العلامة المعمَّر الشيخ وصفي المسدي الحمصي

هو‎ ‎العالم الفاضل العامل المربي الفقيه الشيخ وصفي بن أحمد بن يوسف بن أحمد بن عبد‎ ‎الجليل المسدي الحمصي‎:‎

وُلِد بحمص في شوال عام 1335ه- من الهجرة (1917م) لأب‎ ‎من العلماء وأم من آل الجندي ‏العباسيين، ونشأ عند والده الشيخ أحمد، فتعلَّم عليه‎ ‎القراءة والكتابة ومبادئ الحساب، وقرأ عليه ‏القرآن، وكان والده صاحب كتَّاب في حمص،‎ ‎وإمام جامع القاسمي ومدرسه‎.

وبعد أن تخرج في‎ ‎المدرسة الابتدائية انتسب إلى المدرسة الإسلامية الوقفية التابعة لمديرية ‏الأوقاف‎ ‎‏(الثانوية الشرعية الآن)، والتي كان يديرها الشيخ زاهد الأتاسي، وطلب العلم فيها‎ ‎مدة ‏ست سنوات، فدرس على الشيخ زاهد الأتاسي أصول الفقه الحنفي، وقرأ عليه كتاب نور ‏الإيضاح، ومتن القدوري، وكتاب الكامل للمبرد. وتتلمذ أيضاً على الشيخ محمد‎ ‎الياسين بسمار، ‏كما درس على ابنه الشيخ أبو السعود، وعلى الشيخ أنيس الكلاليب،‎ ‎والشيخ محمد علي عيون ‏السود، والشيخ أحمد صافي، فقرأ عليه تفسير البيضاوي، ودرس‎ ‎الخط على الشيخ سليم ‏صافي، كما أنه تتلمذ على العلامة الفقيه الشيخ عبدالقادر‎ ‎الخجا، وعلى الشيخ توفيق الأتاسي ‏فقرأ عليه حاشية ابن عابدين، وعلى الشيخ نجم الدين‎ ‎الأتاسي فقرأ عليه كتاب (ملتقى الأبحر)، ‏وعلى الشيخ تقي الدين الأتاسي، والشيخ أبي‎ ‎السعود الأتاسي، والشيخ إبراهيم الأتاسي.‏

وبعد أن تخرج في المدرسة الشرعية 1936، تزوَّج في نفس‎ ‎العام، ولازم الشيخ طاهر الأتاسي، ‏مفتي حمص وعالمها الأكبر، فقرأ عليه كتاب (جمع‎ ‎الجوامع) وكتاب (التوضيح والتلويح)، ‏وكتاب (الحكم العطائية)، وصار مبيِّضاً‎ ‎لفتاويه، وظلَّ معه حتى وفاته.‏

أما المشايخ والمحدثون الذين أجازوه فهم: ‏

العلامة المحدث المؤرخ الشيخ محمد العربي التبَّاني بن الحسين الحسني الإدريسي‎ ‎المكي، وقد ‏أجازه سنة 1381 هـ في مكة المكرمة. والعلامة المحدث الشيخ محمد‎ ‎يوسف البنوري رحمه الله ‏تعالى. والعلامة الفقيه المعمَّر الشيخ عبد المحسن‎ ‎الأسطواني رحمه الله تعالى. والعلامة الشيخ ‏نعيم النعيمي الجزائري رحمه الله تعالى.‏

لما تُوفِّي والده عام 1935م تولى عنه‎ ‎الإمامة والتدريس في مسجد القاسمي بحمص، وكان قد ‏تدرَّب على الإمامة والدرس في حياة‎ ‎والده، فكان يقرأ معه على الطلاب تفسير الخازن. ثم تولَّى ‏الخطابة بعد ذلك في ذلك‎ ‎المسجد حتى ثُبِّت فيه دون مقابل احتساباً، ذلك أن القانون كان ‏يقتضي ألا يتولى‎ ‎الشيخ أكثر من وظيفتين في آن واحد، وظل الشيخ المسدي خطيباً في ‏المسجد حتى هجرته من‎ ‎حمص عام 1980م.‏

كان له درس بعد المغرب في‎ ‎مسجد القاسمي يحضره طلبة العلم من الشباب، وله درس بعد ‏العصر لعامة الناس، وله درس‎ ‎في بيته يوم الاثنين، ودرس أسبوعي يوم الجمعة بعد العصر ‏في الجامع الكبير، ودرس كل‎ ‎يوم بعد صلاة الظهر في جامع الدالاتي‎.‎

ومما قرأه على الطلاب: تفسير الخازن،‎ ‎وتفسير الجلالين، وكتاب مراقي الفلاح، وحاشية ‏الطحطاوي، وكتاب شرعة الإسلام في‎ ‎الفقه، وكتاب الأنوار المحمدية مختصر المواهب اللدنية ‏للشيخ يوسف النبهاني.‏

كما عُهِد إلى الشيخ وصفي التدريس في المعهد الشرعي بعد‎ ‎تأسيسه بحمص عام 1946م، ‏وتولى إدارته عام 1947م بضع سنين، وانقطع عن التدريس فيه‎ ‎سنوات قليلة ثم عاد إلى ‏التدريس فيه حتى عام 1982م.‏

وبالإضافة إلى ذلك أُعطي‎ ‎الشيخ وصفي منصب مدرس محافظة في حمص عام 1952م على ‏عهد المفتي توفيق الأتاسي، وكالة عن الشيخ شاكر المصري الذي تُوفِّي ذلك العام، ثم تأصَّل ‏في الوظيفة عام 1957م، وبقي فيها حتى عام 1980م.‏

كان الشيخ - رحمه الله تعالى - جميلاً وسيماً أبيضاً‎ ‎مشرباً بحمرة، وكان ربعة بين الرجال ليس ‏بالطويل ولا بالقصير، وكان يتميز بلباسه ومظهره ليكون شامة بين الناس، فلا يظهر بمظهر ‏الزاهدين ولا المتواضعين، وهو من الزاهدين المتواضعين، ولا يعرف ذلك إلا من يخالطه ‏ويجالسه. وكان واعظاً مؤثراً،‎ ‎ومدرساً ناجحاً، ومتحدثاً مؤثراً، ذا شخصية جذابة، ووجه منير، ‏وروح فكهة، وكان مجلسه - رحمه الله تعالى - يجمع بين ألوان الفوائد علماً ووعظاً وإنشاءً ‏وقصصاً طريفة وحكايات ذات عبرة.‏

وللشيخ وصفي المسدي آثار‎ ‎تربوية واجتماعية في حمص وله أياد بيض في ترميم مسجد سيدنا ‏خالد بن الوليد بحمص، وتجديد المعهد التابع له، كما أنه عمل على تجديد بناء مسجد المعدَّس ‏عام 1977م،‎ ‎والذي كان ينوي النصارى ضمَّه إلى كنيستهم، فعمل الشيخ وصفي على هدم ‏الجامع القديم،‎ ‎وبناء مسجد جديد بدلاً منه، وقد سُمِّي الجامع بعد تجديده بمسجد محمد بن ‏مَسْلَمة، وفي عام 1978م كان للشيخ الجليل دور أساسي في تجديد بناء مسجد القاسمي كذلك.‏

وكان لدروسه وتوجيهه أثر كبير في شباب الدعوة الإسلامية بحمص، وكان لهم بمثابة‎ ‎الأب ‏الحنون.‏

وفي عام 1980م هاجر الشيخ وصفي المسدي إلى جدة، فدرَّس القرآن في جامعة الملك عبد ‏العزيز مدَّة ست سنوات، وألقى دروساً في السيرة النبوية‎ ‎كذلك على طلاب الجامعة. وتولَّى ‏الخطابة وكالة في جامع (أبو داود) في مدينة جدة.‏

وكان له في جدة درس أسبوعي في الفقه والتفسير والحديث للحمصيين، ودرس آخر‎ ‎للدمشقيين ‏من طلبة العلم والأطباء، وله درس عام في رمضان بعد العصر في مسجد أبي‎ ‎داود. وكان بيته ‏مَقْصداً لطلاب العلم ومرجعاً للفتوى، وكانت تربطه صلات علمية مع‎ ‎كثير من علماء الحرمين ‏الشريفين والمقيمين فيهما.‏

عاد الشيخ إلى حمص بعد غياب‎ ‎طويل عنها، ولقي كلَّ حفاوة وترحيب من علمائها وأهلها، ‏وأقبل علماء سورية من مختلف المحافظات يُسلِّمون عليه ويستفيدون منه. واستمر يتردد بين ‏جدة وحمص، وبقي الشيخ ممتَّعاً بذاكرته وجوارحه يستحضر بكل دقة تفاصيل الحياة العلمية ‏والاجتماعية والسياسية في حمص وبلاد الشام إلى أن انتقل إلى رحمة الله تعالى‎.

توفي في مدينة حمص فجر يوم الأربعاء 15 رمضان المبارك 1431 الموافق 25/آب/2010‏‎.

وسوم: العدد 908