الشهيد الخالد

(1)

علي الغاياتي (*)

إذا صح ما قاله المغفور له الملك عبدالله الهاشمي من أن الإخوان المسلمين هم معجزة القرآن في هذا الزمان، فمما لا شك فيه أن مؤسس جماعتهم وراعي نهضتهم ومرشدهم العام المرحوم الأستاذ حسن البنا هو "رب هذه المعجزة" فهي من علمه وهديه، ونشاطه وروحه، وإيمانه وإسلامه، استمدت هذه الجماعة ما سمت به من عظيم الصفات، وما قامت به من جليل الأعمال.

كان - رحمه الله وطيب ثراه - أمة في رجل، تعددت نواحيه النافعة، وفاضت نفحاته الساطعة في كل جانب من جوانب الحياة الإسلامية في مصر وسائر أنحاء الوطن الإسلامي.

ولقد كان شديد الاهتمام بشؤون المسلمين أينما حلوا وأقاموا، وأذكر أنه سمع منذ بضعة أعوام أنني أفكر في الهجرة إلى أمريكا لبث الدعوة، ونشر الفكرة هناك، فحضر مع الأخ الكريم الأستاذ صالح عشماوي إلى دار "منبر الشرق" وأخبرني أن كثيراً من المسلمين في أمريكا الجنوبية حائرون في أمر تربية أبنائهم تربية عربية إسلامية، وهم يخشون عليهم من المستقبل إذا لم يتداركهم المرشدون الهادون بإرشادهم وهدايتهم، ووجَّه نظري إلى هذه الناحية إذا سافرت إلى هناك، ووعد بالعمل على إمدادي إذا استطاع بما قد يدعو إليه الحال من مال ورجال، ولم يشأ الله أن أهاجر، فبقيت بمصر، ودامت صلة الود بيننا خالصة قوية حتى إنني عرضت عليه يوماً أن يصدر "المنبر" عن دار الإخوان المسلمين، كما تصدر صحف أخرى عن دور زميلاتها في السلوك والسياسة، فرحب بهذا الاقتراح، ووعد بتنفيذه متى تم الاستعداد اللازم لذلك.

وحدث ما حدث في 8 ديسمبر سنة 1948م من حل الإخوان، ووقف نشاطهم وتعطيل صحفهم، وأراد الله - سبحانه وتعالى- أن يبقى "منبر الشرق" مستقلاً، ليرفع الراية عند سنوح الفرصة، ويدافع عن الإخوان بعد أن سكتت الأقلام، ويمجد ذكرى الشهيد الخالد بعد عام واحد من وفاته (عليه الرحمة والرضوان).

هيأ الله السبيل بعد ذلك للإخوان فأصدروا "المباحث" ثم تركوها وأسسوا "الدعوة" الغراء التي يسرني أن أهنئها بعامها الثاني، وأن أدعو لها وللقائمين بها بكل نجاح وتوفيق.

ولا ريب في أن كل هذه الحركة المباركة التي نراها في محيط الإخوان هي من غرس يدي حسن البنا، وكل الاتجاه الروحي الديني الطاهر الذي نراه في كثير من الشباب الجامعيين والأزهريين وغيرهم في المدن والقرى في مصر وغير مصر، هو ثمرة التربية الإسلامية التي بثها وعلمها، والتي كان من نتائجها الباهرة ما شاهدناه في فلسطين وفي القنال من بسالة وفداء وإيمان، ولولا الدسائس والعراقيل الخارجية والداخلية لفاز المؤمنون بنصر الله الذي وعد به عباده الصالحين.

ومما لا مراء فيه أن الروح المحمدية السامية والتي تعهدها ورعاها حسن البنا ستبقى ولن تزول، وستقوى على مر الأيام والأعوام، وسيعود بفضلها مجد الإسلام وشبابه إن شاء الله.

                

(*) هو محمود علي الغاياتي الدمياطي، كاتب صحفي وشاعر، ولد وتعلم بدمياط، اشتغل بالأدب وانتقل إلى القاهرة عام 1907م، عمل محرراً في "الجوانب المصرية" ثم في جرائد الحزب الوطني، وتشبع بدعوة مصطفى كامل، سافر إلى تركيا ثم إلى سويسرا عام 1910م والتحق بجامعة جنيف، كان هو المحرر الشرقي لجريدة "تريبيتون دي جنيف"، أصدر عام 1922م جريدة "منبر الشرق" بالعربية والفرنسية لمدة عشر سنوات، من دواوينه "وطنيتي"، و"هجرتي"، ومن مؤلفاته: "القول الوافي في علمي العروض والقوافي، توفي سنة 1956م.

(1) مجلة الدعوة – السنة الثانية – العدد (52) – 16جمادى الأولى 1371هـ / 12 من فبراير 1952م.