اللواء صلاح شادي.. ضابط شرطة برتبة داعية

sdgsfsfssf1033.jpg

( ١٩٢١_ ١٩٨٩م )

   

  هو اللواء المجاهد الداعية صلاح شادي الكاتب المؤرخ الذي كان له دور في تاريخ الحركة الإسلامية في مصر.

المولد؛ والنشأة:

  ولد صلاح شادي في مدينة القاهرة سنة 1921م، في أسرة ثريّة، التحق بمراحل التعليم المختلفة (الابتدائي والثانوي)، ثم بكلية البوليس وتخرّج ضابطًا في الشرطة عام 1940م، والتحق بالعمل في مديرية البحيرة كضابط شرطة، فعمل في الدلنجات، ونقطة صفط الملوك بإيتاي البارود، ثم نقل إلى القاهرة عام 1944م في بلوكات نظام الأقاليم، ثم انتقل للعمل فترة في الطور، ثم عاد إلى القاهرة، وظل في عمله حتى فصله عبد الناصر.

  رزقه الله بعدد من الأولاد: خالد وحسن وصالح وعطاء الله وابنة متزوجة من مراد الزيات وأخرى متزوجة من مجدي منصور.

  كان صلاح شادي مثال المسلم الملتزم بتعاليم دينه، يسعى في خدمة الناس، ويقدّم كل ما يستطيع في حل مشكلاتهم، وإصلاح ذات البين بين الأفراد والعائلات في كل مكان يحلّ فيه، ولم تكن رتبته العسكرية لتميّزه عن الناس، بل كان كسائرهم، يتَّصف بالأخلاق العالية، والحياء، والنفس الطيّبة، واليد السخيّة.

في قافلة الإخوان:

  كان صلاح شادي ينظر إلى الإخوان على أنهم جماعة دينية فحسب، على الرغم من أن أنهم كضباط لديهم تعليمات تحذر من هذه الجماعة حتى تصادف أثناء رئاسته لنقطة صفط الملوك أن أرسل له الأستاذ أحمد السكري مقبوضًا عليه ليرحل إلى القاهرة في الصباح وجلس معه الأستاذ السكري يحدثه عن دعوة الإخوان وأهميتها ومميزاتها، غير أنه لم يكترث لهذا الكلام، وكان ذلك عام 1941م، إلا أن ثقة وشجاعة شباب الإخوان استوقفته كثيرًا فعندما ذهب لتفتيش دار الإخوان بناءً على تعليمات رؤسائه وجد منهم ثقة وشجاعة لا توصف حتى أتم مهمته.

  إلا أن التحول كان في شهر رمضان عندما دعاه صديقه صالح أبو رقيق لحضور درس يلقيه الأستاذ حسن البنا فلم يعبأ بهذا الكلام، وصمَّم على الذهاب إلى السينما، إلا أن صديقه استطاع أن يقنعه أن يذهب لسماعه، ثم يذهبا للسينما، وعندما ذهب، وكان يظن أن حسن البنا كأي شيخ يتحدث فقط في فقه العبادات، إلا أنه سمع كلامًا مغايرًا، فكان الرجل يتحدث عن أمور حياتية مهمة، ومن وقتها وبدأ صلاح شادي يتحرى خطوات حسن البنا، حتى كان عام 1943م عندما ذهب لسماع الإمام البنا في كفر الزيات وسمع منه كثيرًا كما رأى مريديه من جميع الطبقات؛ ففي اليوم الأول بات مع بعض الإخوة في "زريبة" لكثرة العدد، وفي اليوم الثاني اصطحبه الإمام البنا لأحد كبار الأعيان؛ فكان موقفًا مؤثرًا أن يجد الرجل تتبعه طوائف شتى بين غنى وفقير، وبعدها مد يده ليلة 27 رمضان ليبايع الإمام البنا على العمل لدين الله.

مواقف قوية:

  بعد أن بايع الإمام البنا على العمل عاد ضابطًا مختلفًا عن كل الضباط، فعندما عاد حمل على عاتقه نشر الدعوة وسط محيطه، ومن المواقف الحية أن المديرية كانت تفرض على كل قرية عددًا من تذاكر الحفلات التي تحييها الراقصات تشتريها جبرًا وقسرًا، غير أنه عندما وصل إليه عدد التذاكر ليعطيها لعمدة القرية ليجمع المال من أهلها؛ رفض هذا المسلك وأرجع التذاكر، ورفض أن تفرض عليهم هذه الضريبة التي كانت تثقل كواهلهم، حتى إنه عنِّف من المديرية فلم يكترث لذلك.

  وعندما سرق سير إحدى الماكينات من تفتيش الخاصة الملكية أرادوا أن يفرضوا على أهل القرية جمع ثمن هذا السير؛ جزاءَ تجرؤهم على سرقته فما كان منه إلا أن وقف في وجه المسئولين عن الخاصة ورفض أن تجمع هذه الأموال من الفقراء أو تغريمهم، حتى إن الأمر كاد يتطور، إلا أن المسئولين في الخاصة رضخوا لكلامه.

   وأيضًا عندما صدم أحد كبار الدولة أحد الفقراء بسيارته فقتله ثم هرب؛ سارع بإبلاغ المديرية بالحادث وأبلغ عن الكبير، غير أن مساعد الحكمدار أتى له ليثنيه عن هذا الأمر ويحذرَه من أن هذا الكبير قريب من رئيس وزراء البلاد، فزاده الأمر تصلُّبًا، وطالب بالقصاص منه، فهدده فلم يستجب له، ثم قدم هذا الكبير فهدده، فما كان منه إلا أن طالبه بتسليم نفسه لينال جزاءه، فرفض وتغطرس الكبير.

  وعندما قدم مساعد الحكمدار تقريرًا لمدير المديرية بأنه تطاول على رؤسائه استدعاه المدير وأطلعه على المواقف، والذي كان يفهمها من وجه نظر مساعد الحكمدار، فوضح له المواقف، وأن هذا الكبير قتل أحد الفقراء ولا بد أن ينال جزاءه، ففرح به المدير وحيَّاه حتى ظن الجميع أن صلاح شادي مسنود من الملك فخافوا منه، ولم يجرؤ عليه أحد.

  زاد حبُّه في قلوب أهل البلدة حتى قلَّت الجرائم والسرقات، ولقد ابتكر شيئًا جميلاً أن جعل طابور الصباح لعساكر النقطة مع صلاة الفجر؛ حيث كان الجميع يلتقون في المسجد القريب من النقطة ليصلوا ثم توزَّع المهام، وكانت تجربة رائدة.

   وعندما سافر إلى الطور كان أحد السجناء، ويسمَّى ريان، لا يقدر عليه أحد حتى الضباط؛ فأخذ يزوره في زنزانته ويكلمه عن نعم الله عليه وعن قيمة الحياة، حتى تغيَّر الرجل إلى الأفضل وبعدما خرج ذهب إلى بلدته ليحارب الإقطاعيين وينصر الفلاحين الفقراء إلا أنهم تربَّصوا به وقتلوه، فحزن عليه الأستاذ صلاح حزنًا شديدًا.

مع النظام الخاص:

  نشأ النظام الخاص للإخوان المسلمين بهدف التصدي للمحتل الإنجليزي في مصر، وللتصدي لمحاولات الصهيونية ومن خلفهم الإنجليز والأمريكان في اقتطاع فلسطين واحتلالها من قبل اليهود وإقامة وطن قومي لهم عليها.

  وقد تعدَّدت تشكيلة النظام ما بين عسكريين وبوليس ومدنيين، وكلٌّ له مهامه التي تسير وفقًا لشرع الله ثم مبادئ الإخوان، ولقد تولى مسئولية النظام عبد الرحمن السندي، وتولى مسئولية قسم الوحدات والتي كانت تختص بشئون البوليس صلاح شادي، وتولى مسئولية العسكريين الصاغ محمود لبيب.

  فبعد أن انتقل صلاح شادي إلى القاهرة عام 1944م عهد إليه الإمام البنا مسئولية قسم الوحدات والتي تعمل على تربية أفراد البوليس تربيةً إسلاميةً وعلى حسن التعامل مع المجتمع، والقيام بالمهام المنوطة فيما لا يغضب الله بكل جد، ولقد برزت شخصيات كانت مثلاً للشرطي المسلم، فقد ظهر الضابط والكونستابل والشاويش والعسكري، كل ذلك كان نتاج تربية قسم الوحدات والأقسام الأخرى، بالإضافة لكونه رجلاً عسكريًّا ماهرًا. 

  يقول صلاح شادي: "وفي سنة 1944م، وبعد أن أسند إلى المرشد العمل بقسم الوحدات جمعني والصاغ محمود لبيب والسندي وحسين كمال الدين لتنسيق العمل كلٌ في اختصاصه، وأدركت حينذاك استقلال الصاغ محمود لبيب في العمل بقسم الضباط، وكان هذا اللقاء أول مجالات الصلة بيني وبينه، وأدركت منه مجال نشاطه، فحدثني عن المنشورات التي تكتب لإيقاظ الضباط وتعريفهم بواجبهم حيال مصر والإنجليز، وكيف أنها لاقت رواجًا في صفوف الجيش على وجه العموم، وكانت هذه المنشورات تطبع بمعرفة الإخوان، ويوزع بعضها قسم الوحدات ويوقع بعضها باسم الضباط الأحرار، وبعضها باسم الجنود الأحرار، وكان قسم الوحدات يشارك في توزيعها".

  كان صلاح شادي قريبًا من الأستاذ البنا، وفي ذلك يقول الأستاذ عمر التلمساني في كتاب "ذكريات لا مذكرات": وأنا لا أدعى أني كنت من أكثر الإخوان صلةً بالأستاذ لأن عملي وإقامتي لم يكونا في أول الأمر بالقاهرة بل كان من الإخوان من هو أكثر صلة به مني؛ أمثال د. حسين كمال الدين واللواء صلاح شادي والأستاذين صالح أبو رقيق وفريد عبد الخالق وأمثالهم.

  وبعد أن دخلت الجماعة في طور المحن عام 1948م، وحلت الجماعة واعتقل رجالها حتى انفرجت المحنة بعودة الجماعة مرة أخرى عام 1951م عاد صلاح شادي لرئاسة قسم الوحدات حتى كان عام 1953م والذي أسند فيه قسم الوحدات إلى أبو المكارم عبد الحي، وأسند إلى صلاح شادي الإشراف على الضباط، وظل هذا الوضع حتى حادثة المنشية عام 1954م. 

في ثورة 1952م:

    كان صلاح شادي من الشخصيات القريبة من تحريك الأمور ومع ذلك أيضًا بحكم قيادته لقسم الوحدات كان قريبًا من الضباط الأحرار بل كان صديقًا لجمال عبد الناصر، ومن ثم أصبح همزة الوصل بين الإخوان ورجال الثورة ومعه حسن عشماوي ومنير الدلة وغيره.

   يقول الأستاذ فريد عبد الخالق: وكان شادي يمثل حلقة الوصل بين الإخوان والضباط الأحرار بموافقة من الهضيبي، وكان معه منير دله وصالح أبو رقيق وحسن العشماوي وعبد القادر حلمي، وكان عبد الناصر حريصًا على هذه العلاقة". 

   كما كان شادي محل سر عبد الناصر فعند اندلاع حريق القاهرة في 26 يناير 1952م سارع عبد الناصر لصلاح وأخبره عما قام به، يقول الأستاذ صلاح شادي: في ظهر هذا اليوم 26 يناير سنة 1952م اتصل بي عبد الناصر تليفونيًّا كي أذهب إليه في منزله فوجدته في حالة من الاضطراب لم أعهده عليها من قبل! وطلب مني الإسراع في نقل أسلحة وذخائر موجودة لدى مجدي حسنين في مدرسة الأسلحة الصغيرة لخوفه من تفتيش المكان بمناسبة الحريق! واتفقنا على موعد ذهابي إلى هناك، واتصل هو بمجدي حسنين وأبلغه الموعد.. ولكن استلفت نظري سؤاله المتكرر لي: "هم صح الإخوان ما اشتركوش في الحريق ده؟".. فأجبته بالقطع في عدم اشتراكهم طبعًا، فهذا لا يتسق مع ديننا ولا نظرتنا للمصلحة، فكرر سؤاله جملة مرات مما استوقف خاطري.. ولكن الوقت لم يسمح لنا بطرح هذا الموضوع معه للمناقشة من جانب الحِل والحرمة".

   وتوجهت إلى مدرسة الأسلحة الصغيرة ومعي الإخوة منير دله وعبد القادر حلمي بسياراتهم والتقينا هناك بمجدي حسنين، ونقلنا هذه الأسلحة والذخائر برمتها إلى منزل الأخ حسن العشماوي تمهيدًا لنقلها بعد ذلك إلى عزبة والده المرحوم محمد العشماوي بالشرقية، وهي نفس الأسلحة التي ضبطها عبد الناصر وقدَّم فيها حسن العشماوي للمحاكمة لإحرازه أسلحة وذخائر بقصد قلب نظام الحكم في يناير سنة 1954م".

   لقد كانت الجلسات بين الإخوان والضباط الأحرار تعقد كل يوم للتوصل للوسيلة الأفضل في عمل الثورة وكان صلاح شادي وسط هذا الخضم من الأحداث حتى قامت الثورة وشارك فيها الإخوان بحماية المنشآت والتصدي للإنجليز إذا تحركوا من القنال إلى القاهرة، يقول اللواء عبد المنعم عبد الرءوف في مذكراته "انصرفت قاصدًا المهندس حلمي عبد المجيد والمقدم أركان حرب أبو المكارم عبد الحي سعد المسئول عن جماعة الإخوان الضباط، والدكتور المهندس حسين كمال الدين عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان، وأبلغتهم ما قال لي الصاغ أركان حرب صلاح نصر ثم عدت إلى منزلي منتظرًا ومترقبًا أوامر مكتب الإرشاد والجيش. 

   وفي يوم 28 شوال 21 يوليو 1952 دُعِيْت والدكتور مهندس حسين كمال الدين والمقدم أركان حرب أبو المكارم عبد الحي سعد للذهاب إلى دار الأخ صلاح شادي-الذي لم يسبق لي رُؤيته من قبل أو معرفة أي شيء عنه- وكل ما خرجت به من هذه الزيارة أنه استقبلنا وودعنا بحفاوة وبالنظر لوجود ضيوف عنده في غرفة ملاصقة لم تطل الزيارة علمت فيما بعد أن الضيوف كانوا جمال عبد الناصر وكمال الدين حسين وآخرين.. وعلمت كذلك أنهم جاءوا يطلبون من الإخوان مؤازرتهم عند بدء الانقلاب، ثم سافر المهندس حلمي عبد المجيد إلى الإسكندرية ليبلغ فضيلة المرشد حسن الهضيبي آخر الأنباء، وأهم هذه الأنباء كان ما دار بيني وبين صلاح نصر وذهبت إلى داري أنتظر وأترقَّب أوامر من قيادة الجيش أو من مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان".

في قلب المحنة:

  لم يعتقل صلاح شادي مع الإخوان الذين اعتقلوا عام 1948م، بل اكتفت السلطات بإبعاده عن القاهرة إلى أقاصي الصعيد، ضابطًا في مصنع السكر في "نجع حمادي" في يناير عام 1949م بعدما علم إبراهيم عبد الهادي صلته بالإخوان.

  وبعدها بفترة عاد مرة أخرى إلى القاهرة ليساهم مع إخوانه في اختيار المرشد الجديد للإخوان المسلمين، كما عمل على تقويض الفتن التي بدأت في الظهور مع الاختلاف في وجهات النظر مع قادة النظام الخاص، فقد وقف بجوار المرشد العام الأستاذ حسن الهضيبي، كما وقف في وجه الفتنة التي ظهرت والتي حاولت النيل من المرشد العام عام 1953م، إلا أنه أصابه ما أصاب كثير من الإخوان عندما أصدر عبد الناصر قرارًا بحل جماعة الإخوان المسلمين في يناير 1954م، واعتقال قادتها فكان شادي أحد هؤلاء وظل معتقلاً حتى اندلعت مظاهرات مارس من نفس العام، والتي على إثرها أفرج عن المرشد العام ومن كان معه من إخوانه.

  وبعدما رفض الإخوان معاهدة الجلاء التي أراد عبد الناصر توقيعها مع الإنجليز لما تحمله من شر للبلاد، كان صلاح شادي أحد الذين وقفوا في وجه هذه المعاهدة فأكنه له عبد الناصر وما كادت الأيام تمر ويحل شهر أكتوبر حتى ابتكر عبد الناصر حادثة المنشية والتي على إثرها اعتقل الآلاف من الإخوان وزج بهم في آتون السجون.

  اعتقل صلاح شادي وقدم للمحاكمة والتي حكمت عليه بالإعدام مع كثير من الإخوان أمثال الأستاذ محمد مهدي عاكف والسيد الريس وعلى نويتو وسعد حجاج وغيرهم، يقول الأستاذ مهدي عاكف: كان معي في عنبر الإعدام الإخوة صلاح شادي ومحمد سليم مصطفى وعلي نويتو وسعد حجاج وغيرهم. 

  غير أن الحكم لم ينفذ إلا في ستة وهم: عبد القادر عودة ويوسف طلعت ومحمد فرغلي وإبراهيم الطيب وهنداوي دوير ومحمود عبد اللطيف، وخفِّف الحكم عن الباقين إلى المؤبد. 

  انتقل صلاح شادي مع أعضاء مكتب الإرشاد وقيادات الجماعة والمحكوم عليهم فوق "عشر سنوات" إلى سجن الواحات ليقضوا مدتهم في هذا المكان المكفر، الذي يوجد في بطن الصحراء الغربية، وقد تعرضوا لمواقف كثيرة منها محاولة عبد الناصر إبادتهم بعد حادث مذبحة طرة والتي وقعت في أول يونيو 1956م.

الأستاذ محمد مهدي عاكف:

  يقول الأستاذ مهدي عاكف في حوار مع "إخوان أون لاين": في سجن (المحاريق)، أرسلوا لنا ضابطًا اسمه "إسماعيل همت"؛ ليكرر المأساة من أجل تأييد "عبد الناصر"، ومن جبروت هذا الرجل الضابط أن جمَعَنا أنا والأساتذة "التلمساني" و"صلاح شادي" و"العدوي" و"صالح أبو رفيق" في غرفةٍ أو صالةٍ كبيرةٍ، ووجَّه إلينا مدفعًا وخيَّرنا هذا الضابط بين تأييد "عبد الناصر" أو القتل.

  وكان موقفًا صعبًا برز فيه ثبات وصمود ورجولة (الإخوان) في الشدائد، فماذا كان رد فعل الأستاذ "عمر التلمساني"- رحمه الله- بالذات- ومن معه؟؟ قال: شُلَّت يدي إن أيدت "عبد الناصر"، وافعل ما بدا لك، فتخاذل الضابط وتراجع، رغم أنك كنت ترى الأستاذ "عمر" في ظاهره هينًا لينًا، لكنه في الحق قويٌّ مثل "الفولاذ".

  وبعد محنة 1965م يصف المهندس محمد الصروي حال صلاح شادي فيقول: كان للأخ صلاح شادي حلقة لمدارسة كتاب مدارج السالكين، فلقد قضى سنين طويلة في تأمل ودراسة هذا الكتاب الروحاني العالي جدًّا.

  وعندما أطلت فتنة التكفير برأسها وقف صلاح شادي لها بجوار المرشد العام وتصدى لهذا الفكر، كما تصدى للشباب الذين أطلقوا هذا الفكر حتى وصل الحال أن كفر هؤلاء الشباب قيادات الجماعة فيقول الأستاذ صلاح شادي: تحملنا في ذات الله عز وجل كل التعذيب والأذى والتغريب والتشريد والاضطهاد.. هجرنا الأهل والمنصب والعمل والجاه ورضينا أن نكون وقفًا لله.. ثم بعد هذا يتهمنا هؤلاء الشباب الذين لم يصلب عودهم في الدعوة أننا كفار.

مرحلة الانطلاق:

  خرج صلاح شادي وبعد عشرين عامًا من السجن وكان من آخر أربعة يخرجون من المعتقلات عام 1974م، وما كادت قدماه تبرح السجون حتى سارع فسلم نفسه للأستاذ عمر التلمساني المرشد الجديد للإخوان وتعاون مع كثير من الإخوان في إعادة بناء الجماعة مرة أخرى واختير عضوًا بمكتب الإرشاد وظل كذلك حتى وفاته، وكان له دور قوي داخل المكتب، بل كان له دور في قضية أفغانستان.

  يقول الدكتور نشأت حامد عبد الماجد أستاذ العلوم السياسية المشارك بجامعتي لندن والقاهرة: وقد استمر الإخوان في القيام بدور الوساطة، وتقريب وجهات النظر بين فصائل المجاهدين، وبينهم والحكومة الباكستانية، فقد قام المرحوم صلاح شادي في 1989م بجهود من هذا القبيل عقب توقيع باكستان اتفاقية جنيف في أبريل 1989م والتي رفضتها الفصائل الأفغانية، كما شارك في كثير من القضايا. 

من أقواله:

  إن طبيعة الإسلام تحمل قوته في ذاته، وانتشاره إنما ينطلق من معنى الربانية الذي يحييه في قلوب الناس ويركّزه في عقولهم، وإن القوة في النظام الإسلامي مطلب مقصود لذاته، مهما تحقق للأمة استقلالها، وحتى لو أظلها حكم الإسلام، لظلَّت قوة الأمة العسكرية والتجمع لبذل المعروف، وإنكار المنكر بشرائطه الشرعية، واجبًا تنهض به وله همم المسلمين، ويسعى كل مسلم صادق لتحقيقه في نفسه، ودعوة الناس إليه، وحضَّهم عليه، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، ولا يزال رسول الله يشرح للناس معنى القوة الواردة في الآية: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ (الأنفال: من الآية 60)، فيقول: "ألا إن القوة الرمي"، ويكررها ثلاث مرات، ثم لا يلبث أن يجعل الرمي عبادة فيقول: "من تعلم الرمي ثم تركه فقد عصاني".

  وهكذا تصبح القوة العسكرية للأمة، وتنشئة النفس على مشاق الحياة، بالرحلات ونحوها، هدفًا يطلب لذاته، ويظل الفرد عاكفًا عليه لحفظ معنى الرجولة فيه، وعدم عصيان الله بنسيانه، وإن من خصائص دعوة الإخوان المسلمين أنها منذ نشأت، وقد عاصرت مختلف الهيئات والحكومات، لم تنحدر يومًا من الأيام إلى المزالق السياسية، ولم تتلون بالألوان الحزبية، ولم تتورط في المنافع الشخصية ولم تخضع لهيمنة عظيم من العظماء، أو سلطان وجيه من الوجهاء، ولم تعمل ساعة من نهار لحساب شخص أو هيئة أو حزب أو دولة".

قالوا عنه:

يقول عنه الأخ عبد العزيز حسنين:

"في يوم 6 رجب سنة 1409هـ، (12-2-1989م) سكت قلب طالما خفق خاشعًا لربه، ووقف لسان طالما نطق ذاكرًا لربه، وتعطلت حركة طالما سعت عبودية لربها، وجمد عقل طالما سبح فكرًا لربه، بل طويت صفحة طالما بيَّضها صاحبها بما سطره فيها من أقوال وأفعال، وانتهى شريط حياة حفل بكثير من التطورات والتصرفات، وكأن صاحبه كان يشعر أثناء دوران الشريط في تسجيله أنه سوف يعرض عليه أمام الله وأمام خلقه، فعمل وجهد حتى لا يقول مع من يقول: ﴿يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ (الكهف: من الآية 49).

  لقد كان مدرسة في رحلته الطويلة في الحياة وبين الأحياء، كما كان موسوعة في سجنه وراء القضبان، فقد كنا نرى فيه حزمًا في أناة، وبذلاً في اتزان، وعلمًا في حلم، وسلوكًا في اعتدال، وكانت الصفة التي امتاز بها بين أحبابه هي الحياء، وهي التي كانت الطابع الغالب عليه في حياته مع ربه وأهله وأبناء جلدته وبني جنسه على اختلاف أنماطهم واتجاهاتهم".

ويقول الأستاذ أحمد السيوفي:

"كان صلاح شادي علمًا من أعلام الحركة الإسلامية البارزين، ورائدًا من روادها الأفذاذ، لقد كان في شجاعته صلبًا كالجبل الأشم، وكان يمتلك أعصابًا هادئة، فلا يضايقه شيء، ولا يتبرم من شيء، ويصبر على أي شيء، ولا يتسرب اليأس إلى نفسه.

لقد جرت عدة محاولات لقتله في العهد الملكي، ففي صحراء حلوان كانت هناك محاولة لقتله من رجل يهودي وفتاتين يهوديتين أيضًا.. فبعد أن رفع اليهودي مسدسه في وجه صلاح شادي، استطاع شادي أن يضم الفتاتين على بعضهما فينطلق الرصاص إلى الفتاتين، ويخرج هو مسدسه، فيطلقه على اليهودي.

أما المرة الثانية: فكانت في نفق شبرا بالقاهرة، فقد أراد رجال الملك السابق قتله بوساطة الحرس الحديدي، فأطلقوا عليه الرصاص، لتستقر الطلقة في المصحف الذي يحمله شادي، وما زال المصحف موجودًا حتى الآن بآثار الرصاص، يشهد على المجرمين، ويفضح جرائمهم وآثامهم.

أما في السجن، فعندما أصيب بغيبوبة، سمعوا معها طقطقة عظام الجمجمة، حتى ظنوا أنه قد فارق الحياة، على إثر جولة من جولات التعذيب التي تعرّض لها صلاح شادي، حيث شارك في تعذيبه كل من: علي صبري، وزكريا محيي الدين، وكمال رفعت، بتعليمات خاصة من جمال عبد الناصر الذي كان يشعر بقصر قامته الطويلة أمام صلاح شادي الذي رفض استمالته وكل إغراءاته العديدة".

وقال عنه المهندس مصطفى الطحان:

"لقد عاش الأستاذ الكبير صلاح شادي رحمه الله حياته كلها في ركب جماعة الإخوان المسلمين، فكرًا، وشعورًا، وسلوكًا.. وعايش الدعوة من بدايتها الأولى، وكان هو الضابط الشاب المترف الثري، من أطوع التلاميذ النجباء لأستاذه الشهيد الإمام حسن البنا.. كان قبل تعرّفه على هذه الدعوة وصاحبها كأي شاب عادي.. لم يكن محافظًا على دينه بالشكل الصحيح، وإن نشأ في أسرة تفرض على أبنائها الصلاة كنوع من التقاليد الموروثة.. ظن أنه ملك الدنيا بعد أن حقق طموحه، وأصبح ضابط بوليس، وهو ما كان يرنو إليه، ولكن أحداث تلك الفترة من التاريخ القريب جعلته في حيرة.. كان يسمع من رؤسائه الضباط الكبار، الشيء الكثير عن جماعة الإخوان المسلمين، من أنهم إرهابيون، ومناهضون للحكومة، وللملك، وينبغي معاملة شبابها بحذر بالغ... الخ.

ويقول عنه الأستاذ عبد الله الطنطاوي:

 "التقيته مرتين، كانت الثانية قبيل وفاته رحمه الله وترك اللقاءان في نفسي آثارًا عميقة لا يمحوها الزمان.. رأيت في الأستاذ العظيم صلاح شادي ما لم أره في كثير ممن عرفت من الرجال.. رأيت أخلاقًا عاليةً تمشي على قدمين، متجسّدة في شخصه الكريم.. رأيت التواضع، والدماثة، والحياء، والرجولة، والوعي، والإخلاص، والحركة، على كبر سنه، رحمه الله تعالى، يناقش بهدوء، ويحترم محاوره، حتى لو كان فيه شيء غير قليل من الادعاء والسّفه.. يغضّ طرفه، كما يغضّ من صوته الرخيم، وينصت ولا يقاطع محاوره أو محدّثه، ويبادر للسلام على إخوانه عندما يعلم أنهم في القاهرة، ويعرض خدماته عليهم في صدق وأريحية.

سألته، وأنا أودّعه في شيراتون المطار: هل طبع الجزء الثالث من كتاب الأستاذ محمود عبد الحليم: "الإخوان المسلمون.. أحداث صنعت التاريخ"؟ قال: نعم، وسوف آتيك بنسختي الخاصة بعد قليل. 

قلت: أستغفر الله، سوف أذهب إلى المكتبات لشراء بعض الكتب، ومنها هذا الكتاب القيّم. قال مودّعًا: أعود إليك بعد ساعة. وعاد بعد ساعة في حرّ أغسطس، ومعه الكتاب.

لن أنسى كلماته، ونصحه، وابتسامته الآسرة.. إنه قائد ومعلم بكل ما تعنيه هاتان الكلمتان، وهذه الكلمات لا تفيه بعض حقه على إخوانه وأصدقائه وتلاميذه. سيرته تحتاج إلى مجلد ضخم، فهو الرجل إن عز الرجال، وهو الرجل الذي أعطى ولم يأخذ. فمن طبعه البذل والعطاء...".

وفاته:

  في يوم 6 رجب سنة 1409هـ الموافق 12-2-1989م، أسلم صلاح شادي الروح بعد يوم عمل طويل شاركه فيه الأستاذ مصطفى مشهور حيث توفي وهو جالس بجانبه في السيارة بعد صلاة العشاء وبعد أن أديا واجب العزاء في وفاة زوجة أحد الإخوان.

رحمه الله رحمة واسعة وجعلنا خير خلف لخير سلف

--------

المراجع:

1- صلاح شادي: صفحات من التاريخ (حصاد العمر)، دار التوزيع والنشر الإسلامية، الطبعة الأولى، 2006م.

2- عبد المنعم عبد الرءوف: أرغمت فاروق على التنازل عن العرش، الزهراء للإعلام العربي، الطبعة الأولى، 1408ﻫ- 1988م.

3- محمد الصروي: الإخوان المسلمون في سجون مصر، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 1427ﻫ- 2006م.

4- المستشار عبد الله العقيل: من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة.

5- حوارات موقع "إخوان أون لاين" مع الأستاذ محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين.

 ٦_ إخوان أونلاين 2023؛ مقالة الأستاذ المؤرخ عبده مصطفى دسوقي.

٧_ رابطة أدباء الشام.

٨ _ مواقع إلكترونية أخرى.

وسوم: العدد 1033