العَلَّامَة المُحدِّث الفَقِيه الزاهِدُ الشَّيخُ أحمد بن عبد الرحمن البَنَّا الشهير بـ "السَّاعاتِيّ"

حَيَاتُه وخِدمَتُهُ لِمُسنَدِ الإمَامِ أحمَدَ

sfsfhhj10721.jpg

العلامة المحدث الشيخ أحمد البَنَّا الساعاتي

والد الشيخ حسَن البَنَّا

(1301- 1378هـ = 1884- 1958م)

*اسمه ونسبه:

*هو الشيخ أحمد بن عبد الرحمن بن محمد البَنَّا "الساعاتي" المصري: العلامة المُحدِّث الفقيه الزاهد، وهو والد الإمام الشيخ حسن البنا مؤسس "جماعة الإخوان المسلمين" المعروفة، وصاحب كتاب "الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد الشيباني".

*مولده وشمشيرة ذات السُّلَّم الحجري الفريد:

*ولد في قرية "شمشيرة -(المُطِلَّة على النيل)- مديرية الغربية" بمصر، وأجمل ما في تلك القرية سُلَّمُها الحَجَرِيُّ المُمتَدُّ مِن المَسجد إلى نهر النيل؛ لِيَتَوَضَّأ مَن يُريد الوُضُوءَ مِن ماء النهر.

*صلاح والديه ونشأته، وتفريغه للعلم:

*كان والده -"الشيخ عبد الرحمن البَنَّا"-رجلًا صالحا، وكان فلاحا يعمل بالفلاحة والزراعة، ويحرص على زراعة أرضه.

*وكانت والدته امرأة صالحة تقية، وقد رأت قبل وضعها له في منامها من يقول لها: إذا وَضَعتِ فسَمِّي مَولُودَكِ "أحمَد"، واحرِصِي على تحفيظه القرآنَ! ولِصَلاح والدته؛ فقد نَذَرَتْه لِلقرآن والعِلم الشرعي .

*ولما نشأ "أحمد" أراد أخوه الأكبر منه أن يحمل أخاه على العمل في الزراعة، ولكن أمه لم تنس رُؤياها الصالحة تلك؛ فقالت: "خُذُوا الأرضَ وما فيها، واترُكُوا نشأة وَلَدِي أنَشِّئُه على ما أرِيدُ"!

*التحق الصبي "أحمد" بِكُتَّاب شمشيرة؛ فحفظ القرآن الكريم في سن مُبكِّرة، وتعلم أحكام التجويد، على يد معلم القرية "سيدنا" الشيخ محمد أبو رفاعي الكفيف التقي ذو الوجه المُشرق المُنير.

*دراسته وتعليمه وشيوخه: درس الشيخ أحمد على شيوخ عِدَّة، منهم:

1- أول مشايخه الذين انتفع بهم الشيخ محمد أبو رفاعي: الشيخ الكفيف التقِيُّ المُنَوَّر، وقد علَّمه القرآن فحفظه عنده، وأحكام التجويد.

2- الشيخ محمد محمد زهران المحمودي: الشيخ الكفيف النابغة صاحب (مدرسة الرشاد الدينيّة) ومحرر (مجلّة الإسعاد) الشهريّة.

*وروى عن كل من:

3- العلامة الشيخ محمد سعيد بن أحمد بن محمد العُرفي: الحُسيني الديرزوري الشافعي: شيخ علماء ومفتي وادي الفرات.

4- الحافظ الناقد السيد أحمد بن محمد بن الصِّدِّيق الغُماري الحسني المغربي ت 1380هـ.

5- العلامة الفقيه الشيخ محمد بن سالم الشرقاوي النجدي المصري الشافعي: عن البرهان السقَّا، وجماعة.

6- العلامة الشهير المحدث الشيخ محمد حبيب الله بن مايابى الشنقيطي ت 1363هـ: عن محمد عابد بن حسين.

7- العلامة محدث الشام الشيخ محمد بدر الدين الحسني ت 1354هـ.

*سافر الشيخ أحمد إلى "الإسكندرية" بنصيحة من قطب رشيد العلامة الشيخ أحمد الجارم -قبل إنشاء معهدها الديني- والتحق بدروس "جامع الشيخ إبراهيم باشا"، وهو في الإسكندرية كالأزهر في القاهرة، وكان هو معهد الإسكندرية بمدارسه ومذاهبه الأربعة، وأقام بجواره يطلب العلم عدّة سنوات حتى تخرج فيه.

*تعلمه حرفة إصلاح الساعات:

*ومن أجل تعلم حرفة للكسب، -وكيلا يكون العلم وسيلة لطلب الرزق- التحق الشيخ بأكبر محل في الإسكندرية لإصلاح الساعات وبيعها "محل الحاج محمد سلطان" فتعلم فيه تلك المِهنة؛ فكان حين ينتهي من دراسته كل يوم في "جامع الشيخ" بالإسكندرية يأتي ذلك المحل لتعلم إصلاح الساعات، وبقي فيه حتى أتقنها وبرع فيها، ومن هنا اشتُهر بـ "الساعاتي".

*تخرجه وزواجه:

عاد إلى قريته عالمًا شرعيًّا ومُصلحًا للساعات فتزوّج منها، بأم سعد إبراهيم صقر التي كان والدها تاجر مواشي في "شمشيرة".

*إقامته في "المحمودية":

وفي سنة 1321هـ - 1903م سار بأهله إلى بلدة "المحمودية- مديرية البحيرة" والقريبة من مدينة "دمنهور" فاستقر بها، ولقي عالمها الشيخ الكفيف النابغة محمد محمد زهران، صاحب (مدرسة الرشاد الدينيّة) ومحرر (مجلّة الإسعاد) الشهريّة التي صدرت بين عامي (1920 ـ 1928م) واستعان بمكتبته الزاخرة بأمّات الكتب الدينيّة، وأصبحا صديقين حميمين، يتدارسان العلم والبحث والتحقيق.

*عمل في المحمودية إماما ومأذونا ثانيا فيها، إلا أنه كان يمارس الإمامة تطوعا لوجود إمام وخطيب للمسجد، وكان يقيم دروسا فيه يفيد بها الناس.

*اهتمامه بمسند أحمد وخدمته له:

في سنة 1340هـ أخذ الشيخ أحمد في قراءة مسند الإمام أحمد، وكان قبله قد يسر الله تعالى له قراءة الكتب الحديثية الستة وغيرها؛ فوجده بحرا خِضَمًّا زاخرا بالعِلم والفوائد، وخطر له أن يُرتبه فتهيَّب العمل فيه، لكنه بعد استشارة صديقه وشيخه الوَرِع محمد زهران تشجع على ذلك العمل، فشرع فيه داعيا الله التوفيق والإخلاص والقبول، وأن يعينه على إنجازه.

*وفي نهاية سنة 1351هـ كان قد قرأ المسند أربَعَ مراتٍ؟!

*وفي سنة 1924م توفي والداه.

*هجرته إلى القاهرة نحو سنة 1343هـ؟- 1924م؟:

*في تلك السنة انتقل الشيخ أحمد إلى القاهرة ليدرس ابنه الشيخ حسن في "دار العلوم"، وليتعرف هو إلى علماء الأزهر عن قرب، ويلتقي بالمُحدِّثين الوافدين للقاهرة م أقطار العالم الإسلامي.

وفي القاهرة عكف الشيخ أحمد على مسند أحمد وأضحى شغله الشاغلَ، وأصبح مكتبه في "عطفة الرسام" على ناصية "مسجد الفكهاني" بالغورية -مقصِدَ المُحَقِّقين والمُحَدِّثين، لا يبرحه إلا للصلاة في "مسجد الفكهاني" أو "مسجد المؤيد"، كما عمل في القاهرة مأذونا شروعيا.

ثم دفع بِمُؤلَّفه المُبارك إلى المطبعة القريبة منه على بعد خطوات في "شارع الفحامين" مقابل عطفة الرسام، وكانت تأتيه ملازم الكتاب فيصححها ملزمة ملزمة بنفسه بدقة!

ثم قرأه للمرة الخامسة مع تصحيحه عند الطبع حتى بلغ منتصف الجزء الثاني والعشرين قبيل وفاته، ومنذ أمسك الشيخ أحمد القلم في تأليف "الفتح" لم يتوقف عن العمل فيه إلا في آخر ثلاثة أيام من حياته!

*مرضه ووفاته:

قضى الشيخ جل عمره وهو يعمل في "مسند الإمام أحمد"؛ الذي سَمَّاه "الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني"، وتوفي وهو الجزء الثاني والعشرين منه، ثم صدر في 24 جُزءًا.

وبعد الفاتحة من الركعة الأولى قرأ قوله تعالى: (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور).

وفي الركعة الثانية قرأ: (لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب ... من عزم الأمور).

وبَكَّر ابنه المذكور صبيحة الاثنين بعربة فركبها الشيخ أحمد ومعه الأصول الباقية -(ج 22 -"الفتح الرباني")- وبعض مراجع كتب الحديث، ثم جلس في حجرة النوم، وطلب أن تُصَفَّ المراجع في شُّبَّاكها القريب منه، وجعل يُشير إليها ويتحدث عَمَّا أنجزه حتى ذلك الوقت، وظل طيلة يوم الاثنين يُحدثهم عن نشأته وصِباه وبلدته ...، وهو صحيح مُعافًى، حتى ظن أهله أنه سيعيش طويلا!

وفي يوم الثلاثاء انشغل بربه، وكان يطلب الوضوء وينظر في ساعته عند كل صلاة فيُؤديها بحسب طاقته.

*قبل ظهر الأربعاء لقي ربه راضيا مرضيا عن 77 سنة، وبِضعةِ شُهور.

وشُيِّعَت جنازته من قبل الجم الغفير من الفضلاء وأهل العلم إلى "مسجد الرفاعي" بالقلعة، وأمَّ الناس في الصلاة عليه العلامة الشيخ سيد سابق، ودفن في "قرافة الإمام الشافعي" رحمه الله- بجوار ضريح ابنه الإمام الشهيد حسن البنا رحمهما الله رحمة واسعة.  

*حلية الشيخ أحمد البَنَّا:

كان الشيخ أحمد رحمه الله ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير، قمحي اللون، نحيفا، يتكفأ في مشيته، ويغض بصره، وقد شابت لحيته إلا بعض شعرات سوداء، وكانت ثيابه غليظة متواضعة، يلبس الجبة والقفطان مع العمامة، وكان عليه سكينة ووقار.

وكان الشيخ أحمد البنا -رحمه الله- زاهدا ورعا، راغبا عن الدنيا إلى الآخرة، لا يخوض فيما يخوض فيه الناس، ولا يتقيد بأعمالهم وعاداتهم حتى أنه لم يكن يُقَدِّم ساعته عند التوقيت الصيفي، ويقول: "مالي وللناس، إنما أتعامل مع الله جل وعلا"؟!

*آثاره: أ- من تلاميذه والرواة عنه:

1- الشيخ علي بن إسماعيل المؤيد: فهو ممن أجازه الشيخ أحمد برواية مسند الإمام أحمد، وذكر الشيخ علي تلك الإجازة له، وأجازه بخطه وسنده -من الشيخ أحمد البنا إلى الإمام أحمد- أجاز الأستاذَ عبدَ الرحمن بن أحمد البنا برواية المسند في آخر كتاب "الفتح الرباني" 24/238- 239.

2- محمد زكي الدين إبراهيم. 3- العلامة محمد تيسير المخزومي.

4- العلامة إبراهيم المختار بن أحمد عمر المنيفراوي الأزهري: مفتي إريترية سابقا.

5- العلامة الشيخ حسن المشاط المكي: الذي زاره وقرأ عليه أوائل ترتيبه المسند، واستجاز منه، ووصفه بـ "عالم الديار المصرية".

6- العلامة الشهاب المرعشي النجفي ت 1412هـ.

ب- أولاده: أنجب الشيخ أحمد ثمانية أولاد؛ خمسة أبناء، وثلاث بنات؛ وهؤلاء هم مرتبين مع مواليدهم:

1- حسن: 1324هـ - 1906م. 2- عبد الرحمن :1326هـ - 1908م.

3- فاطمة: 1329هـ- 1911م. 4- محمد: 1331هـ - 1913م.

5- عبد الباسط: 1334هـ - 1915م. 6- زينب: 1337هـ - 1919م، وقد توفيت في تلك السنة نفسها.

7- أحمد جمال الدين: 1339هـ - 1920م.

8- فوزية: 1341هـ - 1923م.

ج- مصنفاته:

1- "الفتح الربَّانِيّ لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني". طبع منه سِتَّةُ مُجلدات، ثم صدر في 24 جزءا، لكن الذي أنجزه الشيخ أحمد منه هو 22 جزءا، وقد وافته منيَّته وهو في ذلك الجزء.

فقام من بعده أستاذ الحديث بالأزهر الشيخ محمد عبد الوهاب البحيري بشرح الجزء المذكور، وهو 22 من مسند الإمام أحمد، واعتذر عن الباقي لانتدابه إلى "جامعة الرياض"؛ لتدريس الحديث فيها.

وبقية الأجزاء قامت بأعمال تمهيدية فيها لجنة مختصين صغيرة.

قام بعد ذلك ابن الشيخ أحمد "جمال البنا" بغربلة تلك الأجزاء كلها ومراجعتها، ووضعها في شكلها الأخير بتوجيه شقيقه عبد الرحمن.

وذُكر أن هذه الموسوعة الحديثية الضخمة تَطَلَّب طبعُها من الشيخ وأبنائه أكثر من (30) عامًا؟ّ!

2- "بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني". وهو شرح لكتابه السابق.

3- "بدائع المِنن في جمع وترتيب مُسند الشافعي والسُّنَن".

4- "القول الحسن في شرح بدائع المِنن- ط". في مجلدين، وهو شرح كتابه المذكور سابقا "بدائع المِنن".

5- "إتحاف أهل السنة البررة بزبدة أحاديث الأصول العشرة".

6- "تنوير الأفئدة الزكية في أدلة أذكار الوظيفة الزروقية".

7- "منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود".

8- "هداية المُقتفي إلى ترتيب مختصر الحصكفي".

9- "تهذيب جامع مسانيد أبي حنيفة".

10- "بُغية المريد شرح جامع المسانيد".

sfsfhhj10722.jpg

الشيخ أحمد البنا وعلى يساره الرئيس المصري محمد نجيب

sfsfhhj10723.jpg

 الصفحة الأولى - الفتح الرباني (238)

من إجازة ش علي بن إسماعيل المؤيد تلميذ الشيخ أحمد

البنا للأستاذ عبد الرحمن بن أحمد البنا برواية مسند الإمام أحمد

sfsfhhj10724.jpg

 الصفحة الثانية - الفتح الرباني (239) من تلك الإجازة

إجازة الشيخ علي المؤيد برواية مُسند أحمد للأستاذ عبد الرحمن البنا،

وفيها ذكر سند الشيخ أحمد البنا المتصل منه إلى الإمام أحمد بن حنبل

المراجع

1- "الفتح الرباني" 24/232- 237، والترجمة كتبها ابنه الأستاذ عبد الرحمن البَنَّا وبعده إجازته في "مسند أحمد" من تلميذ والده الشيخ علي بن إسماعيل المُؤيَّد مُثبَتَةً بِخَطِّه في آخر الترجمة، وآخِر المُجلد 24، وفيها سنده كاملا من الشيخ أحمد البنا الساعاتي إلى الإمام أحمد الشيباني.

2- "الأعلام" للزركلي 1/148، ولم تذكر فيه سنة مولده، كما ذكرت وفاته فيه غامضة وهي: (بعد 1371هـ = بعد 1951م)، كما أنه لم يربط بين الابن وأبيه كعادته؛ فلم يذكر أنه والد الشيخ حسن البنا؟!

3- "الإعلام بتصحيح كتاب الأعلام". للشيخ محمد عبد الله الرشيد 30.

4- "معجم المؤلفين المعاصرين" لمحمد خير يوسف 1/67، نقلا عن "مذكرات الأستاذ جمال البنا في الشرق الأوسط سنة 1423هـ، وقد ذكر في معجم المؤلفين خطأ أن الشيخ البحيري اعتذر عن تصحيح بقية الأجزاء لانتدابه للتدريس في المغرب؛ صوابه: "في جامعة الرياض" كما ذكرته مُصحَّحًا من قبل عن كتاب "الفتح الرباني" 23/3.

5- "جمهرة أعلام الأزهر". أسامة الأزهري 5/297- 298.

6- "أسانيد الأزهريين". لأسامة الأزهري 256- 263.

7- "المحدثون في مصر والأزهر ودورهم في إحياء السنة النبوية الشريفة". د. الحسيني عبد المجيد هاشم، د. أحمد عمر هاشم 313- 317.

8- "ويكيبيديا الإخوان المسلمين؛ إخوان ويكي": أحمد بن عبد الرحمن البنا والفتح الرباني" بقل: جمال البنا.

9- "موسوعة عريق" على الشابكة.

وسوم: العدد 1072