صاحب نقد العقل الكاتب والمفكر المغربي محمد عابد الجابري

clip_image002_7a9d7.jpg

خسرت الحياة الفكرية العربية صاحب كتاب (نقد العقل العربي) ورجل السجال العميق الكاتب والمفكر المغربي الدكتور محمد عابد الجابري الذي توفي في مدينة الدار البيضاء عن سن تناهز 75 عاماً، في الثالث من أيار عام 2010م. ويعتبر الراحل أحد كبار مجددي الفكر العربي من خلال دراساته وكتبه التي فاقت الثلاثين مؤلفا، كما أن طروحاته وأفكاره شكلت جدلاً داخل الوطن العربي؛ وهكذا ساهم الجابري من خلال سجالاته التي دارت مع مفكرين بارزين من أمثال حسن حنفي وجورج طرابيشي وطه عبد الرحمن... في إغناء الحوار الثقافي والسؤال النقدي داخل الوسط الأكاديمي العربي.

كما أن مواقفه فتحت عليه جبهات متعددة: جبهة أمازيغيين رأوا فيه متعصبا للقومية العربية ومعاداة للغة والثقافة الأمازيغيتين، وجبهة إسلاميين لم يرقهم ما ورد في كتابه (مدخل إلى القرآن الكريم).

وتوزعت نشاطات الجابري ما بين التدريس والصحافة والعمل السياسي والإنتاج الفكري والفلسفي. وقد ولد الجابري عام 1935م بمدينة فجيج (شرق المغرب)، واشتغل معلما في الدار البيضاء، قبل أن يلتحق بدمشق التي قضى بها سنة جامعية واحدة. ثم عاد إلى الرباط حيث تابع تعليمه العالي في جامعة محمد الخامس في الرباط، حيث نال شهادة دكتوراه الدولة في الفلسفة في موضوع (العصبية والدولة: معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي).

أهم المحطات في مسير حياة الجابري:

تشرين الأول عام 1953م، بعد إغلاق السلك الثانوي بالمدرسة المحمدية بالدار البيضاء، على إثر نفي محمد الخامس، التحق بنفس المدرسة معلماً في القسم التحضيري ثم في أقسام الشهادة الابتدائية.

في عام 1956محصل على الشهادة الثانوية (البروفيه). كما حصل على شهادة الكفاءة في التعليم الابتدائي، مما خوله الالتحاق بسلك التعليم بوازرة التربية الوطنية كمعلم رسمي ابتداء من أول تشرين الأول عام 1957م وقد عين في نفس المدرسة معلماً رسمياً معاراً للتعليم الحر.

في عام 1956م حصل على الشهادة الأولى للترجمة (مترشح حر). وفي حزيران من عام 1957م حصل على شهادة البكالوريا كمترشح حر، وكان هذا بداية اتصاله بالمهدي بن بركة.

قضى صيف سنة 1957م في جريدة (العلم).

في تشرين الأول عام 1958م أخذ تفرغا للتعليم وقضى السنة الجامعية الأولى في دمشق. وحصل على شهادة (الثقافة العامة). والتحق بجريدة (العلم) من جديد صيف 1958م.

في تشرين الأول عام 1958م التحق بكلية الآداب بالرباط قسم الفلسفة، حيث تابع دراسته الجامعية. كما التحق بمعهد ليرميطاج بالدار البيضاء كقائم مقام مدير منذ إنشائه في نفس التاريخ إلى حزيران عام 1959م.

ساهم في انتفاضة 25 كانون الثاني عام 1959م والتحق بجريدة (التحرير) منذ تأسيسها يوم 2 نيسان عام 1959م كسكرتير تحرير متطوع، في الوقت نفسه الذي واصل مهمته كمشرف على معهد ليرميطاج. وفي حزيران عام 1959م توقف عن العمل في هذا المعهد بسبب ظروف انتفاضة 25 كانون الثاني، متخلياً عن راتبه فيه، مواصلاً العمل في (التحرير) براتب شهري متواضع.

في حزيران عام 1961م حصل على الإجازة في الفلسفة. وفي حزيران من العام التالي حصل على شهادة السنة الرابعة (الإضافية).

في صيف عام 1962م عاد إلى التعليم ومتابعة دراسته العليا وطلب إعفاءه من الارتباط بالجريدة كموظف مداوم يتقاضى أجراً، وواصل التزامه بنفس مهماته فيها متطوعاً.

انتخب عضوا في المجلس الوطني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية في المؤتمر الثاني في أيار عام 1962م.

في تشرين الأول عام 1962م أنشأ المجلس البلدي في الدار البيضاء (وكان اتحادياً) معهدين ثانويين أحدهما للبنين أسندت إدارته للمرحوم عبد القادر الصحراوي، والآخر للبنات أسندت إدارته للجابري.

في تموز عام 1963م اعتقل مع باقي المسؤولين والأطر الاتحادية في مؤامرة تصفية الاتحاد ومكث رهن الاعتقال في زنزانة بالدار البيضاء أكثر من شهرين ثم أطلق سراحه لفراغ الملف. في السنة نفسها (1963م) قررت وزارة التعليم (تأميم) المعهدين البلديين وإدماج العاملين فيهما في سلك موظفي وزارة التعليم، فعين أستاذاً للسلك الثاني ثانوي.

في آذار عام 1964م ساهم في إصدار مجلة (أقلام) وظل مشاركاً في تحريريها إلى أن توقفت سنة 1983م بسبب انفصال مديرها بن عمرو مع آخرين عن الاتحاد الاشتراكي.

في آذار عام 1964م صدرت أسبوعية (الأهداف) التي اهتمت بالجانب الثقافي مع تغطية نشاط الفريق البرلماني الاتحادي وأخبار الاعتقالات والمحاكمات الخ.

في كانون الأول عام 1974م، وفي إطار الاستعداد للمؤتمر الاستثنائي، استأنفت المحرر الصدور وواظب الجابري على كتابة ركن يومي في (التحرير) بعنوان (صباح النور) من يوم صدورها في 2 نيسان 1959 إلى 16 تموز 1963م حين تعرض للاعتقال، واستمر في كتابة ركن يومي في (المحرر) بعنوان (بصراحة) من عام 1965 إلى أن قدم استقالته من المسؤوليات الحزبية في نيسان عام 1981م.

في تشرين الأول عام 1964م عين أستاذا للسلك الثاني ثانوي في ليسي مولاي عبد الله بالدار البيضاء.

في كانون الثاني عام 1965م تم بناء وتجهيز ثانوية المقاطعة السادسة بالدار البيضاء فانتدب إليها بصفته قائم مقام مدير، ثم شارك في الحركة الانتقالية فحصل على منصب مدير لها بصفة رسمية.

على إثر حوادث آذار عام 1965م اعتقل ضمن مجموعة من رجال التعليم ثم أطلق سراحه لفراغ الملف.

في عام 1965-1966م ساهم في الإعداد لتأسيس النقابة الوطنية للتعليم واستعادة التضامن الجامعي المغربي.

في تشرين الثاني عام 1966م قام الجابري مع أحمد السطاتي ومصطفى العمري بتأليف كتاب (دروس الفلسفة) لطلاب البكالوريا في جزأين: الجزء الأول في الأخلاق والميتافيزيقا، والثاني في مناهج العلوم وعلم الاجتماع وعلم النفس. ثم تلاه في كانون الثاني عام 1967م كتاب (الفكر الإسلامي ودراسة المؤلفات) حسب برنامج البكالوريا.

في حزيران عام 1967م حصل على دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة، فالتحق في أكتوبر بكلية الآداب بالرباط كأستاذ مساعد.

في آب عام 1967م كان من بين الذين انخرطوا في تجربة (الوحدة) التي عمل لها عبد الرحيم بعد اعتقال المحجوب بن الصديق.

في 11 تشرين الأول عام 1968م صدرت جريدة أسبوعية باسم (فلسطين) وكان الجابري من ضمن المساهمين فيها.

في عام 1968م تولى مع أحد أساتذة الجامعة، مهمة مفتش الفلسفة في التعليم الثانوي المعرب بالمغرب كله. ورقي في السنة التالية 1969م إلى درجة أستاذ محاضر بنفس الكلية على أساس دبلوم الدراسات العليا الذي حصل عليه في السنة السابقة.

في عام 1970م حصل على شهادة دكتوراه الدولة في الفلسفة، وكانت لجنة المناقشة مزدوجة، مغربية فرنسية. وهي أول دكتوراه دولة بالمغرب في مادة الفلسفة. أطروحته الدكتوراه (العصبية والدولة: معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي).

عين في تشرين الأول عام 1971م أستاذاً للتعليم العالي.

في عام 1972م كان ممن ساهموا في الإعداد لانتفاضة 30 تموز عام 1972م.

في عام 1973م صدر له كتاب بعنوان (أضواء على مشكل التعليم). وهو في الأصل جملة مقالات كتبها في مجلة (أقلام) المغربية بين حزيران 1972 وآذار عام 1973م. وفي عام 1976م صدر له كتاب: (مدخل إلى فلسفة العلوم: وهو جزآن. الأول بعنوان: تطور الفكر الرياضي والعقلانية المعاصرة، والثاني بعنوان المنهاج التجريبي وتطور الفكر العلمي). وفي عام 1977م صدر له كتاب بعنوان (من أجل رؤية تقدمية لبعض مشكلاتنا الفكرية والتربوية). وفي عام 1980م صدر له كتاب (نحن والتراث).

وفي 5 نيسان عام 1981م قدم استقالته من المكتب السياسي وانصرف انصرافاً شبه كلي، إلى العمل الثقافي محتفظاً في نفس الوقت في مساهمته كما من قبل بكتابة مقالات من حين لآخر في جريدة الحزب.

في سبتمبر/أيلول 1997 أصدر مع محمد إبراهيم بوعلو وعبد السلام بن عبد العالي مجلة "فكر ونقد" التي تولى فيها مهمة رئيس التحرير. اعتباراً من أكتوبر/تشرين الأول 2002 أحيل على التقاعد 2002، بعد أن أمضى في سلك التعليم خمسة وأربعين سنة خدمة، بصفته رجل تعليم رسمي (أي من فاتح أكتوبر/تشرين أول 1957 إلى 30 سبتمبر/كانون الأول 2002).  

وسوم: العدد 839