قبس من شخصية عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه

هو أبو حفص، عمر بن عبد العزيز، خامس الخلفاء الراشدين، وثامن خلفاء بني أمية. أمّه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب.

وُلد في مصر سنة 61هـ، وأبوه والٍ عليها. فأُدِّبَ على أيدي فضلاء عصره. ولم تمنعه حياة الرفاهية التي نشأ فيها من حفظه القرآن، وتلقّى العلم على أكابر الصحابة كعُبادة بن الصامت وعبد الله بن عمر.

تولّى الخلافة سنة 98هـ بعد وفاة سليمان بن عبد الملك، فردّ المظالم ونشر المكارم، وصار مضرب المثل في العدل والزهد والاستقامة وتفقّد شؤون الرعية. ولما مات خلّف بعده اثني عشر غلاماً لم يترك لهم شيئاً من المال، ولما حضرته الوفاة جمعهم وجعل يجيل نظره فيهم ثم يقول: بنفسي فِتْية تركتهم ولا مال لهم. يا بني إني خيّرتُ نفسي بين أن تفتقروا وبين أن يدخل أبوكم النار، فاخترت الأول. يا بني عصمكم الله ورزقكم، وكلت أمركم إلى الله الذي نزّل الكتاب وهو يتولى الصالحين. وكان عنده وقتئذ مسلمة بن عبد الملك، فوهبه أربعين ألفاً ليفرقها على أولاده وقال له: من طيب نفس فعلت! لقد جمعتَ علينا قلوباً متفرقة، وجعلت لنا في الصالحين ذكراً.

كان عمر بن عبد العزيز أعظم أموي ترفهاً وتملكاً، ولكن لما آلت إليه الخلافة جعلها خلافة راشدة، وسار في الناس بالعدل والإنصاف، ولم يُعرف في عهده الجور والظلم، وخرج من ماله وردّه إلى بيت مال المسلمين، ووضع حليّ زوجته فاطمة بنت عبد الملك في بيت المال، وضرب أروع الأمثلة في الزهد والتقشّف بما يعجز عنه العبّاد والزهّاد، فضلاً عن الأمراء، وربما تأخر أحياناً عن الخروج لصلاة الجمعة انتظاراً لقميصه أن يجف. كان طعام بناته العدس والبصل، ولا تزيد نفقته اليومية على درهمين، وهو الذي كان يفرض للعمال ثلاثمئة دينار لكل واحد ليغنيهم عن الخيانة. وكان يتورع عن تسخين الماء على مطبخ العامة، ويتورع عن شم مسك الفيء، ويطفئ الشمعة التي زيتُها من بيت المال إذا شغله أحد بالسؤال عن شخصه...

تقول زوجته: والله ما كان عمر بأكثر الناس صلاة، ولا أكثرهم صياماً، ولكنْ والله ما رأيتُ أحداً أخوفَ لله من عمر. لقد كان يذكر الله في فراشه فينتفض انتفاض العصفور من شدة الخوف.

وكان يحرص على عقيدة رعيته وأخلاقهم وسعادتهم الأخروية وصلاح قلوبهم وسرائرهم. ورسائله إلى أمراء الأجناد والولاة تفيض بتوصياته إياهم بالمحافظة على الصلاة والعبادة وتزكية الأخلاق والعناية بالمدارس... كما كان يحرص على نشر الإسلام في الأصقاع، فكتب إلى ملوك الهند يدعوهم إلى الإسلام والطاعة، حتى أسلم كثير منهم وأقبلوا على القرآن يتلونه ويتدبرونه.

وعُني بجمع الحديث الشريف وتدوينه، فكان أن جعل الدولة تتبنى ذلك وتشرف عليه، فكتب إلى أحد كبار أهل العلم في عصره أبي بكر بن محمد بن حزم: انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإني خشيتُ ضياع العلم وذهاب العلماء. وكتب إلى عماله بالأقاليم بمثل ذلك، وأجرى الرزق على علماء الحديث.

وانتشر المال ووُزِّعَ على الناس بالعدل، حتى مُحي الفقر في عهده.

لقد كانت خلافته أشبه بفصل الربيع في تاريخ الإسلام وحياة أهله، وفي عالم الدين والأخلاق والفضائل والعلم.

وكانت مدّة خلافته سنتين وبضعة أشهر.

توفي رحمه الله في 24 من رجب سنة 101هـ، ودُفن في إدلب، شرق معرّة النعمان.

رضي الله عنه وأرضاه.

وسوم: العدد 965