الفقيه المحدث ( عطاء بن أبي رباح )

clip_image002_ecd4d.jpg

سلسلة أعلام التابعين 

من أعلام التابعين :

دخل سليمان بن عبد الملك خليفة المسلمين وأعظم ملوك الأرض ليطوف بالبيت العتيق وهو حاسر الرأس حافي القدمين وكان من خلفه ولداه  .

ما إن انتهى من طوافه حتى مال على رجل من خاصته وقال :

أين صاحبكم؟ 

فقال : إنه هناك قائم يصلي ؟  

مضى الخليفة نحو الرجل فوجده مايزال داخلا في صلاته ، غارقا في ركوعه وسجوده ، والناس جلوس وراءه ، فجلس الخليفة حيث انتهى به المجلس ، واجلس معه ولداه  يتاملان ذلك الرجل فإذا هو :

شيخ حبشي ، أسود البشرة ، مفلفل الشعر إذا جلس بدا كالغراب الأسود !

أقبل عليه الخليفة يسأله عن مناسك الحج وهو يفيض بالإجابة ... 

ثم مضى الثلاثة نحو المسعى ، وهم في طريقهم سمعوا : 

يامعشر المسلمين لا يفتي في هذا المقام إلا عطاء بن أبي رباح .

سأل الغلامان مَن عطاء ؟ 

فقال سليمان : هذا الذي سألته يابنّي ، ورأيت ذلنا بين يديه هو عطاء بن أبي رباح صاحب الفتيا في المسجد الحرام ، ووارث ابن عباس في هذا المنصب الكبير .

ثم قال : يابني تعلموا العلم ، فبالعلم يشرف الوضيع ، وينبه الخامل ، ويعلو الأرقاء على مراتب الملوك .

أخذ عطاء العلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن أبي هريرة وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وابن الزبير وغيرهم من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم حتى امتلأ صدره علما وفقها ورواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

اتخذ البيت الحرام مقاما له وكان المسجد فراش عطاء نحوا من عشرين سنة  .

عبد الله ابن عمر رضي الله عنه وعن أبيه أمَّ مكة معتمرا فأقبل الناس عليه يسألونه فقال : إني لأعجب لكم يا أهل مكة تسألونني وفيكم عطاء بن أبي رباح  .

عطاء أحد الفقهاء والتابعين في القرن الأول والثاني ، ولد في اليمن أثناء خلافة عثمان بن عفان ، من سادات التابعين فقها وعلما وورعا .

قال عنه الأوزاعي : مارأيت أحدا أخشع لله من عطاء  .

وصل عطاء إلى ما وصل إليه بخصلتين اثنتين أولاهما : أنه أحكم سلطانه على نفسه ، ثانيهما :  أنه أحكم سلطانه على وقته فلم يهدره في فضول الكلام  .

حدث الإمام أبو حنيفة عن نفسه فقال :

 أخطأت في خمسة أبواب من المناسك في مكة فعلمنيها حجّام حين أراد الحلق للخروج من الإحرام قال : 

أتيت حلاقا وقلت بكم تحلق لي رأسي ؟ فقال : هداك الله النسك لا يشارط فيه ، فخجلت وجلست منحرفا عن القبلة فأومأ إلي أن استقبل القبلة ففعلت ،

ثم أعطيته الجانب الأيسر من رأسي فقال : أدر شقك الأيمن ، فأدرته ؟ وجعل يحلق لي وأنا ساكت ، فقال مافي أراك ساكتا ؟ كبّر ، فجعلت أكبر حتى قمت لأذهب فقال : أين تريد ؟ صلّ ركعتين ثم امض حيث تشاء ؟

فقلت في نفسي ماينبغي أن يقع هذا من حجّام إلا إذا كان ذا علم ؟ 

قلت له من أين لك ما أمرتني به من المناسك ؟ 

فقال : رأيت عطاء بن أبي رباح يفعله فأخذته عنه ووجهت إليه الناس .

وأقبلت الدنيا على عطاء فأعرض عنها ، وعاش عمره يلبس قميصا لايزيد ثمنه عن خمسة دراهم ، ودعاه الخلفاء إلى مصاحبتهم فلم يجب دعوتهم لخشيته على دينه من دنياهم  .

عمّر عطاء حتى بلغ مائة عام  ، ملأها بالعلم والعمل ، وأترعها بالبر والتقوى ، وزكاها بالزهادة بما في أيدي الناس والرغبة بما عند الله لما أتاه اليقين وجده خفيف الحمل من أثقال الدنيا ، كثير الزاد من عمل الٱخرة ومعه فوق ذلك سبعين حجة وقف خلالها سبعين مرة على عرفات وهو يسأل الله رضاه والجنة ويستعيذ به من سخطه والنار  .

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم   

 إن التشبه بالكرام فلاح

وسوم: العدد 871