أبو موسى الأشعري، المهاجر المجاهد العابد الأوّاه القاضي... رضي الله عنه

كم خرّجت مدرسة النبي صلّى الله عليه وسلّم من عظماء جمعوا من الخصال والفضائل ما جعل الرجل منهم يعدل أمّة!.

ومن هؤلاء العظماء سيدنا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه.

إنه أبو موسى عبد الله بن قيس بن سليم من قبيلة الأشعريين القحطانية في اليمن. وُلد سنة 21 قبل الهجرة.

في سِيَر أعلام النبلاء للإمام الذهبي، في ج4: "هو عبد الله بن قيس بن سُليم... الإمام الكبير... الأشعري التميمي الفقيه المقرئ. حدّث عنه بُريدة بن الحصيب... [وعدّد أسماء كثيرين].

وكان خفيف الجسم، قصيراً، أثط [خفيف اللحية]، حَسَنَ الصوت، حادّ الذكاء، شجاعاً.

أسلم بمكّة، ثم رحل إلى قبيلته في اليمن وراح يدعو قومه إلى الإسلام حتى خرج في بضعة وخمسين رجلاً منهم في سفينة فجرفهم البحر إلى الحبشة حيث كان جعفر بن أبي طالب وأصحابه، فخرجوا جميعاً في سفينتين إلى المدينة، فلقُوا النبي صلّى الله عليه وسلّم عائداً من فتح خيبر، فأسهم لهم فيمن حضر الفتح وقال: "لكم الهجرة مرتين. هاجرتم إلى النجاشي، وهاجرتم إليّ". رواه البخاري ومسلم.

وقال صلّى الله عليه وسلّم: "أتاكم أهل اليمن، هم أرقُّ أفئدةً وألينُ قلوباً. الإيمان يمانٍ، والحكمة يمانية". رواه البخاري ومسلم.

فكان أبو موسى ومَن معه يُسَمَّون الأشعريين.

وشارك أبو موسى في سرية أوطاس التي بعثها النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد غزوة حنين وأمّر عليها أبا عامر الأشعري، وهو عم أبي موسى، فقُتِل أبو عامر، وتمكّن أبو موسى من قتل قاتِله!.

واستعمله النبي صلّى الله عليه وسلّم على زَبيد وعَدَن، وقال عنه صلّى الله عليه وسلّم: "اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذَنبه، وأدخِله يوم القيامة مُدخلاً كريماً". رواه الشيخان.

وقال عنه: "لقد أُعطي أبو موسى مزماراً من مزامير آل داود". رواه النسائي.

وكان – رضي الله عنه- صوّاماً قوّاماً زاهداً عابداً، جمع العلم والعمل والجهاد وسلامة الصدر.

بَعَثَه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أميراً على البصرة فخطب في أهلها: "إن أمير المؤمنين بعثني إليكم أعلّمكم كتاب ربكم وسنّة نبيّكم، وأنظّف لكم طرقكم". ثم وَليَ الكوفة.

ولعلّ قوله: "وأنظّف لكم طرقكم" هو آخر ما يخطر على البال في خطاب الوالي، لكنه هكذا كان أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم.

وقد كان من السمات الشخصية لهذا الصحابي أنه مجاهد جَسور، ومسالم وديع، وقاضٍ نبيه. وقد قال الإمام التابعيّ عامر الشعبي: كان القضاء في الصحابة إلى ستة: عمر وعليّ وابن مسعود وأُبيّ بن كعب وزيد بن ثابت وأبي موسى.

وشارك في قتال المرتدين أيام الصدّيق أبي بكر، وفي فتوح الشام والأهواز وأصبهان وتُستَر والرها وسميساط.

وكان من خبره في معركة تستر أن الهرمزان تحصّن في المدينة وجمع فيها جيوشاً هائلة، فالتقى جيشُ المسلمين، وعلى رأسه أبو موسى، وفيه كرام الصحابة كعمّار بن ياسر والبراء بن مالك وأنس بن مالك... وجيش المجوس. وحاصر المسلمون المدينة أياماً طويلة حتى أعمل أبو موسى دهاءه وأرسل مئتي فارس مع عميل فارسي أغراه أبو موسى حتى يفتح باب المدينة، وهنا تدفّق فرسان المسلمين داخل السور وكان النصر المؤزّر.

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يدعوه ليتلو عليه من كتاب الله ويقول له: "شوّقْنا إلى ربنا يا أبا موسى".

في أواخر حياته – رضي الله عنه- اجتهد في العبادة اجتهاداً عظيماً، فقيل له: لو رَفَقْتَ بنفسك!. قال: إن الخيل إذا قاربت مبتغاها أخرجت جميع ما عندها. وأحسَبُ أن ما بقي من أجلي أقلّ من ذلك.

وكان من روائع كلماته: "اتّبعوا القرآن، ولا تطمعوا في أن يتبعكم القرآن". وكم من صاحب هوى يؤوّل آيات القرآن لتوافق هواه أو هوى مَن يقلّد من أهل الضلال، وكان الأولى به أن يطوّع هواه لأوامر القرآن وقِيَمه وتوجيهاته.

وقد روى أبو موسى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم 163 حديثاً في مسند بقي بن مخلد، وله 49 حديثاً في الصحيحين، وله في كتب الحديث الأخرى 355 حديثاً.

تُوفي – رضي الله عنه- في الكوفة سنة 44هـ.

وسوم: العدد 1021