الشيخ محمد بن عبد الله بن أحمد حياني الحلبي الطائي

كأنَّهُ كانَ موَدِّعاً رحمه الله 

أقل من شهرٍ بين زيارته لي  في بيتي مع إخوةٍ أكارم أفاضل في عيد الأضحى الماضي وفي آخر ليلةٍ  من لياليه حيث كان اللقاء ليلة الخميس 12/12/1422هـ وبين أجله  وقدومه إلى دار البقاء بتاريخ 10/1/1443هـ رحمه الله تعالى ولم يكن من طبعه وعادته الخروج من بيته إلا لعمله في جامعة الملك فيصل حيث يعمل أستاذاً للدراسات العليافي علم الحديث الشريف أو للضَّروريات رغم أنه كان من أهل الصلة والود إلا أنه لظروفه الصحية في السنين الأخيرة ،ولفرط حساسيته وتأثره بأي حدثٍ والأخبار التي كانت تطير من هنا وهناك  ، وزاد عليها جائحة كورونا لذلك كان لايخرج   إلا للضرورات و يؤثر الهدوء والعزلة ، ويحبُّ الخلوة والصَّفاء أجل هذا دأبه ،والصَّفاء روحه، وحبُّ الله ورسوله نبضه،  والقرآنُ والحديث  تنفُّسه  وهواءه، والكلم الطيب منطقه ،كان له هيبةٌ  وسمت سمت أهل الحديث دون تكلُّف وكان يحبُّ الدُّعابة الراقية وكم كان يسعد ويسر بجلسات  السَّمر مع الأحبة  حيث كانوا   وكم كان كريماً مضيافاً عندما نأتيه  كأنما جُبل عليه أليس هو من طيءحاتم!؟ وكذلك  كان حال أبنائه الكرام رحمه الله .

كان بيني وبينه ودٌ قديم مُذ قدم إلى الأحساء ماانقطعنا عن بعض ومحبتنا في الله لاتزعزعها الدنيا  كلها أجل وكان له مكانةٌ وقدرٌ كبيرٌ عندي ويعرف هوذلك ،وأعلم علم اليقين أنه كان يحبني من قلبه في الله ويُسرُّ بوجودي  وهذا هوحالي بلقاه وهو حال كل من عرفه ،وهو صاحب علمٍ وفضل  ،وتأصيلٍ وله مكانةٌ علميةٌ  كبيرةٌ في علم الحديث الشريف ومن أهل البر والخير  وقد تفضل مشكوراً بمراجعة كتابٍ لي عنوانه  الإسلام رسالةٌ حضارة ونظافةٌ وطهارة لم أطبعه حتى الآن عسى ولعل.

أجل أقل من شهرٍ بين زيارته ووفاته كأنَّه كان مودِّعاً لأحبابه وقد التقينا بعدها في وداع أخوين كريمين غادرانا من  الأحساء عند أخينا الحبيب د.أحمد زيتوني  حفظه الله حيث أسررت إلى  الأخوة قائلاً كأنما والله قطعٌ من أرواحنا تُنتزع بفراقهم ووداعهم وشعرت بقبضةٍ حينها ولم أدر أنَّنا سنودِّع أخانا الأكبر وصفيُّنا الأنور أستاذنا الدكتور محمد عبد الله حياني بعد إصابته بداء العصر كورونا حبث بلغنا الخبر بعد اسبوعٍ من اللقاء الأخير وبعدها بعشرة أيام ويزيد جاء القدر المحتوم في الواحدة بعد ظهر الجمعة واليوم السبت 12/1/1443هـ بعد العصر دفناه في مقبرة الكوت  بحضور جمعٍ كبير من الصالحين من أهل هذه البلدة الطيبة الأحساء ومن الوافدين  إليهاوحضورزملائه النجباء من  أساتذة الجامعة  ومحبيه حيث هتفت قلوبهم وأرواحهم بالدعاء له رحمه الله وغفر له وأحسن إليه وجعل قبره روضةً من رياض الجنة وجمعنا به تحت ظل عرشه وفي عليين اللهم آمين

  عظم الله أجرنا جميعاً به وإنا لله وإنا إليه راجعون  

clip_image002.jpg

نسبه ونشأته :

هو الشيخ محمد بن عبد الله بن أحمد حياني الحلبي الطائي.

ينتهي نسبه إلى حاتم الطائي سيِّد قبيلة طيئ التي منها العبقري الكبير إمام الحرمين الجويني، أستاذ حجة الإسلام الغزالي، والشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي، والإمام جمال الدين ابن مالك صاحب الألفية، والشاعران الطائيان : أبو تمام والبحتري.

و( حيَّاني ) نسبة إلى جبل ( حياَّن ) في ديار طيئ في الجزيرة العربية.

استوطنت أسرته مدينة حلب مند ثلاثة قرون تقريباً. أما والده الحاج عبد الله فكان تاجراً صالحاً من أهل القرآن والقيام في الأسحار، عرف بكثرة مساعدته الفقراء والمحتاجين، يسعى في شؤونهم ويؤثرهم على نفسه، وكان ذا سريرة طاهرة نبيلة وذا جمال في الخَلق والصوت.

أما والدته الحاجة عائشة حياني فصلاحها لا يقل عن صلاح زوجها؛ شغلها القرآن والذكر والصلاة على المصطفى عليه الصلاة والسلام. وكانت تتمتع بحضور اجتماعي قوي، محبة للدعابة والمُلح.

أما الشيخ فولد في مدينة حلب في شهر ربيع الأول من سنة 1373هـ، وقرأ القرآن على والده وحفظه وهو ابن عشر سنوات في شهر واحد، وحفظ الألفية في النحو للإمام ابن مالك، وغير ذلك من المتون.

تلقى العلم مند نعومعة أظفاره في مدارس حلب، وبعد إتمامه المرحلة الابتدائية انتظم طالباً في المدرسة الشعبانية التي عرفت بعلمائها الربانيين الأكابر فنهل من علومهم، ولم يكتف بدروسهم في المدرسة بل كان كثير الحضور لمجالسهم العلمية في عدد من مساجد حلب. كما أفاد من غيرهم من العلماء الذين كانوا يدرِّسون في المدرسة الخسروية وغيرها من المدارس العلمية الشرعية في حلب، كما توّج علمه بالاختلاف إلى علماء السلوك.

وبعد حصوله على الإجازة من المدرسة الشعبانية سافر إلى مصر لمتابعة التحصيل في الأزهر الشريف، والتحق بكلية أصول الدين وحصل منها على الإجازة والماجستير ثم درجة العالِمية

( الدكتوراة ) في عام 1986م وعنوان الرسالة ( موطأ الإمام مالك رواية الإمام محمد بن الحسن الشيباني : تحقيق ودراسة ). وكان لعلماء الأزهر الكبار وقتئد الأثر الكبير في ثرائه العلمي.

من شيوخه :

الشيخ عبد الله سراج الدين، والشيخ بكري رجب، الشيخ عبد الرحمن زين العابدين، والشيخ نجيب خياطة، والشيخ محمد الغشيم، والشيخ عبد المجيد قطان، والشيخ مصطفى مزراب، والشيخ أحمد قلاش، والشيخ سامي بصمه جي، والشيخ محمد ياسين الفاداني، والشيخ محمد عوامة، والشيخ زهير الناصر، وغيرهم كثير من علماء حلب ومصر في فنون عدة. كما حصل على إجازات عدّة في الحديث النبوي الشريف من عدد من العلماء، رحم الله من توفي منهم وحفظ من بقي وامتع بهم جميعاً.

أعماله ووظائفه :

درَّس في المدرسة الشعبانية والمدرسة الخسروية وغيرهما من المدارس الحكومية في حلب، كما خطب في عدد من جوامعها.

ثم ارتحل إلى السعودية مدرِّساً في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في المدينة المنورة لمدة خمس سنوات، محاضراً فيها من عام 1981م إلى 1986 م.

ثم انتقل إلى الأحساء مدرساً في جامعة الملك فيصل في عام 1986م ، وما زال فيها أستاذاً لعلوم الحديث الشريف.

من آثاره العلمية :

1 - الاقتران عند المحدثين.

2 - الانتخاب عند المحدثين أثره و أهميته.

3 - ثقافة المحدثين في التعامل مع النص النبوي و النص التاريخي.

4 - خصائص الإسلام.

5 - لماذا نجني على علاقاتنا.

6 - لمحات في دقة المحدثين المنهجية للحفاظ على السنة النبوية.

7 - مدخل إلى الثقافة الإسلامية.

8 - مدى الثقة المنهجية في تخريج الحديث من المعجم المفهرس و البرامج الحاسوبية.

9 - مدى عناية العلماء بكتاب موطأ الإمام مالك بن أنس.

10 - موطأ الإمام مالك رواية الإمام محمد بن الحسن الشيباني دراسةً و تحقيقاً.

11 - اليقين بمعرفة من رُمي من المحدثين بقبول التلقين.

أخلاق الشيخ و صفاته :

للشيخ خصال يتميَّز بها، نذكر بعضاً منها في هذه العجالة، من ذلك :

- درايته الواسعة بعلوم الحديث والمصطلح - وذلك هو تخصصه العلمي الدَّقيق - ومعرفة دقائقها، وحرصه الشديد على إنفاق الأوقات فيها، وشغل مجالسه بها، وبذكر رجالات الحديث وأخبارهم وأحوالهم. وهذا ما يفرض على المجلس الذي يكون فيه فضيلته الجو العلمي الجادّ، البعيد عن تضييع الأوقات، والأحاديث التي لا نفع فيها لدنيا ولا لدين.

- له سَمْتُ أهل القرآن، وعلماء الحديث الصّادقين؛ يتجلَّله الوقارُ غيرُ المتكلَّف، والحياء، وصدق الحديث، والغَيرة الصادقة على حدود الله تعالى، والشَّفقة البالغة على عباده، والرّحمة والرأفة بهم، والتألّم لآلام المسلمين – أفراداً وجماعات- والتأثُّر الشديد بما يصيبهم من النكبات والمآسي؛ وكثيراً ما يبلغ هذا التأثُّر درجة تعتلّ بسببها صحّته.

- أما الجانب التربوي والذَّوقي عند فضيلته، فهو بارز ساطع؛ فإنك تلمس فيه تلك الرّوحانية الصّافية التي كان يتميّز بها علماء حلب، يوم كانت تعج بأساطين العلم، وكبار الربّانيين، الذين كانوا يجمعون بين العلم الغزير، والتقوى البالغة، والورع الشديد. فقد نال الشيخ طرفاً صالحاً من علمهم، ونهل الكثير من فضلهم، وسرى إليه منهم قسط وافر من المعاني الذّوقية، التي لا تُكتسب بتلقّي العلم من الكتب، وكثرةِ مطالعتها والبحث فيها، وإنما تُحَصَّل بمُشامّة العلماء الربّانيّين وملازمتهم، إذ يسري شعاعها الخفي إلى قلوب تلامذتهم ومجالسيهم، من غير أن تتدخل في ترجمتها، أو تقوى على التعبير عنها ألسنة البلغاء، ولا أقيسة المنطقيّين، ولا حجج الجدليين.. وما أشبهها بما يسمّيه العلماء بالحدس، الذي لا مطمع في أن يعبّر عنه ببيان، ولا أن يدلَّل عليه ببرهان، مع كونه يقيناً يمتلئ به العقل، ويثلج به الصدر.

- لقد تتلمذ فضيلتة على عدد من هؤلاء الأفذاذ، الذين جمعوا بين العلم، وسرِّ العلم وثمرته، من الحب لله والخشية منه وتعظيمه جلّ وعلا، ومن محبة سيد الخلق r والتعلُّق بجنابه الشريف، كعالم حلب الشهباء وربّانيِّها الشيخ عبد الله سراج الدين.

- ومن أجل ذلك، فلا عجب أن نرى الشيخ سخي الدمعة، عفيف النَّفس يربأ بالعلم أن يجعله سُلَّماً للعروج إلى كسب مغانم دنيوية تافهة، وأغراض صغيرة؛ كنيل الشهرة وتحصيل الجاه عند الناس، ونيل الحُظوة عند الكبراء.

ومن حكمة الله تعالى أنه جعل من وجود المعاني المتقابلة سبيلاً إلى اعتدال مِزاج الكون، فترى الإسراف في الكرم في جهة، إلى جانب المبالغة في الشّح في الجهة الأخرى، وتجد الشجاعة المفرطة إلى حدِّ التهوّر، إلى جانب الجُبن الشديد.. إلى غير ذلك؛ ليخرج من بين طرفي النقيض الوسطُ الذي يعيش به الناس، ومن العلماء من اختصّهم الله تعالى بحمل المعاني السماوية، التي جاء بها الأنبياء، من أجل أن يقابلوا بها المعاني الأرضية، التي تستهوي ضعاف العقول، وكليلي الهمم.

- لقد بلغ من زهد فضيلة الشيخ، أنه يؤثر العزلة، ولا يجتمع مع الناس إلاّ في أضيق نطاق، مبتعداً عن الظهور على الشاشات، وحضور المؤتمرات والندوات، محافظة على وقته، وابتعاداً عن الشهرة والأضواء، وبلغ من تواضعه وفراره من الشهرة أنه حين يؤلّف كتاباً أو يكتب بحثاً، فإنه لا يكتب على غلافه إلا اسمه فقط، مجرّداً عن أي لقب.

وإذا علمنا هذا الذي ذكرت من أحوال فضيلة الشيخ الحياني؛ فلا غرابة إذاً أن تكون هذه الأسطر قد كُتِبتْ دون علمه، وأن يرجو من كتبها إذا وقع بصر فضيلته عليها، وقرأها، أن يعفو عمَّن سطَّرها، وأن يستغفر لهم.

المصادر :

- الدكتور محمد جنيد الديرشوي الأستاذ المساعد في جامعة دمشق، وقسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك فيصل.

- الدكتور ماهر الناصر الاستشاري الجراح في مستشفى الملك فهد بالأحساء.

وسوم: العدد 943