأديب الداعية (أحمد حلمي خوجة)، ولها منه ولدان هما:

1- شيماء: ولدت في 2 تشرين الأول عام ١٩٧٧م، وكان عمرها ثلاث سنوات وثلاثة أشهر عند اعتقال والدها، درست في كلية الآداب (قسم اللغة العربية) في الجامعة الهاشمية بالمفرق في الأردن، وهي متزوجة من (محمد طه عبدان) عندها حالياً / 3 / أولاد، وابنة واحدة.

2- ومحمد يمان: ولد في 17 شباط عام ١٩٧٩م، درس إدارة أعمال في جامعة آل البيت وعنده الآن أربعة بنات، وولد متفوق في دراسته، ويحفظ القرآن كاملاً.

وقد حدثت إشكالات بشأن خطبتها من أبي اليمان، والشيخ عبد الله سلقيني - حفظه الله - شاهد عليها إن كان يذكرها، وعندما قالت لأبي اليمان: هنالك شاب تاجر قريبي يريد خطبتي، وحصلت مشكلات، فقال لها: هو تجارته بالمال، ونحن تجارتنا مع الله، وقد قضت مع زوجها حياة رغيدة بسيطة، وكانا سعيدين مرتاحين يعملان في مجال الدعوة والتدريس كذلك مرضيين كل من والديه وأهله لا يكلّ، ولا يملّ، لا يعلو أي عمل على الدعوة حتى أيام الأحداث في عام ١٩٧٩ _١٩٨٠م.

ومن بعض القصص أن والدها كان  تاجر أقمشة بسوق القطن أراد أحد رجال المخابرات ابتزازه فأتى يجلس عنده ووالدها لا يلتفت إليه، وبعد فترة قال له : ماذا تريد ؟ قال له: أنا كلفت بمعرفة أين ابنتك لأنها خطيرة وإذا تعاملت معي لا أقول لهم شيئاً فقال له والدي يعني ماذا تريد قال له قطعة قماش أو مبلغ فقال له: انقلع من أمامي، والله لا تحلم بقطعة.. ابنتي في الأردن وأنتم تعرفون اذ هبْ واقتلها، وقل لي تعالى هذه ابنتك في حديقة بيتك ولكن أن تحلم برشوة لن أفعل هذا.

كذلك في إحدى الليالي أتوا، واعتقلوا إخوتها الخمسة، وقال أحدهم للوالد: أين كتاب الظلال، وألقوا الكتب كلها على الأرض لإحراقها، فقال لهم والدها: الذي يريد الظلال يخرجه من بين الكتب أما أن يأتي أحدكم لا يعرف القراءة، ويطلب الظلال أنتم لا تعرفون شيئاً، وتأتون لاعتقال المثقفين والرجال.

وكانت السيدة عائشة على علاقة وطيدة مع أخيها الأصغر منها بسنة الشيخ مجاهد شعبان، وكانت معه على اتفاق في كافة الأمور، ويمارسان السلطة الفوقية  على الإخوة الصغار الآخرين.

محنة ومنحة:

وفي تلك الفترة العصيبة من تاريخ سوريا كانت تسافر مع زوجها للتغطية، ويستقبلان الإخوة، وكل منهما يتكفل بولد هو يتكفل بشيماء؛ لأنها أكبر، وهي تتكفل بيمان؛ لأنه صغير.

وكثيراً ما كان كل منهما ينام خارج البيت، ولم يكن يؤيد العمل المسلح بل كان ينتظر الإفراج عن إخواننا السجناء، وفي يوم 5/6/١٩٨٠ وبعد عودته من سفرة للخارج ذهبت السيدة عائشة مع زوجها إلى بيت أهله، وفي تمام الساعة الحادية عشرة ليلاً  كُسر باب البيت، ودخلوا -قاتلهم الله-، وأخذوه، فخرجت مباشرة لتخبر الإخوة، وأعلمت الأخ (أبو عمار رز)، ولم تستطع إعلام الآخرين،  وعندما عادت لبيت أهله أخذوها مع أولادها، وكان في السيارة أبو اليمان بيده القيد، وعندما رأته ابنته (شيماء) أرادت الاقتراب منه فمنعوها، وعندما سألته عن القيد بيده قال لها: هذه إسوارة، وبقيت لفترة طويلة تقول: بابا بيده إسوارة، ثم أعادوا الأولاد، وبقيت بالسجن أسبوعاً كاملاً تحت كل أنواع التعذيب، ليعترف هو لأن شيخو -قاتله الله- لعب دور ( الجيد والحنون)، وكان يقول للأخت عائشة.. هؤلاء اللواتي في الغرفة معك أخوات مسلمات انتبهي منهن،  وكان التعذيب يجري له ولزوجته بكل أنواعه وأثناء التحقيق كانوا يقولون لها: ما دراستك فتقول لهم: إن والدي من باب النيرب، ولا يسمح لنا بدخول الجامعة، فيقولون لها: أنت كاذبة هؤلاء الإخوان لا يتزوجون إلا مثقفات وأهلهن أغنياء، والذي كان يحقق معها هو المجرم (أليف الوزة ) - قاتله الله- وكان يجلس على كرسي، ويلعب بمسبحته، ويحقق، وكانت معها إحدى الأخوات، يقول أليف الوزة لها: أنا ووالدك كنا على طاولة خمر واحدة في المرقص، وأنت وأخوك منين أتيتم بالإخوان المسلمين، وقد كسروا رجل أبا اليمان، وهم يعذبونه بكافة أنواع التعذيب، وخرجت الأخت عائشة بعد أسبوع، وذهبت إلى بيت أهلها لتستعيد نشاطها من جديد، وكانت تقابل أحد الإخوة الذين توفوا الآن -رحمه الله - وتعطيه اسما غير اسمها، وتنقل الأخبار بين الشباب حتى أتتها طالبة كانت على صلة بوالدتها، فقالت لها: أمي اعتقلت الليلة، فذهبت إلى والدها وأخبرته، وقابلت السيد الفاضل أمين يكن - رحمه الله-، وسألته، فتحرى الخبر، وقال لها: اخرجي الآن من سورية، فغادرت، وبقي أولادها سنتين عند جدهم في سورية حتى إن ابنها يمان بقي مدة لا يعرفها، وكان متعلقاً بجده،  وعندما وصل والدها لحدود الأردن سألوه كيف تخرج بهم قال لهم: سأخرج بهم، فقد أخذتم والدهم وأمهم الآن في الأردن إن شئتم تعالوا معي لعندها لابد أن آخذهم، فقالوا له: على شرط أن تأتينا بالأخبار، فقال لهم: حتى نرى. 

أعمالها، ومسؤولياتها:

وقد شجعها على العمل في المجال الدعوي والدها وزوجها، وأخوها محمد مجاهد – رحمهم الله تعالى - وكثيراً ما دارت بينهم الأحاديث والمناقشات الدعوية، وكانت تعقد الجلسات في بيت أهلها وبيتها.

وقد عملت مدرسة لمادة التاريخ، والجغرافيا، والمنطق والفلسفة في الثانوية الشرعية للبنات، وبعض مدارس حلب الحكومية، والذي شجعها هو الدكتور محمد رواس قلعه جي - رحمه الله -وكان لها أنشطة وتأثير ملموس بين الشابات المسلمات والطالبات.

حياة الغربة:

غادرت السيدة الفاضلة أم اليمان سورية إلى الأردن بعد أن غيّرت اسمها، وبعد سنتين لحق بها الأولاد، وهي تقيم هناك تدعو إلى الله، وتعظ النساء، وتعطي الدروس الدينية، وتعمل بنشاط لا يعرف الكلل والملل.

فعملت مدرسة في كلية المجتمع الإسلامي لمدة / ٢٣ / سنة، ثم استقالت.

وبعدها عملت بمدرسة خاصة لمدة / ١٣ / سنة، ثم أعفيت من التدريس.

مثلت الأخوات السوريات في مؤتمر المرأة المسلمة في اليمن.

وألقت محاضرة بمخيمات الجالية الإسلامية في إيطاليا لمدة ثلاث سنوات متوالية.

وكانت تقوم بعمل دورات ومحاضرات للشابات المسلمات في الأردن، وتعطيهم       ( دروس تاريخية، ودروس ثقافية ).

وقامت مع بعض الأخوات منذ قدومها للأردن بإعادة تنظيم الأخوات، وتشكيل الأسر، والأنشطة والدورات التثقيفية.

وانتخبت لتمثيل الأخوات في الأردن في مجلس الشورى السوري.

مؤلفاتها، وإنتاجها العلمي:

وللأخت عائشة شعبان مقالات قليلة نشرتها في مجلة المجتمع ( الصادرة في الكويت)، وفي مجلة النذير السورية.

وما زالت تتفجر حيوية ونشاطاً مع المحافظة على الأخلاق والقيم الإسلامية النبيلة، وأصبحت قدوة لبنات الجيل الجديد ومضرب المثل، ندعو الله أن يطيل لنا في عمرها، وأن يرزقنا وإياها الثبات على دعوة الحق والخير والقوة والجمال إلى أن نلقى الله غير مبدلين. 

وسوم: العدد 817