الشاعر الداعية أحمد محمد الصديق

sdfdffdf10611.jpg

(7 ديسمبر 1941م - 14 مايو 2017م)

عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية

هو الشاعر الاسلامي المعاصر، والشيخ الخطيب الأديب الذي أثرى الساحة الأدبية بشعره الفصيح والذي يفيض غيرة على الاسلام ومقدساته.   وعلى فلسطين وشعبها..

وقد واكب الشاعر الكبير الأحداث من دينية ووطنية وشارك فيها، وكان شعره توثيقا لها، ونشرت قصائده الصحف والمجلات المحلية والعربية والاسلامية.

لقد كان من أهل المساجد، وكان ذا حمية وغيرة على الدين وقصائده تشهد بذلك.

انقسم شعره بين الهَمّين الديني والوطني، فحمل قضايا العالم الإسلامي وفي مقدمتها القضية الفلسطينية بشعره، مؤكداً هويته الفلسطينية الإسلامية كلاجئ يعرف سبيله ورافض للاحتلال والتسويات الظالمة ومطالب بالتحرير والعودة.

يصلح مسار حياته ليكون نموذجاً لرواية تلقي الضوء على بعض جوانب الحياة الاجتماعية لشريحة واسعة من الفلسطينيين، ولو أنه قُدّر له أن يكتب مذكرات تتصل بعلم الاجتماع لكان شهادة مهمة على العصر. فقد واكب أحداثاً كبيرة في فلسطين والعالم الإسلامي ومناسبات دينية ووطنية وشارك فيها، فكان شعره توثيقاً لها، وخصوصاً قصائده التي نشرها في الصحف والمجلات المحلية والعربية.

وكان ذا قدرة نادرة على قول الشعر، كما يقول عنه خطيب المسجد الأقصى الشيخ الشاعر محمد صيام رحمه الله: يسيل الشعر من فمه كالماء.

عانى كثيراً في بداياته، حتى وصل إلى قطر، فابتدأ الطريق الذي انتهى به، وحقق إنجازات وتولى مناصب هامة في الدوحة، ونال الجنسية القطرية ضمن سياسة الدولة بمنح الجنسية لمن يقدمون خدمات وأدواراً هامة في البلد، كالشيخ يوسف القرضاوي والشاعر معروف الشيخ محمود (ابن أخ الشاعر عبد الرحيم محمود).

إنه الشاعر أحمد محمد الصديق، شاعر العودة الذي توافقت ذكرى ولادته لاحقاً مع اليوم الذي سبق انتفاضة الشعب الفلسطيني، في 7/12/ 1941، توفي في اليوم الذي سبق ذكرى النكبة من عام 2017 في قطر.

المولد، والنشأة:

- ولد أحمد محمد الصديق في قرية شفا عمرو على مقربة من حيفا في جبال الجليل المحتلة بفلسطين وعلى بُعد 20 كم فقط عن الناصرة، وتقع المدينة على سبعِ تلال، ويقال أنها نالت اسمها لأن الصحابي عمرو بن العاص توقف فيها زمن الفتوح وكان مريضاً فتعافى من مرضه. فنودي في الجيش: شفي عمرو، فسميت به.

وكان مولده بتاريخ 7/ 12 / سنة 1941م.

وفيها قضى طفولته وصباه وبداية شبابه، في فلسطين لمدة سبع سنوات قبل النكبة وثماني سنوات بعدها، وكان الولد الوحيد لأهله بين ثلاث بنات، وأخ متوفى قبل ولادته.

ونشأ في أسرة مسلمة محافظة مستورة الحال، غلب عليها الفقر - بعد يسر سابق- بسبب الاجراءات التعسفية التي قام بها الانجليز بعد ثورة 36 وما تبعها من نكبة وتشريد.

وما لبثت أن تفرقت العائلة في أحداث النكبة عام 1948.

الدراسة، والتكوين:

- درس أحمد محمد الصديق المرحلة الابتدائية في مدرسة شفا عمرو في فلسطين لمدة ثماني سنوات.

- ثم درس في المدرسة الأرثذوكسية الثانوية في مدينة حيفا سنتين بعد الابتدائية بمنحة حكومية. .لقي أثناء دراسته معاناة شديدة بسبب حواجز الاحتلال.

- وبعدها درس في مدرسة كفر ياسيف الثانوية سنة واحدة، ولم يكمل دراسته الثانوية فيها (وهي ثانوية شهيرة على مستوى فلسطين أسستها البعثات الأجنبية وتسمى "ينّي ينّي" ودرس فيها محمود درويش وسميح القاسم، والشاعرة كلثوم عرابي التي كانت موضوع المقال السابق).

في أحداث النكبة، انشطرت عائلة الطفل أحمد (7 سنوات).. غادرت أختان من أخواته، وبقي هو والأخت الثالثة مع والديه.

ويبدو أن المراسيل والمسافرين كانوا يتنقلون بسهولة في تلك الفترة بين فلسطين ولبنان، فكان البعض يعود من لبنان إلى الجليل، وكانت تصله أخبار أخواته وشعبه في لبنان.. فكتب عنهم:

وهنا.. هنا في الخيمة السوداء.. خيمتنا الحزينة.

طرحت على الأسمال أكباد ممزقة طعينة

وتكومت في كل زاوية كآلام دفينه

أوصال إخوتيَ الصغار يتضورون

من الطوى.. يتقلبون على انتظار

والليل يعصف يستبد ولا يقر له قرار!

وعندما شبّ شاعرنا خرج من فلسطين المحتلة أيام العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، مهاجراً إلى لبنان (وهو ما حدث مع الشاعرة كلثوم عرابي، إثر العدوان الثلاثي، على ما يبدو أنها هجرتهم كانت بتأثيرٍ من مجزرة كفر قاسم).

   في لبنان، لم يستقبلوه استقبال الأبطال، بل أوقِفَ الشاب ابن الخمس عشرة سنة لدى السلطة اللبنانية، وحوكم وألقي في السجون، لأنه غير مسجل ضمن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.

بعد خروجه من السجن عمل في مصنع للألبان في لبنان، وأجاد عمله.

   وبقي في لبنان أربع سنوات، فلما اشترى المصنع أحد رجال الأعمال القطريين، استقدمه إلى قطر عام 1960م، ليعمل مسؤولاً للإنتاج في مصنع الألبان الذي افتتحه هناك.

- في عام 1963م التحق بالمعهد الديني بقطر حيث التقى بخيرة الأساتذة والعلماء من أمثال الشيخ د. يوسف القرضاوي، وتخرج فيها عام 1966م.

وعن تلك الفترة يقول الشيخ يوسف القرضاوي رحمه الله في تقديمه لديوان الصّدّيق "نداء الحق": "عرفته، وعرفت قصته، فوجدت فيه شاباً متألق الفكر، متوثب الروح، متوقد العزم، صادق الرغبة في طلب العلم، فلم آلُ جهداً في معاونته، حتى التحق بالمعهد، وبرز فيه، وأنهى به دراسته الثانوية، بتفوق ظاهر، ليكمل دراسته العالية بجامعة أم درمان الإسلامية بالسودان، ثم يعود إلى قطر مرة أخرى، معلماً ومربياً."

درس الشريعة في جامعة أم درمان الإسلامية بالسودان ونال شهادة الليسانس عام 1970.

ثم حصل على الماجستير في الشريعة الإسلامية من جامعة الأزهر الشريف بمصر.

- وحصل على الدبلوم العام في التربية بجامعة قطر.

الوظائف، والمسؤوليات:

- بدأ بنشر قصائده في الصحف اليومية في فلسطين المحتلة أيام دراسته الإعدادية والثانوية قبل خروجه منها عام 1956م.

- شارك هناك بشعره في مهرجانات ومناسبات وطنية عديدة، وكان له نشاط طلابي ملحوظ.

- عمل في مصنع للألبان في لبنان.

- نشرت له مجلة الحق القطرية، ومجلتا المجتمع، والوعي الإسلامي الكويتيتان، ومجلة البعث الإسلامي في الهند، ومجلة الشهاب اللبنانية.

- شهدته الندوات الشعرية في الدوحة –قطر، وجمعيات الإصلاح في الإمارات، والكويت، والبحرين، شاعراً محلقاً مجلياً أصيلاً.

- دخلت بعض قصائده ضمن المقررات في مناهج اللغة العربية بدولة قطر، ودولة الإمارات، وفي المدارس الفلسطينية في لبنان.

- أنشد الكثير من قصائده الدينية، والوطنية، والاجتماعية، وانتشرت أشرطته المسجلة على نطاق واسع.

- كان له في السودان نشاط شعري كبير في الاحتفالات والندوات وفي الصحف والمجلات، وأشهر المجلات التي نشرت له مجلة الميثاق الإسلامي.

- عمل في قطر مسؤولاً للانتاج في مصنع الألبان نفسه الذي عمل به في لبنان بعد شرائه من قبل رجل أعمال قطري، فكانت فاتحة الخير له، عمل بعدها في المحكمة الشرعية القطرية.

- وبعد حصوله على الليسانس عمل مدرساً بوزارة التربية والتعليم لمدة ثماني سنوات حتى عام 1978م، ثم انتقل للعمل بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية رئيساً لقسم العلاقات الخارجية، وتسلم العديد من المناصب كخبير شرعي وغيره.

وتولى خطابة الجمعة نحو عشرين عاماً، وكان لذلك أثر واضح في شعره حيث أسهمت الخطابة في التكوين الثقافي للشاعر، وظهر ذلك جلياً حين كان يتحدث عن الاصلاح الاجتماعي ونقد السياسات العربية والعالمية.

ثم اعتزلها بسبب المرض.

- حصل على الجنسية القطرية.

- وهو متزوج من سودانية، وله منها عدد من الأبناء.

إنتاجه الأدبي:

صدر له عدد من الدواوين:

1- نداء الحق، (ديوان شعر) صدرت طبعته الأولى في الدوحة عام 1977م.

تقديم ديوان "نداء الحق" للشاعر أحمد محمد الصديق

د. يوسف القرضاوي

منذ سنوات سُعدت بكتابة مقدمة لديوان (الشعاع) للشاعر العراقي المسلم الأستاذ: وليد الأعظمي، واليوم يسعدني أن أكتب مقدمة ديوان نداء الحق للشاعر الفلسطيني المسلم الأستاذ: أحمد محمد الصدّيق.

وكأن الإخوة – حفظهم الله- يرون بهذه المقدمات أن يشدوني أو يردوني إلى عهد الشعر بعد أن هجرتُه أو هجرني، وقلَّما يلتقي عقل العالم ووجدان الشاعر حتى يغلب أحدهما الآخر.

أما شاعرنا فقد عرفتُه منذ أكثر من خمسة عشر عاما، حين أقبل يريد الالتحاق بالمعهد الديني الثانوي في قطر، ليصل أسبابه بالعلم بعد أن قطعت حين آثر الرحيل من بلدته ومسقط رأسه (شفا عمرو) في الأرض المحتلة، متجشما وعثاء السفر، ووعورة الطريق، ومخاطر الحدود، بين دولة الكيان الصهيوني ولبنان، والغربة عن الوطن والأهل، بنفس راضية، وثغر باسم، فرارا من ذل الرضوخ لسلطان الصهاينة.

عرفته، وعرفت قصته، فوجدت فيه شابا متألق الفكر، متوثب الروح، متوقد العزم، صادق الرغبة في طلب العلم، فلم آل جهدا في معاونته، حتى التحق بالمعهد، وبرز فيه، وأنهى به دراسته الثانوية، بتفوق ظاهر، ليكمل دراسته العالية بجامعة أم درمان الإسلامية بالسودان، ثم يعود إلى قطر مرة أخرى، معلما ومربيا.

وفي تلك المرحلة، استمعتُ إلى أحمد الصديق شاعرا، كما قرأتُ نماذج من شعره، فوجدتُّ فيه موهبة تشق طريقها بثبات، وتثبت وجودها بقوة، فهو يتمتع بطبع سخي، وشاعرية فيَّاضة، وقدرة على التحليق الروحي، والإبداع الفني، مستخدما أجمل الصور الشعرية في إطار من العبارات والألفاظ، ليست من الحوشي الغريب، ولا السوقي المبتذل، أحسن سبكها، وجوَّد نظمها، كأنها حبَّات عقد لؤلؤي، نظمها جوهري خبير، أو قلادة ذهبيَّة، أجاد صنعها صائغ قدير.

وشعر (الصديق) يدور حول محورين أساسيين: (دينه، ووطنه)، ودينه هو الإسلام، ووطنه هو فلسطين، فحولهما يدندن، ولهما أو عليهما يغني أو يبكي.

   فهو شادي الأفراح و (ندبة) الأحزان، ولكنه استطاع أن يحول الحزن من سكب الدموع، وإطلاق العويل، إلى ثورة على الباطل، ودعوة إلى الحق، يجتمع فيها الشتات، ويحيا الموات، وتعلوا راية الله، يحملها رجال مؤمنون، يعيدون من جديد "صلاح الدين" ويحيون ذكرى (حطين).

   إن إسلاميات الصديق في ديوانه تستغرق معظم قصائده، فقد آمن بالإسلام، عقيدة وشريعة، عبادة وقيادة، دينا ودولة، حضارة وأمة، مصحفا وسيفا، أخلاقا وجهادا، وهذا الإيمان الواعي الشامل، نجد صورته ما ثلة في شعره، من قصائده تتغلغل في أعماق النفس، أو تسبح في آفاق الوجود، على أخرى تبين محاسن الشريعة أو تذود عنها، إلى ثالثة تتحدث عن قضايا الإسلام من المحيط إلى المحيط، إلى رابعة تحيي ذكريات الإسلام وبطولاته وأمجاده على امتداد أربعة عشر قرنا.

استمع معي إليه يقول في إلاهياته مناجيا ربه من قصيدة (ابتهال):

بقربك تزدهي مني الرغاب     ويعذب في محبتك العذاب

وقلبي جنة ما دمت فيـــه         وإلا فهو محــروم يُباب

رضاك هو المراد فلا تدعني     بعيدا دون أشواقي الحجاب

ومن قصيدة (العودة إلى الله) يتحدث عن غفلة أمسه، ويقظة يومه، ورجعته إلى ربه:

ويح نفسي إذا تقطـعت الأسبـ       ــاب دوني وخيبت آمــالي

أين يرسوا الشراع إن عدت يوما   شاحب الوجه من بحار الضـلال

وإلى أين-حين أغسل بالدمــع       الخطايا- ترى أشد رحـــالي

يا إلهي إليـــك وجهت وجهي       خالص القلب طاهر الأذيــال

كنت يارب عن حماك بعيــدا     غافلا تائها بعيد المنـــــال

شاردا عن حظيرة القدس مفتـو     نا كأني في سُكرة وخبـــال

وأنا اليوم قد رجعت وقــــد     وثقت في عروة السماء حبــالي

ويصور لنا ما جاء به الحديث النبوي من (دعوة المظلوم):

تفلَّتَتْ من شرور الأرض وانطلقت   كالسهم يحـــدو بها صدق وإيمان

حتى إذا غرقت في النور وانقشعت   في حضرة القدس آلام وأحـــزان

ألقت إلى حَكمٍ عدل ظلامتـــها       فقام للحق عند الله ميــــــزان

لأستجيبنَّ للمظلوم دعــــوته       ولو تطاول أزمـــان وأزمــان

فلا تكونن مكتـوف اليدين عـلى   عجز وعندك من ذي العرش سلطان

وهو لا يكتفي بالشعر العمودي المعتاد في إسلامياته: بل رأيناه يقفز بجدارة ومهارة إلى ما يسمى (الشعر الحديث) فيستخدمه في مجال ربما ظن الكثيرون أنه أبعد ما يكون عن طبيعته، وذلك هو الشعر (الإلهي) أو الشعر الروحي. لنستمع معا في قصيدة (ركعتان):

ركعتان

في سكون الليل عني تجلوان

ظلمة اليأس وأكدار الزمان

وتشيعان الرضا في أفق نفسي

فإذا النجوى تعالت كالشذا تملأ حسي

وأصاخ الليل في محراب أشواقي وأنسي

وتهاوت دمعتان

شهق القلب وألقى العبء في ظل الأمان

وبدت للروح آفاق ابتهالات وتسبيح وقدس

فتعرى كل شيء دون تمويه ولبس

فإذا الدنيا متاع ذهب يلهي وينسي

وإذا أسمى المعاني من مسرات وأنس

جمعتها في سكون الليل..في ظل الأمان

ركعتان!

وينتهز شاعرنا كل فرصة ليستفز أمته الإسلامية، لتصل يومها بأمسها، فهو يناديها:

عودي إلى الإسلام عودي     وتنسمي عرش الوجود

عودي إلى النبع الأصـيل   إلى نبوغــك من جديد

عودي إلى الأمجــاد بعد   متاهة الفــكر الشرود

بعد ارتحال لاهــــث       خلف السراب بلا ورود

لك صبغة الرحمن أشرف   ما اكتسيـت من البرود

وشريعة غراء واضحــ   ـة المعــالم والحدود

هلا اهتديــــت بهديها     إن شئت حقا أو تسودي

ومن منظوره الإسلامي يطل على المجتمع مصورا أو ناقدا أو داعية. استمع إليه من قصيدته عن (الصحافة):

وتنبري صحافة لسانها أجيــــر

تؤله المسخ القميء.. تحرق البخـور

فتزكم الأنوف.. تؤذي الله والضمير

روائع النفاق من أرجاسها تفــور

تنزه الحروف البريء عن مواطن الفجور

هم الذين أرغموه أن يُمَوِّه الأمــور

وإن ردد النُّباح حيث تضحك القـبور

صحافة موبوءة..مسمومة الجـــذور

محرومة الأقلام من ترفع النســـور

صحافة تبصق طعم الموت في السـطور

نرفضها..نرفضها..حليــفة الشـرور

نرفضها كافرة..مذمــومة المصيـر

أما المحور الثاني لشعر الصديق فهو فلسطين: فلسطين الوطن، والأهل.

فلسطين النكبة، والمأساة، والتشرد، والخيام.. فلسطين الانتفاضات والثورات والجهاد..فلسطين المؤامرات والمتاجرات والمزايدات.

أجل إنه ابن النكبة..عايشها، وعاينها، صبيا ويافعا، فتركت آثارها في عقله وقلبه: مرارة وأسى، وبغضا مقدسا، وإصرارا على الثأر والكفاح.

وله في أحداث النكبة وذكرياته شعر مبكر بلغ حد الروعة، لما اجتمع فيه من الصدق والجمال، بعضه من الشعر العمودي، وبعضه من الشعر الحديث.

اقرأ معي قصيدته (مازلت أذكر يا أبي) التي يخاطب فيها أباه عن ذكريات المأساة.

ما زلت يا أبي والذكريات بلا حدود

يوم ارتحلنا عن مغانينا وخلقنا الديار

طللا.. تخيم فيه أشباح الدمار..

ما زلت أذكر يوم أن هجم التتار

وصرخت من أعماق صوتي في الظلام

وابلدتي!!

هجموا علينا يا أبي مثل الجراد بلا عدد

بين الكروم.. على البوم ينعق من بعيد

في حائط خرب عتيق..

والريح تعول.. والنساء مولولات في الطريق

ودي قنبلة..وأشلاء تناثر في العراء

ويضج صوت شارد النبرات..يخنقه البكاء:

ويلاه!..مات أخي تحطم بيتنا..حرق الأثاث

وتطل أحداق النجوم بلا اكتراث..

وتفر أسراب الحمام عن السطوح.

وروائح البارود في الأجواء خانقة تفوح!

ويخر جندي على الأنقاض.. والهفي عليه!!

غدرت قذيفته..فعادت عندما انطلقت إليه!!

ويمضي على هذا المستوى من الصدق والروعة في التصوير والتعبير إلى نهاية القصيدة.

ومن عجب أن هذه القصيدة أنشأها في فجر شبابه سنة1959م، مما يدل على أصالة مبكرة.

وعلى منوال هذه القصيدة نجد أمثالها نظمها سنة1387هـ، عن ليل النازحين في مخيمات الغربة والشتاء:

الليل أوغل في الخيام السود يزرعها همـوم

والريح تجأر كالسياط تسوق أسراب الغيوم

سوداء في لون الردى ترغي فتنطفئ النجوم

وهزيم رعد صال في عرض الســــماء

وهطول أمطار.. وأشباح تخيم في العــراء

وعــواء كلب منزو عن الجــــوار

ومواء قط جائــع يعدو ويلتمس الفـرار

وهنا هنا في الخيمة السوداء.. خيمتنا الحزينة

طرحت على الأسمال أكباد ممزقة طعــينة

وتكومت في كل زاوية كالآلام دفــينة

أوصال إخـــوتي الصــــــغار

واللــــيل يعصف. يستبـــــد

ولا يقر له قرار!!

   لقد حفرت المأساة في ذاكرته ووجدانه هوة لم يسدها اختلاف الليالي والأيام، ولم تزل جراحها في قلبه تتنزى، ونيرانها تكوي، تزيدها الغربة ألما على ألم، وحرفة على حرفة..لاسيما أن غربته لم تكن عن الدار فحسب، كغيره من أبناء فلسطين، بل عن الدار والأهل جميعا.. عن الأم والأب والإخوة والأخوات..نجد آثار هذه الحرقة واللوعة في قصيدته التي يبكي فيها أمه، وقد بلغه النبأ الفاجع بوفاتها، أن يبكيها بحرارة مضاعفة، كأنما يبكي فيها الأم والوطن معا، وكأنما جمع حزنه على موتها، وحزنها وحرقة قلبها على فراقه، محرومة من قبلة وداع. فهو يبكيها ويعتذر إليه ويسألها العفو والسماح:

ذكراك ينكأ جرحا ليس يندمـل       لولا مصابـــرتي هيهات يحتمل

أماه..هذا مقام العفو إن كلمـت     يدي فؤادا رقيــــقا خطبه جلل

إني جهلت وما جهلي بمغتفــر     إذ رحت في التيه عن مغناى أرتحل

خلفت فيه الصبا والأمنيات وما     يضم من ذكرياتي السـهل والجبـل

ومهجتي منحتنـي كل ما ملكت     لم يثنها تعب يومــا ولا كلـــل

ولكنه هنا لا يقف عند البكاء على الأطلال، والنواح على ما فات، ومن مات، بل يحول الصدور الحزينة إلى مراجل تغلي بالغضب، والأعين الباكية إلى مواقف تقدح بالشرر، يرسل صيحاته مدوية تنادي بالجهاد:

بغير الكفاح المر لن نبلـغ المنى     من غير بذل لن نحرر موطنا

وما يسترد الحق إلا بحقـــه       وكان قبيحا أن نذل ونذعنــا

وفي نكبة 1967م يقول:

من رعشة الجرح بل من وطأة الألم   يجيش بالشعر في ليل والأسى قلمي

ويرسل الصحية النكراء.. محتـدما     يصب بين ضلوعي ثائر النقــم!

عجبت من أمة قد أسلمت يدهـــا     للقيد مذلولة منكوسة العلــــم !

ألا بقية إيمان تحركــــــها؟!     ونفحة من إباء الـــروح والشيم

بيد أن الشاعر لا يستسلم لليأس وإن توالت النكبات والنكسات.. فهو يطل بخياله على الأرض المقدسة وقد دخلها الأبطال المؤمنون ظافرين منتصرين... وعلى شفة أحدهم هذه الأنشودة:

لا شيء يطربني ويشجي مسمعي      كأزيز رشاشي وصولة مدفعي

من عزمتي أحشو القذيفة.من لظى     روحي أعبئ نارها..من أضلي

أتقحم الأهوال لا أخشى الـردى     إن المخاطر لا تعجل مصرعي

والشاعر الصديق حين يتكلم عن قضية فلسطين في شعره، ويصور مأساة شعبها وتشرد أبنائها..ونسيج الأمل الذي يستمده من إيمانه بحتمية العودة الظافرة، والتحرير المرتقب..حين يتحدث عن ذلك إنما يتحرك من منطلق إسلامي، حيث يعتقد اعتقادا جازما بأن قضية فلسطين هي إحدى قضايا الإسلام الكبرى في هذا العصر..التي تشكل تحديا سافرا بين الإسلام والقوى المعادية جميعها على اختلاف نزعاتها وهوياتها..فالكفر ملة واحدة..والإسلام حرب عليها جميعا، كما أنها هي أيضا لا تهادن الإسلام ولا تسالمه، فهي حرب عليه كذلك، وهذا أمر طبيعي؛ فإن المعركة بين الحق والباطل دائمة أبدا، لا تنتهي إلا بانتهاء الحياة على هذا الكوكب الأرضي.

   إن شاعرنا يؤكد هذا المعنى بشكل قاطع، ويهيب بالمسلمين كافة إلى ضرورة العمل الجاد، والنهوض بواجب الجهاد.

   ففي قصيدته (يا مسلمون) التي نظمها إثر نكبة الخامس من حزيران عام 1967م يحفزهم ويستشيرهم بقوله:

يا مسلمون. ومن سواكم للحـمى     إن كشرت عن نابـها الأخطار

يدعوكم الوطن الذبيح ومسـجد    أسرى إله ساحاته المخـــتار

أتقحم الأهوال لا أخشى الـردى     إن المخاطر لا تعجل مصرعي

يجتر في القيد العذاب مــرددا     شكواه..أين الأمة الأخـــيار

أين الذين هم الرجال إذا دعـوا     هبوا وإن دوى النفير أغـاروا

   وهو لا يشك لحظة أن تحرير فلسطين لن يأتي إلا على أيدي المسلمين الصادقين الذين يرفعون شعار الإسلام والعبودية لله وحده.. وفي هذا يقول مناجياً بلاده:

إليك سننهض يوما قريبــا     وتزحف بالحق منا الحشــود

هم المؤمنون..هم الصادقون     هم الصفوة الراكعون السجـود

وهم قدر الله يوم النــزال     إذا وقعوا بالدماء العهـــود

   ونظر إلى تلك المعركة المقبلة فيرى فيها المسلمين وقد توحدت صفوفهم، واشتدت عزائمهم، وتمثلت فيهم صولة الحق على الباطل، واستعلت بهم راية الإسلام، وأقيمت الموازين القسط مع الباغين والمعتدين. فهي وثبة مباركة يستشفها من وراء الغيب:

يشتد فيها بنو الإسلام أيديهم   يحيون بدرا وجالوتا وحطينا

ويبلغ إيمانه بهذا المستقبل درجة اليقين الذي لا يداخله ريب فيقول:

لا بد من صولة للحق آتية     نقيم فيها مع الباغي الموازينا

ونسترد ببذل الروح ما سلبت   منا.. وما دنست ظلما أعادينا

   وشيء آخر نلحظه بصفة عامة في هذا الديوان هو أن الشاعر لا يفتأ يُذكِّر بقضية فلسطين الإسلامية في شتى المواقف والمناسبات. ولعله يقصد من ذلك أن تسري أنفاس فلسطين، ولهيب جراحها في كل نفس، وأن تخالط كل وجدان، وأن تمتزج مع كل روح، بحيث لا تغفل عنها لحظة من زمان، حتى يظل واجب الجهاد المقدس، وفرضية التحرير أمانة معلقة في عنق كل مسلم.. لا يهدأ له بال ولا يقر له قرار حتى يعود الحق إلى نصابه، والوطن إلى أصحابه..

   وكثيراً ما نجده يخاطب صلاح الدين الأيوبي، وكأنه يجعل منه رمزا بطوليا إسلاميا يستلزم بعثه في أمتنا من جديد..وهذا يقتضي التزام الخط الإسلامي الواضح في معركة التحرير..كما التزم صلاح الدين يوم أن طهَّر بيت المقدس من عدوان الصليبيين. يقول:

سلاما صلاح الدين يا خير قـائد     بأمجاده تاج الفتـــوح تزيـنا

سلاما صلاح الدين إنا بحاجة لمثلك   من يعلي على الحق صـــرحنا

ألم تر بيت المقدس اليوم قد غـدا     أسيرا..فجرد دونه السيف والقـنا

ووحد بني الإسلام في الحرب معلنا     جهادك.. واجعل منهج الحق ديدنا

ويقبل أول عيد بعد نكبة 1967م فيقف الشاعر منه موقفا مأساويا..يناجيه بمرارة، ويقول:

لله كم عادني هم وتسهيـــد       فأعول الجرح إذ أقبلت ياعيد

أين الربوع التي شعت منائرها   طهرا فدنسها رجس وتهويد؟!

والآمنون صغار الحي –والهفي-   أنحى على عشهم بؤس وتنكيد

ترى بأي خيام سوف يشملـهم     يا عيد منك ومن آلائك الجود

وإذا جلس الشاعر منفرداً..اضطربت أشجانه، وثارت كوامن حزنة وذكرياته، فأنشد:

الريـح تزأر خلف نافذتي فيرتجف الجدار

وأنا وأحلامي وحيد حيث شط بي المـزار

وتلوح لي خلف الرمال السمر أشرعة ودار

حلم يعيش به الغريب إذا نأت عنه الديـار

وأحس في أعماق نفسي ألف عاصفة تثار

   ويذهب الشاعر إلى الديار المقدسة لأداء فريضة الحج، فيؤدي المناسك خاشعا لله متعبدا لجلاله.. وتستوقفه هناك حمامات الحرم الشريف فيناجيها ويذكرها بأخت لها في القدس، مهيضة، طاوية الجناح، أصمتها رميات العدو فسقطت على الأرض ولم تجد إلفا يداوي جرحها، ولا أذنا تصيخ لشدوها وعويلها، فلا تملك حينئذ إلا الدمع الثائر تطفئ به نيران لوعتها:

يا أخت طاوية الجناح مهيـضة   في القدس، تمضغ في الأسى أنغاما

اصمت رمايات العدو فـؤادها            ظلما فباتت تعلق الآلامـــــا

ورنت..فلا إلف يداوي جرحها     في القيد أو يرعى هنـاك ذمامـا

وشدت فلا أذن تصيخ وأجهشت     أسفا لتطفئ لوعـة وضـــراما

ويوجه حديثه بعد ذلك إلى وفد الحجيج في قصيدة أخرى، فيقول:

وفد الحجيج متى تمضي مسيرتنـا     وحقنا بالكفــاح المــر ننزعه

2- الإيمان والتحدي، (ديوان شعر) صدرت طبعته الأولى في عمان عام 1985م.وأبرز ماورد فيه من قصائد رثاء المودودي، والشيخ عبد الله بن زيد المحمود.

3- قصائد إلى الفتاة المسلمة، (ديوان شعر) صدرت طبعته الأولى في عمان عام 1984م.

عرض: أحمد الجدع

الناشر: دار الضياء للنشر والتوزيع - عمان - الأردن

   الشاعر أحمد محمد الصديق من أمراء الشعر الإسلامي المعاصر، وله أكثر من عشرة دواوين، كلها دواوين متفوقة، وكلها تؤدي أهدافاً نبيلة.

وهذا الديوان الذي نقدمه اليوم موجه إلى الفتاة المسلمة الفتاة التي يستهدفها أعداء هذه الأمة بكل الوسائل لينالوا من مكانتها التي أحلها بها الإسلام الحنيف.

   ووسيلة الشاعر للوصول إلى أهدافه هو شعره، لهذا وجه الشاعر في هذا الديوان واحدة وعشرين قصيدة إلى الفتاة المسلمة.

   والحقَّ أقول إن البراعة التي يمتاز بها هذا الشاعر الكبير، وإن تمكن موهبة الشعر في نفسه، جعلت من هذه القصائد أنغاماً طيعة قابلة للحفظ والإنشاد.

أهدى الشاعر هذه المجموعة من القصائد إلى كل فتاة مسلمة:

لك يا بنتي مني تحية يا وردة الحب الندية

هذي القصائد باقة لك يا هدى مني هدية

فتقبليها، فهي من روحي، أزاهرها زكية

ومن القصائد التي أنشدت قصيدة بعنوان: نحو الكمال ، منها:

صوني جمالك يا ملاكي عرف الطهارة من رآك

سيري على جدد ولا تتعثري بين الشباك

من شاء أن يحيا قريراً هانئ البال اصطفاك

وقصيدة أخرى: أنشودة الفتاة المسلمة: منها:

أنا الفتاة المسلمة مصونة مكرمة

عفيفة محتشمة بين الورى محترمة

وقصيدة ثالثة إلى الفتاة المسلمة: منها

أبنيتي ليس التبرج والسفور هو الفضيلة

هذا ادعاء العابثين ليقتلوا الأخلاق غيلة

ولو أطلقنا العنان لقلم الاختيار لاختار قصائد الديوان كله.

ما أحوج فتياتنا إلى هذا الديوان وإلى أمثاله حتى ننطلق مسرعين نحو مجد الأمة العظيمة.

4- جراح وكلمات، (ديوان شعر) صدرت طبعته الأولى في عمان عام 1990م.

5- هكذا يقول الحجر (ديوان شعر) صدرت طبعته الأولى في عمان عام 1990م.

6- قادمون مع الفجر، (ديوان شعر) صدرت طبعته الأولى في عمان عام 1987م.

7- أناشيد للصحوة الإسلامية، (ديوان شعر) صدرت طبعته الأولى في عمان عام 1985م.

8- أناشيد للطفل المسلم، (ديوان شعر) (ثلاثة أجزاء) صدرت طبعته الأولى في عمان عام 1988م.

9- طيور الجنة، (ديوان شعر) صدرت طبعته الأولى في الدوحة.

10- يا سراييفو الحبيبة، (ديوان شعر) صدرت طبعته الأولى في عمان عام 1997م.

11- ملحمة الشيشان، (ديوان شعر) صدرت طبعته الأولى في عمان عام 1997م.

12- هو الله، (صياغة شعرية لأسماء الله الحسنى) صدرت طبعته الأولى في الدوحة عام 1998م.

13ـ البُردة الجديدة في مدح الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، قصيدة طويلة، الدوحة عام 2001.

14ـ ويخضرّ غصن الأمل، قصص شعرية للناشئين، الدوحة 2002.

15ـ ملحمة القدس، شعر، الدوحة 2010.

16ـ واحات وظلال، شعر، الدوحة 2013.

وكتب عنه:

- الاتجاه الاسلامي في شعر أحمد محمد الصديق- دراسة وصفية تحليلية - رسالة ماجستير في كلية الآداب في الجامعة الاسلامية في غزة- اعداد الطالبة معالي شحدة الكحلوت، اشراف د. يوسف شحدة الكحلوت، ود. محمد مصطفى كلاب. .عام 2015م.

sdfdffdf10612.png

شعر أحمد محمد الصديق: دراسة موضوعية، وفنية:

نشر أحمد محمد الصديق قصائده في الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية والشهرية في فلسطين المحتلة أيام دراسته في السنة الثامنة الابتدائية، ثم المرحلة الثانوية التي تليها (حسب النظام التعليمي هناك). وشارك، وهو فتى، هناك بشعره في مهرجانات ومناسبات وطنية عديدة.

ألقى القصائد، وشارك في الندوات الشعرية في قطر والإمارات والكويت والبحرين، فانتشرت قصائده الدينية والوطنية والاجتماعية، وأُنشدت وانتشرت أشرطتها المسجلة على نطاق واسع، ومنها الأنشودة الشهيرة (عودي إلى الإسلام عودي.. وتسنّمي عرش الوجود).

وقد نشر قصائده (وأحياناً مقالاته) في مجلة الميثاق الإسلامي (السودان)، ومجلتي الشهاب والأمان (لبنان)، ومجلة الأمة (قطر)، ومجلتَي المجتمع والوعي الإسلامي (الكويت)، ومجلتي الإصلاح، ومنار الإسلام (الإمارات)، ومجلتي الفيصل والمسلمون السعودية)، ومجلة البعث الإسلامي (الهند).

اعتمدت وزارات التربية في قطر والإمارات والكويت والمدارس الفلسطينية في لبنان بعض قصائده ضمن المقررات التدريسية في مناهج اللغة العربية.

الإيمان .. والتحدي:

كتب الشاعر أحمد محمد الصديق ديواناً تحت عنوان الإيمان والتحدي :

في عقر دارك أيها الغربي اعلنت التحدي

إن كان عندك آلة للحرب .. فالإسلام عندي

وأنا الذي سأريك أيهما جدير بالتصدي

أتظن ليست كفتا ميزاننا ندا لند ؟!

العلم لم يثمر لديك سوى التطاول والتعدي

عقم الحضارة لم يلد غير التعاسة والتردي

وكأنها كالداء حيث نشرتها في الارض تعدي

ولقد زرعت الشوك في أوطاننا عن سوء قصد

فإذا العداوة في النفوس كأنها بركان حقد

وتثور أمواج الصراع تضل في جزر ومد

وتمزق الأرحام تنهش عمرنا تعمي وتردي

فهذه رسالتك التي تزهو بها في كل حشد ّ!

جاءت لنا بالعري والشهوات والفكر الألد

بطش وإرهاب وسفك للدماء بغير حد

تشري الضمائر.. تستبيح .. وتستخف بكل قيد

وعلى الضعاف الأبرياء تصول صول المستبد

أين الحقوق ؟ خرافة عند المطامع ليس تجدي

أعطيك معنى الحب والإيمان ثم تريد كيدي !

ولقد فصمت النور عن دنياك يوم فصمت عقدي

ما صنت ميثاقاً .. ولم تحفظ لنا حرمات عهد

وتجيء بعد متاجرا بالدين في أثواب زهد !

يا ثعلباً جعل الدعاية للمسيح شباك صيد

وكأنما التنصير مهنة كل ختال ووغد

بريء المسيح .. فلم يكن إلا رسول هدى ورشد

ولأنت للتخريب معوله .. ولست بشير سعد

إن العيون المبصرات تحيلهن عيون رمد

وإذا اليتيم .. رحمته تخفي له ما لست تبدي !

مهلاً فنحن المسلمين إلى التقى والبر نهدي

نبني على قيم السماء حياتنا بنيان ود

هذا سبيل الله من يسلكه فاز بكل حمد

اسلم قيادك للهدى واظفر بجنات وخلد

المسلمون ويعبق التاريخ من شرف ومجد

رواد كل فضيلة طاروا على صهوات جرد

للخير قد بذلوا النفوس وشمروا عن كل زند

لكن تعثرت الجياد الشهب من تعب وجهد

وترجل الفرسان .. نام السيف محبوسا بغمد

كلا .. فما يرضى الهوان بنو نزار أو معد

لا ينحني رغم الطغاة جبين نعمان وسعد

اتريدنا ذيلاً.. ونحن السابقون بكل نجد ؟!

يا فجر صحوتنا الذي نرجوه في لهف ووجد

أقبل كأنفاس الربيع .. وبسمة الأمل المجد

إرفع لواء الحق .. بالإيمان والزحف المعد

"وابلدتي!!:

   ويقول الشاعر أحمد محمد الصديق تحت عنوان وابلدتي جاء فيها:

ما زلت يا أبي والذكريات بلا حدودْ

يوم ارتحلنا عن مغانينا وخلّفنا الديار

طللاً، تُخيّم فيه أشباح الدمار

ما زلت أذكر يوم أن هجم التتار

وصرختُ من أعماق صوتي في الظلام

وابلدتي!!

هجموا علينا يا أبي مثل الجراد بلا عدد

بين الكروم، على البيادر يزحفون

والليل معتكر وصوت البوم ينعق من بعيد

في حائط خرب عتيق

والريح تعول.. والنساء مولولات في الطريق

ودويّ قنبلة.. وأشلاء تناثر في العراء

ويضج صوت شارد النبرات.. يخنقه البكاء:

ويلاه! مات أخي تحطم بيتنا، حُرق الأثاث

وتطل أحداق النجوم بلا اكتراث

وتفرّ أسراب الحمام عن السطوح

وروائح البارود في الأجواء خانقة تفوح!

ويخرُّ جندي على الأنقاض.. والهفي عليه!!

غدرت قذيفته.. فعادت عندما انطلقت إليه!!

المسجد الأقصى:

ويتحدث على لسان المسجد الأقصى، فيقول:

أنا أُولى القِبلتَينِ

أنا ثاني المَسجدَينِ

ها هُنا المختارُ صلَّى

وهُنا كَمْ ذا أَهَلاَّ

ها هنا حَطَّ البُراقُ

وهُنا الخيلُ العِتاقُ

عَزَّ في الإسلامِ شاني

بينَما اليومَ أُعاني

هانَ عندَ الخَصْم قَدْري

طالَ في المِحْنةِ أَسْري

هوَ ذا ينزِفُ جُرْحي

فمتَى يطلُعُ صُبْحي

ما لِمَظْلومٍ نَصيرُ

أعْلِنوها ثمَّ سِيروا

وكتابُ الله حقُّ

وَعْدُهُ المكْتوبُ صِدْقُ

وأنا مَسْرى النَّبيْ

طابَ فيكمْ نَسبيْ

مَنْ نَوَى البيتَ الحراما

بالنَبيِّينَ إماما

حَيْثُ مِعْراجُ السَّماءْ

أَقْبلَتْ.. وَالفَتْحُ جاءْ

وتبوّأتُ القِمَمْ

مِنْ تباريِح الألَمْ

دنَّسوا منِّي الرِّحابا

فادْفَعوا عنِّي العَذابا

منْ حِرابِ الغاصبِينْ

مِنْ دَياجيرِ السِّنينْ؟

وهوَ مكتوفُ الأَيادي

تحتَ راياتِ الجِهادِ

وهوَ مِفتاحُ اليقينْ

إنَّهُ النَّصْرُ المُبِينْ.

عدو الشعب والذمم:

وكتب الشاعر أحمد محمد الصديق يقول:

أنحن في يقظة.. أم نحن في حُلُمِ؟       بل ذاك بركان شعب ثائر الحُمَمِ

الروح تسري حياة في جوانحه       كالبعث.. يوم يقوم الناس من عدم

الله أكبر.. هذا الفتح بارقة             إلى النهوض.. لدحر الظُّلْمِ والظُّلَمِ

تبلَّجَ الصُّبْحُ مَزْهُوّا بأُمَّتِنا               تعودُ رَكْضاً إلى الأمجاد من أَمَمِ

في وحدة ترفعُ الرايات شامخةً   مُقامُها الصَّدرُ.. لا الأطرافُ في الأُمَمِ

وأول الغيث وافانا بصَيِّبهِ             مِنْ بَعدِ تونسَ مِصْرُ العزِّ والكرمِ

وفي حمى عمر المختار عاصفة           تجتاح كل قميءِ الوجهِ متَّهَمِ

في صدره نفخة الشيطان تملؤه     كِبْرًا.. ويختال كالطاووس في شمَمِ

يَعْلو على شعبه المنكوب.. يَحقِره       ويشمَخِرُّ بأَنْفِ العُجْبِ والعِظَمِ

كابوسُه جاثمٌ يؤذي الحياةَ.. وإنْ     قالوا: كفى.. زادهم بِطشاً وسَفْكَ دَمِ

ولم يزل يتمادى في غِوايَتِهِ               كالصِّل في لَدغِهِ بالنّابِ والسَّمَمِ

كتابُه الأخضرُ المشؤوم.. ما وُلدَتْ       منه سوى الفتنِ النكراءِ والإزَمِ

بشطحةٍ من خيال صاغ دولته           خرقاءَ مهووسةَ التركيبِ والنظم

هو القيادة والقانون.. لا أحد                 سواه.. منفردًا في قمة الهرم

يداه كلتاهما في المال مطلقة                   بلا ضوابطَ من دينٍ ولا قِيَمِ

غصت خزائنه.. والنهب أتخمها            فراح يمعن في الإفساد للذِّمَمِ

يسطو كما شاء.. أما شعبه فعلى           حِرمانه مُستباحٌ غيرُ ذي حُرَمِ

ويشتري دُوَلاً باعته فاقتها         في صفقة من عُقودِ الزَّيف والزَّعَم

وتلك بهرجة كم كلَّفتْ ثَمَناً       من قوت شعب غدا شِلْوًا على وضم

لكي يقال له "مَلْكُ الـمُلوكِ" وذي     أحطُّ أُكذوبَةٍ.. صيغت من الوَهَمِ

وحوله طُغمة لا شيءَ يردعها         من كل مستَهْتَر.. أو طامع نَهم

فليسرع الغرب وليأخذْ صنيعته       فالشعب ضاق بسوطِ القَهرِ والنِّقَمِ

ولْينظروا في مدى طغيانه ومدى   ما جرَّعَ الشعبَ من جَوْر ومن ألمِ

مشاهد الفقر والبأساء ظاهرة           في كل حي رثيث الحال مزدحم

وأينَ ما تحملُ الأخبار صادقةً         عن ثروة الوطن المغمورِ بالنِّعَمِ؟!

ما للتقدم والعمران من أثر       مهما بحثتَ.. سوى الموروث من قدم

وهكذا كل مغرور وطاغية                عن شعبه ومآسيه أصمُّ عَمي

ما كان يأسو جراح المسلمين ولا   قد كفَّ مِنْ مَدمعٍ في القدس منسجم

مُصارعٌ لطواحين الهواء على         خيل الجنون وطيش الغاشم الغَلِمِ

ويستعين بمال الشعب يذبحه                     به.. فاقد الإيمان والشيم

مستجلباً كل عربيد ومرتزق               لمهنة القتل والترويع والهَدَمِ

الشعب يروي بماء القلب تربته       عبر الجراح الدوامي لا من الدِّيَمِ

هو الغريب بأرض أنبتته وما         أبقى له الظلم غير الجوع والسَّقَمِ

حييت يا أيها العملاق.. يا بطلاً             يهفو بقامته العليا إلى القمم

حييت يا صانع التاريخ.. يكتبه               جيل بإقدامه للفاتحين نمي

حطمت كل قيود الظالمين.. فلا       تقنع بما هو دون الأَزْهُرِ النجم

كم من شهيد إلى الفردوس مهجته       زفت بأشذائها.. مسكية النسم

ومنزل دك فوق الآمنين ضحى     أو قد أباحوه للسُّرّاق.. والضرم

تبا لهذا الذي أيامه انصرمت         يأبى التنحي سوى للنار والجُحَمِ

حتى متى أيها الطاغوت.. يا عجباً تغوص للرأس في سيل الدم العرم

عزمت ألا ترى شيئاً بلا عطب             ولا تخلف بيتا غير منهدم

كفاك.. جئت فتى.. فارحل.. وقد بلغت   بك المظالم حد الشيب والهرم

هل البلاد لكم إرث ومزرعة       والشعب طوع لكم في جملة الخدم؟

اغرب.. وخلفك من خلفت من كسف   منسوخة عنك في الإجرام والسخم

ألم تلد بعدك الأرحام من أحد           أم حُكْرَةٌ هي باسم الواحد العلم؟

لو كان مثلك من سادوا الأنام لما وجدت في الأرض غير الموت والرمم

اغرب.. ألا قبح الله الطغاة.. فقد           ساموا العباد شقاء بالغ النقم

والحكم في غير ما عدل.. فعروته         مبتوتة.. ثم يهوي دونما دَعَمِ

والأرض تقطع حبل المفسدين.. وإن     ظنوه حبلا شديدا غير منفصم

بشراك يا (ليبيا) لا تبأسي أبداً           هاهم بنوك ذوو الهامات والهمم

أتوك من كل فج يقسمون بأن           يفدوك بالروح ما أسماه من قسم!

فعانقيهم.. وضمي رحمة ورضا       شمل الأباة ذوي الإيمان والرحم

هم المفاتيح للنصر المبين.. ألا       فهللي.. وارفعي الرايات وابتسمي

هم الرجال.. ورب العرش ناصرهم     وخصمهم لائذ بالخزي والندم

يندس تحت الثرى بالجحر مختبئاً       سحقاً له جرذا في بؤرة الوخم

هناك مزبلة التاريخ محضرة             لكل طاغ عدو الشعب منهزم

خطاب إلى يمن الثورة:

كتب الشاعر أحمد محمد الصديق موجهاً خطابه إلى الثورة اليمنية التي طال انتظارها...

وجاء دورك للتغيير يا يَمَنُ           حتى متى أنت مكبوت ومُرْتَهَنُ؟

هيّا انطلق في فضاءاتٍ تسودُ بها     حريَّةٌ.. يشتهي أجواءَها الوطنُ

مهدُ العروبةِ منذ البدءِ أنتَ وفي     حماك طابَ لها التمكينُ والسكنُ

حتى إذا أشرقَ الإسلامُ جئتَ إلى       رحابِه مؤمناً تَحدو بِكَ الفِطَنُ

قدِ اجتباك إله العرشِ.. وانهمرتْ     عليك من فضلهِ الآلاءُ والمِنَنُ

ومن منابِعكَ الأنصارُ قد خرجوا     وسائرُ العَرَبِ الأقحاحِ واللَّسَنُ

ورفرفتْ رايةُ القرآنِ حيث مضى أهلُ الفتوحِ.. وما هانوا وما وهنوا

وامتدَّ منتشراً نورُ الهُدى.. وبه     شمسُ الحضارةِ عبرَ الكونِ تَقْتَرِنُ

العلمُ.. والعدلُ.. والشّورَى مبادئها     والحقُّ لا تَعتَري أنوارَهُ الدُّجَنُ

تنزَّه الدينُ.. إذْ عاداهُ مَنْ ظَلَموا     ومنْ لهم ثروَاتُ الأرضِ تُحْتَجَنُ

دمي أُريقَ.. فهلْ حُرِّيَّتي جُعِلَتْ     محظورةً، ودمي الغالي هو الثمن؟

واستفحلَ الخَطْب حتى باتَ في خطَرٍ منْ قال: لا، واحتواه الخوفُ والحَزَنُ

الصمتُ غايةُ من بالقهرِ حُجته           تُملَى على شعبِه.. إذ يَقمعُ العَلَنُ

وإذْ يُكَبَّلُ رأيٌ.. فالحياة بلا               عقل.. وفيها حُواةُ الشَّرِّ تكتهنُ

علامَ يَستَنْبِتون (القات) وهْوَلَنا           داءٌ.. وإدمانُه يَضْوَى به البَدَنُ؟!

والفقرُ.. هل هو مقصودٌ؟ .. ضَحِيَّتُه جيلٌ.. بكلِّ الـمُنى في أَرْضِهِ قَمِنُ

وحوصرَ الرزقُ.. والمطلوبُ هجرتُنا       إلى ديارٍ بها تُستحدَثُ المِهَنُ

ضاقَ النظامُ .. فأحلامُ الشبابِ غدَتْ   أعْلَى.. يطيرُ بها منْ عينهِ الوَسَنُ

ولا علاجَ سوى تشريدهم.. فإذا               أبَوْا.. فأفكارَهمْ بالقَتْلِ تَتَّزِنُ!

أيَطمعون بنا؟ .. كلاّ.. سنأكُلُهمْ         نحنُ الذّئابُ.. فماذا تفعلُ الضَّأنُ؟!

وهكذا يَضحك الشيطانُ محتَفِياً           بالمفْسدينَ.. ومَنْ في شَعْبِهمْ طَعنوا

يا مَعقِلَ الصَّفوةِ الأخيارِ مِنْ قِدَمٍ           دعوايَ تلكَ عليها صَدَّقَ الزَّمَنُ

أثْنَى عليكَ رسولُ اللهِ وهو على           وحيِ السَّماءِ الذي يأتيهِ مُؤْتَمَنُ

ها أنتَ في ثورةٍ تأبَى الخُنوعَ لـمَنْ       حلَّتْ على يده في شَعْبِكَ الـمِحَنُ

إنّي لأعجبُ ممّنْ يَفْرُطونَ على             شعوبِهمُ وهيَ بالآلام تَحْتَقِنُ

لولا الشعوبُ لما كانتْ لهم دُوَلٌ           كلا ولا هامةٌ تَعلو.. ولا قُنَنُ

هل الكراسُّي بالظُّلاّم مُلْصَقة             ولا يفرِّقُ إلا الموت والكفن؟

أم البلاد لهم مملوكة أبداً               والشعب في قهره يُبلَى ويُمتَحن؟

هذا لعمري بلاء لا علاج له         إلا التعاضدُ.. حتى يَسقطَ الوثن

والشعب بركانه ينقض منفجراً إن هاج غيظا.. وضاق الذرع والعطن

وربما ألجأتْهُ الحادثاتُ إلى         أن ينعَتَ الطُّغمةَ الحمقاءَ: يا خَوَنُ

حيث المواثيق تقضي بالوفاءِ.. ومَنْ   يَنكثْ.. فبِالذَّمِّ أهلُ البرِّ قد أذِنوا

والمستبيحُ دماءَ الأبرياءِ فما           سواهُ مَنْ نَجَمتْ عنْ نارِهِ الفِتَنُ

فليتَّقِ اللهَ مَنْ ساموا الشُّعوبَ ومَنْ     بِظلمِهم هاجَتِ الأَضْغانُ والإحَنُ

والمستبدُّ فإنَّ الله يأخذه               وليس يحميه لا حِصْنٌ ولا حُصُنُ

فلتَقْرأوا سُنَنَ التاريخ.. فهيَ لكم       درسٌ فَعوهُ.. وفي أعقابها سُنَنُ

وكل شيءٍ له في الدَّهرِ عِبرَتُه           فليتَّعِظْ بَصَرٌ.. ولْتَعْتَبِرٌ أُذُنُ

تحية يا شبابا.. هم طلائعنا                 في كل ثانية ينمو لهم فنن

هم الغد الواعد المأمول.. نرقبه           وكنزنا لبناء المجد مختزن

هذي الخيام أراها أقلعت سفنا         بالثائرين.. ونعم الركب والسفن

والغيب مستقبل ترجى مواهبه       في موطن ما به جَوْرٌ ولا غَبَنُ

مواسم الخصب أحلام مُطَرَّزة         مباركٌ ينعها.. والشهد واللبن

نقية من غثاء الرجس أربُعُها           وليس ثمة إلا المرتع الحسن

كل الأيادي أتت تدلي ببيعتها       أما الحقود فيكوي صدره الضغن

هي النهاية قد حانت لسطوته             فعانقي بعده صنعاءَ يا عَدَنُ

كلاكما وطن.. والله حارسه               ولن يعاوده ظلم.. ولا دخن

وإنما الوحدة الكبرى لأمتنا         هي المنار الذي نرجو ونحتضن

ومن أشعاره الرائدة قوله في مناجاة ربانية خاشعة:

بقربك تزدهي مني الرغاب***ويعذب في محبتك العذاب

وقلبي جنة ما دمت فيـــه***وإلا فهو محــروم يُباب

رضاك هو المراد فلا تدعني***بعيدا دون أشواقي الحجاب

ولله ما أوجع قوله في قصيدته التي كتبها بعد علمه بوفاة أمه:

ذكراك ينكأ جرحا ليس يندمـل***لولا مصابـــرتي هيهات يحتمل

أماه..هذا مقام العفو إن كلمـت***يدي فؤادا رقيــــقا خطبه جلل

إني جهلت وما جهلي بمغتفــر***إذ رحت في التيه عن مغناى أرتحل

خلفت فيه الصبا والأمنيات وما***يضم من ذكرياتي السـهل والجبـل

ومهجتي منحتنـي كل ما ملكت***لم يثنها تعب يومــا ولا كلـــل

قصيدة الأنبار:

   وكتب الشاعر أحمد محمد الصديق مشيداً بجهاد الأخوة في العراق ضد المحتل الأمريكي:

وساحاتُ العراقِ جم ** يعُها بالسُّخْطِ تَلتَهِبُ

أَيدْري الغاشمُ المَغْرو ** رُ - يا أنبارُ - ما السَّبَبُ؟

حذارِ حذارِ إنْ ثارَ ال ** حَليمُ، وجَلْجلَ الغَضَبُ

وضاقَ بكلِّ طاغوتٍ ** على أكتافِهِ يَثِبُ

أيُبصِرُ ما الذي يَجْري؟ ** أيَجهلُ ما الذي يَجِبُ؟

هَشيمُ حصادِهِ شَوكٌ ** وكلُّ بِنائِهِ خَرِبُ

يَبيعُ الشعبَ أوهاماً ** وُعوداً.. كلُّها كَذِبُ

على دبَّابَةِ المُحْتَلِّ جاءَ الرأسُ والذَّنَبُ

يَعيثُ كلاهُما في الأرْ ضِ إفْساداً، ويَنْتهبُ

وما للشعبِ إلاَّ القه ** رُ والحِرمانُ والسَّغَبُ

وشاعَ الموتُ في الطُّرُقا تِ.. والتَّدميرُ والرَّهَبُ

وكمْ في قَبضةِ السجَّا ** نِ يَشكو الفِتيةُ النُّجُبُ

وأعراضُ الحَرائرِ في ** جَحيمِ الأَسْرِ تُغْتَصَبُ

ومَنْ يدعو لرفعِ الضَّيْ** مِ..حامَتْ حولَه الرِّيَبُ

ونحنُ الدِّرعُ للأوطا** نِ، والأوتادُ والطُّنُبُ

نُدَعُّ.. فلا حُقوقَ لنا** ودونَ مُرادِنا الحُجُبُ

  • • •

ويا كُلَّ العِراقِ انْظُرْ ** دِمَشْقُ تلوحُ أو حَلَبُ

هناك تدورُ مَعركَةٌ ** وَوَجْهُ الأرضِ مُخْتَضَبُ

وحَولَ القُدْسِ والأَقْصَى** حِرابُ البَغْيِ والكُرَبُ

وللتحريرِ جُنْدُ اللهِ ** في الأكنافِ تَرْتَقِبُ

لَنا البُشْرىَ.. وسوف يَزو** لُ جَيْشُ الفِتْنَةِ اللَّجِبُ

وراياتُ الجِهادِ الحُرِّ ** للإسلامِ تَنْتَسِبُ

لَنا البُشْرَى، أجَلْ، والفتـ** حُ والتمكينُ والغَلَبُ.

لست وحدك:

وكتب الشاعر أحمد محمد الصديق قصيدة بين فيها أن المجاهد ليس وحده في الميدان بل معه جند الله:

لا لستَ في الميدانِ وحْدَكْ

جُنْدُ السماءِ تُحيطُ جُنْدَكْ

وَوعاءُ أُمَّتكَ التي

بقُلوبها سَتَظلُّ رِفْدَكْ

والحَقُّ رايَتُهُ هيَ ال

عُليا.. لها أَفْرَغْتَ جُهْدَكْ

وكسَرْتَ منذُ اللحظةِ ال

أُولى بوجْهِ الريحِ قَيدَكْ

وصرَخْتَ بالعُدْوانِ: قِفْ

والزَمْ - أيا مغرورُ - حَدَّكْ

ومِدادُ جُرْحِكَ خَطَّ في

سِفْرِ الجِهادِ الحُرِّ عَهْدَكْ

مِنْ بَحْرِها للنَّهْرِ أَرْ

ضُكَ، ما لِباغٍ أَنْ يَصُدَّكْ؟!

ترْعاكَ عينُ اللهِ فاجْ

عَلْ للذي يَرْعاكَ حَمْدَكْ

هوَ وحدَهُ مَنْ شَدَّ أَزْ

رَكَ، وهوَ للجُلَّى أعَدَّكْ

فبَعثتَ جيلاً ناهِضاً

أرسَى على القرآنِ طَودَكْ

وبهِ ظَفِرْتَ، ولمْ تَزَلْ

فاحْشِدْ لهذا الأمرِ حَشدَكْ

♦♦♦

جارَ العَدُوُّ بكَيدِهِ

فَأَذِقْهُ أنتَ الآنَ كَيدَكْ

جَرِّعْهُ مُرَّ هَزيمَةٍ

تجني بها، وتَذوقُ شَهْدَكْ

شُهُبُ اللَّظى دَعْها تُجَلْ

جِلُ فوقَهُ، فتُريهِ رَعْدَكْ

وتَقولُ للخصْمِ اللَّدو

دِ: صَبِيُّنا قدْ صارَ نِدَّكْ

♦♦♦

وبرَغْمهمُ (تَلُّ الرَّبي

عِ) غدَتْ على مَرْماكَ صَيدَكْ

وأَحِطْ عَرينَكَ بالتُّقَى

وأَعِدَّ للتَّحريرِ أُسْدَكْ

وأَقِمْ بِناءَ الصَّفِّ مَرْ

صُوصاً.. لِمَنْ يأتون بَعْدَكْ

هي غَزَّةُ الأبْرارِ.. كُنْ

سيفاً لها؛ فتكونُ غِمْدَكْ

وتقولُ للمُحتَلِّ: نُو

رُ عَقيدَتي يَجْتاجُ حِقْدَكْ

سأَقُضُّ لَيلَكَ مثلَ كا

بوسٍ يُؤرِّقُ فيكَ سُهْدَكْ

وإذا الوَغى فُرِضَتْ عَلَيَّ

فحَرْبَتي في القَلْبِ عندَكْ

♦♦♦

هيَّا - أخا الإسلامِ - فانْ

ثُرْ في طريقِ الفجرِ وَرْدَكْ

مَهَّدْتَ للأقْصَى سبي

لَ النصرِ.. لَمْ تُخْلِفهُ وَعدَكْ

فاعزِمْ وكنْ أَهْلاً لَها

واعلَمْ بأنَّكَ لستَ وَحْدَكْ.

تُنشر بالتعاون مع مجلة (منبر الداعيات)

شموع إيمانية:

   ويؤكد الشاعر أحمد محمد الصديق على أن الإيمان يمنح صاحبه الهدوء والسكينة، فيقول:

هنيئاً للّذي رُزِقَ القَناعَة

ولَمْ يَجْزَعْ لِهَمِّ العَيْشِ ساعَه

فرِزْقُ المرءِ مكتوبٌ.. ولَمّا

يُعِدّوا قَبْلَ مَوْلِدِهِ لِفاعَه

وأغنىَ الناسِ ذو وَرَعٍ وَتَقْوى

وإيمانٍ به استَغنى.. وطاعَه

وحُسْنُ الظَّنِّ بالرحمَنِ أسمَى

وأَنَفسُ ما اقْتَنَيْتَ منَ البضاعَه

ومَن يركبْ إلى الغايات بحراً

وخاضَ الغَمْرَ.. لم يُهمِلْ شِراعَه

وإمّا أقبلَتْ دنياكَ فاحذَرْ

فلامِعُ بَرْقِها يُخْفي خِداعَه

وعِفَّ عَنِ الخَنا واهْجُرْ ذَويه

ودعْ فُحْشَ الغِنا واتْرُكْ سَماعَه

وتلكَ غِوايَةُ الشيطانِ يُرْدي

بها أهلَ الوَضاعَةِ والخَلاعَه

فلا تَغمِسْ ثِيابَكَ في الخَطايا

وخوفُ اللهِ يَمْنَحُكَ المَناعَه

ومن خَلَصَتْ سريرتُهُ فَواهاً

إذا ما صانَ عنْ دَنَسٍ طِباعَه

فَصاحِبْه.. فذلكَ خيرُ ذُخْرٍ

وحاذِرْ في مودَّتِهِ انْقطاعَه

وأهلُ العِلْمِ كنْ منهمْ وفيهمْ

وهمْ أهلُ البَصيرةِ والبَراعَه

ولا تَزْهَدْ بذي خُلُقٍ فَقيرٍ

وخَفِّفْ بالمواساةِ الْتِياعَه

وكُنْ عَوْناً لهُ فيما يُعاني

وقدْ يَشكو السَّقامَ أَو المَجاعه

وفي ظلِّ التّراحُم لسْتَ تَلْقَى

بدُنيا الناسِ أَعراضاً مُضاعَه

ولا شَمْلاً تُهدِّدُهُ الرَّزايا

وبالحُسْنَى تَصونُ لهُ اجْتماعَه

وعيْشُكَ.. إنْ شكَوْتَ الضّيقَ يوماً

فقُلْ: يا ربِّ.. واسألْهُ اتّساعَه

وحبُّكَ فليَكُنْ لِلهِ صِرْفاً

وعاشِرْ بالتَّلَطُّفِ والوَداعَه

وما زرَعتْ يَداكَ هنا.. ستَجْني

غداً ثمرَاتِ هاتيكَ الزِّراعَه

وما لِلهِ دامَ بلا انقطاعٍ

وحبُّ رَسولِهِ يَعْني اتّباعَه

عليه صلاةُ ربّي.. فاتّخِذْها

لذِكْرِكَ.. كيْ تَنالَ بها الشَّفاعَه

وحبُّ الصّالحينَ بأن تُوالي

طريقَتَهم.. وتَلْتزم الجمَاعَه

وكنْ لِلهِ عبداً.. واسْتَعِنْهُ

على الطّاعاتِ قَدْرَ الاسْتطاعَه.

تُنشر بالتعاون مع مجلة (منبر الداعيات)

إخوة الإيمان هيا:

أكد القرآن على أهمية الأخوة الإيمانية فقال: إنما المؤمنون إخوة...

أدرِكْ أخاكَ ولا تَدَعْهُ وَحيدا

في محنةٍ يتجرَّعُ التَّنكيدا

أدرِكْ أخاكَ وكنْ لهُ عوناً إذا

فقدَ الحِمَى أوْ باتَ عنه شَريدا

أو سامَهُ الحِرْمانُ جوعاً.. فانْطَوى

في كوخِه يَصْلَى العذابَ قَعيدا

الرِّيحُ تزأرُ والزَّعازعُ في الدُّجَى

تنصبُّ سَيلاً جارفاً ورُعودا

والصِّبية الأغرارُ في أَسمالِهمْ

ذاقوا الهَوانَ براعماً ووُرودا

والأمُّ في وَصَبٍ تعالجُ دمْعَةً

حَرَّى.. وتكتُمُ لوعَةً وكُمودا

تشكو.. ومَنْ ذا يستجيبُ لشَكْوِها

ويفُكُّ عنها كُربَةً وقُيودا

جاءَ المُنَصِّرُ ذاتَ يومٍ مُعلِناً

بيعَ الخِداعِ إلى الجِياعِ وُعودا

ويقولُ: مَن يَخلَعْ عُرَى إسْلامِهِ

نَخلَعْ عليهِ منَ الرَّفاهِ بُرودا

نُسبِغْ عليهِ عَطاءَنا وَسخاءنا

ويعيشُ في كَنَفِ الصَّليبِ سَعيداً

ردَّت عليهِ بعزَّةٍ مكْلومَةٍ:

للنَّارِ فاذْهَبْ حيثُ جئتَ بَعيدا

نَعْرَى، نَجوعُ، ولا نُبدِّلُ دينَنا

بئسَ المُغيثُ.. ولنْ تَزال لَدودا

لا المالُ يَشرِينا، ولا نَحْني سِوى

للهِ هاماتٍ لنا أَوْ جِيدا

يا إخوةَ الإيمانِ، تلكَ حقيقةٌ

فإلامَ نبْقَى في الحياةِ رُقودا؟

وإلامَ يُفْتَنُ مُعدَمٌ عن دينِهِ

أوْ يحملُ الهَمَّ الثَّقيلَ شَديدا؟

وبلادُنا بالخَيْرِ زاخرَةٌ.. ولا

نُلْفي سِوى عَيْشِ الدَّخيلِ رَغيدا

يا إخوةَ الإيمانِ، هيَّا فادْفَعوا

خَطَراً يُهدِّدُ دينكمْ تَهديدا

يتربَّصونَ بكمْ.. فإنْ لَمْ تَنهضوا

هَدَموا ركائزَ أُمَّةٍ ووُجودا

لا تَتْركوا النَّشْءَ البَريءَ فريسةً

وهُوَ الذي يَهوَى الحياةَ صُعودا

لولا رباطُ أخوَّةٍ وعقيدَةٍ

لَتناثرَ العِقْدُ الثَّمينُ بَديدا

صُونوا ذِمارَ المُسلمينَ، وشيِّدوا

بِزُنودِكم حولَ الذِّمارِ سُدودا

أَنتُم حُماةُ الدِّينِ فاحتَشِدوا لَهُ

دِرْعاً يَقيهِ منَ العِدَى وجُنودا.

تُنشر بالتعاون مع مجلة (منبر الداعيات)

هي الدنيا:

ضياعٌ هذه الدنيا ضياعُ

وزُخْرُفُها بغير هُدًى خِداعُ

يمرُّ العام إثْرَ العام فيها

كما تتراكضُ البهْمُ السِّراعُ

ونلهثُ نحنُ في ركْبِ الليالي

وللشَّملِ افتراقٌ واجتِماعُ

وللأيام كَرٌّ ثمَّ فَرٌّ

وللآمال ضِيقٌ واتِّساعُ

تلاشتْ ثمَّ جاشتْ بالأَماني

كذاكَ البحر رَهْوٌ واندفاعُ

♦ ♦ ♦

هيَ الدنيا.. فأوَّلها بكاءٌ

وآخرُها دُموعٌ والْتِياعُ

يروحُ المرءُ بينهما ويغدو

ولا يصفُو لها أبداً مَتاعُ

وإنْ ضحِكَتْ فليس لها أمانٌ

ولُقياها وإن طالتْ وَداعُ

عطاياها حسابٌ أو عَذابٌ

وكم ظمئَ الكرامُ بها وجاعوا

♦ ♦ ♦

هيَ الدنيا امتحانٌ وابتلاءٌ

فلا يَغْرُركَ في الدنيا طَماعُ

لَكَمْ هامَتْ بفتنتها البرايا

وشبَّ لأجل مَغنَمِها الصِّراعُ

ولكنْ حَبْلُها مهما تمادى

سيُطوى مثلما يُطوَى الشِّراعُ

♦ ♦ ♦

حَذارِ فليس في الدين ابتِداعٌ

كما فيها.. بل الدِّينُ اتِّباعُ

إلى الرحمن مرجِعُ كلِّ حَيٍّ

وفوزُكَ عندَ ربِّكَ مُستَطاعُ.

تُنشر بالتعاون مع مجلة (منبر الداعيات)

رسالة الى صلاح الدين:

ويحاول الشاعر المسلم أحمد محمد الصديق أن يبعث الشخصيات التاريخية، فيكتب رسالة إلى صلاح الدين نشرها في ديوان واحات وظلال

عفواً صلاح الدينِ ..

ليلُ التيهِ يحملنا إليكَ ..

على جناح الشوقِ ..

مقهورينَ ..

تصفعنا اعاصير الهزيمهْ ..

********

نشكو .. نئنُ ..

وانت ترقد في الضريح ..

كأننا نرجوك أن تهتز من غضبٍ ..

ونحن العاجزين ..

نغطُّ في أوهام غفلتنا العقيمهْ

*********

بالأمسِ كنت هناك إذ دوّى نداءُ القدسِ:

"وا أقصاه" !!

والأفعى على أعناقنا تلتفُ ..

كانَ البحرُ يقذف بالعلوجِ ..

وأنذرتْ صفارةُ التاريخِ ..

والاخطارُ محدقةٌ وخيمه ..

**********

ووقفت كالعملاق في وجه الرياح الهوجِ

تنفخُ في الضمير الوعي ..

تنسجُ من خيوط النور آفاقاً ..

تؤجج نخوة الإيمانِ ..

في أوجاع صحوتنا القويمه

**********

ناديت : باسم الله ..

فارتجت مُفزّعةً قلاع الكفرِ ..

وامتشقت صواعقها السيوفُ ..

توحدت في كفك الراياتُ..

واندفعت سيول البرق في الميدانِ ..

تمضغُ من تغيظِها الشكيمه ..

********

"الله أكبر" في فم الأهوالِ..

تُرعدُ ..

بينما "حطينُ" تشهدُ كيف يندحرُ الصليبُ ..

تدوسهُ خيلُ الفُتوحِ ..

يذوقُ في ندمٍ جحيمه ..

*********

ورحلتَ مرضياً .. خفيف الظَّهرِ ..

لَمْ تحملْ سوى صدْق اليقينِ ..

وعفّة النفسِ التي أَخلَتْكَ من دُنياكَ ..

لا ترجو سوى الرَّحْمَنِ ..

لا يُغريكَ بَعْدَ رضاهُ مالٌ أو غنيمه ٠٠

***********

لكنهمْ عادوا صهاينةً ..

و همْ قُطّاعُ هذا العصرِ ..

أحلافُ الغواية ..

هُم جنودُ الشَّر والعدوانِ ..

يغتالونَ نبضَ الروحِ ..

يقتسمونَ لحم الجائعينَ ..

وكلُ مأساةٍ وليمه

************

( ها نَحْنُ عُدنا يا صلاح الدينِ )

مُذّ قيلت وَنَحْنُ نضجُّ ..

"واغوثاهُ" !

نحسبُ أنهمْ أحياءُ

والظلماتُ تخنقنا ..

وياللعارِ !

كُلُّ خليةٍ فيهم مُدجنةٌ سقيمه ..

***********

وعجبتُ ..

كمْ يَستنجدُ الأحياءُ بالموتى ..

.. وأنت الحيُ والموتى غُثاءُ السيلِ

والأسوارُ تسقطُ ..

واللظى تجتاحُ ..

لا تُبقي لنا .. من حقلِنا

إلاّ هشيمهْ

**************

هي ذي الحقيقةُ يا صلاح الدينِ ..

باتَ الحُرُّ مقصوص الجناحِ ..

يُذادُ عن أشواقهِ العُليا ..

يُراد له الهوانُ ..

يظلُ مغلولَ العزيمه

**********

والقادمونَ على خُطاكَ

تعاهدوا ..

وتوضؤوا بالنورِ ..

وابتاعوا جنان الخُلدِ بالأرواحِ ..

طيبةً .. نسائمُها كريمة ..

***********

حطّين .. عبرَ جراحنا ..

مِن غرْبةِ الأحزانِ

سوفَ تعودُ ..

تكسرُ شوكةَ الظُّلم اللئيمه

*************

وهناكَ سرُّ الله ..

والأرحامُ تُنجِبُ ..

والغدُ الموعودُ يُؤذنُ بالقدومِ ..

وفي يديهِ وثيقةُ النصرِ القديمةْ

************

فإلى هناكَ ..

إلى هناكَ ..

تعَجلي يا نفسُ

فالآمالُ دانيةٌ

وغايتها وَإِنْ دَمِيَتْ عظيمهْ ..

أَقِبل على الله:

ويدعو الشاعر الصديق إخوانه بالإقبال على الله، فيقول:

فَتَحْتُ لِلنُّورِ قَلْبي.. فَهْوَ جَذْلانُ

وزادُهُ الزَّادُ.. توحيدٌ وقُرآنُ

أَمَا رأيتَ الحَيَا يُحْيِي الثَّرَى.. فكذا

يَحْيا بنورِ الهُدَى قلبٌ ووجدانُ

والروحُ.. لا ليس يَرْوي شَوْقَها أبَداً

إلاَّ سجودٌ وإخْباتٌ وإيمانُ

تنسابُ كالسَّلسلِ الآياتُ عاطِرةً

يَجري اللسانُ بِها والليلُ آذانُ

وتستفيقُ رياحينُ الفؤادِ كما

يَصْحو برَوضَتِهِ الفيحاءِ بُستانُ

بَيْنَا الملائكةُ الأطهارُ شَاهدةٌ

لها بتَقديسِها وَجْدٌ وتَحْنانُ

وللسَّكينةِ أنفاسٌ يُضَمِّخُها

غيثٌ منَ الرَّحَماتِ الغُرِّ هَتَّانُ

حتى الجلامدُ تبدو وهيَ خاشعةٌ

للهِ.. والكونُ تسبيحٌ وإذعانُ

كأنَّما جنةُ الفِردوسِ مائلةٌ

والقَلبُ في رَفرَفِ الجَنَّاتِ نَشوانُ

قُمْ يا أخَا الرُّوحِ واشهَدْ ما تَقَرُّ بهِ

عينٌ، ويَرْجوهُ عندَ اللهِ إنسانُ

مَنْ فاتَهُ أنْ يُناجيْ ربَّهُ سَحَراً

فحظُّهُ مِنْ مَقامِ القُرْبِ حِرْمانُ

رصيدُ عُمرِكَ ما قدَّمْتَ مِنْ حَسَنٍ

حتى يَميلَ إلى الرُّجحانِ مِيزانُ

فَاعْمُرْ حياتَكَ إصلاحاً ومَرْحَمةً

وفازَ مَنْ سَعيُهُ برٌّ وإحسانُ

أقبِلْ على اللهِ.. لا تَغْرُركَ فانِيَةٌ

كَغادةٍ بفنونِ الزَّيفِ تَزْدانُ

واجعلْهُ في الجَيبِ لا في القَلْبِ دِرْهَمهَا

وسَيِّدٌ أنتَ، والأموالُ عبْدانُ

وتحتَ نَعليكَ ما يحويهِ باطنُها

منَ الكُنوزِ.. فلا يَخدَعْكَ عُمرانُ

فكلُّ بَهرَجةٍ مصنوعَةٍ كَذِبٌ

والرِّبْحُ بعدَ فَواتِ العُمرِ خُسْرانُ

فاجْعَل هُمومَكَ همًّا واحداً.. ولَهُ

عندَ الإلهِ بيومِ المُلْتَقى شانُ

لِلهِ غايَتُكَ القُصْوَى.. وقَدْ قَرُبَتْ

مَهما نأَتْ بحبالِ الدَّهْرِ أَزمانُ

وكلُّ حَيٍّ إلى الرَّحْمنِ مَرْجِعُهُ

طوبَى لِمَنْ حَظُّهُ في الخُلْدِ رضوانُ.

تُنشر بالتعاون مع مجلة (منبر الداعيات)

   وأخيراً نقول:

   إن قصائد الشاعر المؤمن محمد أحمد الصديق، ودواوينه الكثيرة الممتدة عبر خارطة الوطن الكبير لا تكتفي في التذكير بها الاستشهادات الجزئية في مقال يراد له الاختصار بل لا بد أن يفرد لها سفر كامل بطول وعرض حياة صاحبها الذي كان في قلب أحداث أمته بعقله ووجدانه ونثره وشعره، ولعل الله أن يتيح وقتا آخر لكتابة قراءة في شعر الراحل تكون بعضا من الوفاء اللازم له، وإني لأرى أنه من الأمانة التي تطوق أعناق الجيل الذي رباه أن يجمع أعماله الكاملة وينشرها وأن ينشئ موقعا لأعماله وأشرطته وإنتاجه.

وفاته:

فقدت الأمة الاسلامية والعربية الشاعر الكبير الشيخ أحمد محمد الصديق ( أبو ضياء) الذي وافته المنية يوم الأحد 14 مايو 2017م .

اتحاد العلماء ينعى شاعر الأقصى أحمد محمد الصديق:

16 مايو 2017م

الدوحة - الشرق

القرضاوي تقدم مشيعي جثمانه منوها بإثرائه المكتبة الاسلامية

الصديق رحل وآخر كلماته تبشر بعودة الأقصى

ودعت قطر واحدا من شعرائها الشاعر الشيخ أحمد محمد الصديق الذي رحل عن عالمنا عن 76 عاماً بعد رحلة طويلة مع الفكر والادب الاسلامي، حيث أثرى المكتبة الاسلامية والمحافل الادبية بروائع من الشعر دار معظمه حول الاقصى. وقد تقدم فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي مشيعي جثمانه في مقبرة مسيمير أول أمس حيث ووري الثرى.

اللهم اغفر له، وارحمه، وأدخله في عبادك الصالحين، واجعله من ورثة الفردوس الأعلى يا رب العالمين.

sdfdffdf10613.jpg

أصداء الرحيل:

أحمد محمد الصديق.. البلبل الذي رحل:

كتب الشيخ أحمد البان يقول:

وهنا.. هنا في الخيمة السوداء..

خيمتنا الحزينة.

طرحت على الأسمال أكباد ممزقة طعينة

وتكومت في كل زاوية كآلام دفينه

أوصال إخوتي الصغار

يتضورون من الطوى..

يتقلبون على انتظار

والليل يعصف

يستبد

ولا يقر له قرار!

هو مشهد المسرح العربي المثخن جراحا ونواحا تصوره ريشة شاعر اقتاتت قضايا الأمة قلبه وحمل لواء الدفاع عنها بقلمه ووقته وعلمه في كل مكان، الشاعر الذي رحل عن عالمنا في صمت يوم 14 مايو 2017 بالدوحة بعد أن زرع وجدان أمته أملا وبشرى بقدوم الفجر.

ليست هذه الكلمات سيرة حياة للشاعر الإسلامي محمد أحمد الصديق تأبينا له بعد رحيله، فالشاعر سيرته شعره لا دراساته وشهاداته، وشاعرنا بحق من أولئك الذين امتزجت فيهم الشخصية الدعوية والشعرية جنبا إلى جنب، فهو إذن يصدق عليه شطرا قول علي بن الجهم:

وما أنا ممن سار بالشعر ذكره***ولكن أشعاري يسير بها ذكري

   تتسع سيرة شاعرنا هذا باتساع جغرافيا الجرح العربي والإسلامي الغائر، لأنه وضع أمته على منكبيه أنى ارتحل أو حل، يصوغها قصيدة فرح في لحظات صفائه وتستبد به الأحزان فيحيلها بركان نار لا تعرف الخمود، خطيب يهز المنابر وشاعر يسحر العقل والقلب، ومن من الشباب المسلم لا يعرف أشرطة أماسي وندوات أحمد محمد الصديق!

عند ملتقى السهول الخصيبة بجبال الجليل المحتلة تقع مدينة شفا عمرو التي تبعد 20 كلم فقط عن الناصرة، موقعها الاستراتيجي جعلها مركزا لولاة المنطقة منذ القدم كما جعلها مركزا لعرب 48، تقع المدينة على سبعِ تلال فلذلك تُلقّب بِـ”روما الصُغرى”، يقولون إن عمرو بن العاص مر بها زمن الفتوح مريضا وشرب من نبعها المعروف بـ”عين عافية” فتعافى من مرضه ونادى أصحابه: شفي عمرو فسميت به.

في 1941 بتلك البقعة المباركة علت الزغاريد في بيت فلسطيني متواضع فرحا بمولد طفل لم يكن الوحيد الذي ولد في تلك السنة، ولكنه كان الأبرز بين أقرانه فيما بعد، حمل أحمد محمد الصديق بين جوانحه نفسا لا تقبل الضيم فضاق بالاحتلال وهو طفل وآثر الهجرة بحثا عن “منأى للكريم عن الأذى” فعبر حدود لبنان وحط رحاله بالدوحة التي أطل من خلال صحفها وفعالياتها الثقافية على العالم الإسلامي بقصائده المؤثرة التي ما تزال كلماتها تتردد صدى في فضاءات الصحوة الإسلامية.

درس أحمد محمد الصديق في المعهد الديني بالدوحة وتخرج منه 1966 ليلتحق بعد ذلك بجامعة أم درمان دارسا للشريعة وتخرج منها بشهادة الليسانس عام 1970، ليحصل بعد ذلك على الماجستير في الشريعة الإسلامية من جامعة الأزهر الشريف كما حصل على الديبلوم العام في التربية من جامعة قطر التي حصل على جنسيتها فيما بعد.

نشرت أعماله في الصحف العربية آنذاك خصوصا مجلة الحق والوعي الإسلامي والمجتمع والإصلاح وفلسطين المحتلة، كما شارك في كثير من الندوات والمهرجانات وعرفته منابر جمعية الإصلاح في الإمارات والكويت والبحرين شاعرا ملهما للشباب الإسلامي وحاديا للصحوة الإسلامية آنذاك.

عمل في قطر مدرسا لمدة ثماني سنوات ثم انتقل للعمل بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية رئيسا لأحد أقسامها، وخطب الجمعة في الدوحة لأكثر من 20سنة.

كان الشاعر أحمد محمد الصديق يحمل بين جوانحه عالمه الإسلامي المنشود يرمم ما تهدم منه ويزين جنباته بشعره الأخاذ، فأطلق “نداء الحق” وقدم رؤيته لـ”الإيمان والتحدي” ذلك التحدي الذي جعله يسطر “ملحمة الشيشان” وينادي بحرقة المؤمن الملتاع “يا سيراييفو الحبيبة” غير ناس في غمرة صوت الموت القادم من آسيا أن يكتب في هدوء الداعية ووقار المربي “قصائد للفتاة المسلمة”، مسرجا حصان الروح ليغرد مع “طيور الجنة” أنشودة الظفر في “ملحمة الشيشان”، وهي كلها عناوين لدواوين شعرية كثيرة أصدرها الشاعر الفريد.

وفاة الشاعر الكبير أحمد محمد الصديق في ذمة الله:

وقد نعته رابطة الأدب الإسلامي العالمية، فقالت: فقدت الأمة الإسلامية والعربية الشاعر الكبير الشيخ أحمد محمد الصديق ( أبو ضياء ) الذي وافته المنية يوم الأحد 14 مايو 2017

والشيخ أحمد محمد الصديق شاعر وخطيب وأديب أثرى الساحة الأدبية بشعره الفصيح والذي يفيض غيرة على الإسلام ومقدساته .

واكب الشاعر الكبير أحمد بن محمد الصديق الأحداث من دينية ووطنية وشارك فيها و كان شعره توثيقا لها . ونشرت قصائده الصحف و المجلات المحلية و العربية

لقد كان من أهل المساجد وكان ذا حمية وغيرة على الدين وقصائده تشهد بذلك.

اللهم اغفر له و ارحمه , و أدخله في عبادك الصالحين و اجعله من ورثة الفردوس الأعلى يا رب العالمين.

ولد أحمد محمد الصديق في شفا عمرو بقضاء حيفا بفلسطين سنة 1941م

حياته العلمية:

- درس المرحلة الابتدائية في مدرسة شفا عمرو.

- درس في حيفا سنتين من المرحلة الثانوية التي تلي الابتدائية. حسب نظام التعليم المعمول به ذاك الوقت .

- درس بعد ذلك بمدرسة كفر ياسيف الثانوية ولم يكمل دراسته الثانوية فيها حيث خرج من فلسطين المحتلة أيام العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م ، مهاجرا الى لبنان .

- قدم الى دولة قطر عام 1960م وفيها التحق عام 1963م بالمعهد الديني الثانوي بالدوحة وفيه التقى بخيرة الأساتذة والعلماء، وتخرج عام 1966م.

- درس الشريعة في جامعة أم درمان الإسلامية بالسودان ونال شهادة الليسانس عام 1970م.

- حصل على الماجستير في الشريعة الإسلامية من جامعة الأزهر الشريف.

- حصل على الدبلوم العام في التربية بجامعة قطر.

حياته العملية:

- بدأ بنشر قصائده في الصحف اليومية والمجلات الاسبوعية والشهرية في فلسطين المحتلة أيام دراسته في السنة الثامنة الابتدائية ثم المرحلة الثانوية التي تليها ( حسب النظام التعليمي هناك ) .

- في تلك الاثناء شارك هناك بشعره في مهرجانات ومناسبات وطنية عديدة، وكان له نشاط طلابي وطني ملحوظ.

- شهدته الندوات الشعرية في الدوحة – قطر، وجمعيات الإصلاح في الإمارات والكويت والبحرين شاعرا محلقا مجليا أصيلا.

- كثير من قصائده الدينية والوطنية والاجتماعية، أنشدت وانتشرت أشرطتها المسجلة على نطاق واسع.

- أثناء دراسته الجامعية في السودان كان له نشاط دعوي وشعري كبير في مختلف المناسبات والندوات وفي الصحف والمجلات، وأشهرها مجلة الميثاق الإسلامي.

- نشرت له مجلة الامة القطرية ومجلتا المجتمع والوعي الإسلامي الكويتيتان، ومجلتا الاصلاح ومنار الاسلام في دولة الامارات العربية ومجلتا الفيصل والمسلمون السعوديتان ومجلة البعث الإسلامي في الهند ومجلة الشهاب اللبنانية ، ومجلة الحق التي كان يصدرها المعهد الديني في قطر ، وغيرها.

- دخلت بعض قصائده ضمن المقررات في مناهج اللغة العربية بدولة قطر وبعض البلاد العربية الأخرى .

- عمل في قطر مدرسا لمدة ثماني سنوات ثم انتقل للعمل بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية رئيسا لأحد أقسامها، وكان عريفا لمواسمها الثقافية مدة عشرين سنة ، ثم خبير شرعي أول بإدارة الشؤون الاسلامية ، وتولى خطابة الجمعة واستمر بها نحو خمسة و عشرين عاما. ثم اعتزلها إثر مرض ألم به .

- حصل على الجنسية القطرية عام 1996م .

إنتاجه الأدبي:

1- نداء الحق، (ديوان شعر) صدرت طبعته الأولى في الدوحة عام 1977م.

2- الإيمان والتحدي، (ديوان شعر) صدرت طبعته الأولى في عمان عام 1985م.

3- قصائد إلى الفتاة المسلمة، (ديوان شعر) صدرت طبعته الأولى في عمان عام 1984م.

4- جراح وكلمات، (ديوان شعر) صدرت طبعته الأولى في عمان عام 1990م.

5- هكذا يقول الحجر (ديوان شعر) صدرت طبعته الأولى في عمان عام 1990م.

6- قادمون مع الفجر، (ديوان شعر) صدرت طبعته الأولى في عمان عام 1987م.

7- أناشيد للصحوة الإسلامية، (ديوان شعر) صدرت طبعته الأولى في عمان عام 1985م.

8- أناشيد للطفل المسلم، (ديوان شعر) (ثلاثة أجزاء) صدرت طبعته الأولى في عمان عام 1988م.

9- طيور الجنة، (ديوان شعر) صدرت طبعته الأولى في الدوحة عام 1993.

10- يا سراييفو الحبيبة، (ديوان شعر) صدرت طبعته الأولى في عمان عام 1997م.

11- ملحمة الشيشان، (ديوان شعر) صدرت طبعته الأولى في عمان عام 1997م.

12- هو الله، (صياغة شعرية لأسماء الله الحسنى) صدرت طبعته الأولى في الدوحة عام 1998م.

13- البردة الجديدة في مدح الرسول الاعظم صلى الله عليه وسلم ( قصيدة طويلة ) صدرت الطبعة الاولى في الدوحة عام 2001م .

14- ويخضر غصن الامل ( أقاصيص شعرية للناشئين ) الطبعة الاولى إصدار المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث بدولة قطر عام 2002م .

15- ملحمة القدس ( ديوان شعر ) صدرت طبعته الاولى في الدوحة عام 2010م .

16- ديوان " واحات وظلال " طبعته وزارة الثقافة القطرية عام 2013م، تضمن أكثر من مائتي قصيدة في خمس باقات.

رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.

المصادر، والمراجع:

1- شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث – أحمد جدع، وحسني جرار - الجزء الأول.

2- موقع اسلام أون لاين.

3- موقع اسلام ويب.

4- الموسوعة التاريخية الحرة.

5- موقع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

6-مجلة الأدب الإسلامي التي تصدرها الرابطة.

7- موقع شبكة الألوكة.

8-رابطة أدباء الشام.

9-مقدمة نداء الحق: موقع الشيخ يوسف القرضاوي.

10- مواقع الكترونية أخرى.

وسوم: العدد 1061